على مدار 75 عاما هى عمر الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، لم تكن هناك حربا أكثر دمارا ودموية من تلك الدائرة الآن على قطاع غزة، والتى وصفتها صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية بأنها تعادل أكثر الحملات تدميرا فى التاريخ الحديث.
وبحسب إحصاءات الصحيفة، فإن إسرائيل أسقطت حتى أواخر ديسمبر الماضى نحو 29 ألف قنبلة، ودمرت ما يقارب من 70% من المنازل بالقطاع. بينما تسبب القصف المستمر فى إلحاق أضرار بكنائس ومساجد تاريخى ومصانع ومراكز تجارية وفنادق فاخرة ومسارح ومدارس.
وذكر التقرير أن معظم مستشفيات القطاع، البالغ عددها 36 مستشفى، مغلقة، ولا يقبل العلاج إلا فى 8 مستشفيات فقط. ودمر الإسرائيليون أيضا بساتين الزيتون وأشجار الحمضيات والصوبات الزراعية، وهو ما يعنى أن نصف المبانى فى غزة تقريبا تعرضت للتلف أو الدمار.
وبحسب تقرير البنك الدولى فإن الحرب كانت قد دمرت 77% من المرافق الصحية حتى منتصف ديسمبر الماضى، و72% من الخدمات البلدية مثل الحدائق والمحاكم والمكتبات، و68% من بنية الاتصالات، و76% من المواقع التجارية، بما فى ذلك تدمير شبه كامل للمنطقة الصناعية فى الشمال.
ووفقا للأمم المتحدة، تضرر ما يقارب 342 مدرسة، بما فى ذلك 70 من مدارسها الخاصة. وقد تضررت أكثر من نصف الطرق، وفقا للبنك الدولي.
ويقدر هو يين، الأستاذ المساعد فى علم الجغرافيا فى جامعة "كنت" فى ولاية أوهايو، أن 20% من الأراضى الزراعية فى غزة قد تعرضت للتلف أو الدمار. وأشار إلى أن القمح الشتوى الذى يجب أن يكون فى مرحلة النمو حاليا لا يظهر، وهو ما يشير إلى أنه لم تتم زراعته.
ولم يتجنب العدوان الإسرائيلى المواقع التاريخية، حيث دمر جامع العمرى الكبير، الذى كان مبنى قديما تحول من كنيسة فى القرن الخامس إلى مسجد، بانهيار منارته. وقصفت إسرائيل كنيسة القديس بورفيريوس فى أكتوبر الماضى، التى تعود إلى القرن الخامس، وهو ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 16 فلسطينيا كانوا يلجئون فيها.
وتوصل تحليل منظمة "ذا شيلتر كلستر"، التى تضم مجموعة من الجمعيات الإغاثية بقيادة المجلس النرويجى للاجئين، إلى أنه بعد انتهاء الحرب الحالية، سيستغرق الأمر على الأقل عاما لتنظيف الركام فقط، وهى مهمة تعقدت بسبب ضرورة إزالة الألغام غير المنفجرة بشكل آمن.
وقالت المجموعة أن إعادة بناء المساكن ستستغرق من 7 إلى 10 سنوات، إذا كان التمويل متاحا. وتقدر التكلفة بحوالى 3.5 مليارات دولار، بدون احتساب تكلفة توفير أماكن للإقامة المؤقتة.
وإلى جانب هذا الدمار الهائل للبنية التحتية والأراضى الزراعية، كانت الكارثة أكبر على الجانب الإنسانى. فقد أسقطت الحرب حتى الآن أكثر من 23 ألف شهيد، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وقال رئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازارينى الذى يزور المنطقة الساحلية من القطاع، أن "جسامة الموت والدمار والتهجير والجوع والخسارة والحزن فى الأيام المئة الماضية تلطخ إنسانيتنا المشتركة". وأكد أيضا أن جيلا كاملا من أطفال غزة يعانى من "صدمة نفسية"، والأمراض مستمرة فى الانتشار و"المجاعة" تلوح فى الأفق.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 1.9 مليون شخص أو نحو 85% السكان، اضطروا إلى مغادرة منازلهم منذ اندلاع الحرب. ويلجأ كثيرون إلى رفح أو إلى مناطق أخرى فى جنوب القطاع الصغير، بينما تكرر وزارة الصحة المحلية أنها لا تملك بنية تحتية لاستيعابهم.
ومع أن المستشفيات فى المنطقة محمية بموجب القانون الإنسانى الدولى، إلا أنها تعرضت للقصف مرات عدة، إذ تتهم إسرائيل حماس باستخدام المستشفيات قواعد لها واستخدام المدنيين كدروع بشرية، وهو ما تنفيه حركة حماس. وذكرت منظمة الصحة العالمية أن أقل من نصف المستشفيات فى القطاع تعمل جزئيا فقط.
وسبق أن اعتبرت الأمم المتحدة أن الأوضاع الإنسانية فى غزة "تخطت الانهيار"، فى حين تقول مؤسسات إغاثية أن "كمية المساعدات المقدمة لا تزال محدودة وتواجه عقبات لوجستية عدة".
أما عن الوضع الغذائى فهو سيئ للغاية، حيث حذر برنامج الأغذية العالمى من الوضع الراهن، بعد أن أصبح هناك أكثر من مليون شخص فى رفح والمناطق المجاورة أغلبهم ينامون فى العراء حول مبانى الأونروا، فى هذا الشتاء القاسي.