يوسف أيوب يكتب: القاهرة تواجه التحديات الإقليمية بتوحيد الجهود العربية
السبت، 20 يناير 2024 07:00 م
- المنتدى العربى الاستخبارى نجح في رسم صورة واقعية لما يحدث ووضع التصورات والسيناريوهات المستقبلية للتعامل مع كافة الازمات برؤية عربية موحدة
حركة غير مسبوقة تشهدها المنطقة، ومتسارعة في نفس الوقت، وشاملة لقطاعات جغرافية متعددة، ورغم أن هذه الحركة هي السمة الرئيسية لمنطقة الشرق الأوسط منذ 2011، لكنها اليوم تزداد اتساعاً خاصة بعد أحداث 7 أكتوبر وما تلاها من عدوان إسرائيلى مستمر على قطاع غزة، وخروج نطاق الصراع من غزة ليشمل مناطق أخرى، سواء في جنوب لبنان أو اليمن، ومن قبلها الوضع المتوتر في البحر الأحمر، ولا يعلم أحد المدى الذى سيصل إليه خلال الأيام المقبلة.
هذه الحركة كما سبق القول، بدأت في 2011، وما تلاها من انتفاضات شعبية في عدد من بلدان المنطقة، وظهور تيارات على المشهد السياسى، محاولة تغيير شكل وجوهر المنطقة، وصبغها بلون سياسى جديد، أخذ في مجمله الشكل الدينى.
ويوماً وراء الاخر زادت وتيرة الحركة، وترافق معها واقع كان شديد الخطورة، تمثل في غياب الرؤية العربية الموحدة التي تستطيع التعامل مع هذه الحركة وما تنتجه من تحديات. نعم لدينا جامعة الدول العربية، لكن الأيام أثبتت أن هذا الكيان العربى غير كاف للتعامل مع ما يحدث من مستجدات، خاصة أن دورة العمل داخل الجامعة العربية تبدو عقيمة، والعيب هنا لا يقع على عاتق الأمانة العامة للجامعة، وإنما في الأساس وجود الكثير من التباينات العربية تجاه الملف الواحد، مما عمق المشكلات وزادها تأثيرا، بل وضغطاً على الأمن القومى العربى، خاصة وأن الشرق الأوسط، شهد للمرة الأولى، ظاهرة جديدة، وهى تسلسل الازمات، بمعنى أن أزمة تجر خلفها أزمات كثيرة متتابعة، ولعل ما حدث في غزة خير مثال على ذلك، فالقصة بدأت في 7 أكتوبر بتوتر عسكرى في غزة، لكنه اليوم جر معه أزمات متعددة في لبنان واليمن والبحر الأحمر، وغيرها.
فالجامعة العربية على عكس منظمات إقليمية ودولية شبيهة غير قادرة على التعامل مع التحديات ومجابهتها بالقدر اللازم، واقرب مثال امامنا هو الاتحاد الأوربى، الذى يمتلك العديد من الأجهزة التي تمكن دوله من أن يكونوا في الصورة الكاملة لكل ما يجرى من احداث، ليس فقط اقتصادية أو سياسية، وإنما امنية وامور أخرى عابرة للقارة الأوربية، والمرتبطة بأمن هذه الدول، ويكفى هنا الإشارة إلى أن الأجهزة المعنية بالحفاظ على الامن القومى العربى ليس لها تنظيم موحد في إطار الجامعة العربية، على عكس الحال في الاتحاد الأوربي وغيرها، لذلك تعمقت التباينات العربية وزادت وتيرتها، وباتت رهينة بتحركات فردية من دول حاولت أن تحافظ على الأمن القومى العربى من خلال تحركات ثنائية او ثلاثية.
وباتت المشكلة الرئيسية غياب الرؤية الموحدة، أو على الأقل الآلية القادرة على رسم صورة واقعية لما يحدث، ومن ثم وضع التصورات والسيناريوهات المستقبلية للتعامل مع الأزمة وما يتفرع منها، كما شهدت المنطقة أيضاً غياب الضغط العربى الجمعى القوى الذى كان يجب أن يكون متواجداً لمواجهة أية تدخلات خارجية تزيد من حجم التوترات.
ربما يكون ذلك هو ما دفع القاهرة في 2019 إلى الدفع نحو فكرة إنشاء المنتدى العربى الاستخبارى ، الذى يعد أول تجمع من نوعه في تاريخ العرب، ومن تابع تأسيس هذا المنتدى، سيجد أنه مع تفرده بالفكرة والمنهج والاستراتيجية، لكنه بطبيعة الحال مر بمراحل كثيرة، ربما أثرت في بدايتها على الشكل والتكوين، خاصة أن الدول العربية ظلت لفترة طويلة مفتقدة لمثل هذا التنسيق، لكن بجهد وتحرك مصري تم وضع شكل التجمع الذى ضم من أول يوم كل الدول العربية دون استثناء، وهو كان بمثابة أول نجاح لهذا التجمع الذى تم الاتفاق منذ البداية على عقد اجتماعين سنويا لرؤساء أجهزة المخابرات العربية، اجتماع في فبراير يعقد سنويا في دولة عربية، وأخر في أكتوبر يعقد بالمقر الرئيسى للتجمع بالقاهرة، فضلاً عن اجتماعات تعقد على حسب تطورات الأحداث بالمنطقة.
وفى الأول من فبراير 2021، شارك رؤساء أجهزة الاستخبارات العربية في افتتاح مقر المنتدى العربى الاستخباري بمصر، ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة عبر الفيديو كونفرانس لرؤساء أجهزة "المنتدى العربي الاستخباري"، مثمناً مجهوداتهم لإثراء أعمـال المنتـدى منـذ تدشـينه، باعتبـاره مـحفـلاً فريـداً مـن نوعـه في المنطقة، على نحو يعـزز مـن التعاون العربي المشـترك في المجالات الأمنية والمعلوماتية، وهو ما تجسد من خلال المبادرات التي أطلقهـا أعضـاء المنتـدى خلال الفترة الماضية للعمـل الأمنـى المشترك، وتبادل التقييمات في إطار من الشفافية الكاملة حول مصادر التهديدات المحيطة بالمنطقة العربية، كما شدد الرئيس على مبدأ المسئولية المشتركة في مجابهة التحديات التي تواجه المنطقة، خاصةً ظاهرة الإرهاب والفكر المتطرف، والتي تستدعي انتهاج مقاربات شاملة خـلال التعامل مع الأزمـات الإقليميـة، من خلال التركيز على إنهاء التدخلات الأجنبية في شئون المنطقة العربية، واحترام قرار وإرادة الشعوب وسيادة الدول الوطنية ومؤسساتها، بما من شأنه إنهاء استغلال التنظيمات الإرهابية والتكفيرية لهذه الأزمات وتداعياتها، مؤكداً أن مصـر لـم ولـن تـألوا أي جهد في مساعدة أشقائها على الوصول ببلادهم إلى بر الأمان، من خلال الحل السياسي الشامل الذي يتضمن خطوات وإجراءات متزامنة تستند إلى توحيد المؤسسة العسكرية، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة، وتفعيل إرادة الشعوب.
وخلال هذه الجلسة وجه الحضور من رؤساء أجهزة المخابرات العربية الشكر للرئيس السيسى على رعايته المستمرة لأعمال "المنتدى العربي الاستخباري"، مؤكدين أهمية المنتدى كآلية قوية وداعمة للتعاون الاستخباراتي الوثيق بين الدول العربية الشقيقة، فضلاً عن مساهمته في إرساء منظومة متكاملة ومحكمة لمكافحة الإرهاب تعتمد على تكامل الأدوار وتبادل الخبرات والتحديث والتطوير المستمر لآليات المواجهة في هذا الشأن، بما يساعد على صون الأمن القومي العربي وتحقيق الآمال المنشودة لشعوبها.
والشاهد في هذا التجمع أن مصر كانت سباقة في الدعوة إليه، قبل أن تزحف على المنطقة الأحداث المتتالية، وكان من نتائجه المهمة الاتفاق على تفصيلات مهمة للعمل العربى المشترك في سبيل الحفاظ على الامن القومى العربى، من خلال صياغة موقف موحد، مع العمل على وضع دراسة متعمقة لمشاكل المنطقة، وفى مقدمتها الحفاظ على الجيوش الوطنية.
المنتدى العربى الاستخبارى، هو واحد من التحركات المصرية التي تستهدف في مجملها الحفاظ على الأمن القومى العربى، من خلال صياغة مواقف مشتركة، قادرة على مجابهة كافة التحديات الإقليمية والدولية، ومن بعده زادت التحركات المصرية على كافة الأصعدة، لوأد الفتن التي بدأت تطل بوجهها القبيح على منطقتنا، ورفعت مصر شعار "أطفاء الحرائق" من خلال تحركات مدروسة على كافة المستويات، للحفاظ على الامن القومى العربى، ولحقن دماء الاشقاء العرب، ولعل الدور والتحرك المصرى تجاه القضية الفلسطينية خير شاهد على هذه الاستراتيجية الواضحة التي لا تألو جهداً في تحقيق الأمن والاستقرار العربى.