الدكتور عبد المنعم سعيد يقرأ سياسات مصر الخارجية في العام الجديد: القاهرة تمتلك عدة أوراق وإمكانيات في الشرق الأوسط وعليها التواصل مع الجميع دون استثناء

السبت، 30 ديسمبر 2023 08:00 م
الدكتور عبد المنعم سعيد يقرأ سياسات مصر الخارجية في العام الجديد: القاهرة تمتلك عدة أوراق وإمكانيات في الشرق الأوسط وعليها التواصل مع الجميع دون استثناء
حوار: السعيد حامد

علاقتنا مع واشنطن تحكمها «المصلحة» وليست عدائية.. وعلينا الاستعداد جيدا لساكن البيت الأبيض الجديد
أوربا ستصبح الأكثر قربا لنا فى المستقبل.. وصعود اليمين الأوروبى لن يؤثر علينا إذا وفرنا فرصا استثمارية مغرية 
الصين خرجت من الخمول إلى الانتشار الاستراتيجى عن طريق الحزام والطريق ومفيدة لنا اقتصاديا وسياسيا
الأتراك لديهم فهم أن إنشاء نظام أمن إقليمى مستقر يحتاج مصر.. ونريد إجابة عن سؤال: «ماذا نريد من روسيا؟»
الانضمام لتحالف بريكس سيفيدنا فى اقتحام وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات والبضائع المصرية
ترامب تحكمه نزعه انعزالية وأحدث هزة كبيرة جدا للمؤسسات الأمريكية وأراد احتكار الجميع
 
 
وسط تحديات إقليمية ودولية تشهدها الدولة المصرية، تبدو السياسية الخارحية اللاعب الرئيسى والأبرز فى كل الأحداث والمناسبات، فثمة صراعات ونزعات مسلحة وحروب أهلية تحيق بمنطقة الشرق الأوسط وفى القلب منها مصر، ومعها تكون الدبلوماسية السلاح الفعال والقوى لتحقيق المصالح العليا المباشرة للدولة.
 
«صوت الأمة» حاولت أن تقف على المشهد الاقليمى والدولى فى 2024، والدور المصرى، فكان اللقاء مع الدكتور عبدالمنعم سعيد، السياسى والمفكر المصرى الكبير، وعضو مجلس الشيوخ الحالى، للحديث عن علاقات مصر الخارجية ومستقبلها فى عام 2024، وعن الانتخابات الرئاسية المصرية ودلالات المشاركة الكبيرة من المصريين، والدور المصرى فى أحداث العدوان الإسرائيلى على غزة.. وغيرها من الملفات والأحداث المهمة.
 
وإلى نص الحوار:
 
بداية.. هل تؤثر الأحداث الجارية فى مضيق باب المندب على المصالح المصرية؟
ستؤثر بالطبع على قناة السويس، لأن هناك سفن أعلنت عن تغير مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وشركات كبرى قالت إنها قد تضطر إلى ذلك، أى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح، والأرقام التى ذكرتها قناة السويس تقول إن 55 سفينة فقط هى من عادت أدراجها، بينما نحو 2000 سفينة عبروا القناة، فدعنا ننتظر.
 
فى المقابل شكلت الولايات المتحدة تحالف لحماية حرية الملاحة، لكن من الممكن أن يؤدى إلى حدوث اشتباكات، وأول ضرر يحدث نتيجة لذلك هو أن شركات التأمين ترفع على الفور أسعار التأمين على الحاويات، وبالتالى ترتفع أسعار المنتجات، ثم نحن لا نعرف الألية التى يفرق بها الحوثيين بين السفن المتجهة إلى إسرائيل وغيرها من السفن المتجهة إلى أماكن أخرى.
 
هل من المفترض أن تشارك مصر فى أى تحالف قد يتشكل فى الوقت الراهن؟
مصر كانت شريك فى مجموعة أو تحالف معنى بمكافحة عمليات القرصنة فى البحر الأحمر، والتى كان ينفذها تنظيم الشباب فى الصومال، وكانت تلك العمليات تهدد أيضا الملاحة فى قناة السويس، وحتى الطريقة التى كانت تدار بها المجموعة البحرية التى تسمى المجموعة 135 كانت تحت القيادة المصرية حتى السنة الماضية، وهذا يعنى بالطبع أنها تقود قطع بحرية أمريكية، وغيرها من الدول المشاركة فى هذا التحالف، وأعتقد أن مصر مكتفية بهذا الأمر، لأن الفكرة هنا، أن مصر والسعودية أيضا كذلك، لا تريد صرف الأنظار عن أحداث غزة، فطريق المواجهة مع الحوثيين سيقود إلى إيران، وبالتالى قد يحدث تصعيد إقليمى كبير، وعلى الأقل فى المرحلة الأولى هذه، التركيز الجارى من الناحية المصرية، هو حسم أزمة العدوان الإسرائيلى على غزة أولا.
 
هذا يعنى أن حل أزمة غزة يوقف هجمات الحوثيين ضد السفن فى البحر الأحمر؟
فى رأيى أن أزمة الحوثيين غير مرتبطة بالأحداث الجارية فى اليمن، وكل ما فى الأمر أن إيران تريد استغلال أحداث غزة فى استخدم أدوات تزعم أنها لصالح الفلسطنيين، وبالتالى تحقق انتصار سياسى معنوى.
وإيران دولة إقليمية كبيرة، وصحيح أنها لم تطلق تجاه إسرائيل أى شىء، لكن أنصارها من الفلسطنيين ومن اللبنانين ومن العراقيين، جميعهم مدينون لها بالأموال والتدريب والتسليح.
 
وما هو تصورك لعلاقة مصر مع إيران فى المستقبل؟
علاقة مختلطة، ليست حميمة بالتأكيد ولا صديقة، ولن أقول أيضا إن مصر تسعى إلى أن تكون العلاقة بينهما عدائية، على الأقل فى المرحلة الراهنة.
 
فى 2024 سنشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والحديث دوما عن مرشحين عن الحزبين الديمقراطى والجمهورى، من وجهة نظرك أيهما أفضل لمصر الحزب الجمهورى أم الحزب الديمقراطى؟
مصر ستتعامل مع أمريكا وترى من يجلس على كرسى الحكم، وكل مرشح له مزايا وله وعيوب أيضا، لكن فى النهاية هناك جزءا هيكليا، فأنت تتحدث عن دولة عظمى، ودعنا لا ننسى أن الحزبين الجمهورى والديمقراطى، مارسا علينا لعبة حقوق الإنسان والديمقراطية، والحكاية هذه بدأت منذ فترة الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن، بينما بوش الأب كان صديقا وعلاقته كانت جيدة مع الرئيس الراحل حسنى مبارك، والعلاقة بين مصر والولايات المتحدة توترت عقب زيارة كونداليزا رايس إلى القاهرة، ثم جاءت إدارة أوباما، وبعدها جاء دونالد ترامب، ورغم ما يبدو أن العلاقة كانت جيدة، لكن ترامب اتخذ قرارات فى المنطقة لم ترضَ عنها مصر، مثل موضوع ضم القدس إلى إسرائيل، وما أحدثه من تغيير فى الواقع الفلسطينى الذى كان أفضل حال مما هو عليه قبل قدوم ترامب.
ومثلما لا يختار الشخص والده ووالدته، فإلانسان لا يختار العالم الذى يعيش فيه ولا الدول المجاورة، فالقصة هى أن عليك أن تتعامل مع الموجود كما هو، وتأكد أن كل شىء عبارة عن خلطة مزايا وعيوب.
القضية إننا لدينا مجموعة مصالح خاصة نرى أنها مهمة، والولايات المتحدة الأمريكية، ليست حزب ديمقراطى وجمهورى فقط هناك تقلب فى من يحكم البيت الأبيض، بمعنى أنه كيف يفكر فى مصر، هل يفكر فيها كدولة إقليمية مهمة؟
وكلمة حليف استراتيجى تستخدم كثيرا، لكن عمليا مصر لم تكن أبدا حليفا استراتجيا للولايات المتحدة، وربما يكون المقصود بالكلمة أن العلاقة بينهما جيدة، لأن «حليف استراتيجى» تعنى أن تكون مصر عضوا فى حلف شمال الأطلنطى، وتكون هناك وثيقة كبيرة بها مواد ملزمة للطرفين، وتشرح طبيعة العلاقة بينهما، فكلمة حليف اسراتيجى مجازا تعنى أن العلاقة بينهما قوية، فمصر بالنسبة لأمريكا إبان إدارة كارتر كانت قوية، فهى مع السلام وتقوده فى المنطقة، لكن عقب ذلك، كانت أمريكا ترى مصر فى أوقات كثيرة على أنها بلد تتراجع وبها حالة جمود، إلى أن جاءت أزمة احتلال الكويت، أصبحت مصر مهمة جدا، بعد أن عقدت القاهرة قمة عربية واتخذت قرارات فى غاية الأهمية، وكانت معادلة القصة بين القاهرة وواشنطن هو إجراء إصلاح اقتصادى جاد وقد فعلنا، وبدأ معدل النمو بين 93 و97 فى الارتفاع، إلى أن جاءت بعد ذلك وزارة الجنزورى، وبدأنا فى التراجع والعودة للخلف فيما يخص الإصلاح الاقتصادى، كما نفعل دائما وهذه عادة مصرية أصيلة، إلى أن حل الربيع العربى وخلق حالة معينة، فى ظل وجود إدارة أوباما، الذى تصور أن هذا هو اتجاه التاريخ، مثلما أخبره مساعديه، وبالمناسبة جو بايدن حينما كان نائبا لاوباما، وهيلارى كلينتون وزيرة الخارجية وقتها كانا من الفريق المعارض للربيع العربى.
 
إذن كيف ستدير مصر علاقتها مع أمريكا فى ظل احتدام الصراع الانتخابى؟
مصر ستفعل مثلما حدث فى الانتخابات السابقة من بناء جسور مع دونالد ترامب وكان حديث الصعود، وأبقت على العلاقات التى كانت قائمة فى ذلك الوقت مع الحزب الديمقراطى، وفى الوقت ذاته لم تكن بعيدة عن المرشحة السابقة هيلارى كلينتون، وكان من الممكن بناء علاقة معها، وحين فاز ترامب كان لحديثه وتصريحاته التى بدأت أثناء الحملة الانتخابية مردود إيجابى على العلاقة مع الإدارة المصرية، وهو لم يأت لزيارة لمصر، لأنه كان عنده ازدراء لكل العالم فى الحقيقة بما فيه بريطانيا، وحين ذهب لزيارة إنجلترا شاهدنا كيف تعامل مع الملكة.
ترامب كان يرى أن العالم كله عبء على أمريكا، وعليها أن تتركه، إذ كانت لديه نزعة انعزالية، أمريكا قارة وما يهمها بالكثير أمريكا الجنوبية، أى مبدأ «مونرو» إن جاز التعبير، وعلى الولايات المتحدة أن تعقد صداقات مع الدول القوية، فاستطاع حل المشكلة مع شمال كوريا الشمالية، وهى المشكلة التى لم يحاول أحد قبله أن يحلها، ثم ضم كل الشخصيات اليمينية، لأنه كان يريد خلق تكتل قائم على العنصرية، وأعتقد أن اتهامه بأنه خطر على الديمقراطية الأمريكية اتهام صحيح، ودائما نقول إن أمريكا دولة مؤسسات، وتلك المؤسسات خلقت حدا أدنى من التوافق ما بين الطوائف السياسية كلها.
وما حدث أن ترامب أحدث هزة كبيرة جدا للمؤسسات الأمريكية الأساسية سواء الكونجرس أو وزارة الدفاع أو المخابرات الأمريكية، وطبعا فى الميديا، خلق حكاية «الفيك نيوز»، وكان يزدرى الصحفيين، لكن فى الوقت نفسه لم يستطع أن يستغنى عنهم، فى الحقيقة هو كان يحتكر الجميع، وكان يعتقد أن الجميع «أفاقون» ويعملون لحساب أشخاص آخرين، ويمكن القول إنه كان رجل أعمال «مجرما»، لديه تاريخ من العلاقات مع النساء والشركات.
الأن، تقول استطلاعات الرأى العام إن ترامب قد يفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وبالتالى يجب أن نحضر أنفسنا ونستعد، فما يهمنا فى هذه القصة وفى أى قصة هى مصلحة مصر، وبالتالى أنا لازم أر أقصى شىء نستطيع أن نأخذه من ترامب أو بايدن، وأيا كان من يحكم البيت الأبيض، المفترض أن من يأتى نكون قد استعددنا له وذاكرناه جيدا ونرى كيف كان أصله وكيف يفكر.
 
هناك من يتحدث عن أن الإدارة الديمقراطية ونقصد تحديدا أوباما دعمت تيار الإسلام السياسى والإخوان، فهل هذا يعنى أن الديمقراطيين سيكونون على نفس الخط؟
الإدارة الأمريكية لم تقتنع أنه لا فرق بين الإخوان وتنظيم القاعدة، وهذا تتداخل فيه العناصر بشكل كبير، جزء منها كيف قدم الإخوان أنفسهم للغرب وواشنطن بالتحديد، فكل شخصيات الجماعة الذين اللى هاجروا وتركوا مصر أدخلوا أولادهم فى المدارس هناك، شخص مثل شادى حميد «مركز بروكنجز» على سبيل المثال، وأنا ذهبت إلى هناك مرتين، وحين تشاهد شخص متعلم فى جامعة ذات شأن ولغته الإنجليزية جيدة، القصة كلها أنهم عرفوا كيف يقدمون أنفسهم إلى واشنطن التى صدقتهم، والغريب أن من صدقهم كانوا يهود، أنهم فى الحقيقة ليبراليون ومعتدلون.
الإخوان نجحوا فى هذا الخداع وهذا أول عامل مهم، ووقتها كان أوباما يرى أن البلاد أما ديمقراطية ليبرالية، أو سلطوية مستبدة، فكان هذا هو الوقت المناسب، وأريد أن أقول أن هذه القصة أو هذه الصورة كانت المنتشرة فى مصر. 
الإخوان كان لديهم القدرة على خداع المجتمع، لكن فى رأيى أنهم بالنسبة للدولة المصرية لم يستطيعوا أن يخدعوها، والعلاقة الحاكمة بين الإسلاميين والدولة، كانت فى إمكانية وجود مساحة مشتركة تجمع بينهم وبين الدولة، لكن دون أن يسيطروا على الأمور، وحين يبدأون فى السيطرة نذهب بهم إلى السجن، فكان هناك علاقة ملتبسة متواجدة عبر سنوات.
 
اذا انتقلنا للعلاقة مع أوربا كيف ستكون فى العام الجديد؟
أرى أن العلاقات بين مصر ودول القارة العجوز، ستصبح أكثر قربا فى المستقبل، لأن مصر أقرب إلى أوروبا من الولايات المتحدة الأمريكية وحتى روسيا أو الصين، فالعلاقة مع بلدان مثل قبرص واليونان وإيطاليا وإسبانيا دائما قوية، ودوما علاقات دول جنوب أوروبا تكون حميمة مع مصر، ونحن بدأنا فى إقامة وتربية علاقات خاصة مع ألمانيا، رغم أن ألمانيا أصبحت أكثر تطرفا فى تأييد إسرائيل بسبب العقدة القديمة والهولوكست، لكن ستجد الألمان والهولنديين والدنماركيين أكثر تعصبا فى مقاييس الديمقراطية، بمعنى أنه تقريبا يريد أن يأتى ليحكمك، حتى يتمكن من تشكيل محكمة معينة لمحاكمة علاء عبد الفتاح على سبيل المثال.
وألمانيا فى الوقت ذاته بلد بيزنس، وساعدت مصر فى حل أزمة الكهرباء من خلال شركاتها.
 
إذن هل يؤثر صعود أحزاب اليمين المتطرف على العلاقة مع مصر ودول المنطقة؟
من الممكن أن يؤثر ذلك على مصر، لكن المسألة هى كيف تجعل مصر مغرية كفرص استثمارية وفرص سياحية، لأن كلمة اليمين ملتبسة أحيانا، فاليمين قد يعنى العزلة، خاصة اليمين الذى هو قضيته الأولى هو وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين والنازحين من الجنوب، فى أمريكا الميكسيكان والقادمين من أمريكا اللاتنية، وفى أوروبا القادمين من الشرق الأوسط، وفى اليابان وحتى روسيا المهاجرين القادمين من الهند، وهذا الوضع حدث بسبب العولمة، فطالما تتحدث الدول الكبيرة عن العولمة دوما، إذن أنا كمهاجر قادم لديك لكى تجد لى فرصة عمل، وصادف هذا مع الشيخوخة المتواجدة فى أوروبا، فقررت الدول استيعاب بعض الناس.
ولكن الألمان فرضوا سيستم جيد، يقضى بتعليم المهاجر اللغة الألمانية وذهابه إلى الجامعة للتعرف على التاريخ الألمانى، بمعنى «محدش يطلع من الدار للنار»، وهذا النظام سيأخذ بعض الوقت لكى نقيس مدى نجاحه، والأمريكان طوال تاريخهم لم يفعلوا هذا النظام.
 
وكيف سيكون مشهد العلاقات المصرية الصينية، أخذا فى الاعتبار أن بكين دوما تظهر بمظهر المساند للقضايا العربية؟
القضايا العربية تعنى عند الناس، القضية الفلسطينية، لكن لماذا لا تكون القضية العربية، هى التنمية أو الصراعات الإقليمية الأخرى، والصين مع أن يسود الهدوء العالم وأن لا يوجد به صراعات؛ فهى بلد خرجت من الخمول الاستراتيجى إلى الانتشار الاستراتيجى فى العالم عن طريق الحزام والطريق، عن طريق أنها أكتر بلد بتنتج للعالم كله، ولا توجد دولة فى العالم إلا ولديها عجز فى الميزان التجارى مع الصين، وأمريكا أولى هذه الدول.
والصين تصدر إلى أمريكا بنحو 500 مليار دولار بينما تصدر أمريكا للصين بنحو 136 مليار دولار، بما يعنى أن هناك فرق كبير جدا، وعلى مدى سنوات العجز فى الميزان التجارى هذا أنتج فائض كبير فى الدولار لدى الصين، والقضية باتت أنه من مصلحة الصين أن يظل الدولار مرتفعا.
والصين موقفها من القضايا العربية مواقف تقليدية «بوقية» أستطيع قول ذلك، خاصة القضية الفلسطينية وإسرائيل، بمعنى أنها لن تدفع ثمنا حتى تحرر فلسطين، خاصة فى الوقت الذى بنت فيه إسرائيل مع الصين مصلحة كبيرة فى التكنولوجيا.
 
وعلاقتها مع مصر؟
هى علاقة جيدة دائما، والقصة أنه حين تعرض على الصين اتفاق تجارى جيد ستوافق على الفور، عرضت عليها إنشاء البرج الأيقونى فى العاصمة الإدارية ووافقت على الفور، والآن الصين لديها أكبر مجموعة صناعية فى محور قناة السويس الاقتصادى، وأنا ذهبت إلى هناك وزرت مصنع، أبهرنى، ونحن نمتلك نوع من الرمال والصخر متواجد بكثرة، هم يحصلون عليه ويضعونه فى أفران تحوله إلى سائل، والسائل بعد ذلك يتحول إلى شىء يشبه الغزل والنسيج كالخيوط، ومن ثم تتم الاستعانة بها فى صناعة الأبواب والأرضيات والثلاجات والنوافذ وهياكل السيارات، ويصدر فى السنة بـنحو 200 مليون دولار، ويضم 1600 عامل من بينهم 14 صينيا فقط، ما يعنى أنه لدينا مصانع من تكنولجيا متقدمة من هذا النوع.
فى الحقيقة التجرية الصينية يمكن الاستفاد منها، ومن ما أسميه «الكمول الاستراتيجى»، ومعناه أنك لا تشغل بالا بالقضايا الدولية، وهذا ما كان يحدث من الصين فى السابق، لكن الأن باتت قوة عظمى، وذلك لأن القوى الثانية التى هى أمريكا أصابها الوهن، والصين استفادت كثيرا من التكنولوجيا الأمريكية سواء من تسريبات دول مثل إسرائيل أو سنغافورة، أو أى بلد يلتحم جديا مع التكنولوجيا الأمريكية، ومصر لديها فرص كبيرة جدا، ودائما أقول لا يوجد بلد غنى وبلد فقير، هناك بلد يشتغل ويعمل وبلد لا يشتغل ولا يعمل، وبالمناسبة معدل الفقر فى الصين أقل منه فى أمريكا؛ فبحسابات البنك الدولى نسبة الفقر فى أمريكا 18% والصين 10%، وهذا ياعنى أننا نتحدث عن نحو 150 مليون من الفقراء من المليار والـ500 مليون فى الصين.
وفى رأيى يجب على مصر أن تتواصل مع الجميع، لأن مصر تمتلك عدة أوراق وإمكانيات فى الشرق الأوسط، فالصين على سبيل المثال ليس لديها منطقة مثل سيناء وقناة السويس، وبكين حريصة على الاستثمار فى مصر، ولديها وفرة كبيرة فى الإنتاج ومن الأفضل لهم تخزينها فى مصر، إلى أن تحتاجها أورويا فيجرى إرسالها لهم فى وقت قصير ودون تأخير، ومصر بدأت فى إدراك ذلك، وإدراك أيضا أن مشروعات «اللوجستيكس» باتت مسألة أساسية، وبات من المهم إنشاء الموانئ الجافة التى هى عبارة عن مخازن، وفى النهاية أرى من المهم أن تتعامل مصر مع كل الأطراف الدولية التى تحتاجها، سواء تكنولجيا أو كسوق، والصين شريك تجارى مهم وهى من أكثر الدول التى نصدر لها.
من جانب آخر، الصين تريد تهدئة المنطقة، بسبب مصالحها الكبيرة فى أن تستورد دول المنطقة والعالم بضائعها، وكل شىء فى مصر يبدأ من الاعتماد على نفسها، بمعنى أن نعتمد على مصر والمصريين نفسهم، عبر استغلال الطاقات المتواجودة والمتوفرة لدينا، وهو وأكثر شيء يجعل العالم يرغب بشدة فى إقامة علاقات معك.. لأن السوق المصرى كبير نسبيا، صحيح أنه ليس مثل الصين والهند، لكنه بالتأكيد أفضل من دول زى البحرين ودول الخليج.
 
وماذا عن العلاقات مع روسيا الاتحادية؟
السؤال المهم هنا: ماذا نريد بالتحديد من روسيا؟ ولماذا نريد أن تكون روسيا موجودة فى الشرق الأوسط؟ 
مصر ما زالت لديها أسلحة روسية، وبالتالى يجب أن أحافظ على العلاقة مع موسكو، ثانيا تربطنا علاقة تجارية لابأس بها مع روسيا، وأنا كمصر أريد أكبر جزء ممكن فى العالم أصدر لها وأكبر جزء من العالم استورد منه احتياجاتى، وروسيا ليست بلد صغيرة إلى جانب هم لديهم منطقية صناعية فى قناة السويس على غرار الصينين، لكن ليست بالنشاط والحيوية التى عليها المنطقة الصيينية، وأنا من مصلحتى أن أحافظ على العلاقة مع الروس.
 
أذا تحدثنا عن تركيا التى اتسمت العلاقة معها بالدفء العام الماضى، كيف ترى مستقبل هذه العلاقة؟
أعتقد أن العلاقة ستكون أفضل، وما هى مصلحتنا المشتركة؟ نحن لدينا مصالح اقتصادية وتجارية لا بأس بها، لكن نحتاج لاتفاق على ليبيا وعلى الغاز فى شرق البحر الأبيض المتوسط.
وأعتقد أن الأتراك لديهم فهم إنه بعد فترة قطعية والإدراك أنه لإنشاء نظام أمن إقليمى مستقر، ستحاج فيه إلى مصر بالأساس، وتحتاج تركيا والسعودية وحتى هتحتاج إيران، وأردوغان كان يرتدى قميص فلسطين ثم ما أن لبث وعاد إلى إسرائيل سريعا، لكن حين بدأت فظاعات إسرائيل أصدر بيانات قوية جدا، وهو عضو فى حلف الأطلنطى، والحلف بجميع دوله يدعم إسرائيل قلبا وقالبا، لكنه قبل أن يبقى مغترب فى وسط القارة الأوروبية، لأن الضغوط الشعبية كانت كبيرة جدا، ولا أعتقد أنه تركيا تمول حماس ونحتاج دليل قوى لترديد مثل هذا الحديث.
ومصر تدافع عن الفسلطيين فى موضوع الإغاثة وتركيا كان لها دور كبير أيضا فى هذا الشأن، وكثير من الفلسطنيين يريدون توريط مصر فى حرب مع إسرائيل بسبب الأحداث، لكن نحن عندنا إزاى تمنع عملية التهديد القصرى، إنك تضرب من يدفعهم، بينما نحن نريد عمل ميزان لا يحدث فيه اشتباك عسكرى، ومهمة مصر الأساسية لمنع التهجير القصرى هو الإغاثة، وهى تتم بانتظام والعالم العربى يقدم إغاثات كبيرة، والقضية كيف تدخل هذه المساعدات للداخل الغزاوى، ولا أستبعد أن يزور الرئيس التركى مصر فى القريب العاجل، ونحن وهم لسنا فى احتياج لبعضنا، لكن لدينا مصالح معهم، هناك ميزان تجارى لصالحهم، وأعتقد أن البلدين تجاوزا قضية دعم تنظيم الإخوان، بعد الإجراءات التى اتخذتها تركيا من طرد العناصر وإجبارهم على الذهاب إلى ماليزيا وبريطانيا، وهى لا تمول الأن تلك العناصر.
لكن يبقى الموقف من ليبيا الأكثر تعقيدا، لأن دورهم فى ليبيا مرتبط بدروهم فى سوريا، وسوريا مرتبطة بقضية خاصة بالأمن التركى، وهى قضية الأكراد.
وأريد القول إن السياسية الخارجية المصرية لا تترك صخرا إلا ونظرت أسفله، فنحن من مصلحتنا أن نبقى على علاقة جيدة مع الإيرانين والأتراك والإسرائليين، وفى رأيى حل هذه المذبحة الجارية فى غزة تطلب حديث مباشر مع إسرائيل.
 
إذن هل يمكن تحقيق وبناء سلام حقيقى مع إسرائيل؟
أنا لا أثق فى أى أحد سوى مصر، ولكن القضية إنك تحتاج لكى تحل مشكلتك، أن تعزل تيار التطرف داخل إسرائيل الذى بدأ يكون متوحش، ولن يكون متوحشا ضد الفلسطنيين فقط، لكن سيصبح هكذا ضد مصر وضد السعودية، وضد «الأغيار» بالنسبة لهم، وهذا التيار لكى تعزله تحتاج أن تتحدث مع الأطراف الأخرى، ولدينا هنا تيار يرفض قطعا التحدث مع أى طرف، إذن كيف تحل القضية الفلسطنية، بالمقاومة؟ بمعنى أن نظل فى قضية الحرب ضرب ومضروب وهكذا للأبد، لا بد من تنفيذ عملية استعياب ديموغرافى لإسرائيل.
 
فى رأى يجب إنهاء أزمة أحداث غزة أولا، ولن ننهى تلك الأزمة سوى بعد أن ينظم الإسرائيلين اليهود مظاهرات ومسيرات تطالب بإحلال السلام، مثلما حدث إبان فترة الرئيس السادات فى عام 1977، وأن يكون السلام جزء من أولوياتهم، ويكون فى المقابل موقفهم من المستوطنين مثل موقف المصريين من الإخوان هنا فى مصر، وبالمناسبة لديهم هذه الآراء فى إسرائيل، أولا لدينا بضاعة مهمة جدا هناك، هى 2.1 مليون فلسطينى داخل إسرائيل، يجب أن يجمعهم حزب واحد، حتى يتمكنوا من حصد ما لا يقل عن 18 مقعدا فى البرلمان، وبهذه الطريقة يمكن أن يكون ليك دور مهم وفعال فى السياسية الإسرائيلية.
 
وأولى الخطوات التى يجب حدوثها الأن هى وقف إطلاق نار، لكن لحدوث ذلك ومن ثم محادثات سلام قائمة على حل الدولتين، يجب تشكيل قيادة فلسطيينة جاهزة ولديها القدرة على مخاطبةالعالم مثل سلام فياض، ومروان البرغوثى لو تمكنا من إخراجه، فنحن نحتاج نخبة جديدة تقود الجانب الفلسطينى وتقود غزة والضفة الغربية مع بعض كسلطة واحدة، وسوف تطيح بنتايهو واليمين المتواجد فى الوقت الراهن، ودعنا لا ننسى أن إسرائيل لأول مرة فى النزعات يصبح لديها لاجئين ونازحين من مناطق غلاف غزة ومن المناطق الشرقية.
 
هل يفيد الانضمام إلى تحالف بريكس الاقتصاد المصرى؟
المشكلة الرئيسية فى هذه المرحلة من تاريخ الأمة المصرية، أن يكون لدينا ونمتلك البضائع، فنحن ليس لدينا أى مشكلة فى تصريف البضائع، وباختصار لو أنت أنتجت البضائع واصبحت تمتلك نظام إنتاجى قوى، حينها سيكون الانضمام لتحالف البريكس مهم جدا، لأنه فى هذه الحالة أنت تقتحم وتفتح أسواق جديدة للمنتجات والبضائع المصرية.
 
ماذا تحب أن تقول للرئيس السيسى بعد إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية؟
أقول له معادنا يا سيدى الرئيس فى عام 2030 لتستكمل البرنامج الوطنى الذى بدأت به وتنهيه، وأن تحضر للمرحلة الانتقالية التى تأتى بعد ذلك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق