حكومة نتانياهو المتطرفة في مهب الريح.. ماذا بعد الطوفان؟

السبت، 14 أكتوبر 2023 08:00 م
حكومة نتانياهو المتطرفة في مهب الريح.. ماذا بعد الطوفان؟
محمود علي

- انهيار وسقوط نظرية الأمن الإسرائيلية

- حكومة نتانياهو المتطرفة في مهب الريح

- الفصائل تفرض مبدأ السلام مقابل التهدئة والأسرى

- تأجيل جولات التطبيع

- تغيير في تكتيكات الحرب

«ماذا بعد طوفان الأقصى»، سؤال بات مطروحاً على الساحة، مع تصاعد الأحداث في قطاع غزة، في أعقاب تنفيذ الفصائل الفلسطينية السبت الماضي، هجوما مباغتاً على المناطق المحتلة من جانب إسرائيل، أطلقت خلاله آلاف الصواريخ وأسرت عدداً من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد تسلل أفرادها داخل مستوطنات غلاف غزة.

وذكرنا هذا "الطوفان" كما لقبه الفلسطينيون بهذه الصدمة مع الفارق الكبير في التشبيه بالتي تلقتها إسرائيل قبل خمسون عاماً، عندما سقطت نظرية الأمن الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر المجيدة، على وقع الانتصار المصري العظيم عام 1973، والذي استعادت فيه قواتنا المسلحة أرض سيناء الغالية، وقدمت فيه جنودنا ملحمة عظيمة سطرها التاريخ ونصراً مجيدا على العدو الإسرائيلي، ليكتبوا التاريخ بدمائهم فعبروا القناة وحطموا خط بارليف الحصين، ونجحوا في استرداد أرض سيناء المصرية.

عملية طوفان الأقصى، لم تفاجئ الاحتلال الإسرائيلي ومخابراته وأجهزته الأمنية فقط، لكنها استطاعت أن تفاجئ العالم أجمع، خاصة وأن أعين جنود الاحتلال الإسرائيلي لا تغيب عن المراقبة، فالطائرات المسيرة محلقة باستمرار والغلاف الذي يحاصر قطاع غزة مراقب بالكاميرات، باستخدام أحدث الأجهزة التكنولوجية في الكشف عن أي خروقات أمنية، في حين بدا كل هذا هشاً وانهار بمجرد أن نفذت الفصائل الفلسطينية الهجوم المباغت، وهو ما كشفته اعترافات قادة الاحتلال الإسرائيلي ذاتهم بوصف ما حدث بأنه "إخفاق كبير لنظام المخابرات الإسرائيلية والجهاز العسكري في الجنوب".

ومن خلال رصد لما يحدث داخل إسرائيل، وايضاً المنطقة في الوقت الراهن، يمكن الإشارة إلى أن عملية "طوفان الأقصى"، تسببت في احداث تغيرات جذرية في التفكير الإسرائيلي، وأيضا تغيرات في بنيته الداخلية، وعلاقاته بالأقليم، ويمكن رصد هذه التغيرات في عدة نقاط.

انهيار وسقوط نظرية الأمن الإسرائيلية

الهجوم الذي شنته الفصائل الفلسطينية على المناطق المحتلة، مخترقين الحواجز المحيطة لقطاع غزة، دفع الصحافة الإسرائيلية وصحف العالم يوجهون أسئلة عديدة لقادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، أبرزها كيف نفذ هذا الهجوم؟ وهل هناك خيانة داخلية؟، وما هي تداعيات ذلك على الداخل الإسرائيلي؟ وهل يتأثر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما حدث؟.

هذه الأسئلة قوبلت بالكثير من الإجابات من قبل الجنرالات الإسرائيلية المتقاعدين الذين وصفوا ما حدث بالكارثة، وخرج علينا جيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي وأكد أن "يبدو الأمر مشابها تماما لما حدث قبل 50 عاماً في ذلك الوقت"، مضيفاً في إفادة صحفية "يمكننا أن نرى أن إسرائيل فوجئت تماما بهجوم منسق بشكل جيد جدا".

وجاءت هذه الصدمة الإسرائيلية لتكشف مدى الفشل الأمني الكبير الذي بدت عليه حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، رغم ما أولته من اهتمامات مشددة على قدراتها الأمنية، متخذة موقفاً متشدداً تجاه كافة الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك فرض قيود صارمة على غزة ومواطنيه، فيما نفذت أكثر من عدوان على القطاع أسفر عن آلاف بل عشرات آلاف من القتلى والجرحى خلال العقدين الماضيين.

وما حدث كان انهيار لجهاز الأمن الإسرائيلي خلال ساعات قليلة، صبيحة يوم 7 أكتوبر الماضي، حينما تمكن مسلحو الفصائل الفلسطينية بكل سهولة من اختراق السياج الأمني والانتشار بين المستوطنات المجاورة لقطاع غزة، ولم يكن ليحدث بهذا الاتقان إلا باتباع حملة خداع استراتيجي دقيقة، شملت تهدئة الفصائل الفلسطينية وإخفاء خططها العسكرية لفترة تخطت العامين، لإقناع الاحتلال الإسرائيلي بأن الفصائل لا تريد القتال في هذه الفترة، وأنها تريد لمواطني القطاع العمل داخل المناطق المحتلة مقابل الأموال، وهو ما جعل جوناثان بانيكوف - النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية لشؤون الشرق الأوسط في الحكومة الأمريكية، والذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي يصف ما حدث  بأنه" إخفاق للمخابرات الإسرائيلية، ولا يمكن أن يكون سوى ذلك، كما أكد أنه "فشل أمني، قوّض ما كان يُعتقد أنه نهج ناجح على كل المستويات من إسرائيل تجاه غزة".

حكومة نتانياهو في مهب الريح

من جهة أخرى فإن واقع الفشل الإسرائيلي الاستخباراتي، سيكون تأثيره الأول في الأراضي المحتلة على الحكومة اليمينية، التي لطالما تشدقت بالأمن والأمان والسلامة والاستقرار، فلعل ما توقعه المحللون من تأثير لعملية طوفان الأقصى على نتنياهو كفيل بأن يضع مستقبله في مهب الريح، لاسيما وأن عرشه كان مهدد بالفعل على خلفية التعديلات القضائية التي تتبناها حكومته منذ شهور وتسببت في حالة من الاحتقان الداخلي والانقسام الحاد في صفوف الأحزاب الإسرائيلية.

فضلا عن ذلك، فأن الفشل الأمني الإسرائيلي في كشف خطط الفصائل الفلسطينية سيؤدي حتماً إلى تسلل الشكوك لدى الكثير من جنود الاحتياط بجيش الاحتلال، ما قد يدفعهم إلى رفض الانضمام للمؤسسات الأمنية، وهو ما يجعل نتنياهو في موقف ضعف أكثر من أي وقت مضى في المقابل قد تستثمر المعارضة الإسرائيلية كل هذا التراخي في سبيل إسقاط الحكومة اليمنية.

وفي محاولة لامتصاص موجة الغضب الداخلي الإسرائيلي في أعقاب عملية طوفان الأقصى، أعلن حزب الليكود الحاكم في إسرائيل نيته العمل على تشكيل حكومة طوارئ وطنية تضم زعيم المعارضة يائير لابيد ووزير الدفاع السابق بيني غانتس، ولكن ووفق تأكيدات إسرائيلية فإن المعارضة لن تتنازل عن مطالبها في الداخل في محاولة لاستثمار الوضع، حيث كانت طالبت في 6 أكتوبر الماضي رفع مسألة الكشف عن تقديم مكتب نتنياهو، رشى لإعلاميين إلى القضاء الإسرائيلي.

السلام مقابل التهدئة والأسرى

في الوقت نفسه، ستكون ورقة الأسرى ثمينة جداً بالنسبة للفصائل الفلسطينية في المرحلة المقبلة، حتى وأن كانت الحرب على القطاع قاسية وأشد قسوة من العدوان الإسرائيلي الذي شهدته غزة عام 2008، فإن الأعداد الكبيرة للأسرى الإسرائيليين لدى الفلسطينيون ستفرض لا محالة التهدئة في أقرب وقت.

وتشير التقديرات إلى احتفاظ الفصائيل الفلسطينية بأكثر من 150 أسير إسرائيلى، لذلك فإن الوضع الحالي يشير إلى أن الاجتياح البري الواسع لقطاع غزة الذي هدد به قادة إسرائيل سيبقى احتمالاً ضعيفاً، يواجه الكثير من العقبات أبرزها ملف الأسرى الإسرائيليين والتهديد بقتلهم في أي وقت، حيث خرجت الفصائل الفلسطينية وهددت بإعدام الأسرى الإسرائيليين بالصوت والصورة كل مرة تم فيها استهداف المدنيين في قطاع غزة.

وتتخذ الفصائل الفلسطينية من الأسرى ورقة ضغط كبيرة على الحكومة الإسرائيلية، للتفاوض بشأن مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووقف الممارسات المستفزة من جانب الحكومة اليمنية ضد الأقصى والمناطق المحتلة، في حين سيكون أمام الفلسطينيون فرصة جيدة لمقايضة الحرية لهؤلاء مقابل آلاف من الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

تأجيل لجولات التطبيع

من جهة أخرى ستكون هذه الحرب مؤثرة جداً ولها تداعيات ليست مبشرة على خطوات التطبيع التي كانت تأمل أن تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع بعض الدول العربية، فما بعد الطوفان الفلسطيني ليس كما قبله، خاصة مع الممارسات الإسرائيلية المستفزة التي أعقبت هجمات الفصائل الفلسطينية والتهديد بمحو القطاع من على الخريطة، فالصور ومقاطع الفيديو للدمار الذي خلفه العدوان في الأيام الأخيرة كفيل بأن يفشل أي جولات لتحسين صورة الاحتلال الإسرائيلي في الفترة المقبلة.

ما يعني أن جولات التطبيع تأجلت إلى أجل غير مسمى، مصاحبة برسائل تحمل إسرائيل مسؤولية ما يجرى على الأرض الفلسطينية من توتر وغضب وتصعيد، وأن السلام الذي ترفعه إسرائيل شعار واهي، ترتكب مقابله على مرأى ومسمع من الجميع استفزازات بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات الفلسطينية.

تغيير في تكتيكات الحرب

مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق إيال جولاتا، عاد وتحدث عن تكتيكات الحرب والخداع الذي نفذته حركة حماس قبل بدأ الهجوم، وقال إن "الفصائل الفلسطينية كانوا يخططون لهذا منذ فترة طويلة"، مؤكدا أن "الهجوم كان منسقا بعناية، وللأسف تمكنوا من مفاجأتنا تكتيكيا والتسبب في أضرار مروعة".

هذا الاعتراف الإسرائيلي بفشل الخطط الأمنية لحكومة نتنياهو في التصدي للهجمات الفلسطينية، يدل على التغير الذي حدث في قواعد الاشتباك وما نتج جراء "طوفان الأقصى" من قواعد جديدة، بالنظر إلى حجم ما حققته الفصائل الفلسطينية من انتصار معنوي كبير بعد تخطي عدد القتلى وفق صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الألف قتيل والإصابات أكثر من 2300 مصاب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق