الأمن القومي وحدود مصر الملتهبة

اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: 2024 سيكون مليئاً بالمشكلات الإقليمية والدولية.. والدولة المصرية قادرة على مواجهة كافة الضغوط

السبت، 30 ديسمبر 2023 09:00 م
اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: 2024 سيكون مليئاً بالمشكلات الإقليمية والدولية.. والدولة المصرية قادرة على مواجهة كافة الضغوط
حاوره: محمد الشرقاوي

4 محاور مصرية للحفاظ على الأمن القومي:
 • تحديث الجيش المصرى بأحدث الأسلحة فى العالم حتى يكون على أهبة الاستعداد لتنفيذ أى مهام تكلفه به القيادة السياسية 
 • الانخراط بفاعلية فى كل المشكلات الإقليمية والعمل على حل هذه المشكلات وألا تؤدى إلى التأثير على أمن واستقرار المنطقة
 • إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول على المستويين الإقليمى والدولى وعدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة
 • دعم الاستقرار الداخلى من أجل أن يكون الشارع المصرى موحدا خلف قيادته السياسية فى مواجهة أى مخاطر تحيط بالدولة 

 
 
هل جربت مرة أن تركب سفينة وتقف فى وسط بحر تتلاطم أمواجه؟ البعض منا عاش التجربة، والبعض الآخر سمع عنها، لكن أن يعيش بلد بأكمله هذه التجربة لهو أمر شاق.
 
فى كل مرة نظن أننا هالكون لا محالة؟ لكننا ننجو، بفضل الله وبفضل ربان يدرك ويعى حجم التحديات ويجابه التهديدات، يعلم جيدا ماهية الأمن القومى المصرى وأبعاده ودوائره، وعام 2023 كان أكبر دليل على التجربة.
 
السودان مشتعل ينضح بالنازحين، وليبيا على شفا جُرُفٍ هَارٍ فى لحظة ستنهار، وها هى غزة أبى عام 2023 أن يمر عليها مرور الكرام دون أن تدخل فى نفق مظلم لا أمل أن تخرج منه فى القريب العاجل، لكننا بين كل هذه الظلمات تقف مصر، ممسكة بميزان الاستقرار، تحافظ على أمنها القومى، وتحمى شعبها، وتدعم استقرار جيرانها، وترفض كل محاولات تصفية قضية الوطن العربى الأولى - القضية الفلسطينية - فهذا قدرها على مر التاريخ.
 
فى ظل هذه التحديات نحاول استشراف الأوضاع فى العام الجديد، عساه أن يكون عام خير تشهد فيه المنطقة استقرارا، عسى أن تأتى لحظة أمل ونعبر، وحول هذا كان حوار «صوت الأمة» مع اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذى كشف فيه عن حجم التحديات وكيفية تعامل القيادة السياسية معها، مؤكدا أنها لم ولن تتهرب من مسئولياتها المنوطة بها وتفعل كل ما بوسعها للعبور إلى بر الأمان.
 
وإلى نص الحوار:
 
بداية برأيك ماذا تفعل مصر ممثلة فى قيادتها السياسية لتخفيف التحديات التى تواجه أمنها القومي؟ 

تتحرك مصر على عدة محاور رئيسية من أجل مواجهة التحديات التى يواجهها الأمن القومى المصرى، أولها: تحديث الجيش المصرى بأحدث الأسلحة فى العالم حتى يكون على أهبة الاستعداد لتنفيذ أى مهام تكلفه به القيادة السياسية حفاظا على أمنها القومي.
 
وثانيها: الانخراط بفاعلية فى كل المشكلات الإقليمية من أجل العمل على حل هذه المشكلات وألا تؤدى إلى التأثير على أمن واستقرار المنطقة، وبالتالى التأثير على أمنها القومى.
 
وثالث هذه المحاور: إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول على المستويين الإقليمى والدولى وعدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة، وبالتالى رفض تدخل أى دولة فى شئوننا الداخلية.
 
ورابعها: دعم الاستقرار الداخلى من أجل أن يكون الشارع المصرى موحدا خلف قيادته السياسية فى مواجهة أى مخاطر تحيط بالدولة المصرية.

ما تقييمك لمواقف القيادة السياسية تجاه الأمن القومى منذ 2014؟

يمثل الأمن القومى المصرى أولوية للقيادة السياسية المصرية منذ توليها المسؤولية فى عام 2014، وعلينا جيدا أن نأخذ فى الاعتبار أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان وزيرا للدفاع وقبلها مديرا للمخابرات الحربية، أى أنه يدرك جيدا معنى الأمن القومى ومحدداته، ومخاطره، وكيفية مواجهة التحديات المؤثرة عليه، ومن ثم ركز على محاربة الإرهاب حتى تم القضاء عليه، وكذا على تحديث الجيش حتى أصبح من أقوى الجيوش فى العالم، بالإضافة إلى التركيز على الإصلاحات الداخلية فى كل المجالات، ومن أهمها المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
 
كما اتخذ الرئيس السيسى قرارات مهمة فى مجال الإصلاح السياسى، من بينها الحوار الوطنى، الذى سمح لكافة القوى السياسية بأن تدلى بوجهات نظرها فى كل ما يتعلق بشئون البلاد مع تبنى أى أفكار أو مقترحات من شأنها المساعدة فى حل أى مشكلات تواجهها البلاد على المستوى الداخلى، ومن ثم يمكن القول إن الرئيس السيسى منذ تولى الحكم تفاعل بشكل غير مسبوق مع كل القضايا، التى يمكن أن تكون على تماس مباشر أو غير مباشر مع دوائر الأمن القومى المصرى.

هل نجحت مصر فى التعامل مع تهديدات أمنها القومى؟ أم ما زالت هناك مزيدا من التحديات؟ 
نجحت مصر بالفعل فى التعامل مع التهديدات التى تؤثر على أمنها القومى، وعلى رأسها المواجهة الفاعلة للإرهاب حتى تم القضاء عليه، وصارت خالية من الإرهاب، الذى بلغت تكلفة مواجهته حوالى 400 مليار دولار على مدى سنوات طويلة، إلا أنه يجب القول أن التهديدات لا تزال قائمة ونراها ماثلة أمامنا فى غزة ليبيا والسودان والبحر الأحمر والسد الإثيوبى.
 
فى ظل التطورات المتسارعة على الساحة العالمية هل ظهرت دوائر جديدة للأمن القومى المصرى؟ 
لا شك أن الدوائر التقليدية للأمن القومى المصرى ما زالت تمثل الأساس بالنسبة لشكل وأسلوب وجوهر التعامل معها، وخاصة فيما يسمى بالدائرة الأولى أو المباشرة وهى حدودنا مع دول الجوار، وجميعها مشتعلة، إلا أن التطورات الحديثة أكدت أن هناك تهديدات أخرى لا تقل أهمية عن الدوائر التقليدية، وأعنى بها حروب الجيل الرابع التى تهدف إلى إسقاط الدول من داخلها، وبالتالى فإن مواجهة هذه المتغيرات الجديدة يتطلب أساليب حديثة للتعامل معها.

ما توقعاتك لعام 2024 فى ظل منطقة ملتهبة؟
للأسف الشديد فإن عام 2024 لا ينبئ بأن المنطقة سوف تنعم بالاستقرار الذى ننشده، حيث إن كل الشواهد تشير إلى أنه عام ملئ بالمشكلات التى سوف تستمر معنا لفترة ليست قصيرة سواء فى القضية الفلسطينية أو ليبيا أو السودان أو البحر الأحمر أو سد النهضة، ولازالت المنطقة مهيأة لأن تكون عرضة لمزيد من المشكلات والصراعات خاصة وأن الأمل فى أن يتم حل أى من هذه المشكلات يكاد يكون ضعيفا للغاية.


إذا تحدثنا عن الدائرة الأولى من دوائر الأمن المصرى والتى تؤكد الشواهد أنها مشتعلة، ونبدأ بالحدود الشرقية الممثلة فى فلسطين، فإلى أين تتجه الأوضاع فى قطاع غزة؟ 
 
للأسف الشديد تتجه الأوضاع فى قطاع غزة إلى الأسوأ، فإسرائيل تفعل كل ما هو ممكن لتدمير القطاع، وتقتل المدنيين، وتواصل عملياتها العسكرية، وتقوم بكل ما يتعلق بالإبادة الجماعية، من قتل المدنيين، وتدمير المنازل والمرافق، والمؤسسات الصحية، والتعليمية.
 
لقد وضعت إسرائيل بعض الأهداف، وأعلنت أنها فى «حالة حرب»، من بينها القضاء على حماس، وتدمير بنيتها العسكرية، وإنهاء سيطرتها على الحكم فى القطاع، بصفتها مهدد لتل أبيب، وهذا الأمر صعب تحقيقه، فبعد مرور نحو 85 يوما، لم تحقق إسرائيل ما تريد، وهذا يظهر فى عمليات القصف العشوائى فى كل أنحاء القطاع من الشمال إلى الجنوب، وبالتالى القطاع فى حالة من التدهور الشديد، خاصة وأن هناك كارثة إنسانية غير مسبوقة فى القطاع. 

ما تقييمك للتعامل المصري منذ بداية أحداث 7 أكتوبر؟

التعامل المصري من 7 أكتوبر مميزا للغاية، فالرئيس عبد الفتاح السيسى تحرك من اليوم الأول على كل الاتجاهات، وأجرى العديد من الاتصالات مع زعماء العالم، من أجل وضع حد لهذا التدهور العنيف فى الأوضاع.
 
وأيضا وضع الرئيس السيسى المحددات الأساسية للموقف المصرى للتعامل مع الأزمة، وهى: رفض فكرة التهجير القسرى، ورفض أى أنواع التهجير سواء من غزة إلى غزة أو من غزة إلى رفح وهذا بالنسبة لمصر خط أحمر، بالإضافة إلى أننا طالبنا بوقف العمليات العسكرية، ودخول المساعدات الإنسانية، وفتحنا معبر رفح من اليوم الأول لإدخال كافة المساعدات الواردة عن طريق مصر، وغالبية المساعدات التى دخلت هى مساعدات مصر.
 
وعلينا أن نعلم أن الرئيس السيسى لم يكتف بذلك، بل دعا لعقد مؤتمر القاهرة للسلام فى 21 أكتوبر 2023 حضرته 34 دولة، طرح خلاله مبادرة من 3 نقاط، أهم ما فيها وقف العنف وإدخال المساعدات وإطلاق المساعدات، ناهيك عن الجهود الموسعة للدخول فى هدنة إنسانية ووقف العمليات على مدار الساعة.. الحقيقة الموقف المصرى كان على مستوى المسئولية.

من وجهة نظرك ما حجم الضغوط التى تواجهها القيادة السياسية بسبب موقفها من رفض تصفية القضية الفلسطينية؟

الدولة المصرية قادرة على مواجهة التحديات وقادرة على مواجهة كافة الضغوط من أى طرف كان، فلن نقبل بالتهجير إلى سيناء، التهجير بالنسبة لديها خط أحمر، ولن نقبل بتصفية القضية الفلسطينية، ونحن على قدرة كبيرة من التعامل مع كل التحديات، أو مخاطر تتعلق بهذا الأمر، وأؤكد أن مسألة الضغوط لن تكون سيف مصلتا على رقبة دولة تعلم كيف تتحرك، ولديها قيادة وتعلم وتعى مفهوم ومحددات الأمن القومى المصرى.
 
اذا انتقلنا إلى الحدود الغربية، وفى ظل الهدوء الحذر فى ليبيا مع احتمالية اشتعال الأوضاع فى أى وقت.. هل من الممكن الضغط على مصر بورقة ليبيا؟
ليبيا بالنسبة لمصر قضية أمن قومى، نتعامل معها بكل جدية، ونتابع كافة تفاصليها، وتطوراتها، ولديها قنوات اتصال قوية مع كافة أطراف الأزمة الليبية سواء فى الشرق أو الغرب.
 
إننا نطالب بأن تتحلى كل القيادات السياسية بالمسئولية والإرادة السياسية حتى يمكن أن تصل ليبيا إلى إجراء الانتخابات وإلى إعادة الدولة الوطنية القومية الليبية، ولا نتعامل مع الضغوط، فنحن دولة قوية تعلم كيف تتحرك، ونحن على قدرة كبيرة فى كيفية التعامل مع كافة الأمور، بما يحقق الأمن القومى المصرى، وأؤكد مصر لن تخضع لأى ضغوط من شأنها التأثير على الأمن القومى المصرى.

إلى أين تتجه الأوضاع السياسية فى ليبيا بعد مبادرة باتيلى الخماسية؟

الموقف المصرى من مبادرة باتيلى يأتى فى إطار الموقف المصرى العام، المطالب بأن تكون هناك توافقات على كل الإجراءات التى تؤدى إلى إجراء الانتخابات، كنا نتمنى أن يتم إجراء الانتخابات فى 2022، وللأسف لم يحدث ذلك، ولا حتى فى 2023، وإن كنا نرى أن مبادرة باتيلى تؤدى إلى توحيد الصفوف لكن الليبيين أنفسهم لم يتفقوا عليها وليس هناك إجماع حولها الآن.
 
الأوضاع فى ليبيا تتجه إلى مزيد من التوتر، وتحاول مصر التحرك أيضا مع كافة الأطراف من أجل احتواء الموقف المتصاعد، فيكفى من عمر الأزمة 12 عاما، ونتمنى أن تحدث انفراجة للأزمة فى 2024.

لماذا لا تحل الأزمة فى ليبيا مع دخول عامها الـ13؟
 
لا تحل الأزمة الليبية لعدة أسباب، هى: أن الأطراف الليبية لا تمتلك الإرادة السياسية الحقيقة لحل الأزمة حتى الآن، والمشكلة يجب أن تحل من خلال الليبيين أنفسهم فالشعب هو من يضع أسس الحل، وأيضا لا نغفل التدخلات الأجنبية المتعددة، وجميعها لا تهدف إلا للحفاظ على مصالحها وليس الحفاظ على الليبيين، بل استغلال ثرواتهم النفطية، وبالتالى إطالة أمد الصراع. 

وفيما يتعلق بالحدود الجنوبية، ما تقييمك للموقف المصرى تجاه الأوضاع فى السودان؟ 
 
الموقف المصرى من بداية الأحداث فى السودان حتى الآن، يتحدد فى مجموعة من النقاط، أولها ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى السودانية، ويجب أن نحافظ على استقراره وأمنه، فهى قضية أمن قومى مصرى من الدرجة الأولى.
 
لقد طلب الرئيس السيسى من اليوم الأول جلوس كل الفرقاء السودانيين، وأن يكون هناك توافق على محددات حل الأزمة، لكن هناك صراع على السلطة، وهناك أطراف خارجية تعقد الأزمة، وبالتالى يتدخل البعض لإطالة أمد الصراع وليس حله.

هل يشهد عام 2024 استقرار السودان؟
المقدمات تشير حتى الآن إلى أن الوضع يتجه إلى مزيد من التوتر، وغير آمن، ونأمل فى عام 2024 أن يستمع الأخوة فى السودان من أصحاب القرار والمسؤولية والحركات المدنية إلى صوت العقل، وأن يجتمعوا جميعا على مصلحة السودان.
 
لكن ما دام هناك أن يحقق كل طرف مصالحه فإن الأمر يتجه إلى مزيد من التدهور، لذا فالحل الوحيد أن يجلس جميع الفرقاء على طاولة واحدة، ويحددوا ما هو أسلوب الحل، ونحن كمصر سندعمهم حتى حل الأزمة، ولن نترك أى دولة مجاورة وستساهم فى حل مشاكلها، وكل دول الجوار هى قضايا أمن قومى مصرى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق