البوصلة الأوروبية تتجه إلى مصر.. شراكة استراتيجية وشاملة بين القاهرة وبروكسل

السبت، 23 مارس 2024 08:00 م
البوصلة الأوروبية تتجه إلى مصر.. شراكة استراتيجية وشاملة بين القاهرة وبروكسل
محمود على

- شراكة استراتيجية وشاملة بين القاهرة وبروكسل تمهد الطريق للمستقبل وانفتاح اقتصادى أوروبى وضخ استثمارات كبيرة 

- رئيسة المفوضية الأوروبية: ثقل مصر السياسى والاقتصادى بموقعها الاستراتيجى فى منطقة مضطربة للغاية يؤكد أن علاقاتنا سوف تزداد 

- الدكتور حامد فارس: القاهرة عمود منطقة الشرق الأوسط.. والاتحاد الأوروبى يسعى لتعزيز التعاون معها فى كل المجالات 

- السفير عمرو رمضان: الدخول فى شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبى تعنى أن مصر مرشحة لجذب استثمارات بالمليارات من دول الكتلة 
 
«لحظة تاريخية وفارقة».. هكذا يمكن أن نصف مشهد توقيع مصر اتفاقية ترفيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبى إلى الشراكة الاستراتيجية والشاملة، بعد أن كشفت تفاصيلها كم العوائد والفوائد الناتجة عنها، بالنسبة للقاهرة وبروكسل، فالزيارة التى أجراها 6 من أبرز قادة دول أوروبا إلى مصر الأسبوع الماضى، تتقدمهم رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبى، ورئيس وزراء بلجيكا الرئيس الحالى للاتحاد الأوروبى، ورؤساء دول وحكومات قبرص وإيطاليا واليونان والنمسا، تعكس محورية الدور الذى تقوم به مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الفترة الأخيرة على كل المستويات، ليس فقط فى القدرة على إحلال السلام والهدوء فى المنطقة والإقليم بأسره، بل فى ريادة منطقة شرق الأوسط بجميع القطاعات والمجالات إذا كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية وأمنية.
 
هذا المشهد الذى تجسد فى لقاءات الرئيس السيسى الثنائية مع قادة وزعماء الدول الأوروبية، وتوقيع اتفاقية ترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى، كان نتاج لنشاط ملحوظ من الدولة المصرية على الصعيد الخارجى خلال السنوات الماضية، لا يمكن تجاهله من أجل تأمين مصالحها فى مختلف الدوائر شرقا وغربا شمالا وجنوبا، معتمدة القاهرة على التنوع والتوازن فى علاقاتها مع مختلف دول العالم.
 
التحرك المصرى النشط نحو توطيد وتعزيز العلاقات مع عدد من دول أوروبا والتوسع فى كل مجالات التعاون بشكل عام والاقتصادى بشكل خاص، توجت الأسبوع الماضى بعقد قمة مصرية أوروبية بالقاهرة، حيث استقبل الرئيس السيسى بقصر الاتحادية كلا من رئيسة المفوضية الأوروبية، ورئيس وزراء بلجيكا رئيس الاتحاد الأوروبى، ورئيس وزراء اليونان، ومستشار النمسا، ورئيس قبرص، ورئيسة وزراء إيطاليا، ناقش خلالها الرئيس أوجه التعاون الاقتصادى والاستثمارى، وكيفية بلورة خطوات محددة بما يضمن الاستفادة من المزايا النسبية لكلا الطرفين بالشكل الأمثل.
 
وبالنظر لما تناولته اللقاءات من مناقشات تكشف رغبة مصر وأوروبا فى التعاون بمجالات توطين الصناعة، ونقل التكنولوجيا والتدريب، والتعاون فى مجال الطاقة، وخاصة انتاج الغاز الطبيعى، والتعاون المصرى القبرصى فى هذا المجال، فضلا عن الاستفادة من الفرص الواعدة التى تقدمها مصر فى مجالات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، والعديد من مشروعات التعاون القائمة والجارى دراستها مع اليونان وبلجيكا والنمسا، فإنها تعكس أهمية ومكانة مصر الإقليمية والدولية، وقدرتها على تعزيز التشارك مع الكثير من دول العالم فى المجالات الاستراتيجية والاقتصادية، فى ظل ما تقدمه القاهرة من تقدم ملحوظ فى مجال إنتاج الطاقة ومواردها سواء كان ذلك من خلال اكتشافات الغاز بمنطقة شرق المتوسط، وإنشاء منظمة «منتدى غاز شرق المتوسط» ومقرها فى مصر أو سعيها الجاد حاليا، لتوطين صناعة الهيدروجين الأخضر، والنهوض بقطاع الطاقة المتجددة، مثل محطات الطاقة الشمسية، وكذا نشاطها فى مجال طاقة الرياح، وإنشاء محطات عملاقة.
 
وشهدت العلاقات المصرية الأوروبية خلال السنوات الماضية تطور غير مسبوق، على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، مرتكزة على تاريخ من التعاون المستمر بين الجانبين، ولم يأتِ هذا التطور فى العلاقات من فراغ، حيث حرصت القاهرة عبر قياداتها السياسية وفى المقدمة الرئيس السيسى على الحرص الدائم فى تنمية وتعزيز أطر التعاون فى مختلف المجالات مع القارة العجوز، فيما تحرك الاتحاد الأوروبى على نفس الخطى حرصا على تطوير العلاقات مع مصر تقديرا لدورها ومكانتها كونها الركيزة الأساسية للاستقرار فى المنطقة وأفريقيا.
 
التنمية المصرية بوابة التعاون مع أوروبا
 
تحرك الاتحاد الأوروبى تجاه تعزيز التعاون مع القاهرة أكثر وأكثر عبر ترفيع العلاقات وتعزيزها وفق أطر عدة، مرتكزا أيضا على الانطلاقة الكبيرة التى تشهدها مصر والتنمية التى تتنامى كل يوم على أرضها وتقف المشروعات العملاقة عليها شاهدا، فما قاله سابقا سفير الاتحاد الأوروبى بالقاهرة كريستيان برجر عن علاقة مصر بالقارة العجوز شرح كيف تنظر أوروبا للقاهرة كلاعب رئيسى فى المنطقة ومهم التعاون معه على كافة الأصعدة، حيث أكد أن مصر «الجار الوثيق للاتحاد الأوروبي»، مفسرا ذلك بأن مصر والاتحاد يتعاونان بشكل وثيق من أجل مواجهة التحديات المشتركة، كما يترأسان حاليا المنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب، وكشف برجر عن أن عام 2022 - 2023 شهد طفرة كبيرة فيما يخص الصادرات المصرية إلى أوروبا مقارنة بعام 2021 وذلك بفضل الصادرات المصرية من الغاز إلى عدد من الدول الأوروبية، واصفا مصر بأنها شريك اقتصادى رئيسى للاتحاد الأوروبى فى منطقة البحر المتوسط، وأكد أن التنمية الاقتصادية المستدامة لمصر أمر بالغ الأهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبى.
 
كلام السفير برجر أعادت التأكيد عليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولان فون ديرلاين التى أعربت عن سعادتها لزيارة القاهرة للاحتفال بإنجاز جديد فى الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبى ومصر، وقالت «مع ثقل مصر السياسى والاقتصادى وموقعها الاستراتيجى فى منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقاتنا سوف تزداد بمرور الوقت».
 
هذه الأحاديث برهنت أيضا فى الإعلان المشترك بشأن الشراكة الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى، حيث اتفق الجانبان على الارتقاء بالعلاقات الثنائية بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة، القائمة على قيم العدالة والاحترام والثقة المتبادلة، وأكد الطرفان، إدراكا منهما للعلاقة التاريخية التى تربطهما منذ آلاف السنين، التزامهما بالاستناد إلى علاقتهما الممتدة والتى شكلتها الروابط الجغرافية والثقافية والسياسية والاقتصادية والشعبية الوثيقة، وبهدف تعميق الاستقرار والسلام والرخاء المشترك بينهما.
 
وأقر الاتحاد الأوروبى بمكانة مصر بوصفها شريكا يعتمد عليه، فضلا عن الدور الجغرافى والاستراتيجى المتفرد والحيوى، الذى تضطلع به مصر بوصفه ركيزة أساسية للأمن والاعتدال والسلام فى منطقة البحر المتوسط والشرق الأدنى وأفريقيا، حيث سيواصل الجانبان العمل على صياغة برنامج عمل إيجابى وتنفيذه لتحقيق الرخاء والاستقرار المشترك، والعمل على التزاماتهما لمواصلة تعزيز الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص، على النحو المتفق عليه فى أولويات الشراكة.
 
نقلة نوعية فى العلاقات
 
من جانبه، قال الدكتور حامد فارس أستاذ العلاقات الدولية إن اتفاقية ترفيع العلاقات بين مصر وأوروبا هى نقلة نوعية فى العلاقات والتعاون بين الجانبين، مؤكدا أن «القاهرة تجنى وتحصد نتيجة سياسة خارجية متزنة متمثلة فى الدبلوماسية الرئاسية ووزارة الخارجية المصرية، اللتين قدمتا نموذجا يحتذى به فى العلاقات الخارجية جعل الكثير من دول العالم تريد أن تنسج شراكات حقيقية مع الدولة المصرية، باعتبار أن هذه الخطوة كانت مبنية على الشراكة التى وقعت على اتفاقية الشراكة ما بين مصر والاتحاد الأوروبى فى 2004».
 
ورأى فارس أن «السنوات الـ 10 الأخيرة شهدت تغيرات حقيقية فى المشهد المصرى الأوروبى وهو ما عكسه مشاركة الرئيس السيسى كأول رئيس عربى شرق أوسطى فى قمة فيشجراد، باعتبارها تنسج شراكات حقيقية مع دول شرق أوروبية»، متحدثا عن تأثير هذا التعاون على ملف الهجرة غير الشرعية كونها من القضايا المهمة والبارزة التى تهتم بها الدول الأوروبية، قائلا«إن أوروبا ترى فى القاهرة القوة والقدرة على السيطرة على حدودها من أجل منع الهجرة غير الشرعية»، معللا بذلك بأنه «منذ عام 2016 لم تخرج أى مركب غير شرعية من السواحل المصرية».
 
وتحدث «فارس» حول دوافع الاتحاد الأوروبى من تعزيز العلاقات مع مصر أكثر فى هذا التوقيت، قائلا: القاهرة تعتبر عمود منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى فالاتحاد الأوروبى يسعى لتعزيز التعاون مع مصر فى كل المجالات خاصة الطاقة، والمجالات الاقتصادية، حيث تعانى الدول الأوروبية من مشاكل اقتصادية كبيرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية».
 
وتوافق مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عمرو رمضان فى الرأى مع دكتور حامد فارس، قائلا إن «القمة المصرية الأوروبية التى استضافتها القاهرة تعد رسالة على المكانة المحورية لمصر باعتبارها ركيزة للأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وتبرز الأهمية الاستراتيجية للقاهرة بالنسبة للاتحاد الأوروبى».
 
أنظار الاتحاد الأوروبى اتجهت إلى مصر كشريك استراتيجى
 
وتأتى زيارة الوفد الأوروبى إلى القاهرة تأكيدا على تعاظم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين بهدف تحقيق المصالح المشتركة، وفق السفير عمرو رمضان الذى لفت إلى أن مصر والاتحاد الأوروبى يرتبطان بعدد كبير من الاتفاقات الاقتصادية، إذ إن الاتحاد يعد واحدا من أهم الشركاء التجاريين لمصر، وأضاف أن القمة المصرية الأوروبية عكست كذلك المكانة الكبيرة التى تتمتع بها القاهرة لدى دول أوروبا، حيث تعتبر مصر الدولة الوحيدة بالمنطقة التى اختارها الاتحاد الأوروبى لترفيع العلاقات معها إلى مستوى العلاقات «الاستراتيجية والشاملة».
 
وتابع رمضان أن مسألة ترفيع وتعزيز العلاقات الأوروبية مع مصر تظهر ثقة الاتحاد الأوروبى فى الاقتصاد المصرى وقوته ومكانته، حيث يحظى الملف الاقتصادى بأهمية كبيرة فى إطار التعاون الاستراتيجى المصرى الأوروبى، منوها إلى أن الاتحاد الأوروبى ينظر إلى مصر باعتبارها شريكا استراتيجيا فى مجال الطاقة، خصوصا فى ضوء الدور المحورى للقاهرة بمنتدى غاز شرق المتوسط، فضلا عن الجهود الحالية لتعظيم الدور المصرى كمركز إقليمى للطاقة الخضراء بالمنطقة، وأبرز أن القمة المصرية الأوروبية لها دلالات وأهمية كبيرة فى ظل السياق الإقليمى الذى تمر به منطقة الشرق الأوسط خلال الوقت الراهن، حيث يسعى الجانبان إلى تعزيز المصالح المشتركة، ومواجهة التهديدات والتحديات بالمنطقة، معتبرا أن القمة تمثل فرصة عظيمة لتعزيز أوجه التعاون فى مواجهة حالة الاضطراب الإقليمى الراهنة، موضحا أن القمة تساهم فى دفع العلاقات الثنائية، وتطوير الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء فى مختلف المجالات، وعلى رأسها العلاقات السياسية، ومكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادى، وملفات الطاقة والصناعة والتكنولوجيا والتعليم والهجرة.
 
وحول دخول مصر فى شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبى، قال السفير عمرو رمضان إنها «تعنى أن مصر مرشحة لجذب استثمارات بالمليارات من دول الكتلة، وأن الأمر لن يقتصر على منح أو مساعدات فقط، بل من المتوقع تدفق استثمارات بقطاعات واعدة مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، مجددا التأكيد على أن مصر توفر مقومات الاستثمار التى تحرص عليها أوروبا خاصة بقطاع الطاقة الجديدة والمتجددة، علاوة على الميزة النسبية للدولة وقدرتها على إنتاج الهيدروجين، حيث ينصب الاهتمام الأكبر للاتحاد الأوروبى على هذا النوع من الاستثمار».
 
غزة فى الصدارة
 
وعقدت القمة المصرية الأوروبية فى وقت تعيش فيه المنطقة توترا كبيرا خاصة ما يشهده قطاع غزة من عدوان إسرائيلى بجانب الاضطرابات بمنطقة البحر الأحمر، وهو ما دفع مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى تأكيده بأنه يعتبر نجاح مصرى فى بناء توافقات مع القادة الأوروبيين حول التطورات الإقليمية، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بالأوضاع فى الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن «الاتحاد الأوروبى يعول كذلك على دور مصر فى دعم استقرار منطقة الشرق الأوسط، وتهدئة الأوضاع المشتعلة فى قطاع غزة، فضلا عن أن هناك تقديرا أوروبيا كبيرا للجهود التى بذلتها، ولا تزال، القاهرة فى التخفيف عن السكان المدنيين فى القطاع من خلال الحرص على استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة».
 
ونبه مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عمرو رمضان إلى أن مصر استعرضت خلال القمة الجهود التى تبذلها والرامية لحل الأزمة فى قطاع غزة، مع تأكيد أهمية التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور شامل ومتكامل يضمن حقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، لافتا إلى أن القمة المصرية الأوروبية أطلقت نداء بضرورة توحيد الرسالة للمجتمع الدولى لإبراز أن معاناة الشعب الفلسطينى لن تتوقف سوى بالاعتراف بدولة فلسطين ومنحها العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة والعمل على تنفيذ حل الدولتين وفقا للمرجعيات الدولية، معتبرا أن المواقف المصرية الأوروبية شهدت توافقا حول القضية الفلسطينية، ورفض الخطط الإسرائيلية لشن هجوم عسكرى على مدينة رفح الفلسطينية، فضلا عن رفض التهجير القسرى، والمطالبة بوقف إطلاق النار، والتأكيد على ضرورة التكاتف للتعامل مع الأزمة الإنسانية بالقطاع.
 
وذكر عمرو رمضان، أن الاتحاد الأوروبى ينظر إلى مصر على أنها أكبر دولة أفريقية، وهى صمام الأمان فى المنطقة، حيث تلعب القاهرة أدوارا محورية فى حلحلة كل أزمات المنطقة، مضيفا أن أوروبا تثق تماما فى قدرة الدولة المصرية على تحقيق الاستقرار الإقليمى، كما تعى أهمية القاهرة بالنسبة لكل بلدان القارة العجوز خاصة فيما يتعلق بالتعاون فى مجالات الطاقة ومكافحة الهجرة غير الشرعية، موضحا أن ملف الهجرة غير الشرعية يأتى على أجندة التعاون الاستراتيجى بين الاتحاد الأوروبى ومصر التى يعتبرها الاتحاد شريكا مهما، ويعول عليها كثيرا فى الحد من هذه الظاهرة ومكافحتها، وقال عمرو رمضان «إن أنظار الاتحاد الأوروبى اتجهت إلى مصر كشريك إقليمى واستراتيجى، نظرا لما تتمتع به من تاريخ طويل من التعاون فى مكافحة الهجرة غير الشرعية وحسن إدارة الحدود مع جيرانها».
 
وتسلط التحديات الإقليمية والدولية الضوء على أهمية تعزيز الحوار السياسى بين الجانبين من خلال عقد قمة كل عامين تجمع رؤساء كل من مصر والمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبى، على أن تعقد القمة بالتناوب بين القاهرة وبروكسل، بالإضافة إلى اجتماع مجلس المشاركة السنوى بين مصر والاتحاد الأوروبى، والذى يشكل حجر الزاوية للمشاركة الثنائية بين الجانبين، وذلك فى إطار اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى، فضلا عن أنشطة التعاون القائمة التى تضم مصر والدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
 
وفيما يخص التعاون الاقتصادى، أبدى الاتحاد الأوروبى استعداده لدعم أجندة التنمية المصرية لعام 2030 لضمان استقرار الاقتصاد المصرى الكلى على المدى الطويل والنمو الاقتصادى المستدام، وذلك وفقا للأولويات التى حددها الجانبان وأهداف الإصلاح الواردة فى أجندة التنمية المصرية، وسيدعم التمويل، وسيواكب التقدم المحرز فيما يتعلق بتلك الأولويات والأهداف المحددة بشكل مشترك، وهو الأمر الذى من شأنه أن يطلق العنان لاستثمارات القطاع الخاص بكل طاقته وهذا بدوره سيساعد على تخفيف التأثير الناجم عن الأزمات الدولية والإقليمية الحالية، بما يصب فى صالح الاستقرار والأمن المشترك لكلا الجانبين.
 
كما أعلن الاتحاد الأوروبى استعداده لدعم الاقتصاد المصرى على ضوء ما تواجهه مصر من ضغوط متزايدة على ميزان المدفوعات والنابعة من البيئة الاقتصادية العالمية، بما فى ذلك الزيادة الحادة فى تكاليف الاقتراض، حيث يفيد هذا الدعم مصر إذ سيكون مكملا لتمويل صندوق النقد الدولى وسيدعم مصر فى تنفيذ سياسات اقتصادية تهدف لتأكيد المصداقية، وتعزيز الثقة، وفتح الباب أمام تدفقات رؤوس الأموال الخاصة، مؤكدا الاتحاد الأوروبى استعداده لتوفير الدعم لمصر لتلبية احتياجات استقرار الاقتصاد على المدى القصير، واحتياجات التنمية الاقتصادية على المدى المتوسط وعلى المدى القصير.
 
وأكد الاتحاد الأوروبى التزامه القوى بتعزيز مجالات التعاون مع مصر فى قطاعات متعددة للاقتصاد الحديث، بما فى ذلك الطاقة المتجددة الهيدروجين المتجدد، والتصنيع المتقدم، والزراعة، والأمن الغذائى، والربط و التحول الرقمى، والأمن المائى، وإدارة المياه، حيث ستجذب هذه القطاعات ما يصل إلى 5 مليارات يورو من الاستثمارات الأوروبية المدعومة بضمانات الصندوق الأوروبى للتنمية المستدامة وخطة الاستثمار الاقتصادى، كما سيدعم الاتحاد الأوروبى جهود مصر المستمرة لتعزيز بيئة الأعمال والاستثمار بها لتسهيل تدفقات التجارة والاستثمار وبما يتماشى مع التزاماتها الدولية، وخاصة التزاماتها نحو الاتحاد الأوروبى، كما أن الاتحاد الأوروبى على استعداد لدعم مؤتمر الاستثمار الدولى المقرر عقده هذا العام حيث سيؤدى تعزيز التبادل التجارى بين مصر والاتحاد الأوروبى إلى تعزيز بيئة الأعمال بصورة شاملة و دعم الاستثمارات العامة والخاصة، كما سيمكن الدعم الأوروبى مجتمع الأعمال الأوروبى من الاستفادة من الإمكانيات الاستثمارية المتاحة فى مصر، بما فى ذلك الامتيازات التى توفرها قناة السويس باعتبارها أهم ممر تجارى وبحرى يربط بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التى من شأنها تعزيز دور مصر فى سلاسل إمداد الاتحاد الأوروبى، ولديها من الإمكانيات لجذب صناعات للاتحاد الأوروبى إلى مصر.
 
تعاون كبير بين القاهرة والاتحاد الأوروبى
 
وبلغت قيمة الاتفاقيات التى وقعتها مصر مع الاتحاد الأوروبى - بما فى ذلك وكالاته المنفذة وبنوك التنمية العامة وبنك الاستثمار الأوروبى والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية - 12,8 مليار دولار خلال الفترة (2020 - 2023)، فى حين تأتى التمويلات المرتقبة من أوروبا إلى مصر والتى قدرت 7.4 مليار يورو (8.08 مليار دولار) تهدف إلى دعم الاقتصاد المصرى، فى إطار سلسلة متواصلة من التعاون بين مصر وفريق أوروبا منذ سنوات، حيث احتل بنك الاستثمار الأوروبى خلال الفترة 2020-2023، الصدارة بتقديمه تمويلات بقيمة 4 مليارات و699 مليون دولار، تركزت على النقل، وشبكات المياه والصرف الصحى، والبيئة، فيما قدرت قيمة مشروعات البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية 3 مليارات و457 مليون دولار، واستهدفت مشروعات النقل، والتنمية المحلية، وكفاءة الطاقة، والنفايات الصلبة، والمياه والصرف الصحى، والرى، كما قدمت فرنسا تمويلات بقيمة مليارى و641 مليون دولار لمشروعات النقل ودعم الميزانية، والكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة والبنزين، والإسكان الاجتماعى، وشبكات المياه والصرف الصحى، والمرأة، والتعليم، والتعليم العالى، والأمن الغذائى، والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والبيئة.
 
وقدرت التمويلات المقدمة من إسبانيا بـ867 مليون دولار، وتركزت بمشروعات النقل، والزراعة، والتموين، والرى، والمرأة، والشباب، والحوكمة، وقدمت ألمانيا 644 مليون دولار لمشروعات الزراعة، والكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة، والإسكان الاجتماعى، وشبكات المياه والرى والصرف الصحى، والتعليم، والبيئة، والحوكمة، والتجارة والصناعة، والمرأة، والهجرة، والتنمية الاجتماعية، والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتغذية المدرسية، وقدمت مفوضية الاتحاد الأوروبى تمويلات بقيمة 371 مليون دولار، وتركزت على مشروعات فى قطاعات الزراعة، الإمداد، الرى، الإسكان الاجتماعى، شبكات المياه والرى والصرف الصحى، المرأة، التضامن، القطاع الخاص، المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، الحوكمة، التجارة والصناعة، الصحة، وقدمت النمسا تمويلات بقيمة 10 ملايين دولار لقطاعات النقل والإسكان والمياه والرى، وقدمت إيطاليا تمويلات بقيمة 26 مليون دولار لقطاعات التجارة والصناعة، والأمن الغذائى، والتعليم، والزراعة، والمجتمع المدنى.
 
الانفتاح على كل الأطراف الدولية
 
 لم يكن النشاط المصرى الأوروبى خلال الأيام الأخيرة، والذى تكلل بالوصول بالعلاقة إلى محطات أخرى فارقة هو الأول من نوعه، فمنذ أن وصل الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى السلطة وهو يواصل مساعيه نحو تعزيز التعاون مع دول قارة أوروبا، وكان له فى فبراير من العام الماضى نشاط ملحوظ نحو توطيد وتعزيز العلاقات مع عدد من دول أوروبا الشرقية والتوسع فى كل مجالات التعاون بشكل عام والاقتصادى بشكل خاص، فى إطار استكمال التوجه المصرى فى إنشاء تحالفات قوية اقتصادية وسياسية مع كل الأطراف الدولية وذلك لدعم المصالح والسياسات المصرية.
 
وعكست اللقاءات التى عقدها الرئيس السيسى مع قادة وزعماء دول رومانيا وكرواتيا العام الماضى، مدى تقدير دول شرق أوروبا ورؤيتهما لدور مصر فى استقرار المنطقة وأهميتها الاقتصادية المتنامية، فى المقابل تمثل دول أوروبا الشرقية مجتمعة سوقا يضم عشرات الملايين، والمنطقة وصل نسبة النمو فيها نحو 5%، وتتمتع بقدرة عالية فى التصنيع والتصدير، حيث تُصنع الكثير من السيارات الأوروبية الراقية فى المجر و رومانيا، وبفضل مرونتها الاقتصادية والدعم المقدم من الاتحاد الأوروبى لديها الكثير من التجارب الناجحة فى قطاع الاستثمار، وهو ما سعت مصر للاستفادة منه فى ظل تطور العلاقات مع عدد من دول شرق أوروبا.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق