رحل الغزاة وبقيت أرض الفيروز.. سيناء لا تنسى جباه الساجدين

- الحكومة والمعارضة ورجال القوى الناعمة يطلون على العالم من الكتيبة 101 بالعريش

- ماحدش يقدر «يهوب من أرضنا»..ومستعدون لتقديم ملايين الأرواح فداء لكل ذرة رمل بسيناء

- الدولة تنفذ القرار الاستراتيجي للرئيس السيسي بإطلاق المرحلة الثانية من المشروعات التنموية الكبري باستثمارات 400 مليار جنيه 

- خطة لتحويل شمال سيناء إلى مركزًا عمرانيًا وصناعيًا وتجاريًا وزراعيًا وسياحيًا كبيرًا ومنح حوافز لتشجيع الاستثمار وخدمة السيناوية

 

لسنوات طويلة ظلت شبه جزيرة سيناء تعاني ويلات الإهمال والتهميش والإرهاب؛ فأرض الفيروز التي سالت على رمالها المقدسة أطهر دماء المصريين، كانت مرتعا وباب خلفيا لكل الغزاة الطامعين الطامحين إلى تركيع وإخضاع الدولة المصرية، لكن رحل الغزاة وبقيت سيناء صامدة شامخة تتحطم على صخور جبالها كل أوهام وأحلام وأطماع الأعداء؛ فسيناء لا تنسى جباه الساجدين، ورمالها لا تنسى دماء المقاتلين.

 

الثلاثاء الماضي، احتضنت شمال سيناء زيارة مهمة لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، يرافقه فيها، حشد من الوزراء والإعلامين والفنانين، فضلاً عن سياسيين وحزبيين يمثلون كافة الأطياف السياسية، المعارضة والمؤيدة، لتبعث الزيارة برسائل حاسمة من العريش ومن أمام معبر رفح، مفادها أن مصر ضد استهداف المدنيين وسياسة العقاب الجماعي التي تمارسه قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، وأن الدولة المصرية تحملت عبء القضية الفلسطينية طوال عقود ولن تسمح بتصفيتها، وأيضا أن القاهرة حريصة على تقديم المساعدات لغزة، كما تؤكد الزيارة أن كل محاولات وخطط عزل سيناء عن الدولة المصرية أو اقتطاع جزء منها، ما هي إلا أوهام تعيش في مخيلات الأعداء، ستتحطم قطعا على صخرة جيش مصر وشعبها.

 

الزيارة الموسعة التي أطل منها مدبولي ووزراء وحكومته ونواب البرلمان ورجال القوى الناعمة، على العالم من شمال سيناء، بدأت بلقاء موسع مع شيوخ وعواقل سيناء بمقر الكتيبة 101 بمدينة العريش، بحضور عدد من قادة القوات المسلحة، استهل فيها رئيس الوزراء، كلمته بإعرابه عن سعادته لوجوده على هذه البقعة الطاهرة من أرض مصر، بالنيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أجل إطلاق المرحلة الثانية لتنمية شمال سيناء، قبل أن يؤكد أنه منذ أن بدأ التاريخ يسطر ملامح الحضارة المصرية القديمة، كان هناك تهديد لمصر والنيْل منها، مثل الهكسوس، والحيثيين، والرومان، والإغريق، وجماعات التتار، وغيرهم، ولذا كانت معظم محاولات النيْل من مصر تأتي من سيناء.

 

مدبولي، خلال الزيارة، أكد أنه ما من أسرة مصرية إلا وقد شارك منها أب أو أخ أو عم، أو ابن أخ، أو ابن عم، وخدم في قواتنا المسلحة، وبذل كل جهده وقدم روحه فداء للوطن، وأن كل ذرة رمل من أرض سيناء مستعدون جميعا نحن المصريين لنقدم لها ملايين الأرواح فداء لها، وأن هذه رسالة واضحة ترد على أمور كثيرة، مستشهدا بما قاله الرئيس السيسى مؤخرا: «مصر لن تسمح بأن يتم فرض عليها أي شيء، ولن نسمح بحل أو تصفية قضايا إقليمية على حسابنا».

 

التنمية الأساس لجلب الخير

 

رئيس الوزراء لم يكتف بذلك، بل شدد أن مصر لن تسمح مرة أخرى بهز استقرارها من أي طرف، فكل إمكانيات الدولة مسخرة للحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي من أي حد «يهوب من هذه الأرض»، مؤكدا في الوقت ذاته أن الرئيس والحكومة شغالين ليل ونهار شغالين على هذا الموضوع.. التنمية هي الأساس لجلب الخير ليكم وكل البلد، قبل يقدم عرضا عن مراحل تنمية سيناء وما تم خلالها، مشيرا إلى أن سيناء تعرضت لمشكلات عديدة وفترة احتلال من 67 إلى 1973، كما خضنا مراحل أخرى في سبيل معاهدة السلام؛ حتى نجحنا في استعادة كل الأرض، مشددا أن الدولة المصرية أجهضت حلم إعادة ترتيب الشرق الأوسط.

 

وأكد رئيس مجلس الوزراء أنه تم تدشين وانطلاق عملية التنمية الكبري فى شمال سيناء باستثمارات تتجاوز 400 مليار جنيه ستضخها الدولة فى الفترة القادمة لتحقيق تنمية شاملة ومتكاملة لهذه المنطقة لخدمة اهالى شمال سيناء وأبناء مصر جميعهم، مشددا على أن الدولة نجحت فى القضاء على الإرهاب، وفى ذات الوقت كانت تقوم بعملية التنمية بمنطقة شمال سيناء، مشيراً إلى أن الدولة نفذت في سيناء خلال السنوات العشر الأخيرة مشروعات بلغت قيمتها أكثر من 600 مليار جنيه، واستأثرت شمال سيناء بحوالي نصف ذلك المبلغ، مايقرب من 290 مليار جنيه؛ حيث تم تنفيذ أكثر من ألف مشروع بها في كل المجالات. 

 

ولفت مدبولي، إلى إعلان الرئيس السيسي، في بداية هذا العام، وتحديدًا في فبراير 2023، عن الانتهاء بصورة كبيرة من الإرهاب، وأن المرحلة التالية، تتضمن تطهير رجال القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة، الأماكن والعبوات المُخلفة في هذه المناطق من الإرهاب، وذلك بهدف البدء فورًا في أعمال التنمية والتطوير الشامل، ولذا منذ فبراير 2023، وبينما يشهد رئيس الجمهورية لاصطفاف المعدات المشاركة في تنفيذ تنمية وإعمار سيناء، فقد أعطى سيادته إشارة البدء لإطلاق "خطة التطوير الاستراتيجي" لتنمية شمال سيناء وليس في كامل سيناء، لتستكمل بذلك الدولة الرؤية الشاملة التي تشمل جميع مناحي الحياة في شمال سيناء، بحيث تكون من أفضل المحافظات على مستوى الجمهورية، على غرار ما يتم من تخطيط وتنفيذ في مختلف محافظات مصر.

 

وشدد رئيس مجلس الوزراء على أن رؤية الدولة لشمال سيناء تتمثل في أن تكون تلك المنطقة مركزًا عمرانيًا وصناعيًا وتجاريًا وزراعيًا وسياحيًا كبيرًا لمصر، وبالتالي سنكون حريصين كل الحِرص على منح كل الحوافز الممكنة لتشجيع الاستثمار وخدمة أهالي شمال سيناء، موضحاً أنه من المُقرر توفير قروض بشروط مُيسرة لكل فرد من أهالي شمال سيناء يعتزم تنفيذ أحد تلك المشروعات، والأولوية في تنفيذ كل المشروعات التي تحدثنا عنها لشركات أهالي شمال سيناء. مؤكدًا الأهمية القصوى لهذه المشروعات التي سيتم تنفيذها؛ لأنه بدون هذه المشروعات التنموية ستظل سيناء مطمعاً لكل من يفكر أو يحلم باستغلال هذه المنطقة لأي غرض.

 

ووضع مدبولي، حجر أساس التجمع التنموي الحضري ومزرعة بقرية العجراء، والذي يشمل تنفيذ 200 وحدة سكنية بمركز رفح، كما وضع حجر أساس التجمع التنموي بالجورة بمركز الشيخ زويد، ويتضمن تنفيذ 830 منزلا بدويا لاستيعاب 3317 نسمة.

 

ومن أمام معبر رفح، التي شهدت تفقد رئيس الوزراء جانباً من قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية المتمركزة بمنفذ رفح البري، انتظاراً لعبورها إلى الجانب الآخر، أكد مدبولى، أن ثوابت السياسة المصرية تقوم على رفض استهداف وسقوط الضحايا من المدنيين الأبرياء من أي جانب، التزاماً بكل ما تنص عليه القوانين الدولية في هذا الشأن، داعياً كل دول العالم في ظل هذه الأزمة غير المسبوقة في قطاع غزة، لأن يكون المُنظور عادلاً، يُدين سقوط الضحايا من الجانبين، دون النظر لأفضلية جانب على حساب آخر، واعتبار الجميع سواء، مشدداً في الوقت نفسه على رفض مصر لسياسة العقاب الجماعي التي يتعرض لها سكان قطاع غزة من المدنيين، مشيراً إلى أن مصر تتحرك منذ اللحظة الأولى للأزمة على كافة المستويات، بدءاً من القيادة السياسية المتمثلة في السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكافة أجهزة الدولة، لبحث كيفية حلحلة وحل هذه الأزمة الإنسانية غير المسبوقة، من حجم دمار وضحايا كبير، فهدفها الرئيسي التعامل مع الأزمة الإنسانية.

 

يبقى السؤال: لماذا سيناء؟

 

رسائل رئيس الوزراء كانت حاسمة وواضحة لا لبس فيها، فمكونات الدولة المصرية بكل أطيافها ورجالها صفا واحد، لكن يبقى السؤال المهم لماذا تتعرض سيناء بالتحديد لهذا الكم من المخاطر والأطماع؟ في البداية فإن سيناء.. هي شبه جزيرة صحراوية مثلثة الشكل تقع غرب آسيا، في الجزء الشمال الشرقي من مصر، وهي الجزء الوحيد من مصر الذي يتبع قارة آسيا جغرافيا، تبلغ مساحتها حوالي 60088 كيلومتر مربع، تمثل نسبة 6% من مساحة مصر الإجماليّة، يحدها شمالًا البحر الأبيض المتوسط وغربًا خليج السويس وقناة السويس، وشرقًا فلسطين التاريخية، وخليج العقبة، وجنوبًا البحر الأحمر، وهي تُعتبر حلقة الوصل بين قارتيّ أفريقيا وآسيا، يبلغ عدد سكان شبه جزيرة سيناء ما يقارب مليون وأربعمائة ألف نسمة.

 

الموقع الفريد والمميز لشبه جزيرة سيناء، بالتأكيد، دفع كل أعداء الدولة المصرية على مر التاريخ إلى محاولة إخضاع تلك البقعة المقدسة والسيطرة عليها، إذ تمثل عنصرا فاعلا في موازين القوى الإقليمية والدولية، لذا لم تتوقف أبدا المحاولات لإخراج سيناء على قاعدة الوطن الأم، تارة بالمطالبة بسلخها عن الدولة وتارة أخرى بالضم، ومؤخرا بالسعي إلى محاولات العزل، والتشكيك في مصريتها، وصولا إلى السيطرة المباشرة ومساعي الفصل، عبر ادعاءات زائفة؛ فخصوصية الموقع وعبقرية المكان جعلت من شبه جزيرة سيناء، عقدة وصل وفصل، بين آسيا وأفريقيا، وبين مصر وفضاءها العربي.

 

ويقول الكاتب الراحل الدكتور جمال حمدان، في كتابه: «سيناء.. في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا»، عن شبه جزيرة سيناء وأهميتها وتاريخها: «الواقع أنه إن تكن مصر ذات أطول تاريخ حضاري في العالم، فإن لسيناء أطول سجل عسكري معروف في التاريخ تقريبا. ولو أننا استطعنا أن نحسب معاملا إحصائيا لكثافة للحركة الحربية. فلعلنا لن نجد بين صحاري العرب. وربما صحاري العالم، رقعة كالشقة الساحلية من سيناء حرثها الغزوات والحملات العسكرية حرثا». 

 

ويضيف «حمدان»: «من هنا فان سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق. إنها لخيير بالنسبة للهند، أو كممر دز ونجاريا بالنسبة لوسط آسيا، أو هي ترموبيل مصر. بل إننا ليمكن أن نقول إنها بمثابة ثلاثتها جميعا.. من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء، من يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير، كان هناك دائما عدو يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل».

 

قرار جريء للرئيس السيسي

 

في سنوات السكون والإهمال لم تحظ أرض الفيروز بأي فرصة حقيقية للتنمية والازدهار، بل ظلت ترزح تحت وطأة الإهمال والتهميش، يعاني أهلها الأمرين، وفي الوقت ذاته تسلل إليها ونحوها أصحاب الرايات السوداء، في محاولة لإخضاعها وجعلها مسرحا لعملياتهم، لكن انتباه القيادة المصرية لأهمية تنمية سيناء- حتى لو كانت الدولة في خضم تحديات حامية الوطيس إثر فوضى ما بعد 2011- وإطلاق المشروعات القومية العملاقة، وإعادة تأهيل البنية الأساسية وتدشين المصانع ومراكز الخدمات، نجح بشكل كبير إلى جانب الضربات الأمنية في دحر منظومة الإرهاب، وإفشال مساعي ومخططات الإعداء في فصل سيناء عن الدولة المصرية.

 

وظلت جهود الحكومات المصرية المتعاقبة قبل ثورة 30 يونيو 2013، لإعادة إعمار سيناء، التي تحظى بأهمية سياسية واقتصادية كبيرة، ووضع الخطط والاستراتيجيات لتنميتها، ضعيفة الفعالية ومنقوصة الإرادة السياسية الحقيقية، حتى أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا جريئا وصعبا، ببدء عملية التنمية لبوابة مصر الشرقية، في توقيت حرج وحساس تواجه فيه الدولة تحديات كبيرة، وتخوض فيه أجهزة الدولة المختلفة معركة شرسة ضد الإرهاب الأسود، إيمانا منه أن الأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة، وأن سيناء ببساطة ليست رقعة جغرافية عادية. 

 

حين وجه الرئيس السيسي ببدء المشروع القومي العملاق لتنمية سيناء، بدأت الحكومة في على وجه السرعة في تنفيذ مشروعات قومية وتنموية عملاقة تضمنت إنشاء مناطق ومجمعات صناعية وزراعية، ومجتمعات عمرانية حديثة، مع مد الطرق والجسور والأنفاق، لتعبر محاور التنمية وتربط شرق سيناء بغربها وأيضاً بالدلتا ومختلف المحافظات، علاوة على الاهتمام بتطوير قطاع السياحة والاستفادة من المقومات الطبيعية والحضارية في هذه المنطقة وتوفير البيئة الآمنة والمناسبة لجذب الاستثمارات، بالإضافة إلى الاهتمام ببناء الإنسان وتوفير سبل العيش الكريم لأهالي سيناء على مختلف الأصعدة وإدماجهم في عملية التطوير والتنمية، لتصبح أرض الفيروز بذلك ركيزة أساسية من ركائز النهضة بالجمهورية الجديدة تتكامل بداخلها عناصر التنمية كافة وهو ما لاقى إشادة من المؤسسات الدولية بجهود مصر في ملف تنمية سيناء.