كرسي في الكلوب

الأحد، 14 يناير 2024 03:45 م
كرسي في الكلوب
شيرين سيف الدين

منذ سنوات ونحن نستمع لشكاوى البعض في الجلسات الخاصة حول رغبتهم في الاستثمار والبداية في إقامة مشروعات ولو صغيرة، إلا أن العراقيل والروتين يقفون حائلا أمامهم، وسادت نظرية البيئة الطاردة للاستثمار، واستحالة إقامة مشروع خاص دون أن تكون على صلة بأحد الجهات، وغيرها من الأفكار التي يحاول أن يرددها البعض دون تأكد ومحاولة أصلا للتجربة وتحري الحقائق بشكل شخصي، بل أن البعض يردد قصصا مختلفة يبدو أنها مختلقة مثل أن "فولان" حاول وواجهته مشاكل عدة فقرر الرجوع عن الفكرة والهجرة للخارج، أو أن صديقاً له مر بتجربة مريرة حين حاول بداية مشروعه الخاص وتم رفضه والوقوف ضده…" ووو، حتى أنك من فرط ثقته تبدأ في تصديق الأمر واعتباره واقع وأمر لا نقاش فيه، إلا أن برنامجا تليفزيونيا واحدا أصبح له جماهيرية كبيرة جاء ليدحض تلك الأفكار وينفيها تماما.
 
ففكرة برنامج "شارك تانك" أساسها محاولة إقناع رجال أعمال بتبني مشروعات قائمة بالفعل، لمساعدتها على التوسع والتحول من مشروعات شخصية صغيرة ومتوسطة لمشروعات ضخمة تحقق لأصحابها المزيد من النجاح، وتساعد الدولة اقتصاديا سواء بوجود بدائل محلية تغني عن استيراد شبيهتها من الخارج، أو بتدوير رؤوس الأموال وفتح أبواب عمل جديدة للشباب، ومستقبلا التحول للتصدير للخارج وهو الهدف الأكبر والمأمول لزيادة العملة الصعبة والتحول التدريجي لدولة مصدرة ومتميزة في بعض الصناعات.
 
منذ فترة لم أجد المشاهدين وخاصة الشباب يجتمعون حول برنامج واحد هادف بهذا الشكل، بل أن حلقاته يتم نشرها بشكل كبير جدا بالإضافة لمناقشة محتواها، والفخر والسعادة بالنجاح الذي حققه العديد من الشباب الفترة الماضية دون أن نسمع عنهم شيء، وهم مجرد نسبة ضئيلة بالطبع في مقابل أعدادا كبيرة أخرى لم تشارك في البرنامج، فقد شاهدنا شبابا مفعم بالحيوية والنشاط والاجتهاد، وعقولا مليئة بالأفكار المختلفة التي استطاعت بالفعل تحقيق أحلامها والبدء من الصفر حتى خطوا خطواتهم الأولى في طريق النجاح، ومنهم من وصل لأبعد من ذلك إلا أنه لا يزال لديه طموحات أكبر استطاع يحاول أن يقنع بها لجنة التحكيم، واستطاع العديد منهم بالفعل تحقيق ذلك والدخول في شراكة مع كبار رجال الأعمال، وعرض الفكرة بأسلوب واثق ومتميز بعد دراسة مسبقة لاحتمالات المكسب والخسارة ووضع خطة قوية لكيفية إنجاح المشروع، وتجهيز كبير لكيفية تقديمها بالشكل العلمي المحسوب بالورقة والقلم، حتى أن البعض من هؤلاء الشباب المتميزين استطاعوا إشعال المنافسة بين لجنة التحكيم للفوز بصفقات معهم، وأصبح كبار رجال الأعمال هم من يرغبون بمشاركتهم لإيمانهم بالأفكار وثقتهم في أهميتها ونظرتهم الواثقة في إمكانية نجاحها وتحقيقها لأرباح كبيرة.
 
لقد أحدث هذا البرنامج نقلة فكرية في المجتمع واستطاع أن يضرب "كرسي في الكلوب " للأحاديث الجانبية المحبِطة، وللأفكار السوداوية التي ينشرها البعض ليشيعوا روح الإحباط والكسل أو حتى ليجدوا شماعة يعلقون عليها فشلهم.
 
مثل هذه الحلقات أثبتت العديد من النقاط وغيرت مفاهيم كثيرة سائدة في المجتمع منذ سنوات، أولها كما ذكرنا أن فكرة إقامة مشروع شخصي أمر شبه مستحيل وها نحن تأكدنا أن "من جد وجد"، وشاهدنا بأم أعيننا مشروعات قائمة بالفعل حتى ولو أن أصحابها واجهوا بعض الصعوبات في البداية إلا أن الإصرار كان مفتاح نجاحهم وسبب تميزهم عن المستسلمين من أول عقبة.
 
أما النقطة الأخرى الهامة فهي تغيير نظرة الكثيرين لرجال الأعمال الذين شوهتهم بعض الأعمال الفنية، فبعد متابعتهم على مدار موسمين في حلقات كثيرة تغيرت الصورة الذهنية المرسومة لهم بل على العكس فقد استطاعوا بتواضعهم ورقيهم في التعامل والنقاش مع أصحاب المشروعات المقدمة وفيما بينهم أن يصلوا لقلوب المشاهدين، بعكس أسلوب رجال الأعمال المتكبر والساخر من أفكار البعض والمحبط في النسخة الأمريكية للبرنامج، فالصورة عن قرب أكدت أن الكثير من رجال الأعمال المصريين لم يحققوا ثرواتهم إلا بإعلائهم لقيمة العمل الجاد، وبعقولهم المفعمة بالأفكار الاستثمارية التي مكنتهم من التربع على عرش الاستثمار، فحتى المشاهد العادي أصبح يتحدث عن استفادته من افكارهم وانبهاره بهم، كما أننا استطعنا أن نشاهد شبابا يبدأون أولى خطوات نجاحهم، قد يجلسون يوما جنبا إلى جنب هؤلاء الكبار في مجال الأعمال، وقد حدث بالفعل أن تقدم شاب في الموسم الأول بفكرته في مجال المواصلات العامة واستطاع بالفعل تحقيق نجاح كبير بفكرة غير مسبوقة بل وبيعها بمليارات فيما بعد.
 
وأخيرا أعتقد أن البرنامج استطاع التأكيد على دور الإعلام في تغيير المجتمع والارتقاء به، فيكفي طاقة الأمل التي فتحها للعديد من الشباب، والتأكيد على إماكنية تحقيق الأحلام، وتحويل الأفكار لواقع ناجح على أرض مصر، بالاجتهاد والعمل والدراسة وتطوير الذات ومحاولة اقتناص الفرص.
 
وعمار يا مصر.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق