ثوابت مصرية واضحة في مواجهة الانفلات الإسرائيلي

الأحد، 11 فبراير 2024 11:15 ص
ثوابت مصرية واضحة في مواجهة الانفلات الإسرائيلي
يوسف أيوب

مصر تملك القوة والإرادة والاصطفاف الشعبى خلف القيادة السياسية وقادرة على الدفاع عن مصالحها وسيادة أرضها وحدودها
المنطقة على شفا كارثة حقيقية ما لم يتم تغليب صوت العقل والحكمة وتتراجع إسرائيل عن العمليات العسكرية الوحشية ضد المدنيين العزل فى القطاع 
القاهرة ستواصل تحركاتها لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة والتوصل إلى هدنة ممتدة والإفراج عن الأسرى والمحتجزين وإنهاء الأزمة الإنسانية 
 
بنيامين نتنياهو أو يوآف جالانت، كلاهما وجهان لعملة واحدة، الأول رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية، والثانى وزير الدفاع فى نفس الحكومة، ورغم ما قيل عن خلافات بينهما بشأن تطورات الأحداث فى قطاع غزة، لكن الحقيقة الوحيدة الباقية أمامنا، أنهما يعملان بسياسة توزيع الأدوار، خاصة كلما اشتد الخناق حولهما.
كل الشواهد، تقول إن نتنياهو، وكل من قرر البقاء معه فى الحكومة المجرمة، لا هم لهم اليوم سوى الخروج بأقل الخسائر، فالملاحقات القضائية الداخلية والدولية فى انتظار خروجهم من مناصبهم، بل أن هناك ملاحقات قضائية بدأت بالفعل ضدهم، وهم فى مناصبهم الحكومية، لذلك فإنهم يتفننون يوما وراء الآخر فى كتابة سيناريوهات، تقيهم الملاحقة والمسئولية، وأيضا تمنحهم تعاطفا إسرائيليا داخليا، يكون مساندا لهم فى المستقبل، خاصة أن وضعهم السياسى والجنائى بات على المحك.
من ضمن السيناريوهات التى يلجأ لها دوما نتنياهو، اللجوء إلى الكذب، من خلال توزيع اتهامات وأحاديث مرسلة هنا أو هناك، عله يشتت الانتباه عن جرائمه وهزائمه التى يلاقيها فى قطاع غزة أمام الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم، والقابضين على قضيتهم، حتى ولو كانت أرواحهم هى النتيجة.
كل يوم يطلق نتنياهو كذبة هنا، وكذبة هناك، وحينما انكشفت خطته، دخل وزير دفاعه يوآف جالانت على الخط عله ينقذ رئيسه، وينقذ نفسه أيضا، لكن جالانت، لم يكتف بالكذب، وإنما أتخذ لنفسه خطا جديدا، يعتمد على إطلاق تصريحات عنترية، جاءت على عكس ما توقع جالانت، لأنها كشفت عن حجم ما تعانيه الدولة العبرية من عجز عن تحقيق أى انتصار فى المعركة التى تخوضها، وهو ما بدا أولا بالتلويح باستخدام السلاح النووى، ودعوات التهجير، ليأتى وزير دفاع الاحتلال بأحدث حلقات العنترية الإسرائيلية عندما تحدث أن الهدف التالى، المتمثل فى العملية البرية، منطقة رفح.
ومن ضمن الأكاذيب التى رددها نتنياهو ومن خلفه أعضاء حكومته، أنهم ناقشوا مع مصر ترتيبات خاصة بمحور صلاح الدين «فيلادلفيا»، وهو أمر كذبه مصدر مصرى رفيع المستوى، بقوله إنه لم تتم مناقشة أى ترتيبات مع الجانب الإسرائيلى، بشأن محور صلاح الدين «فيلادلفيا»، وغير مقبول أى تحركات من جانب تل أبيب، كما اعتبر الخطط الإسرائيلية لاحتلال المحور بمثابة «خط أحمر»، يضاف إلى الخط الأحمر، الذى يحذر برفض التهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء.
آخر هذه الأكاذيب، ما قاله جالانت، إن إسرائيل، ستواصل العمليات فى جنوب القطاع، وتحديدا فى رفح، وأنها تهدف لإعادة احتلال محور فيلادلفيا، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة، لنعرف من أى أرضية يتحدث الوزير الإسرائيلى.
الحقيقة أن جالانت، يتحدث من أرضية عبثية، أساسها الوحيد، أن حكومة نتنياهو أمام صعوبة أو تراجع فرص تحقيق أهدافها فى الحرب على غزة، وكلما لا يحقق الجيش الإسرائيلى ما كان يصبو إليه أو يعد به شعبه من استعادة الرهائن أو القضاء على حماس، فيضطر كل مرة للاشتباك مع أحد أطراف المنطقة، وعلى رأسها مصر، علاوة على التصريحات الإعلامية، التى يتم الرد عليها بقوة من القيادة والدولة المصرية، وأن احتلال محور فيلادلفيا خط أحمر، مثله مثل التهجير خط أحمر.
ومفهوم لنا لماذا يكذب الإسرائيليون فى هذه النقطة تحديدا، ولماذا يكررون القول إنهم يريدون السيطرة على الحدود، فهم يريدون تحويل الأنظار عن خيبتهم، وهذه المرة خيبتهم أكبر، بعدما أكدت تقارير إسرائيلية وأمريكية، أن مصدر السلاح الذى بحوزة حماس، جاء من القواعد العسكرية الإسرائيلية، ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن مسئولين عسكريين وأمنيين إسرائيليين قولهم، إنه لسنوات تستخدم حماس الأنفاق على الحدود ما بين القطاع وإسرائيل لتهريب الأسلحة، ووفقا لخبراء أسلحة ومسئولى استخبارات إسرائيليين وغربيين، فإن حماس تسلح عناصرها «بأسلحة مسروقة من القواعد العسكرية الإسرائيلية».
هذا جزء بسيط من الأسباب التى تقف خلف منصة الأكاذيب والتصريحات العنترية الإسرائيلية، فالهدف هو التغطية على ما حدث ويحدث داخل إسرائيل، حتى وإن كان ستار التغطية هو الكذب والإدعاء.
وللعلم فإن الإسرائيليين حينما أطلقوا أكاذيبهم الخاصة بتسهيل عبور الإسلحة من خلال الحدود المصرية مع قطاع غزة، فإنهم كانوا يدركون قبل غيرهم أنهم كاذبون، لأن محور فيلادلفيا، الذى يشكل شريطا عازلا بين مصر والقطاع، ويبلغ طوله نحو 14 كيلومترا، وعرضه بضع مئات من الأمتار، هو المنطقة الأكثر تأمينا على الحدود، لكن ما العمل إذا كان الإسرائيليون وجدوا أنفسهم فى ورطة، لا مخرج لهم منها سوى الكذب!
لكن أيا ما كان الكذب الإسرائيلى، فإن مصر، وكما هى العادة لا تترك شاردة إلا وترد عليها، حتى لا يتحول الكذب بمرور الوقت إلى ما يشبه القاعدة، لذلك أعلنت الدولة المصرية، رفضها التام لأى محاولات إسرائيلية لانتهاك الاتفاق الموقع بين القاهرة وتل أبيب بخصوص «محور فيلادلفيا»، كما كررت القاهرة للإسرائيليين تأكيدها برفض إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة أو حتى تقليص مساحته، مع التأكيد على أن الشعب الفلسطينى، هو الوحيد المعنى بتحديد شكل المستقبل للقضية الفلسطينية والوضع فى غزة.
هذه التأكيدات المصرية، أو إن شئت قل «الخط الأحمر المصرى الجديد»، كان هذه المرة شديد الوضوح، لأن القاهرة أدركت منذ البداية الرغبة الإسرائيلية فى الطعن فى المواقف المصرية تجاه القضية الفلسطينية، وهى المواقف التى حظيت بإعجاب العالم كله، مواقف سياسية، تمكنت من خلالها انتزاع هدنة ونجحت فى تمرير صفقة تبادل أسرى بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى، كما شددت على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، ورفض أى تحركات إسرائيلية من شأنها تصفية القضية الفلسطينية وأجهضت مخطط التهجير، لذلك كان الرد المصرى هذه المرة شديد الوضوح، سواء بتأكيد الخارجية، أن «مصر تضبط وتسيطر على حدودها بشكل كامل»، وأن تلك المسائل «تخضع لاتفاقيات قانونية وأمنية بين الدول المعنية»، أو فيما أكده مصدر مصرى مسئول بأن مصر لم ولن تدخل فى تفاهمات مع إسرائيل بشأن أى ترتيبات مستقبلية لمحور فيلادلفيا.
وهنا تبرز مجموعة من النقاط، التى يجب أن تكون واضحة للجميع، ليس إسرائيل فقط، وإنما كل ما يعنيه الأمر، مرتبطة أساسا بالمواقف المصرى تجاه الأكاذيب، التى تخرج من إسرائيل يوميا.
الأمر الأول، أن الموقف المصرى واضح، وخلاصته أن أى تحرك إسرائيلى باتجاه إعادة احتلال محور فيلادلفيا سيؤدى إلى تهديد خطير وجدى للعلاقات المصرية - الإسرائيلية، وأن ذلك يعد خطا أحمر، يضاف إلى الخط المعلن سابقا بخصوص تهجير الفلسطينيين من غزة.
الأمر الثانى، أن إسرائيل إذا ما كانت بالفعل حريصة على علاقات متوازنة مع مصر، فإن على حكومتها وكل المسئولين الإسرائيليين الالتزام بالحكمة فى التصريحات، خاصة ما يخص المنطقة الحدودية مع مصر، وأن يوقنوا أن مصر ليست بالدولة التى من السهل الدخول معها فى مساجلات إعلامية بشأن قضية تعد من قضايا السيادة والأمن القومى، لأن الأمن القومى المصرى، لا يخضع للمساومة فى أى وقت وتحت أى ظرف.
الأمر الثالث، أن مصر بما تملكه من قوة وإرادة وأيضا اصطفاف شعبى خلف القيادة السياسية، قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها فى أيدى مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار.
الأمر الرابع، أن مصر لم ولن تتوانى فى الحفاظ على أمنها القومى، وأن أى تحرك إسرائيلى، يجب أن يضع هذا الإعلان الصريح نصب عينيه حتى لا تختلط التقديرات فى هذا التوقيت الحساس.
الأمر الخامس، أن مصر تبذل جهودا مضنية مع الشركاء والأطراف المعنية، للتوصل إلى هدنة مستدامة فى قطاع غزة، ووقفا للعمليات العسكرية، بما يحول دون تدهور الأوضاع عما هى عليه الآن، خاصة مع الظروف الإنسانية الكارثية التى يعانى منها الفلسطينيون، وأن الأكاذيب الإسرائلية، لن تثنى القيادة المصرية عن هذا المسار.
الأمر السادس، أن المنطقة برمتها على شفا كارثة حقيقية ما لم يتم تغليب صوت العقل والحكمة، وتتراجع إسرائيل عن العمليات العسكرية الوحشية ضد المدنيين العزل فى قطاع غزة، ومن قبل ذلك تدرك الأوزان الحقيقية لدول المنطقة.
الأمر السابع، على المجتمع الدولى ألا يقف صامتا تجاه ما يحدث، سواء فى غزة، أو فى البحر الأحمر، وألا يصمت أمام الأكاذيب الإسرائيلية، بل عليه أن يمارس ضغوطا إضافية على إسرائيل، لوقف العمليات العسكرية، والامتناع عن التلويح بتطوير الموقف العسكرى، حتى لا تنطلق شرارة مواجهات فى المنطقة بأسرها.
الأمر الآخر المهم، أن القاهرة ستواصل مساعيها الدءوبة، لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، من خلال بذل قصارى جهدها للتوصل إلى هدنة بقطاع غزة والإفراج عن الأسرى والمحتجزين وإنهاء الأزمة الإنسانية بالقطاع، فقد سبق وطرحت القاهرة منذ فترة قريبة إطارا لمقترح لمحاولة تقريب وجهات النظر بين كل الأطراف المعنية، سعيا وراء حقن الدماء الفلسطينية، ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وإعادة السلام والاستقرار للمنطقة، يتم بموجبه تبادل الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين على مراحل، وتكثيف الدعم الإنسانى للأشقاء فى القطاع، والهدف المصرى، هو إنهاء القتال فى غزة، والحفاظ على حياة الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق