الحلم الملعون..
حكومة الاحتلال تلاحق الفلسطينين في كل شبر بغزة لتنفيذ خطة التهجير الإجرامية ونسف قضية العرب الأولى
السبت، 17 فبراير 2024 07:00 ممحمود علي
- حلم المجرمين قديم بدأ بمذبحة «دير ياسين» وتحاول تل أبيب تطبيقه باقتحام رفح الفللسطينية.. مصر تقف سداً منيعاً وتتصدى بقوة للمخطط الإسرائيلى
يعيش العالم في حالة من الصدمة مؤخراً، جراء ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من مجازر وحشية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل في قطاع غزة، آخرها الجريمة التي شهدتها مدينة رفح الفلسطينية الاثنين الماضي، وأسفرت عن ما لا يقل عن 100 شهيداً، بينهم أطفال ونساء، إضافة إلى إصابة المئات، لترفع تلك المجزرة عدد الشهداء إلى ما يقارب 29 ألف شهيدًا منذ اندلاع الحرب، والإصابات إلى 69 ألف.
وبات واضحاً من كم المجازر والجرائم التي ترتكب في جنوب غزة وخاصة بمدينة رفح الفلسطينية، أن هناك تصميم إسرائيلي على المضي قدماً في خطط الاحتلال لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، والإصرار على اقتحام المدينة برياً رغم كل الاعتراضات الإقليمية والدولية التي عكست حجم الرفض لكافة الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة مؤخراً، والتي أسفرت عن أكبر أزمة إنسانية في العالم خلال العقود الماضية.
وتجاهلت إسرائيل العواقب الوخيمة لعمليتها في مدينة رفح الفلسطينية، ففي يوم واحد أطلقت قوات الاحتلال أكثر من 40 غارة على 40 هدفاً على رفح، أسفرت عن عدد كبير من الشهداء والجرحى، لتضرب بهذه الممارسات عرض الحائط التحذيرات الدولية من وقوع تداعيات كارثية ناتجة عن حرب الإبادة المرتكبة بحق سكان غزة النازحون أقصى جنوب القطاع، وهي تحذيرات أطلقتها دول إقليمية، على رأسها مصر التي عبرت عن طريق وزارة الخارجية عن رفضها الكامل لشن عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، محذرة من العواقب الوخيمة لمثل هذا الإجراء، لاسيما في ظل ما يكتنفه من مخاطر تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة.
تهجير الفلسطينيين وضياع الدولة الفلسطينية حلم إسرائيل التي لم «تتنازل عنه»
تتلخص كافة التصريحات الإسرائيلية حول أن الهدف من شن عملية عسكرية موسعة على مدينة رفح الفلسطينية، هو القضاء على حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقربة منها في غزة تماماً، لكن الواقع يختلف تماماً عن ذلك وهو ما يكشفه تصريحات أطلقت من جانب وزيرين بالحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، التي يدعوان فيها بشكل صريح إلى "هجرة" الفلسطينيين من غزة، وإعادة بناء مستوطنات على هذه الأراضي الفلسطينية.
وتعود فكرة التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم منذ عقود من الزمان، وتحاول إسرائيل على فترات أن تنفذ هذا المخطط بشكل كامل وهو ما يتضح من حجم التهجير الذي شهدته دولة فلطسين التاريخية خلال القرن الماضي، فوفقا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني بلغ عدد الفلسطينيين الموجودين في أراضي ما يُعرف اليوم بـ"دولة فلسطين"، أي في الضفة الغربية وغزة، 5.48 ملايين شخص حتى عام 2023، ما يُشكِّل قرابة 38% من نسبة الفلسطينيين الذين بلغ عددهم 14.5 مليون شخص حول العالم، وهو ما يؤكد أن 62% من الفلسطينيين يعيشون خارج أراضيهم في الوقت الحالي.
وبدأت عمليات التهجير القسري للفلسطينيين، خلال حرب عام 1948 (النكبة) وما تبعها من حملات تهجيرية واسعة للسكان الأصلين حتى عام 1949، بالإضافة إلى حرب يونيو عام 1967 (النكسة)، معتمدة العصابات الإسرائيلية المتطرفة على ارتكاب المجازر في بعض القرى الفلسطينية، لدفع سكانها الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فما ارتكبته العصابات الإسرائيلية من مجازر وجرائم في أربعينات وستينات القرن الماضي تواصل حكومة نتنياهو المتطرفة فعله اليوم، فقبل 76 عاماً ارتكب الاحتلال أبشع جريمة إرهابية في صفوف المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ في قرية دير ياسين الفلسطينية الواقعة غربي القدس، لتكون تلك المذبحة النموذج الأساسي للتهجير، حيث واصلت بعدها العصابات الإسرائيلية عملية الاستيطان في القرية وأعاد اليهود البناء فوق أنقاض المباني الأصلية وأسموا الشوارع بأسماء مقاتلين الارجون الذين نفّذوا المذبحة.
اليوم ترتكب سلطات الاحتلال مذبحة أخرى، بل مذابح ربما أشد فتكاً من التي ارتكبوها أجدادهم في دير ياسين، ولكن الهدف واحد، وهو التصميم والإصرار على تنفيذ عملية التهجير، والأسباب المنطقية هي تصفية القضية الفلسطينية والابتعاد أكثر عن تحقيق حلم وحقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته على حدود 67، من منطلق أن قيام الدولة الفلسطينية سيكون خطراً قومياً على الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى ذلك فأن هناك سبباً أخر عكسه تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وهو تنفيذ أكبر عملية استيطان في تاريخ الأراضي المحتلة وتوسيع خريطة نفوذ إسرائيل لتتجاوز حتى فلسطين بأكملها.
رفض مصري قوى لمحاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين
وتقف مصر بشكل حازم ضد كل المحاولات الإسرائيلية الساعية إلى التهجير، فمنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، وجاء موقف مصر واضحا أمام العالم لمن يروجون لحلول بديلة ويضغطون لتمريرها، عنوانها «لن نقبل بغير الحل العادل، والعالم لا يجب أن يقبل استخدام الضغط الإنساني، للإجبار على التهجير"، كما أكدت مصر، وتجدد مراراً وتكراراً على التشديد، على الرفض التام، للتهجير القسري للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضي المصرية في سيناء.
رسائل مصر الواضحة والرافضة للتهجير بتأكيدها أنها "لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية"، دفع الكثير من الدول الكبرى إلى اتخاذ موقف أشد حزما ضد المخططات الإسرائيلية الساعية إلى تنفيذ حملات التهجير ، حيث قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق إن الولايات المتحدة ترفض نزوح الفلسطينيين خارج أراضيهم، معرباً عن التقدير البالغ للدور الإيجابي الذي تؤديه مصر والقيادة المصرية بهذه الأزمة.
وحرصت مصر على إجهاض مخططات المروجين بأن تكون سيناء هي "الوطن البديل" للفلسطينيين، بتأكيد رفض تصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية، أو أية محاولات للتهجير قسريًا من أرضهم، أو أن يأتي ذلك على حساب دول المنطقة، ووجهت القيادة السياسية رسالة للعالم ناصحة بأن حل القضية الفلسطينية، ليس التهجير وليس إزاحة شعب بأكمله لمناطق أخرى، بل أن حلها الوحيد، هو العدل بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في تقرير المصير، والعيش بكرامة وأمان، في دولة مستقلة على أرضهم مثلهم مثل باقي شعوب الأرض.
والرئيس عبد الفتاح السيسي، كان أول من فطن للأهداف الإسرائيلية، لذلك كان أول من تحدث عن هذه المخططات فور بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، وأكد أن مصر لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، مؤكدا رفض مصر القاطع لتصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل من خلال تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، وضرورة العمل على التهدئة بما يتيح المجال أمام فتح المسار السياسي وصولا إلى حل الدولتين، الذي يمثل الطريق الوحيد نحو السلام العادل والدائم في المنطقة.
واستطاع الرئيس السيسي بقيادته الرشيدة إحباط مخطط التهجير القسري لسكان قطاع غزة، وتوطينهم في سيناء وما كان سيتبعه من تصفية كاملة للقضية الفلسطينية بل واتساع دائرة الحرب وتداعيات ذلك على الأمن القومي المصري والعربي، ووقف الرئيس السيسي حائط صد أمام دعوات الاحتلال الإسرائيلي لتجبر القوى الدولية على تبنى وجهة النظر المصرية.
ومؤخراً، طالبت مصر عبر وزارة الخارجية بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية، التي باتت تأوي ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع. واعتبرت أن استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلى في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، في انتهاك واضح لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة.
وأكدت مصر على أنها سوف تواصل اتصالاتها وتحركاتها مع مختلف الأطراف، من أجل التوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار، وإنفاذ التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين، داعيةً القوى الدولية المؤثرة إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل للتجاوب مع تلك الجهود، وتجنب اتخاذ اجراءات تزيد من تعقيد الموقف، وتتسبب في الإضرار بمصالح الجميع دون استثناء.
العرب يقفون سداً منيعاً لرفض مخططات التهجير
العرب بدورهم أكدوا موقفهم الثابت أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي، برفضهم بشكل قاطع أي محاولات لتهجير الفلسطينيين وهو ما عكسته تصريحاته الصادرة حول العملية البرية المحتلة في مدينة رفح جنوب غزة، حيث أصدرت كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر والأردن ومجلس التعاون الخليجي تحذيرات، بعد إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلية عزمها دخول قواتها إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وحذرت وزارة الخارجية السعودية، في بيان لها من تداعيات اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلية لمدينة رفح في جنوب قطاع غزة، واصفةً ذلك بأنه "أمر بالغ الخطورة"، موضحة بيان الخارجية السعودية أن "رفح باتت الملاذ الأخير لمئات الآلاف من المدنيين الذين أجبرهم العدوان الإسرائيلي الوحشي على النزوح"، مؤكدًا "رفض المملكة القاطع وإدانتها الشديدة لترحيلهم قسريًا، ومجددًا مطالبتها بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار"، فيما أطلقت وزارة الخارجية الأردنية تحذيرات مماثلة من "من خطورة إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ العملية العسكرية، مجددة "رفض الأردن المطلق لتهجير الفلسطينيين داخل أرضهم أو إلى خارجها"، مشددًا على "ضرورة إنهاء الحرب على القطاع والتوصل لوقف فوري لإطلاق النار يضمن حماية المدنيين وعودتهم إلى أماكن سكنهم، ووصول المساعدات إلى جميع أنحاء القطاع".
كما أدانت قطر وسلطنة عمان والإمارات والكويت ولبنان التهديدات الإسرائيلية باقتحام مدينة رفح، محذرين من "وقوع كارثة إنسانية في المدينة التي أصبحت ملاذا أخيرا لمئات الآلاف من النازحين داخل القطاع المحاصر".