غزة تعيد سيرة بورسعيد
الأحد، 07 يناير 2024 10:00 ص
المقاومة كائن حي متجدد لا يمكن هزيمته لأنه بالأساس قائم على فكرة والأفكار لا تموت ولا تفنى
بعيدًا عن العواطف والانحياز، واعتمادًا على أحكام التاريخ التي هي الملخص لتجارب الشعوب، فإنه لا يمكن هزيمة المقاومة.
المقاومة هي كائن حي متجدد لا يمكن هزيمته، لأنه بالأساس قائم على فكرة، والأفكار لا تموت ولا تفنى، بل لها أجنحة فإن ضاقت بها أرض هنا، هاجرت لتؤسس وجودًا جديدًا في أرض هناك.
ولكي يكون الكلام محددًا، فسأعيد طرح السؤال.
هل ستنتصر المقاومة الفلسطينية في حربها مع دولة وجيش الاحتلال؟
الإجابة بكل وضوح وحسم، هي، نعم وكرامة الله ونعمة عين، وزيادة في الوضوح والحسم أقول: لقد انتصرت المقاومة الفلسطينية على جيش ودولة الاحتلال.
تعالوا نسترجع ما حدث مع وطننا مصر منذ قرابة السبعين عامًا وتحديدًا في العام 1956.
في ذاك العام قرر وطننا استعادة قناة السويس التي كانت في زمن الاحتلال البريطاني لمصر، دولة داخل الدولة، بل دولة تعلو على الدولة، فالقناة اسمًا هي قناة مصرية، ولكن الواقع يقول إن للغرب مغانمها وعلى مصر مغارمها.
قرار مصر المعروف إعلاميًا باسم تأميم القناة جمع الغرب على أفجر قلب رجل واحد، وقرر معاقبة مصر وإعادة احتلال القناة بأي ثمن كان.
تشكل على الفور غربي من جناحين ورأس حربة، الجناحان كانا بريطانيا وفرنسا، ورأس الحربة كانت دولة الاحتلال، التي سارعت في يوم 29 أكتوبر 1956 بالتوغل في عمق سيناء بعد اكتساحها لقطاع غزة، ثم توجهت للتمركز بالقرب من الممر الملاحي لكي تظهر للعالم بأن القناة مهددة وبأن قواتها ستقوم بحماية القناة!
طبعًا حدث قتال بين مصر وقوات الاحتلال، وهذا ما كانت بريطانيا وفرنسا تريدانه فقد أصدرتا فورًا في الثلاثين من أكتوبر إنذارًا يطالب بوقف القتال بين مصر وإسرائيل، ويطلب من الطرفين الانسحاب عشرة كيلومترات عن قناة السويس، وقبول احتلال مدن القناة بواسطة قوات بريطانية فرنسية بغرض حماية الملاحة في القناة، وإلا تدخلت قواتهما لتنفيذ ذلك بالقوة.
كان من الطبيعي والمنطقي أن نرفض ذلك الإنذار، وقد كان رفضنا هو ما تريده بريطانيا وفرنسا، فقامتا في يوم 31 أكتوبر) بشن غارات على القاهرة ومدن القناة وسيناء!
الصمود المصري الأسطوري جعل شعوب العالم تتعاطف معنا وكذا القوى الدولية متمثلة في الاتحاد السوفيتي، ولكن هذا التعاطف لم يمنع قوات العدوان الثلاثي من تدمير مدن القناة وبخاصة بور سعيد التي قصفوها بكل ما لديهم من قنابل وصواريخ.
ظلت مصر واقعة تحت العدوان من يوم 29 أكتوبر حتى يوم 23 ديسمبر الذي تسلمت فيه مصر السلطات مدينة بورسعيد واستردت قناة السويس، وهو اليوم الذي نعرفه باسم عيد النصر وقد اتخذته مدينة بورسعيد الباسلة عيداً قومياً لها، أما قوات دولة الاحتلال فلم تنسحب من سيناء إلا يوم 16 مارس 1957.
من الذي انتصر في تلك المعركة الكبرى؟
لقد انتصرت المقاومة المصرية، نعم دفعت ثمنًا باهظًا مقابل الانتصار، نعم تم تدمير بورسعيد وتخريب البنى التحتية لكل مدن القناة وسيناء، ولكن هل حقق العدو أهدافه الاستراتيجية التي من أجلها شن عدوانه؟
كان هدف العدو فرض سيطرته الكاملة والتامة على القناة.
فهل حقق هدفه؟
القناة من يومها وهي ملكية مصرية خالصة لا ينازعها منازع، والقناة من يومها وهى قاطرة من فاطرات التنمية ورافد أساس ومركزي من روافد الموازنة المصرية.
إن النصر المصري قد جعل من العام 1956 من الأعوام التي نؤرخ بها للأحداث فنقول ما قبل عام 1956 وما بعد ذاك العام المجيد، ببركة النصر المصري تحررت إفريقيا والوطن العربي وأجزاء من أسيا ووصل مد الانتصار إلى دول أمريكا اللاتينية، وأصبحت المقاومة المصرية نموذجًا يقود خطى الشعوب التواقة للتحرر والاستقلال.
وعلى ذلك نؤكد أن دولة وجيش الاحتلال قد فشلا الفشل كله في تحقيق أهداف العدوان، فلم يتم القضاء على المقاومة بمعنى هزيمتها الهزيمة الساحقة الماحقة التي لا تقوم بعدها لها قائمة، ولم يتم تحرير أسير واحد بالقوة، ولم يتم تهجير أهل غزة والضفة.
أما النصر الذي يعني تحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر، فقادم لا ريب في ذلك، فما ضاع حق وراءه مطالب، وما النصر إلا صبر ساعة.