طالما توهّم الإسرائيليون أنهم يملكون جهاز المعلومات الأقوى فى المنطقة، لكن حرب أكتوبر كشفت ضمن باقة ما فضحته عن الدولة العبرية، أنها كيان مهزوز ونمر من ورق، إذ نجحت القيادة وأجهزة الدولة المصرية فى تمرير واحدة من أقوى خطط الخداع، وأسقطت «الموساد» بضربة قاضية.
بحلول الذكرى الخمسين للحرب، نشرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» وثائق وشهادات لجنرالات تل أبيب، تعكس فشلا استخباراتيا وعسكريا على كل الأصعدة، ومنها شهادات من الأرشيف وبعض وثائق لجنة «أجرانات» التى حققت فى هزيمة إسرائيل، ومنها شهادة ضابط يُدعى يرماهو يوفال، قال فيها إنه «اكتشف منذ اليوم الأول مأزق الجيش الإسرائيلى وهو يتعرض لضربات قاتلة من الجيش المصرى».
وقالت الصحيفة إن الملفات التى رفعت وزارة الأمن السرية عنها مؤخرا، تتألف من 15 ألفا و301 صورة، و6 آلاف و85 وثيقة، و215 مقطع فيديو و40 تسجيلا صوتيا و169 خريطة، فضلا عن محاضر يومية لرئيسة الحكومة جولدا مائير، واجتماعات لجنة الخارجية والأمن بالكنيست وإفادات مائير ووزير الأمن موشى ديان وكبار قادة الجيش، بجانب دراسات وتحقيقات أجراها الجيش بعد الحرب، ومقتطفات قدمتها الجهات العسكرية والاستخباراتية من التقييم الأخير للمخابرات العسكرية.
وتعكس محاضر اجتماعات الحكومة قبل الحرب أن مظاهر الارتباك كانت حاضرة بقوة، وأن ثقة قادة الاحتلال فى قدراتهم لم تكن فى محلها. ومنها اعترافات جولدا أمام أعضاء لجنة أجرانات بقلة تجربتها وفشلها فى قراءة معلومات استخباراتية تنذر بالحرب، وأنها «كان يجب أن تتخذ قرارا باستدعاء الاحتياط بخلاف توصيات الاستخبارات»، كما أكدت أن قرار السادات بطرد الخبراء الروس عشية الحرب بدا غير منطقى، وأسهم فى تشويش أفكارها وقبولها تقديرات استبعاد الهجوم، وأنها «لم تجرؤ على مجابهة قائد الجيش ورئيس الاستخبارات العسكرية» وقد نفيا احتمال نشوب الحرب فى 1973، متابعة: «طالما قالوا إن إسرائيل ستتلقى إنذارا مبكرا بشأن أى هجوم، وكرسنا أموالا طائلة بالاستخبارات لهذا الغرض ومع ذلك فشلنا».
لم يكن الارتباك من نصيب جولدا وحدها، فقد ذكر تقييم سرى قبل يوم من الحرب بأن احتمال تجديد المصريين لنية القتال ضعيفة جدا، واحتمال تحرك سوريا بدون المصريين غير قائم، وأعرب العميد يوآل بن بورات، قائد إحدى وحدات التجسس وقتها، عن أسفه لأن الموساد عرف قبل أسبوع كامل أن مصر كانت تخطط لشن هجوم مفاجئ، لكنه لم ينقل المعلومات بطريقة منظمة وصريحة لرئيسة الوزراء، مضيفا: «يوم الجمعة 2:30 صباحا، قبل 36 ساعة من القتال، وصلت برقية للموساد مُشفّرة بكلمات غامضة، مع وضوح كلمتين: الحرب وشيكة، وباستثناء الثلاثة «رئيس الموساد ومدير المكتب ورئيس المخابرات العسكرية، لم يسمع أحد بالمعلومات».
بحسب إحدى الوثائق، فقبل 120 دقيقة من اندلاع الحرب عرضت شعبة الاستخبارات العسكرية «معلومات استخبارية» وُصفت بـ«المربكة»، وحملت الرقم 433، وأشارت إحداها إلى رصد توجه لدى المصريين والسوريين لشن حرب فورا، لكن محللى المعلومات قدروا أنه لم يُتّخذ قرار فى القاهرة ودمشق بشن الحرب، من منطلق أنهم «يعون أنه لا احتمال لتحقيق انتصار»، وأصرت الدوائر العليا بإسرائيل على تقديراتها غير الجازمة بشأن نوايا مصر وسوريا، فبحسب وثيقة منفصلة لضابط متوسط الرتبة فى الاستخبارات العسكرية، كان الاعتقاد السائد أن مصر وسوريا تتجهان للحرب، بخلاف تقديرات رئيس الجهاز الجنرال إيلى زعيرا.
غرور ما قبل الحرب، وارتباك العبور داخل إسرائيل، مهّدا الطريق لرحلة أطول من الفوضى فى معسكرات الاحتلال بعد 6 أكتوبر، ونقلت إحدى الوثائق عن ضابط كبير بلواء الأبحاث التابع للاستخبارات العسكرية «أمان»: «لو كان بإمكاننا منع المفاجأة، لكان الرأى العام قد تجاوز فشلنا فى الحرب، وهذا لم يحدث»، ويرد فى الوثائق اسم شارون فى سجل يوميات مدير مكتب رئيس أركان الجيش، إذ كان يعتزم محاكمته وطرده من الجيش لتجاوزاته، وتؤكد الوثائق حالة اليأس لدى رئيس أركان الجيش فى 9 أكتوبر، إذ يقول «ميزان القوى فى غير صالحنا بشكل خطير للغاية، إنهم يعيدون ترتيب صفوفهم وسيقضموننا».
ذروة اليوميات زيارة جولدا مائير السرية فى 9 أكتوبر للولايات المتحدة، وطلب التزويد السريع بسلاح وعتاد، ويومها أعرب رئيس الأركان الإسرائيلى عن أمله بالتوصل لوقف لإطلاق نار، معترفا بأنه «يشك بإمكانية إنهاء الحرب دون خسارة أراضٍ، وأنه فى حال عرضوا اتفاقا لوقف إطلاق النار لوافقت».