«الإفتاء» توضح المقصود الصحيح لإباحة التداوي بـ «الكي» في السنة النبوية
الخميس، 23 نوفمبر 2023 03:00 ممنال القاضي
أجابت دار الافتاء على سؤل سائل يقول ورد في السنة النبوية الشريفة النهي عن التداوي بالكيّ، لكن قال لي أحد أصدقائي: قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إباحة ذلك؛ فكيف نجمع بين ما ورد في السنة النبوية من إباحة التداوي بالكيّ وبين النهي عن ذلك؟
حيث أجابت الدار على السؤال بأن مقصود الشرع من النهي عن الكيّ هو الذي يُبادر إليه الصحيح رغبةً في التَّحَصُّن من المرض أو الذي يرتكبه المريض مع وجود غيره ممَّا لا ألم معه من الأدوية، أو مع اعتقاد التأثير الذاتي للكي.
ما ورد في نصوص الشرع من الحث على التداوي
تضافرت النصوص الشرعية في الحثّ على التداوي والأخذ بأسباب العافية؛ فروى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً».
وروى مسلم في "صحيحه" عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ؛ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وروى أبو داود في "سننه" عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ».
الأدلة على مشروعية التداوي بالكي
الكيُّ من العلاجات التي أباحها الشرع الشريف عند عدم نفع الأدوية؛ والأصل في مشروعيَّته:
ما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه فِي أَكْحَلِهِ، قَالَ: فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ".
وما رواه أيضًا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا، ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ".
قال الإمام النووي في شرح الحديث من "شرحه لصحيح مسلم" (14/ 193، ط. دار إحياء التراث العربي): [وذَكَرَ الكيّ؛ لأنه يُستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها، فآخر الطب الكيّ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» إشارة إلى تأخير العلاج بالكيّ؛ حتى يُضطرَ إليه، لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكيّ] اهـ.
توجيه ما ورد في السنة النبوية من إباحة التداوي بالكي والنهي عنه
وردت بعض الأحاديث التي ظاهرها النهي عن الكيّ؛ منها: ما رواه البخاري في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنْ كَانَ في شَيءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ».
ومنها: ما رواه البخاري أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَيِّ».
ومنها: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ»، قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».