هل تتعمد موديز الإساءة للإصلاحات الاقتصادية المصرية؟
السبت، 27 يناير 2024 06:00 مهبة جعفر
- وكالة التصنيف الائتمانى العالمية تتغاضي عن جهود تحريك الوضع الاقتصادي وتتعمد منح القاهرة تصنيفات سلبية
- المالية ردت على الوكالة عدة مرات بأرقام واضحة واتهمتها بتجاهل برامج تلبية الاحتياجات التمويلية وثقة المؤسسات الدولية
- خبراء: تقارير موديز الأخيرة «دعائية» وهدفها التشكيك في القدرات المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة
- المالية ردت على الوكالة عدة مرات بأرقام واضحة واتهمتها بتجاهل برامج تلبية الاحتياجات التمويلية وثقة المؤسسات الدولية
- خبراء: تقارير موديز الأخيرة «دعائية» وهدفها التشكيك في القدرات المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة
فى يناير 2023، ونتيجة للإصلاحات المالية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزى المصرى، عاد إلى مصر مليارى دولار استثمارات من الخارج، وبدأ المصريين في الخارج ضخ جزء من أموالهم، وبدأت العجلة تدور، لكن فجأة، صدرت مقالات فى صحف غربية تشكك في قدرة مصر على مواجهة الأزمة الاقتصادية، وبعها قامت مؤسسة موديز بتخفيض المستوى الائنتمانى للدولة، بعد ذلك وتأثراً بهذا الموضع خرجت المليارى دولار مرة أخرى، وقلت نسبة مساهمة المصريين.
ما حدث أثار انتباه الكثيرين، الذين رصدوا ما اسموه بتعنت مؤسسة التصنيف الدولية مع الوضع المصرى، وثارت تساؤلات حول هل تتعمد موديز الإساءة للإصلاحات المصرية؟
بداية علينا ان نعرف أن الاقتصاد المصرى يتعرض في الفترة الأخيرة لهزات مالية قوية ليس ضعفا فيه، لكن تأثرا كباقي دول العالم بالتحركات الدولية والإغلاق عقب جائحة كورونا التي عصفت باقتصاديات دول كبري، لكن استطاعت مصر الصمود والخروج من الأزمة بأقل الخسائر الاقتصادية والبشرية وتمكنت من توفير الأدوية واللقاحات، وبمجرد ما استطاع الاقتصاد النهوض حتي هلت الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل كبير علي سلاسل الإمداد والتموين من الغذاء والسلع الأساسية، وشهد العالم أجمع ارتفاعا في الاسعار والتضخم وهو ذاته ما تعرض له الاقتصاد المصري، لكن تمكنت الدولة من توفير السلع ولم تشهد تقصاً في ايا من القمح أو السلع الأساسية، ولكن ارتفع التضخم أيضا في الاقتصاد المصري الذي تسعي الدولة دائما للسيطرة عليه وخفضه لمعدلاته الطبيعية، ولم تنته الحرب الروسية حتي يومنا هذا ولكن حلت أيضا الهجمات الغاشمة من الاحتلال الإسرائيلي علي قطاع غزة وشعبها الأعزل والذي وقفت مصر بجواره وسعت لتوفير السلع والغذاء والدواء لمساعدة الشعب في نكبته، وكانت من أكبر الدول التي تأثرت بالحرب الدائرة علي حدودها وما شهده البحر الاحمر من هجمات الحوثيين وغيرها من الأمور التي تسعي الدولة بكل جهد ودأب من أجل الخروج من كبوتها والاستمرار في طريق التطوير والإنتاج، وذلك وفقا لشهادة أعضاء صندوق النقد الدولي والانضمام لتكتل البريكس التي توكد قوة الاقتصاد المصري وصلابته وقدرته علي التجاوز.
ورغم المساعي الكبيرة التي تبذلها الدولة وتمكين القطاع الخاص وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، الا أن المؤسسات الاقتصادية العالمية تسعي لإهدار هذا المجهود الضخم بإخراج البلاد من الكبوة الاقتصادية، كما تفعل مؤسسة" موديز" الاقتصادية بتغير تقيمها للتصنيف الائتماني لمصر في فترات مريبة، وتنكر كافة مساعي الدولة للنهوض والتطوير.
وفي الوقت الذي تغير فيه الموسسة الأمريكية تصنيف مصر تبقي علي تصنيف إسرائيل كما هو رغم ما يعانيه اقتصادها من ازمات بفعل العدوان علي غزة، وما تنفقه من أجل تسليح جنودها لتدمير غزة وشعبها، وأعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تأجيل نشر التصنيف الائتماني الجديد لإسرائيل، مبررة ذلك بالتطورات العسكرية القائمة في المنطقة.
وهنا ظهرت تساؤلات كثيرة حول نوايا "موديز" تجاه مصر، وكيف تحاول المؤسسة المساهمة في إهدار قوة الاقتصاد المصري والمساعدة في خروج الاستثمارات الأجنبية التي تسعي الدولة لتحقيقها.
ما هو التصنيف الائتماني لمصر
التصنيف الائتماني يعرف على أنه تقييم معين لقدرة المقترض أو المدين على الوفاء بسداد الديون، أو الالتزامات المالية لديه، وأكدت الحكومة في أكثر من مرة قدرة الاقتصاد علي الوفاء بالتزاماته الخارجية وسداد الديون في موعدها المحدد وبحسب بيانات المركزي، فإن الاحتياطي النقدي ارتفع إلى 34.970 مليار دولار، مقابل 34.928 مليار دولار في أغسطس الماضي، بزيادة حوالي 42 مليون دولار.
ما هي مؤسسة موديز؟
مؤسسة موديز هي شركة أمريكية، تأسست عام 1909، وهي جزء من شركة "موديز كوربوريشن" ومقرها في نيويورك، ومشهورة بتصنيف السندات الحكومية والشركات والمؤسسات المالية، وتملك خدمة "موديز للمستثمرين"، وتجري الأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية، وتقيم مؤسسات خاصة وحكومية من حيث القوة المالية والائتمانية، وتسيطر هذه المؤسسة على نحو 40% من سوق تقييم القدرة الائتمانية في العالم، وتتبع مؤسسة موديز إلى شركتي نشر أسسهما جون مودي، مخترع التصنيفات الائتمانية الحديثة للسندات. تم نشره لأول مرة في عام 1900 من قبل جون مودي، قبل تسع سنوات من تأسيس شركة موديز.
تصنيفات موديز
Aaa هو أعلى تصيف من تصنيفات موديز، ويعني امتلاك الدولة أو المؤسسة إمكانية اقتصادية عالية، ولديها أدنى مستوى من المخاطرة الائتمانية ويشجع الاستثمار بها.
Aa يعني ذلك التصنيف أن الدولة لديها مخاطر ائتمانية منخفضة، والاستثمار المحتمل بها جاذب.
A يعني ذلك التصنيف وجود مخاطر ائتمانية منخفضة لمتوسطة، ومخاطر الاستثمار الدولة معتدل.
Bb يبدأ بذلك التصنيفات المنخفضة، ويعني وجود مخاطر ائتمانية كبيرة، مع تحذيرات باحتمالية الخسارة.
B يعني ذلك التنصيف وجود مخاطر ائتمانية عالية، مع تحذر الاستثمار في تلك الدولة أو الشركة.
C يعني بذلك بدء مرحلة جديدة من التصنيفات، ويعني بداية التخلف عن سداد الديون.
Ca يعني ذلك التصنيف وجود تخلف عن سداد الديون، مع وجود تعثر اقتصادي.
Caa يعني ذلك التصنيف وجود مخاطر ائتمانية عالية جدًا، وحالة اقتصادية ضعيفة.
Caa1 يعني ذلك التصنيف وجود التزامات وديون ووضع اقتصادي ضعيف، مع مخاطر ائتمانية مرتفعة جدًا.
تاريخ التصنيف الائتماني لمصر
مع بداية ثورة 2011 شهد الاقتصاد المصري تراجع كبير بفعل الأوضاع السياسية المضطربة وقالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتمانى، إنها خفضت التصنيف الائتمانى للسندات الحكومية المصرية لدرجة واحدة إلى "بى 2" من مستوى "بى 1"، مع وضع التصنيف قيد المراقبة، نظراً لاستمرار الاضطرابات السياسية الحالية، وأعمال العنف التى شهدتها الأيام القليلة الماضية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية الذى من شأنه أن يضعف ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى، والتراجع الكبير فى ميزان المدفوعات، وقالت الوكالة، إن أهم أسباب خفض تصنيف السندات الحكومية المصرية، تتمثل فى ضعف النمو الاقتصادى والتدهور فى القطاعات المالية، والتراجع الكبير فى الاحتياطيات الأجنبية، فضلاً عن تأثر الاقتصاد بالاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار، وتزايد الضغوط على الموازنة العامة للدولة، وارتفاع قيمة العجز.
وفى عام 2018 شهد التصنيف الائتماني لمصر في عدد من الوكالات المتخصصة تحسنا مقارنة بعام 2014، لتصبح مصر في موقف ائتماني أقوى بعد أن كانت في موقف ضعيف في عام 2014، بحسب وكالات فيتش، وموديز، وستاندرد آند بورز.
ووفقا لتقييم وكالة موديز، استقر تصنيف مصر خلال آخر 4 سنوات عند B3 بعد رفعه من CAA1 في عام 2014، ومع نظرة مستقبلية إيجابية في آخر تصنيف خلال 2018، وبحسب وكالة ستاندرد آند بورز، فإن تصنيف مصر ارتفع في 2018 للمرة الثانية خلال آخر 4 سنوات إلى الدرجة B مع نظرة مستقبلية مستقرة، بعد أن كان -B في الأعوام الثلاثة السابقة مرتفعة من +CCC في 2014.
وأعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى، في مايو 2020، تثبيت درجة التصنيف السيادى للاقتصاد المصرى عند مستوى B2 على المدى الطويل الأجل مع الحفاظ على النظرة المستقبلية المستقرة، وفي سبتمبر 2020 أبقت موديز بتثبيت التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى B2 مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري يعد مؤشر ايجابى في ظل الظروف الحالية بسبب ازمة وباء كورونا، ودليل على استقرار الاقتصاد وتزايد معدلات النمو.
وفي يناير 2021 منحت وكالة "موديز" البنوك المصرية نظرة مستقبلية مستقرة بفضل ما تتمتع به من قاعدة صلبة على صعيد التمويل والسيولة النقدية، إلى جانب استفادتها من نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته مصر في السنوات الأخيرة، وقالت المؤسسة الائتمانية إنه برغم التحديات الناجمة عن أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا، غير أن السجل الحافل بالإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تبنتها مصر على مدار الأعوام الأربعة الماضية وحتى الأن، ساعد في تحجيم تبعات الأزمة السلبية على الاقتصاد، موضحة أن النظرة المستقبلية المستقرة لملف الائتمان السيادي سيسهم أيضا في تدعيم استقرار أداء البنوك المصرية، مشيرة إلى أن التوسع في تحقيق الشمول المالي وزيادة تدفق التحويلات من المصريين المقيمين بالخارج يدعم أيضا القاعدة التمويلية والنقدية للقطاع المصرفي المصري.
وفجأة خلال عامي 2022 و2023 العديد تراجع التصنيف الائتماني لمصر وفقًا لوكالة موديز من B2 في مايو 2022 إلى B3 في فبراير 2023، ثم إلى Caa1 في 6 أكتوبر 2023، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وقالت إن السبب تدهور قدرة الدولة على تحمل الديون والنقص المستمر فى العملات الأجنبية، كما اتخذت الوكالة قرارا بخفض سقف العملة فى مصر إلى B1 من BA3 وسقف العملة الأجنبية إلى B3 من B2، وخفضت أيضا تصنيفات مصر غير المضمونة للعملات الأجنبية إلى CCA1 من B3، مشيرة إلى أن توقعات النظرة المستقبلية المستقرة تعود إلى استمرار حصول مصر على الدعم المالى من صندوق النقد الدولى بموجب اتفاق قرض بـ3 مليارات دولار على مدى 46 شهرا، متوقعة مضى بيع الأصول قدما فى البنك المركزى للمساعدة فى استعادة احتياطى السيولة من العملة الصعبة للاقتصاد المصرى.
ومع بداية عام 2024 غيرت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية".
رد وزارة المالية علي تقارير موديز
وأكدت وزارة المالية، أن الحكومة تعمل على إدارة مخاطر الاقتصاد الكلى، بمرونة لاحتواء الصدمات الخارجية المتتالية، وتتعامل بتوازن وحرص شديد مع الآثار السلبية الناتجة عن التوترات الجيوسياسية المؤثرة على النشاط الاقتصادي، وتحرص على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين والتوسع فى الحماية الاجتماعية مع الالتزام بالانضباط المالي فى ظل هذه التحديات شديدة التعقيد، موضحة أن هذا المسار المرن الذى تنتهجه الحكومة فى التعامل مع الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، انعكس فى أداء متوازن للموازنة العامة للدولة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤ فى الفترة من يوليو حتى ديسمبر الماضيين، حيث تم تسجيل فائض أولى 150 مليار جنيه، مقارنة بـ 25 مليار جنيه عن ذات الفترة من العام المالي الماضي، رغم توفير كل احتياجات أجهزة الموازنة، وزيادة حجم المصروفات بنسبة 56٪ لتخفيف الأعباء عن المواطنين بقدر الإمكان.
أضافت وزارة المالية، تعليقًا على تثبيت موديز للتصنيف الائتماني السيادي لمصر عند «Caa1» مع تغيير النظرة المستقبلية إلى سلبية، أن مؤسسة «موديز» لم تأخذ في اعتبارها الجهود الحالية للحكومة عند تغيير النظرة المستقبلية إلى سلبية، حيث إن برنامج «الطروحات» يُعزز قدرتنا على تلبية الاحتياجات التمويلية خلال العامين المقبلين، ويُسهم في جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية، والحد من الاحتياج للتمويل الخارجي.
وفي أكتوبر الماضي علق الدكتور محمد معيط وزير المالية علي تقرير وكالة موديز أن قرار مؤسسة «موديز» بخفض التصنيف الائتماني السيادي لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية من درجة B3 إلى درجة Caa1 مع نظرة مستقبلية مستقرة، وقال إننا نعمل على تحقيق المزيد من الإصلاحات والإجراءات الهيكلية خلال الفترة المقبلة للتعامل مع التحديات الراهنة، التي تواجه الاقتصاد المصري بصفة عامة وتلك التى أشار إليها تقرير «موديز»، موضحاً أن مؤسسة «موديز» رغم الصعوبات التي مازال الاقتصاد المصري يواجهها، وقيامها بتخفيض التصنيف استندت فى قرارها الأخير بتغيير النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة على ما استطاعت أن تتخذه الحكومة المصرية مؤخرًا من إصلاحات هيكلية مهمة ومحفزة للاستثمار وداعمة لتحسين بيئة الأعمال وتمكين القطاع الخاص، لتعزيز دوره وزيادة مساهماته في النمو الاقتصادي واستمرارها فى هذا المسار.
تعليق الخبراء علي تقارير موديز
وقال الدكتور وليد جاب الله، استاذ الاقتصاد، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع أن درجة التصنيف الائتماني للدولة توثر في قدرتها علي جلب الائتمان بأسعار منخفضة وتشجع المستثمرين في الديون الحكومية علي الدخول للأسواق، مشيراً إلى أن تاثير قرار موديز بخفض التصنيف الائتماني في مصر تأثير دعائي وليس مرتبط بقرارات استثمارية معينة أو يمثل عائق أمام طرح السندات المصرية في الأسواق الغربية، ولا أتصور أن قرار موديز لن يوثر علي تحويلات المصريين في الخارج خاصة أن التحويلات ستعود إلى مصر سواء البنوك المصرية أو السوق الموازية فلن تذهب أموال المصريين الي دول أخري، فالمواطن المصري مرتبط ببلده خاصة مع المبادرات التي تطلقها الدولة لدعم المصريين في الخارج وتشجيعهم علي الاستثمار في بلدهم.
ومن جانبه قال الدكتور حسام الغايش، الخبير الاقتصادي، إن "موديز" تطرقت في تقريرها إلى أن التأثيرات العكسية المرتدة على التضخم وتكاليف الاقتراض، فضلاً عن آثار التقييم السلبية على الديون بالعملات الأجنبية الناجمة عن ضعف الجنيه المصرى، والتى تؤدي إلى تفاقم مخاطر القدرة على تحمل الديون، واشار التقرير على تركز فترة المراجعة على قدرة الحكومة على الانتهاء من مبيعات الأصول المستهدفة البالغة 2 مليار دولار والضرورية لتلبية أهداف تمويل برنامج صندوق النقد الدولي للسنة المالية 2023 المنتهية في يونيو المقبل، وإثبات جدوى استراتيجية التمويل الخارجي للبرنامج التي تعتمد بشكل كبير على مبيعات الأصول، وستركز فترة المراجعة أيضًا على قدرة السلطات على تعزيز صافي الاحتياطيات الدولية وفقًا لأهداف برنامج صندوق النقد الدولي الكمية على مدى ثلاثة أشهر ودعم الثقة في العملة.