نظمت القاعة الرئيسية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55 ندوة تحت عنوان "التراث الثقافي وترسيخ الهوية المصرية"، بحضور كل من الدكتور أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والدكتور حلمي النمنم، وزير الثقافة الأسبق، والنائب عمرو عزت، والدكتورة نهلة إمام، مستشارة وزير الثقافة لشؤون التراث اللامادي، وذلك بالتعاون مع شباب تنسيقية الأحزاب. فيما أدار الندوة النائب نادر مصطفى.
في البداية، قام حلمي النمنم بتهنئة الدكتور أحمد بهي الدين وفريق العمل على نجاح معرض القاهرة الدولي للكتاب، وعبّر عن شكره لتنسيقية شباب الأحزاب، مُشيدًا بالدور السياسي الذي تلعبه وإثبات وجودها في الشارع المصري.
وأشاد النمنم بثبات ورسوخ الهوية المصرية، مُظهرًا عمقها في التاريخ. أكد أن مصر قد مرت بالعديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، ورغم ذلك تظل قوية وقادرة على التغلب على التحديات. استعرض نموذجًا لذلك في نكسة عام 1976 وكيف نجحت مصر في تجهيز جيش قوي والفوز في حرب أكتوبر 1973. أكد على أهمية الثقة في الهوية كوسيلة لتحقيق النجاح في التغلب على الأزمات.
وأضاف أن هذه الثقة تأتي من عمق التاريخ والموقع الجغرافي لمصر، حيث يمتد التاريخ المكتوب لأكثر من 7000 سنة، والتاريخ غير المكتوب يمتد لمئات الآلاف من السنين. وأشار إلى أهمية جغرافية مصر ونهر النيل، الذي يمر في 13 دولة، ولكن مصر هي البلد الوحيد الذي استفاد منه بشكل إيجابي، محولًا إياه إلى مصدر للزراعة والتنمية، بينما بقية الدول تواجه تحديات مختلفة.
فيما أكد النائب عمرو عزت تأثر هويتنا بالعولمة وتكنولوجيا المعلومات، قائلاً: "مصر هي مهد الحضارة، ولكن التراث المصري يمر بأزمة ثقافية بسبب العوامل المتعلقة بالعولمة وتكنولوجيا المعلومات."
وحدد "عزت" عدة توصيات للخروج من هذه الأزمة من خلال نشر الوعي والثقافة في مختلف أنحاء مصر من خلال مشروع وطني. مشدداً على ضرورة وجود مشروع ثقافي يواجه التحديات المتعلقة بالعولمة، ويقف ضد الثقافات التي تتعارض مع الهوية الثقافية المصرية ولا تتماشى معها. دعا أيضاً إلى استخدام دور الثقافة وتنظيم دورات تدريبية لتعزيز الهوية، وإعادة النظر في التراث المصري.
من جانبه، قال الدكتور أحمد بهى الدين: "الهوية تتأرجح بين أمرين مهمين، بين الثبات والحيوية. الثبات يشكل قلقًا كبيرًا، لأن الثقافة المصرية أنجبت ثقافة حية، حيث جاءت مصر ثم جاء الإنسان. يجب علينا أن نفرق بين طبيعة الحضارة الإنسانية والحضارة المصرية. ينبغي لنا البحث عن الهوية داخلنا. عندما كنا ندرس الأدب الشعبي، كان علينا أن نتعمق في علم المصريات وعمق العديد من العلوم".
وأضاف: "يجب علينا أن نسأل أنفسنا هل نحن بحاجة إلى التراث وما هي الصيحة التي عادت للحديث عن التراث والهوية؟ هل هو أمر مستحدث؟ وهل هي قضية عادلة؟ التراث على المستوى الأكاديمي لا يعود بالتزامن مع العولمة وإنما يعود إلى القرن التاسع عشر".
وتابع بهي الدين: "عندما انتهت الإمبراطورية بأشكالها التقليدية، دخل العالم في إمبراطورية أخرى ناعمة، بدأت مع العولمة. العولمة تبدو وكأنها كلمة حية وكأنها تكونت في الوقت الحالي، ولكن ربما تكونت في أواخر تسعينيات القرن الماضي عندما ظهر العالم في مجتمع يعرف بمجتمع المعلومات. وصلنا إلى المرحلة الحالية والتي تسمى بمجتمعات المعرفة التي أصبحت محكومة بركيزة أساسية وهي اقتصاد المعرفة. وهل المعرفة يمكن أن تشكل اقتصادًا يقوي الشعوب؟ لأن هناك بنية أساسية جاهزة لاستيعاب المعرفة. السوشيال ميديا هي أداة، والمنصات أداة، والهاتف النوعي أداة لتشكيل معرفة المعرفة".
من ناحيتها، عرّفت الدكتورة "نهلة إمام" الهوية بأنها إحساس شخصي بالانتماء إلى مجتمع معين، حيث يعد الفرد جزءًا من الكل. شددت على أنه في فترات الأزمات يظل التراث مرتبطًا بالهوية، حيث تتحول الرموز مثل الكوفية الفلسطينية إلى مواقف تعبيرية، حيث يرتبط ارتداؤها بدعم القضية الفلسطينية، ويعبر العلم عن الهوية، بالإضافة إلى الصليب وغيره من الرموز البسيطة التي تعزز الهوية.
وأضافت: "التراث هو فترات تراكمت لإنتاج الإنسان في الوقت الحاضر، حيث اختفت العديد من عاداتنا ولكن هناك ديناميات للعناصر، حيث تموت بعض الأشياء لتولد أخرى، وخوفنا على التراث يظل مبررًا صحيًا".
ونفت "إمام" قدرة التكنولوجيا على تهديد التراث، مشيرة إلى أنها أداة مثل السكين يمكن استخدامها لأغراض إيجابية أو سلبية. أكدت أن التكنولوجيا يمكنها إحياء العمق الثقافي وتيسير اندماج ثقافتنا مع الغرب.