يوسف أيوب يكتب: أولويات حكومية ومسئوليات شعبية

الأحد، 28 يناير 2024 10:00 ص
يوسف أيوب يكتب: أولويات حكومية ومسئوليات شعبية

- مواجهة التضخم وليس الدولار الأولوية الحكومية لضبط السوق.. وترشيد الثقافة الاستهلاكية مسئولية المواطنيين

- حل الازمة الدولارية باحداث حالة من التوازن عبر ضخ كمية كبيرة من العملة الأجنبية في البنوك وإيجاد سعر صرف موحد 

- أزمة سعر الصرف وليدة سياسة صرف عقيمة سارت عليها الدولة لسنوات طويلة.. وبرنامج الإصلاح قادر على المواجهة 

- خطة حكومية رباعية للحل بتوفير فرص استثمارية جديدة وتسديد الالتزامات الدولية في توقيتاتها وتوفير الاحتياجات والسلع الأساسية والسير في سياسة الإصلاح وفق برنامج وطنى
 
الجميع يقر بوجود أزمة دولارية في مصر، امتدت تأثيراتها لتشمل كل آليات السوق، خاصة أن نسبة كبيرة من الاستهلاك المحلى يعتمد على الاستيراد من الخارج سواء لمنتجات كاملة، أو لمدخلات نحتاجها في التصنيع المحلى.
 
لكن تبقى المشكلة الحقيقية في السؤال المطروح بالشارع وهو، متى تنتهى هذه الأزمة، وهل ستستمر طويلاً؟
 
كل الحقائق والنظريات الاقتصادية تقول أن الأزمة الدولارية تنتج عن أمرين لا ثالث لهما، الأول قلة الموجود الدولار في السوق وزيادة الطلب عليه، والثانى ظهور سعرين للدولار، رسمي وغير رسمي.
 
ويبقى الحل في احداث حالة من التوازن عبر ضخ كمية كبيرة من الدولار في البنوك لتوفير الاتاحية التي تمكن البنوك من تلبية الاحتياجات للدولار، والثانى إيجاد سعر صرف موحد للدولار، وهذا لن يتحقق الا بتوفير الاتاحية في البنوك.
 
في الوضع المصرى، وحينما نتحدث عن آفاق حل مشكلة الدولار، فإننا لكى نصل إلى سعر صرف موحد، فإن ذلك لن يأتي الا بحل وحيد، وهو وجود سيولة دولارية كبيرة في يد البنك المركزى المصرى، يحل بها التراكمات الموجودة في السوق وبما يضمن اتزان سعر الصرف.

لكن كيف نصل إلى هذه الحالة؟
 
لنصل إلى توفير الدولار في البنوك لكل من يحتاجه، سواء من المستوردين أو المواطنيين العاديين، فإن ذلك يتطلب استعادة مناخ الثقة في الجنية المصرى، وصولاً إلى توحيد سعر العملة، وهذا لن يتاتى الا بمعرفة القيمة الحقيقية لقيمة الجنية في إطار التقلبات الاقتصادية الدولية المتزايدة، وهنا تتعدد الاقوال والنظريات التي تتحدث عن القيمة العادلة للجنية مقابل الدولار، لكن يبقى التقويم الأقرب أن قيمته تتراوح ما بين 33 و37 جنيهاً للدولار الواحد، فاذا ما اقتنعنا جميعاً بهذه القيمة، فإننا نكون قطعنا شوطا كبيراً نحو الحل، ونبدأ بعدها في الأشواط الأخرى.
 
الشوط الاخر يتمثل في استغلال الحكومة للفرص الاستثمارية الموجودة والمتاحة بالفعل في الدولة، والترويج لها بشكل جيد، لأنه بدون الاستثمارات الأجنبية لا يمكن مطلقاً الحديث عن حلول لأزمة الدولار، خاصة أن الاعتماد المصرى على النقد الأجنبي يتمثل اليوم في 3 مصادر رئيسية، كلها تعانى اليوم من مشاكل مرتبطة بالتوترات الأمنية والعسكرية الإقليمية والدولية، المصدر الأول هو قناة السويس التي بدأ دخلها يتأثر بسبب الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر واستهداف السفن التجارية، مما أثر على حركة التجارة الدولية العابرة من خلال قناة السويس، مما أدى إلى انخفاض دخلها 40% وفقاً لتصريحات رئيس هيئة قناة السويس، ولا أحد يعلم إلى أين سنصل مستقبلاً.
 
المصدر الثانى وهو السياحة، التي شهدت العام الماضى انتعاشة كبيرة، وكادت ان تحقق رقما قياسياً متخطية عتبة الـ15 مليون سائح، لكن أحداتث 7 أكتوبر في قطاع غزة، أثرت على تدفق السياح الأجانب، فضلاً عن أن الواقع أفرز لنا وضع غير مألوف في مدخلات السياحة الدولارية، فكثير من الشركات السياحية لم تضخ الأموال عبر البنوك، وهو ما أدى إلى انخفاض في هذا المصدر.
 
وبقى المصدر الثالث وهو تحويلات المصريين بالخارج، التي كانت تصل إلى ما يقارب الـ15 مليار دولار سنوياً، لكنها انخفضت بنسب كبيرة، بسبب مافيا التحويلات غير الشرعية للعملة، وهى مافيا عابرة للحدود، تستخدم أساليب غير قانونية للتحويلات بعيداً عن المسار القانوني المتمثل في البنوك.
 
هذه هي المصادر الثلاثة الرئيسية للنقد الاجنبى في مصر، وكما وضح تعانى، ارتباطاً باوضاع خارجة عن ارادتنا، لذلك لا بديل سوى البحث خارج الصندوق، والمتمثل في مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
 
والحق أن الدولة قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه عبر وثيقة سياسة ملكية الدولة، وبرنامج الطروحات الحكومية، الذى يعطى القطاع الخاص المصرى والأجنبى فرصة كبيرة كان يتوق لها في الماضى، وبدأت الدولة بمنح مزيد من المزايا الاستثمارية، لكن يبدو أن هناك أسباباً أخرى خارجة عن إرادتنا أيضاً تجعل من هذا المسار بطيئاً، وهذه الأسباب ليست اقتصادية وإنما في المجمل سياسية، مرتبطة بمواقف الدولة المصرية الوطنية تجاه ملفات أقليمية ودولية، لا يمكن التنازل عنها مطلقاً، لذلك يتم استخدام ملف الاقتصاد للضغط على مصر علها تستجيب!.
 
كل ما سبق يبقى من وجهة نظر كثيرين كلام نظرى لا فائدة منه، لأن المواطن يريد ان يلمس تغيرات فعلية على الأرض، بتوفير احتياجاته بأسعار مناسبة.
هنا يجب الإشارة إلى أمرين، لابد من التذكير بهما دوماً.
 
الأمر الأول، أن المشكلة الدولارية في مصر أو ما يطلق عليها أزمة سعر الصرف، هي وليدة سياسة صرف عقيمة سارت عليها الدولة لسنوات طويلة، واليوم نجنى ثمار فشلها في الحل، فالفترة السابقة لـ2011 كانت المشكلة الرئيسية للدولة أنها كانت تنظر لسعر الصرف كهدف، لذلك اتخذت إجراءات كثيرة لعدم رفع السعر، رغم أن ترك السعر للعرض والطلب كما كان متبعاً في كل دول العالم، كان سيوفر الكثير من الوقت والجهد، ويضع الجنية في مكانته الحقيقية، لكن ظلت الدولة لسنوات على سياسة تثبيت سعر الصرف، معتمدة على أن التثبيت هو الحل الأمثل، إلى أن وصلنا إلى حالة الانفجار، فتحول سعر الصرف إلى ما يشبه القنبلة التي انفجرت في وجه الجميع، حكومة وشعب، وطارلت شظاياه كل شيء في الدولة.
 
الأمر الثانى، أن الدولة لم تفكر مطلقاً في الماضى، في تحقيق الإصلاح، وظلت على سياسة التطنيش وترقيع المشكلات، دون البحث عن حلول جذرية، علماً بأن الحلول كانت كثيرة ولو تم اللجوء إليها في حينها ما وصلنا إلى الوضع الحالي، لأن تكلفتها في حينها كانت أقل بكثير من التكلفة في الوقت الراهن.
 
والإصلاح الذى نتحدث عنه، مرتبط بأمور كثيرة، منها توفير المناخ المناسب لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، وتوفير بيئة تنافسية حرة، وغيرها من الأمور التي كانت سهلة في حينها، ويضاف إلى ذلك أنه بنظرة بسيطة لموازنة الدولة كانت كفيلة بدق أجراس أنذار كثيرة وليس جرس واحد، لكن لا أحد كان يريد أن ينتبه، لأن الجميع أراد أن يسير في تجاه سياسة الترقيع والتسكين فقط، ويكفى هنا الإشارة إلى حقيقة واضحة، وهى أن عجز الموازنة في 2014 كانت نسبته 16.5% من الناتج القومى الإجمالى، وهو رقم شديد الخطورة، علما بأن الرقم الدولى المقبول هو 5% فقط، وللأسف الشديد كان رقم الـ16% من وجهة النظر وقتها رقم عادى، فلم يتعاملوا معه بقدر خطورته.
 
إلى أن جاءت الدولة في 2014 وأكتشفت هذا الخطر وعملت على إصلاحه، رغم أن الفاتورة كانت صعبة، لكن لا مفر. 
 
دخلت الدولة بقوة وكانت النتيجة أننا في يونيو 2023 نزل العجز إلى 6.1%، وهذا العام سيتجاوز الرقم الـ7.2% بسبب الأوضاع المتوترة إقليميا.
 
واذا وصلنا إلى ما يحتاجه المواطن، فالوضع المؤكد أن هذا العام، كما قالت الحكومة عام مفصلى، وكلما بادرنا بالإصلاح سنقضى على السوق السوداء، والوصول إلى سعر صرف موحد، وصولاً إلى مزيد من السيطرة على السوق، وهنا تظهر النقطة الأكثر أهمية، فالجميع يتحدث اليوم عن الدولار وسعر الصرف، لكنهم لا يتحدثون عن التضخم، رغم أنه الأزمة التي يجب أن يكون كل تركيزنا عليها، لانها الأكثر ارتباطاً بحياة المواطنيين، فالحكومة تدرك أنها أمام تحدى كبير، وهو الا يتجاوز التضخم نسبة الـ10% وأن يكون في حدود 6 او 7%، ولأهمية هذا الأمر، بدأ صندوق النقد الدولى في نقاشاته مع الحكومة المصرية يتحدث عن استهداف التضخم وليس تعويم الجنية، لانهم أدركوا ان الحل في مواجهة التضخم، وأن التعويم لن يأتي باى نتيجة مرجوة اذا لم يكن لدى البنوك الاتاحية الكافية من الدولار، لذلك فالحديث كله اليوم منصب على مواجهة التضخم وأثاره.
 
وبالتوازى مع ذلك تستهدف الحكومة ليس فرض السيطرة على السوق، وإنما أن تعمل الأجهزة الرقابية في الشارع لضبط السوق، وعدم المغالاة في الأسعار، مع القضاء على احتكار بعض التجار لسلع استراتيجية وأساسية.
 
لذلك فإن الفترة المقبلة، ستشهد مزيد من التحركات الحكومية تسير في أكثر من اتجاه:
 
الأول: العمل على توفير فرص استثمارية جديدة تستطيع من خلالها الحكومة توفير الدولار للبنك المركزى يجعله قادراً على تلبية كافة الاحتياجات لأطول فترة ممكنة، بما يمكنه من توحيد سعر الصرف.
الثانى: استمرار الدولة في تسديد الالتزامات الدولية في توقيتاتها، وهو امر يمثل أولوية قصوى للدولة، ولن يحدث فيه أي تراخى مطلقاً.
 
الثالث: مواجهة التضخم بتوفير الاحتياجات والسلع الأساسية بأسعار مناسبة، ومتابعة أداء السوق أول بأول لمواجهة أي خروج عن القانون.
 
الرابع: السير في سياسة الإصلاح الاقتصادى، وفق البرنامج الوطنى، الذى يأخذ في اعتباره الأوضاع الداخلية فقط.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة