الشيخ زكريا والإرادة الحديدية

السبت، 07 أكتوبر 2023 02:35 م
الشيخ زكريا والإرادة الحديدية
حمدي عبد الرحيم

قلت وأقول: إن للكتب حظوظ مثل حظوظ البشر، بعضها تتعلق به لتقوم بينكما علاقة محبة ومودة وبعضها تنصرف عنه لا لشيء إلا لأن هذا الانصراف هو حظك منها وحظها منك.
 
كان كتاب "معارك فنية" لمؤلفه الأستاذ الدكتور نبيل حنفي محمود المرواني، أمام عيني لسنوات، ثم لم أجد يومًا في نفسي رغبة شرائه وقراءته!
فقد كنت جاهلًا بمؤلفه لا أعرف من يكون بين الرجال.
 
ولد نبيل حنفي محمود المرواني في العام 1949 بمدينة قوص بصعيد مصر، وعاش في مدينة شبين الكوم بالدلتا، وكان أستاذًا للهندسة بجامعة المنوفية.
 
توقفت عند لقب المرواني الذي ينتمي إليه الدكتور نبيل، فتذكرت أن الكاتب الأستاذ سليمان فياض قال في كتابه" ألاعيب الذاكرة" إن الشاعر الأستاذ أمل دنقل يصل نسبه إلى مروان بن الحكم الذي أسس ملك بني أمية بعد معاوية بن أبي سفيان.
 
بعيدًا عن الهندسة التي هي التخصص العلمي للدكتور نبيل، فإن للرجل مساهمات فاعلة ومهمة جدًا في عالم الكتابة، فهو صاحب كتب نجوم العصر الذهبي لدولة التلاوة ومعارك فنية وفريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائي وحكايات أسرة أرمنية: من الشتات إلى المجد.
 
وأئمة وشعراء غنائيون وفصول من تاريخ الغناء المصري.
 
جاءت احتفالية المئوية الأولى لفنان الشعب الموسيقار سيد درويش لتفتح الباب أمام كتاب معارك فنية، لأن سيد درويش هو بطل أهم فصلين من فصول الكتاب العشرة، وهما فصلا" تحت قميص سيد درويش" و "حول مصباح الزيت".
 
في فصل" تحت قميص سيد درويش" تظهر رسالة الكتاب قوية واضحة، تلك الرسالة التي فحواها، أن أصحاب العزيمة والصبر والجلد والمقاومة هم الذين سينتصرون في النهاية، طال الزمان أم قصر.
 
في ذلك الفصل يؤرخ الدكتور نبيل لواحدة من أهم المعارك الفنية التي كانت تستهدف رأس الموسيقار العظيم الشيخ زكريا أحمد.
ولد الشيخ سيد في العام 1892 وبعد ذلك التاريخ بأربع سنوات فقط 1896 ولد الشيخ زكريا أحمد، وفي العام 1916 كان الشيخ سيد قد أصبح سيدًا من سادة الغناء العربي. 
 
توجه زكريا إلى الإسكندرية حيث يقيم الشيخ سيد وعاد به إلى القاهرة لتبدأ المرحلة الحاسمة ليس في مسيرة الشيخ سيد فحسب بل في مسيرة الموسيقى العربية الحديثة.
 
ربط الحب والتقدير بين الرجلين، وبدأ اسم زكريا يلمع ليحتل المرتبة الثانية خلف اسم سيد درويش، ثم فجأة رحل الشيخ سيد في العام 1923 وأصبح زكريا هو المرشح الأول لخلافة الشيخ سيد.
 
بعد رحيل الشيخ سيد بثلاث سنوات، فوجئ الوسط الفني كله بمقال ناري كتبه محمد البحر ابن الشيخ سيد درويش ضد الشيخ زكريا ونشره في مجلة المسرح، متهمًا الشيخ زكريا بسرقة ألحان والده الشيخ سيد!
 
الدكتور نشر معظم فقرات مقال محمد البحر، وتعجب من كون البحر ابن سبع عشرة سنة فقط، لأن أسلوبه هو أسلوب كاتب فحل صاحب علم وتجربة.
أما مجلة المسرح لصاحبها محمد عبد المجيد حلمي التي كانت منصة الهجوم فمجلة غريبة بل مريبة، لأن صاحبها كان متخصصًا في كتابة الشائعات التي تنال من شرف الفنانين ونذكر الحملة التي شنها حلمي ضد أم كلثوم عندما كانت تخطو خطواتها الأولى.
 
بعد قليل ظهرت المدفعية الثقيلة التي قصفت الشيخ زكريا أشد القصف، وما كانت المدفعية سوى قلم الشاعر الشهير الشيخ يونس القاضي الذي كان صديقًا مقربًا من الشيخ زكريا ومن الشيخ سيد!
 
لم يترك القاضي تهمة إلا وصبها فوق رأس الشيخ زكريا، فهو لص عريق وبخيل وأناني و...
 
دفع زكريا عن نفسه تلك التهم وسانده قلة من عارفي مقامه وفضله، ولكن تواصل الهجوم الذي يقوده القاضي ومحمد البحر كان الشراسة والاستمرارية بحيث كاد يؤدي إلى القضاء على حاضر ومستقبل الشيخ زكريا.
 
بتنقيب الدكتور نبيل في أرض الخلاف سيظهر له أن يونس القاضي قد نسب لنفسه دون وجه حق، وبالاتفاق مع الشاب الصغير محمد البحر، كتابة أغنيات، مؤلفها الحقيقي هو الشيخ سيد درويش!
 
ولأن زكريا كان يعلم حقيقة الموقف فقد بادر البحر ويونس بتوجيه ضربة استباقية تشغل زكريا عن فضح القضية أمام الرأي العام، محمد البحر كان صغيرًا وكان قليلة الحيلة وكان يسعى للحافظ على حقوق والده المادية لأن طبع تلك الأغنيات في أسطوانات كان يلزمه وجود مؤلف يقر بأنه صاحب الكلمات، ومن هنا تقدم يونس القاضي لكي يحصل لنفسه على بعض الغنائم!
 
تواصلت الحملة الشرسة لسبعة أشهر كاملة، فما خلا عدد من أعداد مجلة المسرح من مقال يسب ويشتم زكريا أحمد، كل هذا والشيخ زكريا مثل الجبل الذي لا يسمح لأعتى ريح بأن تهزه، لقد واصل طريق إبداعه غير ملتفت لتلك الحملة، التي لم تتمكن من رقبته بل دفعته خطوات إلى الإمام لتثبت الأيام أن موسيقى زكريا أحمد هي التي ستبقى بينما سقطت مقالات الحملة في جب النسيان.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة