"مصر قلب العروبة النابض، فكانت فى فكر وقلب العالم العربى دائمًا، وخاصة دول الخليج، التى سارعت لمد يد العون لأبناء مصر فى حربهم الضروس ضد العدو الإسرائيلى فى السادس من أكتوبر عام 1973، تلك الحرب التى جسدت أعظم حالات التلاحم العربى؛ حيث اصطف الجميع بجانب مصر لمكانتها الكبيرة والمهمة، وبجانب جيشها العظيم حتى حقق انتصارا كان بمثابة عزة للعرب جميعًا وإعلان ميلاد جديد للأمة العربية.
بتلك العبارات لخص دبلوماسيون وكُتاب ومحللون سياسيون عرب ورؤساء مراكز أبحاث فى الخليج، مشاعرهم بالتزامن مع قرب حلول ذكرى اليوبيل الذهبى لانتصار أكتوبر المجيد ، وأوردوا الكثير من التفاصيل الخاصة بأشكال التضامن العربى والخليجى لمصر خلال تلك الفترة.. والتى نوردها تفصيلًا فى السطور التالية..
حرب أكتوبر
نقطة تحول فى العلاقات المصرية العربيةبدايةً قال سفير اليمن الدكتور محمد مارم ، إن حرب أكتوبر المجيدة ستظل أعظم ملحمة بطولية استثنائية يفخر بها كل مواطن عربى من المحيط إلى الخليج؛ كما أنها علامة مضيئة ليس فى تاريخ القوات المسلحة المصرية ومسيرة انتصاراته العظيمة فقط؛ بل فى تاريخ العرب جميعًا، فهى البطولة التى سجلها الجيش المصرى بأحرف من نور عبر مختلف العصور ليس دفاعًا عن أرضه وعرضه فقط؛ بل وعن المصالح الاستراتيجية العليا للأمة العربية والأمن القومى العرب .
وأضاف مارم، لقد سجل التاريخ لجيش مصر العروبة شرف الدفاع عن مقدساتها وحرية وسلامة أراضيها انطلاقًا من روح أكتوبر المجيدة ورجالها العظام الذين كان لهم فضل تحقيق هذا النصر ورفع راية مصر عالية على أرض سيناء الحرة .
واستطرد مارم حديثه قائلا: إن انتصار السادس من أكتوبر المجيد لا يمثل فقط انتصارا عسكريا بل تعدى ذلك ليكون انتصاراً حاسما لإرادة الإنسان المصري والعربي واسترداده لكرامته، مشيرا إلى أن حرب أكتوبر شهدت أعظم حالات تلاحم وتضامن عربي في تاريخ فى التاريخ.
وأكد أنه بفضل التضامن والتلاحم العربي حققنا نجاحا لافتا غير مفهوم الحرب والسلام، فكانت حرب أكتوبر في حقيقتها ثورة من أجل السلام والتنمية بعد استرداد الحق، وامتدت نتائجها السياسية لما بعد الحرب، لذلك فقد سعت القوى الداعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي إلى تحييد هذا المبدأ المهم من مبادئ الحرب، وتحييد عناصر القوة العربية وفي مقدمتها إغلاق اليمن لمضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية واستخدم الأشقاء في دول الخليج النفط كسلاح بوجه العدو، كما وقف بقية الأشقاء في العراق والأردن والجزائر والمغرب وليبيا وتونس والسودان وكافة الشعوب العربية موقفا واحدا مشرفا ، لذلك فقد سجلت تلك الحالة العربية أحد أهم الدروس الكبرى المستفادة .
صيانة مكتسبات السلام
وأشار مارم إلى أن مصر على مدار خمسة عقود مضت، أثبتت قدرتها على صيانة مكتسبات السلام، و استطاعت أن تتجاوز كل العقبات التي هددتها حضارياً وإنسانيا، فتحية إجلال لشعب مصر العظيم على مابذله من جهد وما قدمه من تضحيات في معركته ضد الإرهاب الأسود الغاشم التى خاضها بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسيى، وما تبناه من مواقف مبدئية ثابتة إلى جانب أشقائه العرب، وكذلك من أجل إعادة بناء مصر العروبة والتاريخ، منوها بأن المعركة التي يخوضها العرب اليوم لا تقل ضراوةً عما واجهته أمتنا العربية على مدار التاريخ؛ وهذه المعركة تحتم علينا أن نكون على قلب رجل واحد للدفاع عن أوطاننا.
وأكد مارم، أن اليمن يثمن هذه الذكرى الخالدة لحرب أكتوبر، التى رسخت أيضا لمرحلة مهمة من العلاقات المصرية ـ العربية، ومن بينها العلاقات المصرية ـ اليمنية المتميزة، مشيدا بمواقف مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمؤزارة واحتواء الشعب اليمني.
مساجد الكويت دعمت مصر
وفى سياق الدعم الخليجى، قال الدكتور عايد المناع الباحث السياسى الكويتى، إن الدعم الخليجى لمصر ليس وليد الساعة، فالسعوديون شاركوا منذ حرب 1948 فيما سمى بـ"المجاهدون"، والذين توجد رفات لبعضهم فى حى الشيخ جراح فى القدس، وحرب 1956 بالدعم المادى والتطوع .
وبالنسبة لمشاركة الكويت وقت حرب أكتوبر فكان لها عدة صور ، من بينها خطب المساجد وقتذاك التى حفزت على مؤازرة مصر، إضافة للدعم المالى للمجهود الحربى والتبرعات والتضامن الشعبي.
وأشار المناع ، فى حديثه، إلى أن الكويت دعمت مصر أيضا فى حرب 1967 بإرسال قوة تقدر بثلث الجيش الكويتى إلى كل من مصر وسوريا، وشاركت الكويت فى حرب 6 أكتوبر بلواء "اليرموك" الذى سبق أيضا و أن شارك فى حرب الاستنزاف.
وأكد المناع أن الدماء الكويتية والمصرية قد اختلطت على الأرض المصرية، حيث استشهد 42 ضابطا ومجندا كويتيا فى الحرب، وكانت تعقد اجتماعات بين وزراء المالية بالبلدين لتحديد احتياجات مصر فى الحرب.
إلى جانب الدعم الإعلامى الكويتى لمصر خاصة الصحف الكويتية ذات التأثير الواسع وقتذاك، إضافة إلى التضامن الشعبى أيضا.
وأكد المناع، أن مصر هى القوة العربية الأكبر والأهم، فتاريخيا مصر خاضت الحروب دفاعا عن الأمة العربية وصدت الهجمات عنها لذا كان دعمها ضرورة عروبية، ثم جاء نصر أكتوبر بمثابة إعلان ميلاد جديد للأمة العربية واسترداد لكرامتها.
واستكمل المناع قائلًا: وبعد الحرب كانت نقطة الانطلاق لعلاقات عربية قوية مع مصر على كافة المستويات، استثماريا وسياسيا واقتصاديا، مشيرًا إلى مواقف مصر التاريخية بجانب أشقائها أيضا، فقد ساندت الكويت عسكريا و سياسيا وإعلاميا أثناء الغزو العراقى.
وفى السياق نفسه، أضاف الكاتب الصحفى الكويتى بصحيفة"القبس" أحمد الصراف، أن الكويت رغم صغر حجمها إلا أنها كانت فى مقدمة المدافعين بصفوف المصريين، وبالمثل كانت مصر من أوائل الدول المساندة للكويت، فلا يمكن تلخيص مكانة مصر فى كلمات ، ولا ننسى أن مصر أعطت الكويت قدرها وحجمها الذى تستحقه دائما.
البحرين سنت قانون من أجل مصر
وفى مملكة البحرين، كان التعاطف مع مصر قويا، هذا ما أكده الدكتور هشام العشرى رئيس اللجنة التشريعية ببرلمان البحرين، مشيرا إلى المملكة كانت فى مقدمة الداعمين لمصر فى تلك الحرب ، فلم تكن مجرد حرب تخص دولة ولكنها كانت حرب العرب جميعا، و بمثابة استرداد للكرامة العربية ، والاعتبار العربى .
وأضاف العشرى، أن حكومة البحرين دعمت مصر من خلال سن قانون لاستقطاب الدعم للمجهود الحربى، ودعم القوة العربية فى مواجهة إسرائيل .
وأشار إلى أنه تم تجميع قيمة الدعم من خلال طابع فرضته الحكومة على كل تواصل يتم من خلال البريد، ثم تُرسل الحصيلة للمجهود الحربى، كما كانت هناك تبرعات شعبية ترسل لمصر.
وأيضا الدعم البحرينى الشعبى كان من خلال إقامة مؤتمرات تحفز عل دعم مصر، وعلى الصعيد الإعلامى كانت إذاعات البحرين تنقل أخبار الحرب عن الاذاعات المصرية لكسب التعاطف الشعبى مع مصر .
كانت فرحتنا بهذا الانتصار الذى هو أول انتصارعربى على إسرائيل ونفخر به .
دعم سعودى لا محدود
وعن الدعم السعودى لمصر قال الدكتور تركى القبلان رئيس مركز ديمومة للدراسات والأبحاث السياسية بالمملكة العربية السياسية، إن المملكة الداعم الأول لمصر دائما، و المواقف التاريخية خير شاهد ومن أبرز تلك المواقف، حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ،؛ فكانت المملكة والملك فيصل بن عبد العزيز أول المصطفين إلى جانب مصر وجيشها ، وهو الموقف الذى أشاد به الرئيس الراحل أنور السادات ، حيث دعا الملك فيصل وقتذاك لاجتماع عاجل لوزراء النفط العرب فى الكويت، والذى تمخض عن قرار عربى موحد بخفض إنتاج العرب من النفط 5%، حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967.
وأعلن الملك فيصل تبرعه بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصري، كما دشن الملك سلمان بن عبدالعزيز، إبان حرب أكتوبر المجيدة لجنة لجمع التبرعات لصالح الجيش المصرى دعما للمجهود الحربى.
و فى قمة اللاءات الثلاث بالخرطوم عام 1967 قادت السعودية الدعم العربى لمصر وقتذاك، ثم توالت مواقف الدعم السعودى لمصر عبر المراحل المختلفة وصولا إلى ثورة 30 يونيو عام2013 ، حيث تصدت السعودية لمشروع الإخوان، ودعمت إرادة المصريين خلف قيادتهم المتمثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى.
وفى سياق تلك المواقف جاء الرد الحاسم من الأمير سعود الفيصل حينما لوحت هيلارى كلينتون بوقف المساعدات الأمريكية عن مصر، حيث قال "مصر لن تحتاج للمساعدات الأمريكية ".
وبالمقابل دعمت مصر الموقف السعودى فى الجامعة العربية عام 1990 ، وحشدت العرب خلف هذا الموقف ولولا مصر ما كان من الممكن خروج قرار عربى موحد ضد احتلال العراق للكويت ، فقد كان حضور مصر لوجستيا وعسكريا، الركيزة فى إنجاح التحالف العربى الدولى فى تحرير الكويت .
ثم جاء موقف الرئيس السيسى، الداعم لأمن الخليج عندما قال إن أمن الخليج العربى جزء لا يتجزأ من أمن مصر .
وبالتأسيس على هذا التاريخ الحافل من الدعم المتبادل أصبحت العلاقات المصرية السعودية لها خصوصية، وهى العلاقات التى بدأت على الصعيد السياسى عام 1956، مشيرًا إلى أن اللقاء الذى جمع بين الرئيس الراحل عبدالناصر والملك سعود بن عبدالعزيز وشكرى القواتلى الرئيس السورى وقتذاك فى الظهران بالسعودية، قد رسم الأطر التى شكلت اللبنة الأولى لمفهوم الأمن القومى العربى، خاصة أن اللقاء جاء عقب الجلاء البريطانى من قناة السويس وأثناء محاولات شق الصف العربى والالتفاف وإضعاف دور الجامعة العربية، بإنشاء حلف بغداد عام 1955 منذ ذلك الوقت شكلت مصر والمملكة العربية السعودية محورا مهما لحفظ الأمن القومى بالمنطقة.
وازدادت تلك العلاقات قوة ورسوخًا ونموًا على مر التاريخ، إلى أن شهدت قفزة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي الذى أبدى حرصا على توطيد العلاقات الأخوية مع الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى العهد السعودى محمد بن سلمان.
مرحلة مفصلية للوجود العربى
ومن السعودية إلى سلطنة عمان، تستمر ملحمة التضامن مع مصر، والتى وصفها الكاتب العُمانى موسى الفرعى رئيس تحرير صحيفة أثير بسلطنة عمان ، أنها كانت السلاح الاساسى فى وجه العدو و هدم هاوية الطغيان الإسرائيلي.
وأوضح الفرعى ، أن الاحتفال بذكرى اليوبيل الذهبي لحرب أكتوبر تضج بالعزة والكرامة والإحساس برفعة الشرف العربي العالي، ذكرى نتحسس فيها طعم أهم الانتصارات في التاريخ الحديث، انتصار يتجاوز كونه انتصارا عسكريا ليتمحض في كونه مرحلة مفصلية للوجود العربي، الخط الفاصل بين الطغيان والعدالة، وبين النور والظلمة، والذل والعزة والكرامة، ذلك ما يمثله انتصار أكتوبر لمصر القلب العربي الذي كانت تضخه الكثير من الدول العربي وتسانده لإيمانها الكبير بأن شوكة الطغيان التي قد تنال من مصر ستدمي الوطن العربي بأكمله، وبالنهاية لم يبق سوى الضوء العربي يمتد جيلا بعد جيل ليذكر بقوة الجسد العربي .
قطع شريان النفط
التقط أطراف الحديث، الدكتور أحمد سالم باتميرا الكاتب والمحلل السياسي العُماني ، حيث أكد أن حرب أكتوبر المجيدة تعتبر أبرز نماذج التضامن العربي بوجه عام والتضامن بين مصر والأشقاء العرب، وخاصةً دول الخليج ، وقد تعددت صور الدعم العربي على مدى سنوات منذ قمة الخرطوم عام 1967 وبلغت ذروتها عام 1973 وبعدها أيضا.
وأشار، إلى أنه فى الوقت الذى قدمت فيه دول عربية أسلحة ومعدات ووحدات عسكرية فإن دول الخليج ساهمت بدعم عسكري ومالى وسلاح ودعم اعلامي ومعنوي ملموس على كل المستويات، موضحا أن قطع شريان النفط، بوقف إمداد العرب للغرب كان من أبرز تك الصور، في سابقة لن ينساها الغرب، حيث كانت صدمة النفط عام1973عندما قام أعضاء منظمة الدول لعربية المصدرة للبترول ( أعضاء أوبك بالإضافة إلى مصر وسوريا) بإعلان حظر الذهب الأسود للضغط على الغرب وإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وأعلنت"أوبك" أنها ستوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الداعمة لإسرائيل في صراعها مع سوريا ومصر والعراق.
وبالنسبة للدعم المقدم من سلطنة عمان على وجه الخصوص، أشار باتميرا إلى أن السلطنة كان لها موقف قوى تجاه مصر قيادة وحكومة وشعبا، كما قام السلطان قابوس، بزيارة مصر مرتديا الزى العسكرى، فى رسالة تؤكد للعالم تضامن السلطنة اللامحدود مع مصر، حيث استقبله حينذاك الرئيس السادات بالزي العسكري أيضا، وفي حدث نادر في تلك الظروف.
وأكد باتميرا إن هذه الدرجة من الوحدة والتضامن هى ما يحتاجه الوطن العربى اليوم .
دعم الخرطوم
بالانتقال من منطقة الخليج إلى السودان الشقيق، نجد حرب أكتوبر قد تركت بصماتها بداخل الوجدان السودانى، بهذه الكلمات ، بدأ الكاتب الصحفى السودانى بخاري بشير رئيس تحرير جريدة الإنتباهة، مؤكدا إن"أم الدنيا"بانتصارها قد حطمت أسطورة الجيش الاسرائيلي، وكشفت للعالم عن قوتها الحقيقية، مشيرا إلى أن ما قامت به الدول العربية مجتمعة من مآذرة لمصر كان له عظيم الأثر في تذوق طعم الانتصار العظيم.
وأوضح بشير، أن كون مصر قلب العروبة النابض، فجاء التضامن العربي سخيا آنذاك، حيث جاءت الحرب بعد خمسة سنوات من حرب 1967 أو ما عرفت في الذهن العربي ب (النكسة)، ولعبت الخرطوم دورا بارزا في تجاوز تلك المحنة، باحتضانها مؤتمر اللاءات الثلاث بالخرطوم، والذي خرج بشعاره القوي (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني).
جاءت مساهمة القوات السودانية كغيرها من الدول العربية بإرسال لواء مشاة ليقف إلي جانب أشقائهم المصريين وكان لهذا اللواء شرف عبور القناة مع الجيش المصري، وتقول المعلومات التاريخية أن لواء المشاة السوداني جاء إلى مصر في منتصف الحرب، وانصاع لأوامر الضباط المصريين، وتمثلت مهمته في أعمال احتواء وتصفية ثغرة الدفرسوار.
وكان قد أثبت الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في مذكراته نذرا من فيوض إنتصارات حرب أكتوبر، وقال أن المشاركة العربية كان لها عظيم الأثر في تحقيق التصر، وقال الشاذلي في تلك المذكرات أن 12 دولة عربية قدمت الدعم لشقيقتهم الكبرى مصر لتواجه المحتل وتنجح في تحرير شبه جزيرة سيناء، وكذلك دعم الجمهورية العربية السورية في تحريرها لهضبة الجولان.