ماذا بعد صفقة مشروع تنمية رأس الحكمة؟

السبت، 02 مارس 2024 08:00 م
ماذا بعد صفقة مشروع تنمية رأس الحكمة؟
هبة جعفر

- ضربة قاضية لمافيا الدولار والذهب.. ومصر فى طريقها إلى سد الفجوة التمويلية 

- أول مشروعات تنمية الساحل الشمالى طبق مبدأ الشراكة ويوفر 1.5 مليون فرصة عمل وإضافة 8 مليون سائح سنويا

- التطوير يشمل إنشاء مدن ذكية متعددة وتحويل ساحل المتوسط إلى مدن سكنية وليست مصيفية

- الصفقة أثبتت أهمية البنية التحتية التى أسستها الدولة على مدار سنوات وفائدة القطار الكهربائى فائق السرعة من السخنة حتى السلوم
 
 
«رأس الحكمة» صفقة للتاريخ تمت فى التوقيت الصحيح لتغيير مسار الدولة وقلب الأوضاع الاقتصادية، وأثبتت قدرة ومرونة الاقتصاد المصرى على تفادى الصدمات والخروج منها بشكل أقوى.
 
وجاء الإعلان عن المشروع باستثمارات تقدر بقيمة 35 مليار دولار، ليؤكد على عدة رسائل اقتصادية مهمة، بأن مصر قوية ولا تنهزم، وأن هناك قدرات استثمارية ضخمة تمتلكها الدولة ويمكن استغلالها بكل قوة.
 
ومنذ الإعلان عن الصفقة التاريخية شهدت مؤشرات الاقتصاد المصرى تأثيرات إيجابية ساهمت فى انتعاش السوق المصرى، خاصة مع التأكيد على أنها ليست الصفقة الأولى والأخيرة، لكنها بداية لمزيد من الاستثمارات الكبرى بمنطقة الساحل الشمالى الغربى وفقا لمخطط الدولة الذى تضمن إنشاء مدن متكاملة ذكية وليس مناطق مصيفيه، فمن المنتظر فى القطاع العقارى خلال الفترة المقبلة الاستغلال الأمثل والاستثمار الأفضل للعديد من الأصول المصرية، سواء التى تملكها الحكومة، أو تملكها بعض الشركات ومنها شركات قطاع الاعمال العام وذلك عن طريق الشراكات أو الاستحواذ بنسب متفاوتة.
 
ووضع مشروع رأس الحكمة، البالغ مساحتها 170 مليون متر مربع مقابل 24 مليار دولار إضافة إلى تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية لاستخدامها فى مشاريع رئيسية، مصر فى قلب حركة الاستثمار العالمى، وسلطت عليها الضوء بشكل غير مسبوق، وباتت محطة كبيرة لأنظار كبار المستثمرين، سواء فى القطاع العقارى أو السياحى، خاصة فى ظل تقديم الحكومة لمجموعة من الحوافز الهامة والجاذبة للمستثمرين، لا سيما فى ظل الصراع الكبير على جذب الاستثمار فى المنطقة، علاوة على تفعيل الشباك الواحد وتفعيل الحجز الإلكترونى بشكل كبير، وأن يكون سريعا وليس مجرد شكل فقط وإجراءات بطيئة، بالإضافة إلى منح الرخصة الذهبية للمشروعات التنموية فى بعض المناطق وفق الاشتراطات التى وضعتها الحكومة مع توسيع قواعد منح الرخصة الذهبية.
 
وساهمت الصفقة فى تحقيق العديد من المزايا الاقتصادية والاجتماعية للدولة، منها سد الفجوة التمويلية والاقتراب من تنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، ويعتبر توفير السيولة الدولارية هى الأهمية الأكبر للصفقة، حيث تمكن الدولة المصرية من سد الفجوة الدولارية التى تقدرها الحكومة بنحو 30 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، فمن المقرر أن يتم ضخ 35 مليار دولار فى القطاع المصرفى المصرى خلال الشهرين المقبل، ما يلبى الاحتياجات الدولارية المعطلة خلال الفترة الماضية.
 
وتمكن عوائد المشروع الدولة من القضاء على السوق غير الرسمية للدولار، حيث انهارت الأسعار وكانت بمثابة ضربه للمسيطرين على السوق، وتحقيق استقرار القطاع المصرفى، بتوحيد سعر الصرف، وهو ما يعنى العودة للتعامل مع البنوك الرسمية خاصة من جانب المصريين بالخارج الذين تراجعت تحويلاتهم بشكل ملحوظ وذلك بعد وقف نشاط المضاربين تماما.
 
ومن أهم البنود التى تضمنتها تفاصيل الاتفاقية تخفيض الدين الخارجى ممثلا فى الودائع الإماراتية المقدرة بـ11 مليار دولار، فور إعلان الحكومة المصرية عن توقيع الاتفاق تطوير منطقة رأس الحكمة والتى تصل استثماراتها إلى 150 مليار دولار، كما سيتاح المبلغ كسيولة للبنك المركزى من أجل استخدامه للتعامل مع مشكلة النقد الأجنبى والتى نعانى منها حاليا، وهو ما سينعكس إيجابا على تحسين التصنيف الائتمانى لمصر.
 
كما تعتبر الصفقة واحدة من أهم صفقات الاستثمار الأجنبى، ليس فقط فى قيمتها المالية، وإنما أيضا فى اتباعها مبدأ الشراكة، بمعنى ضخ أموال فى صورة استثمارات مباشرة بالعملة الأجنبية وأيضا مبادلة جزء من الديون بإحلالها بقيمة استثمارية، بالإضافة إلى الحصول على نسبة من الأرباح السنوية تقدر بـ35%، فضلا عن توفير الملايين من فرص العمل المباشر وغير المباشر تقدر بـ1.5 مليون فرصة عمل، إضافة إلى تنشيط المصانع المحلية للدعم اللوجستى والخدمات المتخصصة، وهو ما يساهم فى دفع عجلة الإنتاج المحلى، ما يقلل فاتورة الواردات، وربما تصبح بداية جديدة لزيادة صادرات مصر من بعض المنتجات.
 
ويعتبر الاستثمار الأجنبى إحدى الأدوات لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، فكلما زاد الاستثمار الأجنبى خاصة لو فى شكل شراكات مع الدولة أو القطاع الخاص أدى ذلك إلى مزيد من النتائج الإيجابية سواء بحل أزمة العملة أو المساهمة فى نمو القطاع الخاص، الذى يكتسب مزيدا من الخبرات نتيجة الاحتكاك بالمستثمرين الأجانب، ومن المتوقع أن يأثر على زيادة حجم التصنيع والإنتاج وهو ما يخفف فاتورة الواردات، وتخفيف الطلب على العملة الصعبة، ومن الممكن فى حال زيادة الإنتاج أن ننتقل إلى التصدير ومن ثم يصبح مصدر مهم لزيادة الحصيلة الدولارية للدولة المصرية، كما أنه ينعكس على زيادة معدلات النمو وتحسين مؤشرات الاقتصاد فى الدولة الأم، بنسبة تقدر بـ12% فى العام.
 
ويمثل هذا الاستثمار خطوة محورية نحو ترسيخ مكانة رأس الحكمة كوجهة رائدة من نوعها لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركز مالى ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادى والسياحى فى مصر، لذلك من المتوقع أن يكون هذا المشروع بداية لجذب مزيد من الاستثمارات التى تبحث عن الوجهات الواعدة فى العالم، والاستفادة من الحوافز التى تمنحها الحكومة المصرية للمستثمرين الأجانب.
 
وأعدت الحكومة المصرية مخططا استثماريا متكاملا لتنمية الساحل الشمالى الغربى وفقا لأسس ومعايير تخطيطية، تتضمن الاستغلال الأمثل للأراضى وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية والعمل على استيعاب الزيادة السكانية، وتنمية منطقة رأس الحكمة على رأس المشروعات فى الساحل الشمالى كجزء من مخطط الدولة المصرية 2052 لجعل المدينة على خريطة السياحة العالمية ومنطقة جذب لـ8 ملايين سائح سنويا، وذلك من خلال تعزيز الأنشطة السياحية منها سياحة السفارى واليخوت والسياحة الشاطئية والبيئية بعوائد تصل إلى 50 مليار دولار سنويا بما يدعم مصادر النقد الأجنبى، وتضمن المخطط بناء مجتمعات عمرانية متكاملة ذكية وليس مدن سياحية صيفية موسمية، ولذلك فإن المخطط حدد مدن رأس الحكمة، والنجيلة وسيدى براني، وجرجوب كمدن جديدة يتم إنشاؤها، بالإضافة إلى مطروح والسلوم حتى تكون لدينا سلسلة من المدن الجديدة التى تمتلك بنية أساسية متطورة، ولذلك فإن المخطط حدد مدن رأس الحكمة، والنجيلة وسيدى برانى، وجرجوب كمدن جديدة يتم إنشاؤها، بالإضافة إلى مطروح والسلوم حتى يكون لدينا سلسلة من المدن الجديدة التى تمتلك بنية أساسية متطورة..
وأكدت الصفقة بشكل قاطع على جدية الدولة المصرية فى تمكين الاقتصاد الخاص ودعم دوره فى النمو الاقتصادى والتوظيف، وحرص الدولة على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، حيث يتيح المشروع تدفقات استثمارية وضخ 150 مليار دولار من الجانب الإماراتى كاستثمارات.
 
وأثرت الصفقة بشكل مباشر فى الأسواق المصرية وتراجع سعر الخام الأصفر بشكل كبير وسجل التراجع أكثر من ألف جنيه فى الجرام فقبل الصفقة كان السعر 4200 جنيه وتراجع حتى سجل 3000 ألف جنيه، كما تراجع سعر الحديد بقيمة 14 ألف جنيه، وتراجعت أسعار العديد من السلع الغذائية الأخرى.
 
ومع توقيع الصفقة ظهرت أهمية البنية التحتية التى أسستها الدولة على مدار السنوات الماضية من قيام الدولة بإنشاء الطريق الساحلى الدولى ليضم 10 حارات فى كل اتجاه، وفائدة القطار السريع الكهربائى فائق السرعة الذى تقوم الدولة بتنفيذه من السخنة وحتى السلوم، وأن كل ما قامت به الدولة يهدف إلى خدمة دولة فى المستقبل، جمهورية جديدة مخططة تخطيط علمى مدروس، لذلك تم التركيز على مشروعات البنية الاساسية الكبيرة، التى يتم تنميتها ومنها أيضا مشروع «الضبعة» الذى يهدف إلى توليد طاقة نظيفة لخدمة هذه المدن باعتبارها مدن مستدامة وخضراء، فى إطار فكر التغيرات المناخية، فهذه المدن فى المستقبل ستعتمد على الطاقة النظيفة.
 
وسيتضمن المشروع أحياء سكنية لكل المستويات، وفنادق عالمية على أعلى مستوى، ومنتجعات سياحية، ومشروعات ترفيهية عملاقة، بالإضافة إلى جميع الخدمات العمرانية، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والمبانى الإدارية والخدمية، وكذا منطقة حرة خدمية خاصة تحتوى على صناعات تكنولوجية وصناعات خفيفة وخدمات لوجستية لخدمة المدينة، فضلا عن إنشاء حى مركزى للمال والأعمال من أجل استقطاب الشركات العالمية لتكون موجودة فى هذه المدينة.
 
وستحتوى المدينة على مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية الموجودة فى البحر المتوسط، كى تستفيد منها، تم الاتفاق على أنه سيتم تطوير وإنشاء مطار دولى جنوب المدينة. وتوقع بنك جولدمان ساكس، أن تسهم التدفقات الاستثمارية فى تغطية الفجوة التمويلية لمصر خلال الأربع سنوات المقبلة، والتى سبق وقدرها البنك بنحو 25 مليار دولار.
 
تخفيف حدة الضغوط على طلب الدولار، سيسهم فى تقليص سعر الدولار فى السوق الموازية، ويتوقع أن يشهد مزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة، بما يسمح للبنك المركزى بخفض «متواضع نسبيا» لسعر الجنيه الرسمى، ما قد يسهل التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لزيادة برنامج التمويل الموقع فى ديسمبر 2022 لأكثر من 3 مليارات دولار، ويتوقع أن تبلغ القيمة الجديدة ما بين 7 إلى 10 مليارات دولار.
 
كما يتوقع أن يتراجع أيضا سعر الذهب فى مصر، فى حال استمر تراجع الدولار فى السوق الموازية، حيث انخفض سعر الجرام عيار 21 بنحو 150 جنيها ليسجل 3300 جنيه، بعد الإعلان عن تفاصيل المشروع وتراجع سعر السوق السوداء. وهناك تأكيدات اقتصادية بأن توافر الدولار فى البنوك لسداد الالتزامات والتوصل لاتفاق مع صندوق النقد، سيسهم فى تخفيف أزمة تكدس شحنات البضائع فى الموانئ المصرية، ما ينتج عنه زيادة المعروض من السلع فى الأسواق وكبح التضخم والسيطرة على ارتفاع الأسعار.
 
سد الفجوة التمويلية
 
وقال الخبير المصرفى أحمد معطى، إن سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصرى انخفض تدريجيا فى السوق الموازية منذ الإعلان عن صفقة رأس الحكمة من مستوى 56 جنيها إلى مستويات بين 45 و50 جنيها، وهى أدنى مستويات سجلها الدولار فى السوق الموازية منذ شهور طويلة، متوقعا استمرار تراجع الدولار فى السوق الموازية خلال الفترة المقبلة مع استلام الدفعة الأولى من الصفقة، مما سينعكس على سد الفجوة التمويلية لمصر، وتغطية الطلب على النقد الأجنبي، لافتا إلى أن إتاحة سيولة دولارية فى السوق المحلى بعد استلام قيمة صفقة رأس الحكمة سيدفع حائزى الدولار إلى التخلص منه، ما سيخفض من حجم الطلب المرتفع على الدولار، وكذلك سيسرع من خطوات البنك المركزى المصرى لتخفيض سعر العملة بمستويات تتراوح بين 40 و45 جنيها، وهى أقل من المستويات المتوقعة قبل الصفقة بسبب الوفرة الدولارية المرتقبة فى السوق الرسمى.
 
وتواجه مصر أزمة نقص فى النقد الأجنبى منذ مارس من عام 2022، بسبب خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بأكثر من 20 مليار دولار، وتأثر موارد مصر من النقد الأجنبى بسبب الحرب الأوكرانية وكذلك الحرب فى غزة، ما دفعها إلى خفض قيمة الجنيه أمام الدولار بأكثر من 50%، والحكومة ستركز على استخدام عوائد صفقة أرض رأس الحكمة فى سداد التزامات البلاد الخارجية، وهى على رأس أولويات الدولة للحفاظ على سمعتها الدولية فى الالتزام بسداد فوائد وأقساط الديون، كما ستستخدم جزء من الحصيلة فى توفير السلع الأساسية والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وتوفير سيولة لتحويلات أرباح المستثمرين والشركات الأجنبية.
 
وأوضح معطى، أن توافر السيولة من النقد الأجنبى سيسهم فى سرعة استئناف الاتفاق مع صندوق النقد الدولى لأن الصفقة تعد رسالة قوية على قدرة الاقتصاد المصرى على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وهى إحدى أهم العوامل التى تركز عليها المؤسسات الدولية فى التعاون مع الحكومة المصرية.
 
مسار منخفض لسعر الذهب 
 
من جهته، أكد إيهاب واصف، رئيس شعبة صناعة الذهب والمجوهرات والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات، أن سعر الذهب اتخذ مسار منخفض منذ الإعلان عن الصفقة وتنفيذ صفقات استثمارية كبرى بسبب توقعات حائزى الذهب تراجع الأسعار، ما دفعهم لعرض ما بحوزتهم للبيع، وبالتالى انعكس على زيادة حجم المعروض فى الأسواق، لينخفض سعر جرام الذهب بقيمة 450 جنيه خلال الـ72 ساعة الماضية.
 
وتوقع واصف استمرار انخفاض أسعار الذهب فى السوق المصرى مع زيادة حجم المعروض من المشغولات الذهبية والسبائك فى الأسواق بشكل لافت منذ الإعلان عن صفقة رأس الحكمة، وانخفاض سعر صرف الدولار أمام الجنيه فى السوق الموازية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق