يوم تكرهه إسرائيل..
جولدا مائير في اعترافاتها: وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد وانهارت معتقدات أساسية كانت راسخة لدينا
السبت، 07 أكتوبر 2023 07:30 م محمود علي
- موشى ديان: حرب أكتوبر زلزال أنهت نظرية الأمن الإسرائيلي والقائمة علي أن جيشنا لا يقهر
في وقت يحتفل فيه المصريون باليوبيل الذهبي لانتصارات السادس من أكتوبر المجيدة، والتي مثلت نقطة مُضيئة في مسيرة التاريخ المصري الحديث، لا زال يتذكر الإسرائيليون مرارة هذه الهزيمة، لحظات وثقت فيها إذلال ما عرف بـ"الجندى الأسطوري والجيش الذى لا يقهر"، وما صاحبها من إحباط وفشل وارتباك لدى صناع القرار في تل أبيب، حتى أن كبار ضباط جيش الاحتلال لديهم ما يكفي من اعترافات موثقة تكشف الفشل الإسرائيلي في صد هجمات قواتنا المسلحة التي جسدت صلابة جنود مصر وتضحياتهم، حيث قدموا أرواحهم ودماءهم دفاعا عن الوطن، وتصدوا بكل إقدام لأي خطر يُحدق بأبنائه.
الجمعة الماضية، احتفلت مصر بالذكرى الـ 50 لانتصارات أكتوبر الخالدة، والتي ظلت عالقة بوجداننا وضميرنا العربي والمصري طيلة هذه السنوات، بفضل أنها أعادت رسم خريطة التوازنات الاستراتيجية والسياسية بالمنطقة، وكانت ولا تزال شاهدة على قوة وصلابة الإرادة المصرية.
وكشفت انتصارات 6 أكتوبر حجم الصدمة التي هزت إسرائيل وقياداتها خلال الحرب، وهو ما نشرته الصحف التابعة لهم طيلة الخمسين عاماً الماضية من وثائق واعترافات تجعل من كل مصري يشعر بفخر وعظمة ما صنعه قواتنا المسلحة على الجبهة، ويترحم على شهدائنا، ويوجه التحية والتقدير لكل بيت مصري وكل أسرة قدمت العزيز والغالي للمساهمة في صنع النصر العظيم، ففي كل عام تسرنا هذه الصحف بنشر وثائق وشهادات لجنرالات تل أبيت تعكس الفشل الذريع والهزيمة القاسية التي تلقوها على يد قواتنا المسلحة.
من بين تلك الاعترافات التي ألقت الضوء على زلزال العبور المصري على واقع نفوس إسرائيل وتبديد أوهامها بأنها لا تقهر، كانت اعترافات إيهود باراك الذى أصبح فيما بعد رئيسا لوزراء إسرائيل، قائلاً "عدت إلى مركز قيادة القوات الإسرائيلية والمعروف باسم «الحفرة» بعد بدء العمليات المصرية.. لكن الوجوه كانت شاحبة كأنما يعلوها الغبار فقد كانت هذه اللحظة هي الأشد قسوة خلال الحرب.. في ذلك اليوم ضاع أثر نصر 67 النفسي وضاع شعور أن الجيش الإسرائيلي لا يُهزم".
كما أن شهادة رئيسة حكومة إسرائيل أثناء الحرب جولدا مائير أجابت بكل وضوح على سؤال "لماذا تكره إسرائيل يوم 6 أكتوبر"، حيث أكدت مائير إنها "أنها أقرت أمام أعضاء لجنة التحقيق بالحرب (لجنة إجرانات) بقلة تجربتها وفشلها في قراءة معلومات استخباراتية تنذر بالحرب، قائلة إنه "كان عليها أن تتخذ قرارا باستدعاء جيش الاحتياط بخلاف توصيات الاستخبارات"، معترفة أن قرار الرئيس الراحل أنور السادات بطرد الخبراء الروس من مصر عشية الحرب بدا غير منطقي، وأسهم في تشويش أفكارها وقبولها التقديرات التي استبعدت هجوما مصريا.
وحسب اعترافات مائير، قالت "إنها لم تجرؤ على مجابهة قائد الجيش ورئيس الاستخبارات العسكرية اللذين نفيا احتمال نشوب الحرب في 1973"، مؤكدة أن أيا منهما "لم يطالب بتجنيد الاحتياط""، متابعة "طالما قالوا لي إن إسرائيل ستتلقى إنذارا مبكراً بشأن أي هجوم عربي عليها، وقد كرسنا أموالاً طائلة بالاستخبارات لهذا الغرض ومع ذلك فشلنا".
وقالت مائير في اعترافاتها "لقد وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ قيامها، وقد انهارت معتقدات أساسية كانت راسخة لدينا في ذلك اليوم ومنها إيماننا المطلق بقدرتنا علي منع المصريين من عبور قناة السويس"، مشيرة إلي أنها عندما تستعيد تلك الأيام فإنها تذكر الأخبار المروعة التي تصلها من الجبهة والخسائر التي تمزق قلبها، مذكرة في وقت حرب أكتوبر "عبر المصريون القناة وضربوا بشدة القوات الإٍسرائيلية في سيناء، وتوغل السوريون حتى العمق في مرتفعات الجولان، وتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر جسيمة على الجبهتين، وكان السؤال المؤلم لديها آنذاك "ما إذا كنا نطلع الأمة على حقيقة الموقف أم لا".
ومن بين الوثائق التي تم نشرها اعترافات وزير الحرب الإسرائيلي موشيه دايان في ديسمبر 1973 بأن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل، وأن ما حدث في هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لهم ما لم يروه من قبل وأدى كل ذلك إلى تغير عقلية القادة الإسرائيليين، حيث كتب موشيه في مذكراته يقول: "إننا لا نملك الآن القوة الكافية لإعادة المصريين للخلف مرة أخرى"، مشيدا بالدقة التي استخدم بها المصريون الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، وأكد أن على القادة الإسرائيليين الاعتراف بأنهم ليسوا أقوى من المصريين، وأن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهت إلي الأبد وأن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب في ساعات إذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة.
دايان عبر عن حالة إسرائيل في ذلك الوقت، وشدد في مذكراته أن الحرب أنهت نظرية الأمن الإسرائيلي والقائمة علي أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، منوهاً على ضرورة أن يعوا أنهم ليسوا القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط وأن هناك حقائق جديدة لا بد أن يتعايشوا معها.
الأمر لم يختلف كثيراً في مذكرات رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق حايم هيرتزوج حول حرب أكتوبر، عندما قال: "لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل السادس من أكتوبر وكان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا، فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم، لقد كانوا صبورين كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا، كانوا يقولون ويعلنون الحقائق تماما حتى بدأ العالم الخارجي يتجه إلى الثقة بأقوالهم وبياناتهم".
وفي ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس في 16 سبتمبر 1974، قال أهارون ياريف مدير مخابرات دولة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق: "لاشك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء، وحينما سئل السادات هل انتصرت في الحرب أجاب انظروا إلى ما يجرى في إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة على هذا السؤال".