غزة تكشف عورات الاحتلال وأعوانه.. نتنياهو يمد الحرب للإفلات من السجن

السبت، 23 ديسمبر 2023 08:00 م
غزة تكشف عورات الاحتلال وأعوانه.. نتنياهو يمد الحرب للإفلات من السجن
محمود علي

نقلا عن النسخة الورقية:
 
- نتنياهو يمد الحرب للإفلات من السجن.. خلافات الأجهزة الأمنية والعسكرية تنهى أحلام الإسرائيليين

- سقوط نظرية الأمن الاسرائيلية وانتشار القلق والخوف.. انهيار اقتصادي يضرب تل ابيب والغضب العالمي يصيب واشنطن وأوروبا

 
مات الطبيب المسعف والمصاب بجراحه وهو ينزف، الجثث تحولت إلى أشلاء رائحة دمائها تفوح من الجدران، ومن نجا يعيش بين التراب، والأنقاض، وركام أبراج ملأت غبارها الشوارع والأزقة، تحت قصف جنوني من محتل اغتصب الأرض منذ عقود مضت، يعيش أهالي غزة أكثر من 11 أسبوعاً صعاب، الأب يرقض وينادي أنقذوا أطفالي، فقد راح قبلهم أشقائي وأحبائي وأصدقائي، والأم تصرخ يا ولادي «كيف ماتوا وهم جياع قبل أن أطعمهم يأولادي».
 
القلب ينزف، والعين تدمع، على مشاهد لم تمح من الذاكرة، سطرتها آلة البطش الإسرائيلية وكشفت عورات الاحتلال وأعوانه، مجازر ومذابح ترتكب بحق الإنسانية، على عائلات شردت، ومنازل بالأرض سويت، على أطفال فقدوا مدارسهم، وأصحاب محلات وأرباب أسر خرجوا بحثا عن الطعام والشراب، ولم يعودوا إلى ديارهم بعد أن نالوا الشهادة.
 
اتشح القطاع بالسواد والحزن، على حجم الدمار الذي حل من شماله إلى جنوبه، ومن غربه حتى شرقه، يتساءل سكانه من أين نأكل ونشرب والسجان يشدد حصاره، لم يترك لنا نفس، قصف محطات المياه والكهرباء وسُلب كل مقومات الحياة وجعل صواريخه هي من تضيء السماء بعد أن حول القطاع إلى ظلام دامس.
 
حقيقة لا يمكن أن نغفلها نعيش في عالم غير عادل، وضع المحتل في دور الضحية، يعربد يميناً ويساراً، يرتكب جرائم الحرب والإبادة، ضد شعب سلب منه وطنه وحقوقه، انتظر سنوات وسنوات لحل قضيته أمام  مجتمع دولي عاجز ترك اليوم الجاني يقتل ويدمر ويرهب ويعاقب المجني عليه.
 
غزة تكشف عورات الاحتلال 
 
"العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني منذ خمسة وسبعين سنة، والعدوان الدامي على سكان في قطاع غزة على وجه التحديد وما يرافقه في الضفة أظهر فشل الخيار العسكري والأمني في إخضاع الفلسطينيين وقتل طموحهم في الكفاح حتى إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس".. هكذا وصف المتحدث باسم حركة فتح الفلسطينية عبد الفتاح دولة الوضع القائم، مشيداً "بما يقدمه الفلسطينيون من تضحيات واستعداد دائم للنضال في حالة بقي الاحتلال يمارس كل تلك الأساليب الإجرامية".
 
وفي المقابل وفق دولة "أظهر العدوان زيق وضعف صورة الاحتلال وقوته العسكرية والأمنية التي طالما تفاخر إنها "القوة التي لا تقهر"، وأن منطق القوة مهما بلغت إمكانياته العسكرية وقدرته على ارتكاب كل أشكال الدمار والمجازر، ضعيفة أمام قوة المنطق الفلسطيني المبني على الحق والعدالة الإنسانية التي عمد الاحتلال على نسفها بقذائف الدبابات والطائرات".
 
نتانياهو يمد الحرب للإفلات من العقاب
 
ورغم كل ما يعيشه أهالي غزة من معاناة، لا يزال المجتمع الدولي غير قادر على تحمل مسؤولياته وسط إصرار إسرائيلي على مواصلة العدوان على قطاع غزة للأسبوع الحادي عشر على التوالي، والذي أسفر عن أكبر أزمة إنسانية شهدها التاريخ، مساهماً هذا العجز الدولي في قتل الأبرياء يومياً، عشرات آلاف من الشهداء يروحوا ضحايا هذه الحرب العبثية التي لم يتوقع أحد أن تكون بهذه الفداحة والمخالفة الصريحة للقانون الدولي الإنساني، ولكن لماذا يستمر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الاستمرار بهذا العدوان، ولماذا يتخوف من وقف آلة الحرب غير مهتما بما تكترثه من جرائم يومية في حق الشعب الفلسطيني؟
 
ويفسر المراقبون إصرار نتنياهو على استمرار العدوان على غزة، بأنه يحاول الخروج من معمعة المسائلات نتيجة الفشل المتكرر في تعامله مع الوضع الفلسطيني وقطاع غزة، فمنذ 7 أكتوبر وتواجه الحكومة الإسرائيلية انتقادات حادة من جانب المجتمع الإسرائيلي مفادها أن الاحتلال يعيش في متاهة، وأن الحرب الجارية لم تحقق أهدافها المعلنة، في حين بدا ملف الأسرى والمحتجزين لا يمثل أولوية للحكومة رغم ما تبديه من اهتمام إعلامي به، والأهم بالنسبة لنتنياهو وحكومته هو رفض أي وقف لإطلاق النار في الوقت الراهن خوفاً من المحاكمة والسجن الذي اعتبره كثيرين في انتظاره وفور توقف العدوان ستكون هذه المسألة محل اهتمام الكثيرون في الأراضي المحتلة. 
 
كما اعتبر البعض أن مستقبل نتنياهو السياسي في الأصل، انتهي بعد 7 أكتوبر لعدة أسباب أولها فشل أجهزته المخابراتية في الكشف عن الهجوم المباغت من قبل الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى العجز المتواصل عن معرفة أماكن احتجاز الأسرى الإسرائيليين حتى الآن، وهو ما يعرضه إلى المساءلة وربما السجن هو ووزير دفاعه فور انتهاء العدوان على غزة، لذلك فهو من مصلحته استمرار العدوان لأكثر وقت ممكن رغم المذابح والجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين خلاله، والمطالب الدولية الداعمة لوقف إطلاق النار.
 
في تصريحات لـ"صوت الأمة" عاود متحدث حركة فتح الفلسطينية الحديث عن الفشل الإسرائيلي وقال "اليوم يعلم رئيس وزراء كيان الاحتلال أن منطقه واستراتيجياته في الحكم قد فشلت، وأن عقليته الأمنية قد كسرت، وأن منظومة أمنه أضعف من مواجهة أصحاب الحق، وأن أيامه في الحكم بعد عديد الاخفاقات والهزائم باتت قريبة، ولذلك هو يطيل في عمر العدوان ويسعى إلى توسيعه مستخدما ذات العقلية الأمنية الفاشلة، والخطاب الصهيوني التوراتي الذي ينسجم مع توجهات اليمين المتطرف الذي يشعر أنه الضامن لاستمراره في الحكم بحصوله على دعمهم، لذلك هو يصعد من عدوانه، ويرفع وتيرة التحريض على السلطة الوطنية الفلسطينية ويعلن تنصله من اتفاق أوسلو، ويوسع عدوانه على الضفة الفلسطينية بما فيها القدس، ويعلن أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية وهو ما يرضي اليمين المتطرف الذي يعتقد انه يشكل له الحماية والاستمرار في الحكم".
 
عبد المهدي مطاوع المحل السياسي الفلسطيني من جانبه قال إن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب ليكون له متسعاً للمناورة حتى للحفاظ على حياته السياسية والإبقاء خارج السجن، خاصة أن هذه الحرب أنهت ما يسمى بالتعديلات القضائية التي كانت من الممكن أن يستخدمها نتنياهو لتبرأة نفسه من القضايا المتهم فيها، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتقد أن استمراره في الحرب سيعطي مجال لتفكك المعارضة ضده أو قد تعطيه إنجازا من الممكن ان تعوض مسؤوليته عن الإخفاقات التي حدثت يوم 7 أكتوبر.
 
خلافات تنهي أحلام الإسرائيليين
 
الأمر أيضاً لم يقف على الفشل الحكومي الإسرائيلي الواضح خلال فترة العدوان على غزة والتي تجعل من الحرب أضحوكة تبشر العالم بتداعياتها الكارثية ليس على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقط بل على العالم أجمع، فالخلافات والانقسامات العسكرية والتي ظهرت على السطح بين بيني جانتس العضو في حكومة الحرب وزعيم المعارضة الإسرائيلية وبنيامين نتنياهو  تكشف حالة التخبط القائم بالاحتلال".
 
وما يدل على تزايد الخلافات داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وحزب الليكود الذي يترأس الائتلاف الحاكم، هو وصف زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لبيد قبل أسبوع،  رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"الكاذب والمحرض على الكراهية والمتورط في قتل الجنود"، وقال لبيد على حسابه في منصة إكس: "لم يتعلم نتنياهو شيئاً منذ 7 أكتوبر، ولا يمكن له الاستمرار في قيادة البلاد"، مضيفاً: "نتنياهو يعمل على الكذب والتحريض وخلق الكراهية، بينما يقتل جنودنا كل يوم وسط حرب مريرة.. أنه غير قادر على الاعتراف بذنبه.. لا يمكن لهذا الرجل أن يستمر في القيادة.. إنه خطر للغاية"، مبيناً أنه يخترع الجدل قصداً". وأضاف" إذا كان هناك شخص واحد في إسرائيل يمكن أن يخسر أمام عدو غير موجود، فهو نتنياهو".
 
يأتي ذلك في وقت يخشى فيه أعضاء حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي من عدم تقديم نتنياهو استقالته في نهاية الحرب الإسرائيلية مع حماس، الأمر الذي سيدفع الناخبون بطردهم من الحكومة وإبقائهم خارجها لعقود قادمة، مما يضع فعلياً حداً لمسيرتهم السياسية، وفق ما أكدته صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
 
وتتحرك المعارضة الإسرائيلية داخل الليكود لتمرير قرار بحجب الثقة من نتنياهو، وهو ما أشارت له الصحيفة العبرية مؤكدة أن هذا التصويت في حاله نجاحه وإقراره سيزيل نتنياهو من الحكومة دون الإطاحة بحزبه من الحكم، مما يسمح للحزب بتشكيل حكومة بديلة برئاسة رئيس وزراء مختلف والأقرب هو وزير الاقتصاد نير بركات الذي يطمح بأن يحل محل نتنياهو.
 
ويتوافق عبد الفتاح دولة مع هذا الرأي قائلاً لصوت الأمة "إن الخلافات العسكرية بين قادة إسرائيل لا يسعون أن تظهر للعلن حتى يبدو إن هناك إجماع على الطريقة العسكرية في إدارة الصراع" لكن في المقابل "تكشف عن حالة هيئة تخبط وفشل في تحقيق أيا من الأهداف المعلنة، إلى جانب الخسائر الكبيرة التي تصيب جيشهم ومعداتهم العسكرية في الميدان".
 
وأوضح أن "هذا الانقسام يظهر أكثر حالة التخبط والتغيير في الخطط ومن ثم عودتهم لفتح مسار تفاوضي بشأن تبادل الأسرى بعد أن فشلوا في الوصول إليهم أو دفع المقاومة للتنازل في هذا الملف".
 
سقوط نظرية الأمن الاسرائيلية 
 
وعن نظرية الأمن الإسرائيلي التي سقطت وأخلفت الشك في نفوس الكيان المحتل، أكد عبد الفتاح دولة "بلا شك السابع من أكتوبر أسقط نظرية الأمن الإسرائيلية وسياستها في ما تسميه تحقيق الردع قد فشلت، وتهشمت صورتها الأمنية تماما، وهذا أحدث فراغا وأشكالا وخلافا كبيرا في المؤسسة الأمنية التي تسعى إلى تغطيته بحجم المجازر وإرهاب الشعب الفلسطيني وعمليات التنكيل والتي ترافق عملياتهم العسكرية والاعتقالات في الضفة وغزة وتسليح المستوطنين وتقصد ترهيب وتعذيب وتدمير وإذلال كل ما تصل إليه أيديهم والتهم القمعية. لكن ذلك لن يغطي الفشل الذي منيت به المؤسسة الأمنية ولا تبعات هذا الفشل التي تكشفت على مدى أيام العدوان وما بعد انتهاءه".
 
تبعات العدوان خسائر في الاقتصاد 
 
وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن الحرب على غزة عطلت ودمرت "الآلاف" من الشركات الإسرائيلية، والعديد منها يتأرجح على حافة الانهيار، مع غرق قطاعات بأكملها في أزمة غير مسبوقة، حيث تكشف البيانات المستقاة من مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عن واقع قاتم - فقد أغلقت واحدة من كل ثلاث شركات أبوابها أو تعمل بطاقة 20% منذ عملية طوفان الأقصى التي أطلقت يوم 7 أكتوبر الماضي.
 
وتواجه أكثر من نصف الشركات الإسرائيلية خسائر في الإيرادات تتجاوز الـ 50 %، وتتحمل المناطق الجنوبية، الأقرب إلى غزة، العبء الأكبر، حيث أن ثلثي الشركات إما مغلقة أو تعمل "بالحد الأدنى".، وما يزيد من الأزمة أن وزارة العمل الإسرائيلية تفيد بأن 764 ألف مواطن، أي ما يقرب من خمس القوى العاملة في إسرائيل، عاطلون عن العمل بسبب عمليات الإخلاء، وإغلاق المدارس التي تتطلب مسؤوليات رعاية الأطفال، أو الاستدعاء للخدمة الاحتياطية، في حين توقع محافظ بنك إسرائيل (البنك المركزي) أمير يارون الشهر الماضي أن تصل تكاليف الحرب على قطاع غزة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل 52 مليار دولار.
 
وكان من تبعات هذا العدوان التراجع الكبير في النمو الإسرائيلي والخسائر الفادحة التي تزداد يوماً بعد يوم في الاقتصاد الإسرائيلي، وكشف متحدث فتح "عن تعطل العديد من وسائل الإنتاج التي كانت تعتمد على اليد العاملة الفلسطينية بعد طرد العمال الفلسطينيين، وفتح مراكز إيواء لآلاف النازحين من الأماكن التي تصلها صواريخ المقاومة الفلسطينية وحزب الله، وتعطل عديد المؤسسات عن العمل.. وغير ذلك كله يوثر يوما بعد يوم على الوضع الاقتصادي في دولة الاحتلال والذي يشكل أحد أكبر الخسائر التي ستشكل ضغطا كبيرا على مؤسسة الحكم عندهم".
 
والغضب العالمي يصيب واشنطن وأوروبا
 
عبد المهدي مطاوع المحلل الفلسطيني والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية قال لصوت الأمة، إن الغضب الشعبي العالمي كبير جدا جراء استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، الأمر الذي نتج عنه خسائر لدى إسرائيل والولايات المتحدة والغرب الدعم لها، مؤكدا "إن الدعاية التي كانت تروج عن مدى عدالة المنظومة بالولايات المتحدة قد سقطت بعد هذا الكم الكبير من الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني".
 
في سياق متصل، أشار عبد الفتاح دولة إلى الضغط الشعبي المتنامي في العالم وتحديداً في الدول التي دعمت العدوان كما أمريكا وبعض الدول الاوروبية إلى أحداث تغيير في مواقف وخطاب تلك الدول، موضحاً أن هذا الضغط أدى إلى ارتفاع الصوت المنادي بوقف العدوان والمجازر عن الشعب الفلسطيني وضرورة وقف المعاناة التاريخية عن الشعب الفلسطيني وإقامة دولته التي تقاعس العالم تجاهها طيلة خمسة وسبعين عاما.
 
وقال إن "هذا الضغط بلا شك أحدث فارقاً ولا تزال أمريكا وربما غير أمريكا لا تخفي دعمها للاحتلال إلا أن الموقف الدولي تغير نتيجة أن هذا الحراك الشعبي في هذه الدول إثر ويؤثر على توازنات الحكم والاستحقاقات والنتائج الانتخابية، كما مس مكانة هذه الدول الإنسانية وموقفها من الحقوق والقوانين الإنسانية التي باتت مشوهة في حال دعم عدوان الاحتلال الذي تجاوز كل حدود الإجرام والبشاعة والابادة الجماعية التي يضرب دعمها من مكانة وصورة أي دولة تدعم العدوان وبالتالي شعوب هذه الدول أن لم تقف موقفا إنسانيا تجاه الشعب الفلسطيني فيما يتعرض له من عدوان".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق