أحياء عند ربهم يرزقون..
مفتى الجمهورية: للشهيد فضلًا كبيرًا لا يُقاربه فضلٌ وله الشفاعةَ في سبعين من أقاربه (3)
السبت، 09 مارس 2024 10:00 ممنال القاضي
فضل الله عز وجل الشهداء واختصهم دون غيرهم وبشرهم بالجنة، لأنهم ابتغوا وجه الله دفاعا عن الأرض والعرض والكرامة، وقال تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا بل أحيا عند ربهم يرزقون".
والدولة المصرية تدرك قيمة الشهداء وما بذلوه من أجل الوطن، لذلك خصصت التاسع من مارس من كل عام، يوماً لاحياء ذكرى الشهيد، وقال الدكتور شوقي علام مفتى الجمهورية إن مسيرة الشهداء هي تأكيد لتجربة تلاحم الأمة المصرية جيشيا وشعبا في خوضهم بغزة وشرف معركة الدفاع عن الوطن، فانتصرت مصر وعلت كلمتها وأزالت بانتصارها المجيد في أكتوبر 1973م آثار الهزيمة وقوضت خطط العدو التوسعية.
وشدَّد المفتي على أن الأخذ بالأسباب والتوكُّل على الله وحسن التخطيط والاستعداد والتضحية هو ما يؤدِّي إلى الفوز والنصر، وتحقيقهما لا يكون إلا لمن تدرب وخطط وأخذ بالأسباب، لافتاً إلى أن تلاحم أبناء مصر وتكاتفهم، بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم، خلال حرب السادس من أكتوبر، وتضحياتهم من أجل حماية هذا الوطن، كان سببًا رئيسًا في تحقيق نصر العاشر من رمضان، فكان الجميع -سواء أكانوا محاربين أم مواطنين- على قلب رجل واحد، وكان الجميع يهتف بصيحات الله أكبر، سواء في داخل البيوت أو على جبهات الحرب.
وأردف المفتي: وهذا التلاحم هو ما نحتاج إليه في تلك المرحلة؛ من تضافر لجهود المصريين جميعًا على كافة المستويات، كي نصل بمصرنا إلى التنمية الشاملة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، لتتبوأ مكانتها المستحقة بين الأمم.
وعن المشككين في خيرية الجيش المصري والأحاديث التي وردت وتحدثت عن خيريته، قال المفتي: إن هؤلاء يرددون كلامًا باطلًا من الناحية العلمية والواقعية، فالأحاديث الواردة في خيرية الجيش المصري ثابتة وصحيحة، وأنا أدعو المشاهدين أن ينفضوا عن أنفسهم كل هذه الأكاذيب التي ليس لها أساس من الصحة، مؤكدًا أن هذه المقولات المشككة في خيرية الجيش المصري العظيم لم تتردد إلا بعد أحداث ثورة يونيو 2013، فالجيش المصري العظيم انحاز لإرادة شعبه في جميع التغيرات السياسية، وهذا الانحياز لم يعجب البعض فأخذ يشكك في وطنية الجيش المصري الذي يقف بجانب الشعب على مدار التاريخ.
وبيَّن المفتي أن الأحاديث التي تشهد بأن هذا الجيش في خير وعافية إلى قيام الساعة هي شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشمل كلَّ من انتسب إلى هذا الجيش، فخيرية الجيش المصري لم تأتِ من فراغ وإنما نتيجة إرادة صادقة لرجال أوفياء، موضحاً أن جيش مصر يحتل مرتبة عليا وراقية في هذه الخيرية عقيدةً وقيادةً وجندًا عبر الأزمنة والقرون؛ حيث ورد وصفُهم بذلك على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ وذلك فيما رواه عمرو بن العاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا فَتَحَ عَلَيْكُمْ مِصْرَ؛ فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا؛ فَذَلِكَ الْجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الْأَرْضِ»، فقال أبوبكر الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة».
وشدَّد المفتي على أن الشهادة في سبيل الله رتبة عظيمة للغاية ليس دونها رتبة، وللشهيد منزلة كبيرة عند الله تعالى، ومكرمة عالية، ورزق كريم نظير تقديمه أغلى ما عنده، وهو الجود بنفسه وروحه وحياته في سبيل الدفاع عن الأرض والعِرض، وإبقاء القيم والأخلاق، وتكريس العدالة والسلام، وصون البلاد من المعتدين، وحفظ عزة الأوطان وكرامتها، وتعزيز الاستقلال والحرية، وتحقيق سيادة الدول وحماية مكتسبات الشعوب، واندحار العدوان والظلم.
وأكد المفتي على أن للشهيد فضلًا كبيرًا لا يُقاربه فضلٌ ؛ فإن له الشفاعةَ في سبعين من أقاربه، كما جاء في السنن عن المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: وذكر منها: وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ».وقالت دار الافتاء أن الشهداء على ثلاثة أقسام؛ الأول: شهيد الدُّنيا والآخرة: الَّذي يُقْتَل في المعركة والدفاع عن الأوطان، وهو المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قاتلَ لِتَكُونَ كلِمةُ اللهِ هيَ الْعُليا فهوَ في سبيلِ اللهِ» متفقٌ عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وتسمى هذه الشهادة بالشهادة الحقيقية.
والثاني: شهيد الدُّنيا: وهو مَن قُتِلَ كذلك، ولكنه قُتِلَ مُدْبِرًا، أو قاتل رياءً وسُمعةً، ونحو ذلك؛ فهو شهيد في الظاهر وفي أحكام الدنيا.
والثالث: شهيد الآخرة: وهو مَن له مرتبة الشهادة وأجر الشهيد في الآخرة، لكنه لا تجري عليه أحكام الشهيد من النوع الأول في الدنيا مِن تغسيله وتكفينه والصلاة عليه؛ وذلك كالميِّت بداء البطن، أو بالطَّاعون، أو بالغرق، أو الهدم، ونحو ذلك، وهذه تُسمَّى بالشهادة الحُكْمية.
وخصصت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة لـ «فضل الشهادة وواجبنا نحو أسر الشهداء»، حيث تناولت فضل الشهادة في سبيل الله (عز وجل) وأنها منزلة من أسمى المنازل، وغاية من أجل الغايات التي لا تتحقق إلا لصفوة الله سبحانه وتعالى من خلقه، وقال تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، وأنها منحة الله تعالى لأحب خلقه إليه بعد الأنبياء والصديقين، يقول (جل وعلا): {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، ولذلك فإن من رزقه الله سبحانه وتعالى الشهادة ، ورأى فضلها ، وبلغ منزلتها ، يتمنى لو يرجع إلى الدنيا ، فيستشهد مراتٍ، ومراتٍ، يقول : ( صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ.
وأضافت وزارة الأوقاف: واجبنا نحو أسر شهدائنا أن نوفر لهم الحياة الآمنة المستقرة، فقد استشهد آباؤهم من أجل أن يوفروا لنا هذه الحياة، وأن نحسن تأهيل أبنائهم، وإنزال الأكفاء المنزلة التي يستحقونها، وأن رعاية أسر الشهداء تعد من العرفان بالجميل، والاعتراف بالفضل، ومجازاة لبعض حقوقهم الواجبة علينا، وعلينا أن نعلم علم اليقين أن تضحيات شهدائنا تاج على جبين الوطن، وعلى جبين كل مصري مخلص لوطنه.