عبد الناصر.. 53 عاما على رحيل الجسد وبقاء الفكرة
السبت، 30 سبتمبر 2023 10:00 معنتر عبد اللطيف
الزعيم الراحل أكبر تحول في تاريخ مصر المعاصر ومهد الطريق أمام مرحلة جديدة للحرية والكرامة وانطلاق فكرة العروبة
في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970، خيم الحزن ليس فقط على مصر، وأنما العالم أجمع، فالمتوفى ليس بالشخصية العادية، وإنما كان رجلاً استثنائياً، قدره الجميع، حتى أعدائه كانوا يرونه رجل غير اعتيادى، لما لا وقد استطاع أن يعيد صياغة تاريخ المنطقة من جديد، بفكر قومى عروبى، لازال يمثل العمود للخيمة العربية.
أنه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، مؤسس تنظيم الضباط الأحرار، والقائد الفعلى لثورة 23 يوليو 1952، الذى رحل عنا قبل 53 عاماً، لكن لايزال أسمه عالقاً في عقولنا جميعاً، وكلماته صداها يتردد حتى اليوم في كل بيت عربى، وصوره في القلوب محفورة، فقد استطاع الشاب القادم من جنوب مصر، وتحديداً محافظة أسيوط، أن يستعيد للدولة المصرية مكانتها، ويعيد صياغة الكثير من مفاهيم السياسة الدولية.
53 مرت على الرحيل، لكنه لازال باقياً بيننا بفكره وكلماته، ولاتزال ثورة 23 يوليو متجسدة في كل شبر بالدولة المصرية، وكما قال الرئيس السيسي في خطابه خلال الاحتفال بثورة 23 يوليو عام 2019، فقد "استطاعت ثورة 23 يوليو أن تغير وجه الحياة في مصر على نحو جذري، وقدمت لشعبها العديد من الإنجازات الضخمة، كما أحدثت تحولا عميقا في تاريخ مصر المعاصر مهد الطريق أمام مرحلة جديدة، وهذه الثورة العظيمة لم يقتصر تأثيرها على الداخل المصري فحسب، بل امتد صداها للشعوب الأخرى، التي كانت تتطلع للحرية والاستقلال".
وكما غيرت ثورة 23 يوليو الحياة في وجه مصر، فقد نجحت ثورة 30 يونيو 2013 في توفير حياة كريمة للمواطنين، وإنشاء مشروعات ضخمة غير مسبوقة في التاريخ مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وشبكة الطرق والكباري العملاقة وتطوير الأحياء العشوائية مثل الأسمرات وبشاير الخير.
عودة إلى ثورة يوليو، وجمال عبد الناصر، فقد استطاعت تحقيق الكثير من المشروعات الغير مسبوقة في مصر، منها زيادة الرقعة الزراعية عبر استصلاح الأراضى الصحراوية مثل مشروعي مشروع مديرية التحرير ومشروع الوادى الجديد اللذان أضافا إلى مصر مساحات مزروعة إلى مساحتها التقليدية فى الوادى والدلتا، وفي مجال الصناعة أنشأت مصانع الحديد والصلب والكيماويات والدواء والإنتاج الحربى، فتحققت لمصر قاعدة صناعية مكنتها من الوفاء باحتياجاتها المتزايدة من الإنتاج، فضلا عن الاهتمام بصناعات التعدين والبتروكيماويات، وجرى بناء مشروع السد العالى الذي يعد أهم المشروعات القومية العملاقة فى تاريخ مصر الحديث ما وفر المياه بعد زيادة الرقعة الزراعية بمصر، حيث أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر انتهاء العمل ببناء السد العالي فى 23 يوليو عام 1970 خلال الاحتفال الذكرى الثامنة عشر للثورة، قائلا: "لقد انتهى العمل بالسد العالي المشروع العظيم على أكمل وجه، هذا الشعب بنى وسيبني، وقدم وسيقدم الكثير، إننا نعمل فى السياسة ولا ينبغي أن تغيب عنا الحقيقة، وهي أنه ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، والثورة حققت ما كان يبدو خيالا".
ومن بين إنجازات ثورة يوليو الإقرار بمجانية التعليم العام، وإضافة مجانية التعليم العالي، وإنشاء 10 جامعات في جميع أنحاء البلاد بزيادة 7 جامعات، وإنشاء مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية، وإنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة وقصور الثقافة والمراكز الثقافية، كما شملت إنجازات الثورة إنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية، وإصدار قانون الملكية عام 9 سبتمبر 1952 والذي قضى على الإقطاع الزراعي، وتمصير وتأميم التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب.
وأولى الزعيم الراحل اهتماما خاصا بإفريقيا ومساندة حركات التحرر بالقارة السمراء وهو الملف الذي تولاه الراحل محمد فايق أحد الضباط الأحرار إذ يقول في مذكراته « مسيرة تحرر» إن الرئيس الراحل عبدالناصر شجع ودعم حركات التحرر بإفريقيا، مشيدا بالتجربة مضيفا: «رغم المناصب الكثيرة التى شغلتُها، وتلك التى توليتُ فيها الحقائب الوزارية فى بلدى، وما أسند إلىَّ من تكليفات رفيعة المستوى، أو المهام التى كلفت بها من الأمم المتحدة كأمين عام مساعد لهذه المنظمة الأممية، أو فى الاتحاد الإفريقى مفوض لحقوق الإنسان، إلا أن أكثر ما أعتز به فى حياتى العملية موضوعان: أولهما أن أسند إلىَّ منذ بداية ثورة يوليو 1952 ملف إفريقيا، واندمجت اندماجا كاملا فى حركات التحرير الإفريقية ومع زعمائها، حتى أصبح تحرير إفريقيا واستقلال جميع دولها بمثابة الرسالة والحلم الذى كنت أعيش من أجله.. حيث أطلقت يدى للعمل فى هذا المجال بحرية وثقة وتشجيع من الرئيس جمال عبدالناصر الذى قاد المسيرة، ودعم كامل من الدولة».
"فى عام 1953 استدعى عبدالناصر إلى مكتبه الرائد محمد فايق من الضباط الأحرار الذين فجروا ثورة 23 يوليو 1952، وفوجئ بجمال عبدالناصر يخطره باختياره مديرًا لمكتبه للشؤون الأفريقية، فتعجب فايق حيث لم يكن حتى هذا الوقت قد مارس أى دور أو نال أية خبرة معمقة فى الشؤون الأفريقية، وبعد مناقشة قصيرة تلقى الرائد الشاب تعليمات لدراسة حالة القارة الأفريقية على نحو تفصيلى، ومتابعة التطورات لحركات التحرر الأفريقية بكل رموزها فى كل المستعمرات الأفريقية والاتصال بهم».. هذا ما أكده الدكتور السيد فليفل عميد معهد الدراسات الأفريقية الأسبق فى دراسة له عن «محمد فايق».
ومثلما قضت ثورة 23 يوليو على الإقطاع وفساد الملك وحاشيته فقد دحرت ثورة 30 يونيو بقيادة المشير السيسي وقتها خطر جماعة الإخوان الإرهابية عن مصر بعدما هددوا بحرقها حال ثورة الشعب عليهم، إلا أن الأرادة الشعبية وتحلق الشعب حول «السيسي» شكل حائط صد منيع ضد مخططاتهم ووقى مصر من شرهم.
وحرصت ثورة 30 يونيو عبر المبادرات الرئاسية على بناء الإنسان المصري والارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية على مدار السنوات التسع الماضية، وتوفير حياة كريمة لكل المصريين.
وأنجز جمال عبد الناصر من خلال ثورة 23 يوليو ثلاث خطوات حاسمة على طريق التنمية، أولها وضع خطة مضاعفة الدخل الوطنى فى 10 سنوات وهو معروف باسم الخطة الخمسية الأولى وكان معنى ذلك التسليم بمبدأ التخطيط للتنمية، وثانيتها الإقدام على التأميمات الكبرى ابتداء بتأميم البنك الأهلى وبنك مصر فى فبراير 1960 ثم تأميمات يوليو 1961 وما بعدها، وقوانين يوليو الاشتراكية وكان معنى ذلك التسليم بأن القطاع العام هو القاعدة الأساسية للتنمية، وثالثتها وضع ميثاق العمل الوطنى وشق طريق التحولات الاقتصادية والاجتماعية بهدف الوصول إلى الاشتراكية، وكان معنى ذلك أن التنمية عملية ثورية ترمى ليس فقط لتحقيق الاستقلال الاقتصادى وإنما ترمى أيضا لتغيير المجتمع وإعادة بنائه لصالح مجموع قواه العاملة.