«الإفتاء» تكشف حكم الرهان في الألعاب الرياضية
الأربعاء، 08 نوفمبر 2023 01:44 صمنال القاضي
ورد لدار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي، سؤال يقول صاحبه: «ما هو الميْسِر؟ وما هو الحكم الشرعى للرِّهان فى مجال الرياضة خاصة؟».. وجاء ردها كالتالي:
«الميسر هو القمار والمراهنة بالأموال، ومن معانيه السهولة؛ لأن الرجل يأخذ مال غيره بيسر وسهولة من غير كدّ ولا تعبٍ، وهو محرّم شرعًا إلا ما استثناه الشارع وأجازه لدوافعَ مشروعةٍ؛ كالتَّسابق بالخيل والإبل، والرّمى، وبالأقدام، وفى العلوم... ولا مانع شرعًا من المراهنة فى مجال الرياضة إذا كانت مما استثناه الشارع وأجازه، وكانت الجائزة مقررة من ولى الأمر، أو كانت من أحد المتسابِقَين دون الآخر، أو كانت من كِلَا المتسابِقَين ودخل بينهما ثالث، فإن كانت الجائزة من كلٍّ من المتسابقين فهو من القمار المحرم».
وأفادت دار الإفتاء بأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].
وفى بيان معنى الميْسِر قال فقهاء اللغة: أن اشتقاقَ لفظِ الميسر من اليُسر بمعنى السهولة؛ لأنّه أخذ الرجل مال غيره بيسر وسهولة من غير كدّ ولا تعبٍ وهو من اليسَار وهو الغنى؛ لأنه سببٌ للرّبح، وقالوا: أن كلّ شيء فيه قمار فهو من الميسر، ويقال قَامَرَ الرّجل قمارًا، أي: راهن، والرهان والمراهَنَة المخاطرة، والمراد بهما: المسابقةُ على الخيل وغيرها.
وقد اتَّفقت كلمةُ فقهاء المسلمين على أن الميسِرَ القمار، وكلّ ما كان من باب القمار فهو ميسر، وإنما كان تحريم الميسر والقمار بعمومه لما فيه من المضارّ النّفسية حيث يؤدى إلى تعويدِ النّفس على الكسلِ والقعودِ عن طلب الرزق، ولما فيه كذلك من الأضرارِ الماليّة؛ إذ يؤدّى إلى تخريبِ البيوتِ والإفلاسِ كما هو معروف، كما يؤدّى كلٌّ منهما إلى أكلِ أموالِ الناس بالباطل المنهى عنه بنصّ القرآن؛ لأنه أخَذَ مالَ الغير بطريقٍ محظورٍ وبرضاء صاحبه، كما أن أكل أموال الناس بالباطل قد يكون بغير رضاء صاحبه، مثل: الغصب والسرقة والخيانة.
لمَّا كان ذلك كان الرّهانُ والقمارُ فوق أنَّهما من المحرّمات باعتبارها من أفراد الميسر فهما محرّمان كذلك باعتبارهما أكلًا لأموال النّاس بالباطل، أي: بلَا مقابل حقيقى، فالذى يتّضح من أقوال المفسرين والفقهاء أن الرهان والقمار من الميسر إلا ما استثناه الشارع وأجازه لدوافعَ مشروعةٍ؛ كالتَّسابق بالخيل والإبل، والرّمى، وبالأقدام، وفى العلوم، فالرّهان بمالٍ يكون مشروعًا فيما قامَ الدليل على الإذن به، وإنما شُرِع هذا أو أُجِيزَ للحاجة إليه لتعلّم الفروسية وإعداد الخيل للحرب، وللخبرة والمهارة فى الرمى، وللتفقّه فى الدين، وغيره من العلوم النافعة للإنسان فى حياته.
ودليل ذلك ما ورد فى السنَّة المطهرة؛ منها: ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا سَبقَ إِلَّا فِى خُفٍّ، أو نَصْلٍ، أو حَافِرٍ»، أي: فى الخيل والإبل والسلاح، وما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن «النبى صلى الله عليه وآله وسلم سبقَ بالخيلِ وراهن»، وفى لفظ: «سبق بين الخيل وأعطى السابق. مسند أحمد».
فهذه الروايات تدلّ على جواز السّباق على جُعْل أى جائزة فى الأحوال الآتية:
الحالة الأولى: أن يكون الجُعْل -الجائزة- مقررًا من غير المتسابقين مثل ولى الأمر، وهذه الحالة لا خلاف على جوازها، وقد أجاز جمهور الفقهاء أن تكون الجائزة من أحد المتسابقين كما يأتي.
الحالة الثانية: أن تكون الجائزةُ من أحد المتسابقين دون الآخر، مثل: أن يقول أحدُهُما للآخر: أن سبق فرسُك فرسِى فلك منّى مبلغ كذا جائزة، وإن سبق فرسى فرسَك فلا شيء لى عليك.
الحالة الثالثة: أن تكون الجائزةُ من كِلا المتسابقين ويُدخِلَان بينهما ثالثًا، ويقولان للثالث: أن سبقتنا فالمال لك وإن سبقناك فلا شيء لنا عليك، مع بقاءِ الشرط الذى شرطاه بينهما، وهو: أيّهما سبق كان له على صاحبه جائزة باقيًا على حاله، فإن غلبهما الثالثُ أخذ المالين، وإن غلباه فلا شيء لهما عليه، ويأخذ من غلب المشروطَ له من صاحبه، وأما إذا كان المال المشروط جائزة من كلٍّ منهما ولم يدخلا ثالثًا فهو من القمار المحرم.
ويحكى عن الإمام مالك أنه لا يجيزُ أن يكون العوض -الجائزة- من غير ولى الأمر.
لمَّا كان ذلك واستنباطًا من النصوص السابقة وعملًا بما اتفق عليه العلماء كما نُقِل عن الإمام القرطبى فى جواز المسابقة على الخيل وغيرِها من الدوابّ وعلى الأقدام، وكذا الرَّمى بالسهام واستعمال الأسلحة؛ لما فى ذلك من التدريب والخبرة التى تُكسِب الشباب حيويةً وقدرةً ونشاطًا تدفع إلى العمل والجدّ والاجتهاد، ففى واقعة السؤال: إذا كانت المراهنةُ فى مجالِ الرياضةِ تدخلُ فى إِطَار الحالات التى ذكرناها متضمنةً الشروط التى أوردها العلماء استنباطًا من النصوص الشرعية السالفة الذكر ومتفقة فى مضمونها فإنها تكون جائزة شرعًا قياسًا على ما أسلفنا.