وتستمر ملحمة غزة الخالدة
السبت، 02 ديسمبر 2023 02:53 م
للحظة تخيلت نفسي مع عائلتي ونحن من سكان غزة، وقد منحتنا الهدنة القصيرة ساعات قليلة لالتقاط أنفاسنا من هول الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق المنازل والمواطنين والمنشآت المدنية.. أنظر للحطام والركام في كل مكان من حولي، أساعد أحدهم في استخراج جثمان ابنه من تحت الأنقاض، أسمع زغرودة أم تزف ابنها الشهيد للسماء أو تكبيرة أب مكلوم فقد ابنه في لمح البصر، أحاول أن أصنع أي مخبأ أو مكان لأسرتي ينامون فيه بعد تدمير منزلنا، أنتظر بفارع الصبر سيارات الهلال الأحمر القادمة من مصر لجلب أي طعام لأبنائي، أضمد جروح المصابين من عائلتي بأي شيء متاح لحين وصول سيارات الإسعاف.
أرقب بعيني أحد أبنائي وهو يلعب بشيء من حطام منزلنا، أسمع أسئلة من الصغار تدور حول لماذا يفعلون هذا بنا فلا أستطيع الرد على براءتهم.. لكن هل بعد كل هذا سأظل في مكاني لا أبرحه حتى مع علمي بتجدد إطلاق النار عن قريب؟ لا أعتقد أن الإجابة سهلة، لكن بالنسبة لسكان غزة فهي محسومة «لن نبرح مكاننا وسنظل فوق أنقاض منازلنا حتى نموت» هكذا اتخذوا قرارهم الجمعي.
أي شعب هذا الذي يحسن صناعة الموت فتوهب له الحياة بمعناها الكبير المعنوي وليس المادي المحدود؟ أي شعب هذا الذي يواجه أطنان المتفجرات والصواريخ والقذائف بصدور عارية وعقيدة ثابتة في أن حقه لن يضيع مهما طال الزمن؟
إن المحرقة التي يزعم اليهود تعرضهم لها في عهد أدولف هتلر، يفعلها اليهود بشكل أوسع في غزة ورغم ذلك فالفلسطينيون لم يملؤوا الدنيا صخبا كما فعل اليهود بدعايتهم الكاذبة حول الهولوكوست. أيضا فإن عدد الشهداء في غزة وحدها منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر يقدر بأضعاف ضحايا حرب أوكرانيا التي استمرت لمدة عامين حتى الآن، بينما في 49 يوما فقط ارتقى ضعف عدد الروس والأوكران، فأي صلابة يتمتع بها أهل غزة؟
فقط انظر للدول التي تشهد صراعات أو حروب، وكيف هرع سكانها إلى دول الجوار وتركوا أوطانهم تضيع، بينما في فلسطين الأمر مختلف، وهذا يرجع لوعي الشعب الفلسطيني بأنه يواجه عدوا لا يسرق فقط الأرض بل يسرق التاريخ أيضا ولا يعترف أصلا بوجود شعب اسمه الفلسطيني، ولذا هو يصر على عدم التخلي عن الأرض مهما كان الثمن فهذا وحده السلاح الأخطر لمواجهة العدو المحتل.