في مجال الطاقة.. مصر تتحول إلى قاعدة لإمداد أوروبا باحتياجاتها من الغاز
الإثنين، 18 مارس 2024 12:12 ص
يمثل تحول مصر تحديدًا إلى قاعدة لإمداد القارة الأوروبية باحتياجاتها من الغاز الطبيعي أمراً مهما وحيويًا للطرفين، حيث إن هذا الأمر يعطي للدول الأوروبية قدراً كبيرا من الاستقلالية في مواجهة موردي الطاقة الرئيسيين لهم وعلى رأسهم بالتأكيد روسيا، كما يمنح للدولة المصرية والدول المنتجة المحيطة بها فرص تعظيم صادراتها من الغاز الطبيعي لدول الاتحاد الأوروبي.
في هذا الإطار، حيث تبذل مصر جهوداً ومساعي كبيرة لتعظيم قدرات البنية التحتية للطاقة على مستوى الدولة المصرية بأكملها، وذلك بهدف تداول ونقل وتصدير الربط مع الدول الأخرى ودول الجوار، وهو ما يأتي في إطار تصور مصر في أن تكون مصدرًا رئيسيا للطاقة الكهربائية من موارد جديدة ومتجددة للعديد من دول الجوار.
وعليه اتخذت الشراكة المصرية الأوروبية صورًا عديدة، والتي كان من ضمنها اتفاق لزيادة صادرات الغاز بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، حيث وقعت كل من مصر والاتحاد الأوروبي وإسرائيل في يونيو من عام ۲۰۲۲ مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف إمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي عبر محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، حيث تسعى القارة الأوروبية لسد جزء من احتياجاتها من الطاقة عبر إمدادات الغاز القادمة من إفريقيا ومنطقة شرق البحر المتوسط لتعويض واردات الغاز الروسي.
و أصبحت القاهرة ضمن الحلول الجاهزة للغاز الأوروبي ،حيث أنه على الصعيدين الإقليمي والعالمي تسبب إعلان اكتشافات الغاز الطبيعي في حوض البحر المتوسط في لفت الانتباه بصورة كبيرة إلى الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه دول شرق المتوسط وبالأخص الدولة المصرية لما تمتلكه من قدرات هائلة في صناعة الغاز الطبيعي) في سوق الطاقة العالمية، وإذا كانت نسبة تلك الاكتشافات تبدو محدودة (مقارنة لما تمتلكه المنطقة من احتياطيات كبيرة قياسا مع مناطق إنتاجية أخري من العالم حوالي 2%، فإن الموقع الاستراتيجي للمنطقة قد رفع من حضورها في أسواق الغاز العالمية، في ظل تمتعها بميزة الموقع الجغرافي المفصلي، ومع ما يتركه ذلك من انعكاسات إيجابية في حسابات النقل والتصدير، وبالأخص إلى دول الاتحاد الأوروبي والذي أدت صراعاته المزمنة مع المزود الرئيس له أي موسكو واستغلاله الطاقة كورقة ضغط سياسية مستمرة إلى ضرورة البحث عن حلول بديلة وآمنة تتيح لدول الاتحاد الأوروبي التخلص التدريجي من الهيمنة الروسية على إمدادات الغاز الأوروبية. ومن هنا ظهرت مصر ضمن حلول الاتحاد الأوروبي في توفير ممرات مستدامة وآمنة من الغاز.
وفي إطار البحث عن بدائل آمنة كانت المصالح والأهداف المشتركة بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة حلا استراتيجيا لمفهوم أمن الطاقة الأوروبي. تعد المصالح والأهداف المشتركة بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة حلا استراتيجيا لمفهوم أمن الطاقة الأوروبي، ويعتبر من اكبر المشترين للغاز المسال المصري، حيث تمتلك مصر عناصر قوة متعددة، وعليه فإن حصيلتها الجيواستراتيجية تعد كبيرة نسبيًا مقارنة بدول شرق المتوسط الرئيسية، حيث تمتلك مصر بنية تحتية ضخمة في صناعة الغاز الطبيعي، وتتكون البنية التحتية للغاز في مصر من منشأتين للغاز الطبيعي المسال الأولي في مدينة دمياط 60 كيلومترًا غرب مدينة بورسعيد بسعة إنتاجية حوالي 750مليون قدم مكعبة يوم، والثانية منشأة إدكو (50) كيلومترًا شرق الإسكندرية وبسعة إنتاجية حوالي 1.35مليار قدم مكعبة يوم.
وجاءت القفزة الكبري في تاريخ صناعة الغاز المصرية بعد اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات اقتصادية ضخمة في منطقة شروق (حقل ظهر على بعد حوالي 190كيلومترًا قبالة الساحل الشمالي المصري، وباحتياطيات كبيرة مؤكدة من الغاز الطبيعي والتي قدرت بحوالي 30 تريليون قدم مكعب، ويُمثل إنتاجه حوالي 40% من إجمالي إنتاج مصر الكلي من الغاز الطبيعي بعد عام واحد فقط من بداية إنتاجه أعلنت مصر اكتفاءها الذاتي من الغاز الطبيعي).
حقول الغاز المصرية في شرق المتوسط تعد الأكبر في أحواض الغاز في المنطقة, التي اكتشفت على عتبة أوروبا القريبة، وهذا يجعل دول الاتحاد الأوروبي السوق الفضلي والأكثر تناغما وقربًا بصفته السوق الرئيسية.
وعززت مصر من دورها كمركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، وذلك باعتبارها حلا جاهزاً لتلبية جزء مهم من الطلب على الغاز الطبيعى لدول الاتحاد الأوروبي وذلك إثر التحديات الناجمة عن أزمة الطاقة العالمية، فقد سعت القاهرة على استغلال المقومات التنافسية التي تتمتع بها لتطويع أزمة الطاقة ومواجهتها وتعزيز التعاون الإقليمي، وهو ما أسفر عن تتويج تلك الجهود بزيادة صادرات الغاز من مصر إلى الأسواق الأوروبية، وذلك عبر محطات الإسالة وتصدير الغاز بما يقارب مرة ونصف خلال عام 2023، في مؤشر قوى على تعزيز مصر لمكانتها الإقليمية فى مجال الطاقة كمركز محوري لاستقبال الغاز الطبيعي من شرق المتوسط وإعادة تصديره إلى الأسواق الخارجية وعلى الأخص الأسواق الأوروبية.
وتمتلك مصر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، مما يجعلها تحتل مكانة مرموقة بين أعلى الدول الإفريقية من حيث الاحتياطيات (الترتيب الثالث)، حيث تقدر احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي بنحو 2.1 تريليون متر مكعب، وعليه يمكن القول بإن تلك الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي تجعل لمصر دور محوري في سوق الطاقة العالمية, مما يجذب جذب الاستثمارات المحلية والدولية في قطاع الغاز الطبيعي، هذا بجانب الإصلاحات القانونية والتنظيمية الأخيرة في مصر التي عكست مدى التفاني لجذب وتأمين الاستثمارات في الغاز الطبيعي.
ولذلك وضعت مصر خطط استكشافية مكثفة بغرض الاستفادة من تلك الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي، وحفر حوالي 35 بئرًا استكشافيًا خلال الأعوام المقبلة باستثمارات حوالي 1.5 مليار دولار.
وحققت مصر معدلات وأرقامًا قياسية على مدار السنوات الماضية في قطاع الغاز الطبيعي، وذلك بداية من البحث والاستكشاف والإنتاج والتصدير، حيث يشكل التطور الذي تحقق في نشاط استقبال ونقل وتوزيع الغاز الطبيعي قيمة مضافة ويأتي مواكب الما يتم تحقيقه في قطاع الغاز الطبيعي من اكتشافات وتنمية وإنتاج، ويأتي حفاظ مصر على أحجام الغاز المصدرة مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي بفضل العديد من العوامل ومنها:
1-زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية في قطاع البحث والاستكشاف عن الغاز الطبيعي، وطرح العديد من المزايدات العالمية، وذلك لأن ترسيم الحدود خلق حالة من الاستقرار في المنطقة ومزيد من التعاون الإقليمي بين دول المنطقة.
2 - مستويات الإنتاج المحلي المرتفعة، وذلك بعد تطوير وتنمية العديد من حقول الغاز الطبيعي المصرية في منطقة شرق المتوسط.
3- إعادة تشغيل محطة الإسالة في دمياط، والتى باتت تؤدي دورًا مهما في تصدير عدة شحنات من الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق الأوروبية، وقد شكلت تلك المحطات في دمياط والبحيرة نقطة تحول رئيس في تحول قطاع الغاز الطبيعي المصري إلى قوة إقليمية وعالمية في المنطقة، وبمثابة نقطتي ارتكاز وسبق قويتين في مشروع تحويل مصر لمركز إقليمى لتجارة وتداول الطاقة ما فتح آفاقًا جديدة نحو تعظيم دور مصر في تجارة وتخزين وتداول الغاز الطبيعي، وتحقيق عائدات لصالح الاقتصاد المصرى وتأمين إمدادات الطاقة للسوق المحلى ومشروعات التنمية.