السعيد حامد يكتب: صندوق الانتخابات في مصر.. راجم الأبالسة وقاطع الألسنة
السبت، 16 ديسمبر 2023 07:00 م
- المصريون اختاروا مسار الديمقراطية لتحديد بوصلتهم في 6 سنوات مقبلة وقطعوا ألسنة المشككين
- أكذوبة تأثر «مزاج المصريين» بالأوضاع الاقتصادية تتهاوى على صخرة طوابير الناخبين.. والشباب تصدروا المشهد أمام اللجان
- المحافظات الحدودية قادت المسيرات والاحتشاد.. وتوافد المسلمين والمسيحين جنبا إلى جنب تجسيد لصلابة وقوة المجتمع المصري
- أكذوبة تأثر «مزاج المصريين» بالأوضاع الاقتصادية تتهاوى على صخرة طوابير الناخبين.. والشباب تصدروا المشهد أمام اللجان
- المحافظات الحدودية قادت المسيرات والاحتشاد.. وتوافد المسلمين والمسيحين جنبا إلى جنب تجسيد لصلابة وقوة المجتمع المصري
10 و11 و12 ديسمبر 2023، ثلاثة أيام ستظل محفورة في كتب التاريخ، فخلالها خرج المصريين معلنين للعالم رفضهم أن تدار البلاد سوى من القاهرة- عاصمتها الأبية- وعبر صناديق الاقتراع، قاطعين كل ألسنة من طالبوهم بالإحجام عن المشاركة، وتدمير مسار الديمقراطية، على أمل إفساح الطريق وتمهيده لكل مشعلي الفتن والصراعات والفوضى، للعودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى.
وبداية من الأحد الماضي ولمدة ثلاث أيام، تزاحم آلاف المصريين على أرصفة وجنبات لجان انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2024، انتظارا لدخول اللجان والوقوف أمام صندوق الاقتراع، واختيار من يمثلهم لمدة ست سنوات مقبلة، من بين أربعة مرشحين يمثلون تيارات سياسية مختلفة، في مشهد عكس رغبتهم وإصرارهم على المضي قدما في مسار الديمقراطية، والمشاركة في كتابة مستقبلهم، دون أن تثبط عزيمتهم أو تنل من حماستهم أكاذيب وشائعات ومغالطات أبواق تنظيم الإخوان الإرهابي، وليبعثوا برسالة إلى العالم مفادها أنهم يعون التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة المصرية، وأنهم قادرون وحدهم دون إملاءات إقليمية كانت أو دولية، على اختيار ربان سفينتهم وقائدها إلى بر الأمان.
الآلة الإعلامية الإخوانية لم تتوقف منذ الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية، عن التشكيك والتعرض للعملية الانتخابية، التي لم تكن قد بدأت إجراءاتها من الأساس، لكن أذرعها كانت حريصة منذ اللحظة الأولى على استهداف العملية الانتخابية وإطلاق الأكاذيب والشائعات نحوها، سواء باستغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، منذ أزمة جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، في حض المصريين على مقاطعة التصويت، وإظهار لجان الاقتراع خاوية، أو تفخيخ مسار الديمقراطية ووأد أي محاولة جادة نحو تعددية سياسية حقيقية، بادعاءات التزوير والانتهاكات، أو بوصم المرشحين المشاركين في السباق الرئاسي بأحط التهم وأوضعها، أملا في انسحابهم أو إعلان رفضهم المشاركة من الأساس.
أكذوبة الأوضاع الاقتصادية
لكن، يعلم المصريون أساليب ونهج التنظيم الإرهابي وتابعيه وأذرعه وأبواقه منذ قديم الأذل، إذ دأب التنظيم دوما، على مهاجمة أي مسار سياسي سلمي قد يفضي إلى إزاحته وإبعاده عن أروقة السلطة، لذا احتشد الشعب بفئاته المختلفة، أمام اللجان منذ الباكر، ليجدد تأكيد حرصه على استكمال مسيرة البناء والتنمية، وليدحض في المقابل الأكاذيب المعدة للنشر سلفا، بضعف المشاركة في هذه الانتخابات نتيجة لاهتزاز أوضاع البلاد الاقتصادية، فالجميع بالأخير ينشد هدفا واحدا هو الحفاظ على مصر، حتى لو كان الكل يئن تحت وطأة أوضاعا وإجراءات اقتصادية دولية صعبة، فتحمل المعاناة ومكابدة المشاقة لفترة وجيزة، أقل ثمن قد يدفعونه للحفاظ على بلادهم من السقوط في براثن الاضطرابات والفوضى، وأيضا أقل تكلفة قد يتحملونها لتهيئة طريق جاد نحو حياة سياسية تعددية، يكون الحكم والحكم فيها؛ لبطاقات الانتخاب وصناديق الاقتراع.
وعكس حرص المصريين على الاحتشاد أمام اللجان الانتخابية والمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وعي الشعب بحجم التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد حاليا على المستوى الإقليمي والدولي، إذ شهدت اللجان الانتخابية إقبالا كثيفا خلال أيام الانتخابات، وهو أمر فاق التوقعات وكان لافتا لنظر الجميع منذ يوم الأحد، وهو ما يؤكد إرادة وعزيمة المصريين، ويكشف بوضوح رسالته إلى العالم، ويؤكد مرة أخرى حرصهم على الوقوف لجانب الوطن، وفشل دعوات المقاطعة التي حاولت التقليل من أهمية المشاركة والترويج بأن الانتخابات محسومة، لتشويه الاستحقاق الدستوري.
الشباب في صدارة المشهد
مثلت المشاركة الكبيرة لفئة الشباب في عملية التصويت، والتي لطالما استهدفتها أذرع التنظيم الإخواني الإرهابي وحاولت تجنيدها أو تحييدها على الأقل، ضربة قاسمة لطموحات وأحلام عناصر التنظيم، الذين كانوا يمنون النفس إفساد المشهد الانتخابي برمته، وادعاء عزوف الشباب عن المشاركة الديمقراطية للتعبير عن رأيهم بحرية ووضعه في صندوق الاقتراع، وجنوحهم بدلا عن ذلك إلى الأساليب الفوضوية القديمة في الاحتجاج والرفض، فكانت المشاركة بكثافة التي وثقتها عدسات المصورين المحليين والأجانب، رسالة حاسمة بأنهم ينتظرون حصاد كل ما زرع في السنوات العشر الماضية من تنمية وبناء، ولا وقت لديهم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإشعال نيران الفوضى والتخريب في كل جنبات البلاد.
الرهان على وعي الشباب منذ اللحظة الأولى، كان كالرهان على حصان رابح في سباق للخيول، إذ تراصت الطوابير أمام اللجان وفي محيطها، تحمل أيديهم الأعلام المصرية وصور المرشحين المختلفين الذين يتنافسون في السباق الانتخابي، وتمتلأ أعينهم بالأمل في غد جديد مشرق تسوده التنمية والرخاء، مدركين أن لا سبيل لتحقيق تطلعاتهم وأحلامهم سوى بتجنب وضع سفينة مستقبلهم في مهب رياح الفوضى والعنف.
فشل دعوات المقاطعة
وبدا واضحا أن دعوات مقاطعة الانتخابات الرئاسية، التي تبنتها قوى الشر والظلام والإرهاب، وروجت لها خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات، لم تلق أي أذان صاغية داخل المجتمع المصري، بل ضرب المصريين بكل تلك الدعوات عرض الحائط، واحتشد أمام اللجان، وهو ما يشير إلى الفشل والإفلاس السياسي اللذين يعاني منهما تنظيم الإخوان الإرهابي وكل من اختار أن يسير في فلكهم الفاسد، ويشير أيضا في المقابل إلى أن الشعب المصري بجميع انتماءاته واتجاهاته السياسية والشعبية والحزبية ضرب المثل والقدوة في المشاركة الإيجابية والكبيرة في هذا الاستحقاق الدستوري المهم، وأبهر العام كله بحرصه على الانتصار للديمقراطية وممارسة حقوقه السياسية بكل احترافية ومهنية.
يدرك الشعب المصري، أن الانتخابات الرئاسية خطوة في غاية الأهمية لاستكمال طريق البناء والتنمية والحفاظ على ما تحقق من إنجازات ومواصلة الطريق نحو الجمهورية الجديدة، وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وكذلك مواجهة كافة التحديات والمشكلات والمخاطر التي تواجه الدولة المصرية، لذلك حرصت الحشود على الانتظار أمام صناديق الاقتراع دون ملل أو كلل، رافضين وبشكل قاطع جميع الدعوات والأكاذيب والشائعات التي تبثها قوى الشر والظلام والإرهاب ضد مصر ومؤسساتها وشعبها، وبالأخير كان وعي وتماسك المصريين حائط السد المنيع الذي أفسد جميع المؤامرات والتحديات والمخاطر الداخلية والخارجية التي واجهت ولا تزال مصر.
احتشاد ناخبو المحافظات الحدودية
ولأنهم أكثر من يعرفون حجم التحديات التي تواجه الدولة المصرية، وكتلة النيران المشتعلة التي تحيط بحدودها من كل الاتجاهات، تصدرت المحافظات الحدودية المشهد الانتخابي، إذ تراصت الطوابير أمام اللجان خلال أيام الانتخابات الرئاسية، فضلا عن تنظيم مسيرات جماعية من مناطق القرى والأحياء السكنية وتوجهت إلى اللجان وفي أيديهم يحملون أعلام مصر، مدركين أن كل قرارات الدولة التي اتخذتها، انطلقت من مفهوم الحفاظ على الأمن القومي المصري، وهو الأمر الذي لاقي استحسان المواطنين في تلك المناطق، وعبروا عن ذلك بالكثافة الكبيرة والجموع غفيرة المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
وحرص المواطنون بالمحافظات الحدودية على المشاركة في الانتخابات بهذا الشكل الكثيف والكبير، قطع الطريق على دعوات المقاطعة المسمومة والمشككين في الانتخابات، وأكد للعالم أن لمصر شعب واعٍ قادر على حماية مكتسباته والحفاظ على وطنه بكل ما يملك، ويفتديه بروحه مهما كلفه ذلك من ثمن، وبشكل أخر رسالة للعالم، فحواها أن الشعب المصري لم ولن يقبل التدخل في شئونه تحت أي ظرف وأي ذريعة، ولن يسمح لأحد أن يحدد مصيره ويرسم ملامح مستقبله، خاصة وأن الانتخابات الرئاسية تأتي في ظروف استثنائية وتحديات ومحاولات لابتزاز مصر، وهو أمر لن يقبله ولن يسمح به المصريون تحت أي ظرف.
الوحدة الوطنية والتلاحم
حالة من الوحدة الوطنية والتلاحم بين مكونات الشعب المصري، شهدتها الانتخابات الرئاسية، إذ كان توافد جموع الناخبين من المسلمين والمسيحين جنبا إلى جنب، على لجان الاقتراع لافت للنظر، ومجسدا للصلابة والقوة التي يتمتع بهما المجتمع المصري ضد كل دعاوى ومخططات التفرقة والوقيعة بين المصريين، وتأكيدا على روح الانتماء والوحدة الوطنية التي تسود المجتمع، وممارسة حقهم الدستوري في مسيرة الوطن الديمقراطية، واستكمال مسيرة التنمية، رافعين الصليب والمصحف تحت شعار كلنا «إيد واحدة»، فيما تصدح حناجرهم بهتافات «تحيا مصر» أمام اللجان خلال التصويت بالانتخابات.
صنع المصريون ملحمة وطنية بمشاركتهم في الانتخابات الرئاسية، وعكست مشاهد الإقبال الكثيف والطوابير الطويلة أمام اللجان، حالة الوعي والتلاحم الوطني السائدة في المجتمع المصري، فضلا عن الثقة الكبيرة في نزاهة العملية الانتخابية التي جرت تحت إشراف قضائي كامل، إذ بات الجميع يدرك أن صناديق الاقتراع هي «سفينة نوح» التي تحمي البلاد من عواصف ورياح الفوضى العاتية، وتقودها إلى بر الأمان، حيث البناء والتنمية، وحيث الجمهورية الجديدة.