أصبحت غزة عبارة عن مدينة أشباح، يفوح منها رائحة الموت من كل مكان، كل يوم، بل كل ساعة، وكل قيقة هناك قصف بطائرات الاحتلال لكل الأماكن، سواء منازل أو مستشفيات أو دور عبادة أو مدارس أو مراكز للإيواء التابعة للأمم المتحدة، هناك حصار محكم يمنع فيه الاحتلال دخول المياه والطعام والوقود، وانقطاع دائم للكهرباء وخدمات الإنترنت، كل شيء فى القطاع أصبح يدعو للقلق والتوتر والخوف، لم يعد هناك حياة للقاطنين لتلك البقعة حول العالم، أطفال ونساء شهداء، مواطنون جوعى ومشردين، يشربون مياه ملوثة ويأكلون رغيف خبز واحد يوميا، لا يجدون مكانا آمنا يقيمون فيه.
تعمد لاستهداف البنية التحتية، وقتل المدنيين العزل، مستشفيات تعمل بأقل بكثير من طاقاتها الاستيعابية، الأطباء يضطرون لإجراء العمليات فى الممرات وبدون مواد تخدير، لا سلع تموينية ولا مخابز تعمل بسبب نقص الوقود، لقد أصبحت غزة منكوبة فى ظل جريمة الإبادة الجماعية التى تمارسها قوات الاحتلال يوميا منذ بداية عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الحالى، والمستمرة حتى الآن، دون أن يتحرك المجتمع الدولى لوقف هذا العدوان ومحاسبة مرتكبيه، بل يبرر تلك الجرائم يشجع مرتكبيها على مواصلة التطهير العرقى ضد أهالى القطاع.
تواصلنا مع سلامة معروف، مدير المكتب الإعلامى للحكومة الفلسطينية والمقيم فى قطاع غزة، وأجرينا معه حوارا، حول الدمار الذى شهده قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلى على القطاع، وحجم البنية التحتية التى تدمرت، وتعداد المجازر التى ارتكبها الاحتلال ضد الأطفال والنساء، وكذلك رده على مخطط إسرائيل والغرب لتنفيذ تهجير قسرى ضد الفلسطينيين، وحجم المساعدات إلى يحتاجها القطاع فى ظل استمرار القصف الإسرائيلى، غيرها من القضايا والموضوعات الهامة فى الحوار التالي..
فى البداية.. حدثنا عن تداعيات العدوان الإسرائيلى على غزة والجرائم التى يرتكبها ضد الأهالى؟
الغارات التى يشنها الاحتلال على قطاع غزة مئات يوما، فالطائرات والبوارج الحربية وبطاريات الصواريخ، أدوت بحياة أكثر من 5000 شهيد وأكثر من 14 ألف جريح منذ بداية العدوان، وهذا الدمار الكبير ألحق الضرر بالمبانى.
هل تم عمل حصر بالمبانى التى تضررت بسبب القصف الإسرائيلي؟
نعم.. حتى الآن تم حصر 6 آلاف مبنى سكنى وبرج مملوكة للمواطنين بواقع أكثر 17 ألف وحدة سكنية هدمت بالكامل و139 ألف وحدة سكنية ألحقت بالضرر ما بين متوسط وبالغ، بالإضافة إلى قرابة 11 ألف وحدة سكنية غير صالحة للسكن، بجانب أن هناك 164 ألف وحدة سكنية تضررت، أى أن نصف وحدات قطاع غزة دمرت بالكامل جراء غارات الاحتلال.
وماذا عن التدمير الذى لاحق البنية التحتية فى القطاع جراء هذا القصف؟
الصورة أكثر قتامة، حيث تضررت شبكات الكهرباء والصرف الصحى، والطرق والمياه نتيجة قصف عشرات المرفقات الحيوية، والتى يصعب حصرها بسبب استهداف حتى اللحظة، وهناك 67 مقرا حكوميا تم هدمهم فى مختلف المحافظات، والوضع الإنسانى كارثى بامتياز فى القطاع.
كم عدد المجازر التى نفذها الاحتلال منذ بدء العدوان؟
غزة باتت منكوبة نتيجة الانتهاكات التى ينتهكها الاحتلال، بهذا الكم الكبير من استهداف منازل المواطنين مما أوقع 550 مجزرة أودت بحياة أكثر من 3353 شهيدا من الأطفال والسيدات، بقصف منازلهم دون أى إنذار وإلحاق أضرار فى كل المنظومة الخدمية، وهناك عقاب جماعى بمنع كل الإمدادات على قطاع غزة لليوم لأكثر من أسبوعين، وهذا الأمر أدى لتوقف كل عجلة الحياة بغزة.
حدثنا عن الصعوبات التى تواجه المستشفيات والأطقم الطبية بالقطاع فى ظل الجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال؟
سيارات الإسعاف باتت مهددة بعدم قدرتها على نقل الشهداء بسبب نقص الوقود فى مناطق عديدة، وهناك نقص لطواقم الأطباء والإنقاذ والدفاع المدنى، وهى مهددة بالتوقف فى أية لحظة، والمستشفيات قارب الوقود على النفاذ من المولدات، وكبرى مستشفيات غزة من الممكن أن تتوقف بسبب عدم وجود الوقود.
كم عدد من تم إجبارهم على ترك منازلهم بسبب القصف الإسرائيلى وذهبوا لمراكز الإيواء؟
هذا الواقع الإنسانى الصعب يشمل تجمعات مراكز الإيواء للمواطنين، فهناك أكثر من مليون و400 الف مواطن يتواجدون فى 214 مركز إيواء، وهناك من استضافه الأقارب وهذا ينذر بكارثة صحية والسلامة نتيجة عدم القدرة متطلبات الحد الأدنى على مستوى معيشى والنظافة، وهذا من الممكن أن يؤدى إلى انتشار الأمراض المعدية والأوبئة.
هل المساعدات التى بدأت تدخل غزة قادرة على تلبية بعض الاحتياجات الضرورية للأهالى فى القطاع؟
يوم السبت 21 أكتوبر، دخلت قافلة مساعدات تشمل 20 شاحنة وفى الوضع الطبيعى قطاع غزة يستقبل أكثر من 500 شاحنة يوما و20 شاحنة لا شئ أمام هذه الكارثة الإنسانية فى قطاع غزة والشاحنات محملة بالأدوية ومعلبات ولو تم تركيزها لمركز ايواء لا تكفى المركز، وحقيقة لا تقدم شئ أمام المشهد الكارثى.
ما هو المطلوب لتوفير احتياجات أهالى القطاع؟
الوضع يتطلب فتح دائما لمعبر رفح وتدشين لممر أمن تدخل المساعدات بشكل دائم فى قطاع غزة بداية من الوقود وهو عصب العمل فى كل القطاعات مرورا بالأدوية التى حددتها وزارة الصحة والتى تحتاجها بشكل عاجل فى هذا الوقت وأيضا الاحتياجات الخاصة والقطاعات الخدمية وصولا إلى المواد التموينية والسلع الغذائية الأساسية والتى بات فيها شح واضح وبات هناك استنفاذ فى هذه المواد وبالضرورة أن يشمل هذا الممر الأمن إخراج الجرحى والمصابين لتلقى العلاج اللازم الذى لا تستطيع المنظومة الصحية فى غزة توفيرها لهم.
كيف ترى دعوات العديد منقادة دول العالم بضرورة إدخال المساعدات واستمرارها لقطاع غزة؟
فيما يخص الضمانات لادخال المساعدات لقطاع غزة، يوم السبت الماضى دخلت قافلة، ولكن لابد من توفير ممر آمن لإدخال المساعدات، فإن سارت المساعدات بهذه الوتيرة فهى لا تعنى شيئ ولا تقدم أى إسناد حقيقى فى قطاع غزة فى ظل الجرائم التى يرتكبها الاحتلال وحصاره للقطاع وتدميره للبنية التحتية، ومن هنا لابد من فتح المعبر دائما لتقديم المساعدات وإخراج المصابين لتلقى العلاج كما ذكرت.
كيف ترى مساعى الاحتلال لتنفيذ تهجير قسرى ضد الفلسطينيين؟ وما ردكم على هذا المخطط؟
التهجير القسرى مخطط واضح من قبل الاحتلال من قبل حديث الناطقين من الاحتلال أنهم يريدون تهجير قطاع غزة إلى سيناء، والزعم بأن مشكلة شعب فلسطين فى قطاع غزة ستحل باستيعابهم فى سيناء، وبالتأكيد هذا يظهر فى إجرام الاحتلال وتكثيف القصف فى شمال غزة والحرب النفسية المتمثلة فى إلقاء المنشورات وغيرها التى تهدد الشعب الفلسطينى فى القطاع وتطالبه بالنزوح، إلا أن شعبنا صامد وثابت وأفشل مخطط التهجير بالثبات على أرضه بالرغم من الظروف الصعبة التى نعانيها جراء القصف من الاحتلال ومنع إدخال مستلزمات الحياة وأكد الشعب الفلسطينى أنه لن يعيش معاناة الهجرة ولن يكرر ويلات اللجوء مرتين ويكفى للشعب الفلسطينى أنه هاجر مرة واحدة عام 1948 ولن يكرر هذه المأساة فى عام 2023.
كيف ترى ازدواجية المجتمع الدولى ورفضه إدانة جرائم إسرائيل؟
المسؤولية من العالم تجاه ما يجرى فى قطاع غزة هى مسئولية واضحة ومحددة ونصت عليها قواعد القانون الدولى والانسانى والأصل أن يتداعى العالم من أجل وقف العدوان السافر على شعبنا ووقف هذه الهمجية، وجريمة العصر التى يرتكبها الاحتلال بحق شعبنا الأعزل والعالم يرى ويسمع الجرائم التى تتم على مرئى ومسمع من العالم من استهداف الكنائس والمساجد والمستشفيات وتجمعات المواطنين أمام المخابز وأماكن الإيواء التى يفترض أنها محمية وترفع شعار الأمم المتحدة، فكل هذه الجرائم تمت على مرئى ومسمع من العالم وشاهد العالم على حقيقة أهداف الاحتلال من استهداف الأطفال الصغيرة التى تقطعت لأشلاء والسيدات الحوامل والأجنة بصواريخ الاحتلال وهذا بنك أهداف الاحتلال وأمام ما شاهده العالم الأصل أن يتحرك.
تعتقد لماذا أعطى الغرب الضوء الأخضر لإسرائيل لإبادة غزة؟
كما نرى ونسمع أن مواثيق الأمم المتحدة لهذه المواقف تتحرك بما يسمى البند السابع وتلزم المعتدى بوقف عدوانه والتدخل حتى عسكريا حسبما يتطلب الأمر وشهدنا هذا فى أوكرانيا وأكثر من محطة، ولكن يظل السؤال لماذا يترك الشعب الفلطسينى الأعزل ليذبح بترسانة الاحتلال العسكرية دون أن يقدم العالم للشعب الفلسطينى، إسناد لوقف العدوان والمنظمات الدولية أين هى مما يحدث فى غزة من مشهد منكوب، حيث أطلقنا نداء استغاثة من اليوم الثانى من العدوان ووضعنا الجميع فى صورة الوضع الإنسانى فى قطاع غزة بل تحدثت المنظمات وعلى رأسها نائبة رئيس الأمم المتحدة للشئون الإنسانية والتى تحدثت بشكل واضح وقالت أن الوقود داخل مستشفيات قطاع غزة سينفذ خلال ساعات مما يعنى توقف تام، ومما يعنى أنه حكم بالإعدام على المرضى والجرحى وهما بالألاف وهذا أيضا حكما بالإعدام على المواطنين نتيجة توقف المياه وعدم قدرة تحرك سيارات الإسعاف والدفاع المدنى، فهذا الواقع الإنسانى الذى بات يعرفه الجميع لم يحرك ساكنا ولم ترق حتى هذه اللحظة القوافل والمساعدات التى تقدم أقل من المستوى من الإجرام الذى مارسه الاحتلال على مدى أكثر من أسبوعين.
بما تفسر الدعم الأمريكى غير المتناهى لإسرائيل لتنفيذ جرائمها؟
تلقى شعبنا 20 شاحنة تحمل مياه ومعلبات وبعض المستلزمات الطبية فيما استقبل الاحتلال 45 طائرة شحن تدعمه بالسلاح والذخيرة التى يطول بها شعبها فهذه ازدواجية فيما يتعلق بالمعايير الدولية التى لا ترى الدماء الفلسطينية التى تنزف ولا ترى حجم المعاناة الإنسانية.
ما هى رسالتك للعالم؟
البعض يبرر للاحتلال جرائمه بأن إسرائيل تدافع عن نفسها فهل هى تدافع عن نفسها أمام الأطفال والنساء والمنازل وأمام التجمعات داخل مستشفى المعمدانى، وأمام النازحين التى قذفتهم داخل كنيسة الروم الأرثوذكس، وهى كنيسة من أقدم الكنائس على مستوى العالم، لماذا لم يتحرك العالم أمام هذه المشاهد على شاشة التلفاز بشكل لحظى فى قطاع غزة، فللعالم أن يتخيل مستشفيات غزة وهى تستقبل ما بين مصاب وشهيد على مدار اليوم، بجانب هذه الحالة من الإنهاك والأعياء والضغط الكبير على الكوادر الطبية وغرف العمليات والإشغال الذى يزيد عن 300% عن طاقتها، فهذا هو الواقع الإنسانى الذى يدركه العالم ولا مجيب لا من الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولى ككل.