العبور الآمن من الفوضى إلى الاستقرار في 10 سنوات: دولة كلمتها مسموعة (4)
السبت، 30 سبتمبر 2023 09:00 ممحمود علي
- القاهرة ساعدت فى إطفاء الحرائق الإقليمية وتعزيز الأمن الإقليمي وأوصلت صوت أفريقيا إلى المحافل الدولية
«مصر تنجح في حماية الأمن القومي العربي خلال عقد من الزمان».. هذا هو العنوان الأبرز عربياً بعد سنوات من التحركات الخارجية الدبلوماسية للدولة ومؤسساتها، ساعدت خلالها فى إطفاء الحرائق الإقليمية وتعزيز الأمن الإقليمي وتهدئة الأوضاع داخله، كانت قادرة على أن تصل بصوت المنطقة إلى المحافل الدولية، دفاعًا عن مبادئها التي لطالما نادت بها على مر تاريخها، سواء المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية، أو غير ذلك من القضايا والمخاطر التي تشغل منطقتنا على رأسها حل الأزمة السودانية واليمنية والعراقية والليبية، وغيرها من قضايا الأمن العربي من المحيط إلى الخليج.
الجهود التي بذلتها القاهرة على مر السنوات الماضية على الصعيد الدولي من استضافة اجتماعات للفرقاء في ليبيا وفصائل فلسطين ودول جوار السودان، أثبتت مقولة واحدة، أن لهذه الدولة كلمة مسموعة على المستوى العربي والإقليمي والدولي، فكل هذه الملفات الساخنة والمشتعلة على الساحة العربية، شهدت تدخلات مصرية إيجابية، كان من نتاجها تهيئة الظروف والأجواء للتهدئة أولاً، ثم لتقديم كافة المساعدات والمشورة التي تجعل من الدول التي تشهد نزاعات وحروب دولا مستقرة وآمنة.
وأكبر شاهد على نجاح هذه التحركات المصرية الخارجية، تلك التي توجت بعودة الهدوء نسبياً إلى قطاع غزة، والتوصل إلى الكثير من الهدن بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية، بالإضافة إلى ما قامت به القاهرة من مساعي متعددة لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، فضلاً عما تقوم به مصر للتوصل إلى وقف شامل ومستمر لإطلاق النار في السودان، والبدء في المسار التفاوضي السياسي، لتجنيب السودان ويلات هذا الصراع العسكري.
ووفقاً للقراءات الإقليمية والدولية، فلا يمكن تجاهل الملحمة الدبلوماسية التي قامت بها الدولة المصرية خارج الحدود، على مدار العقد الماضي، من أجل تهدئة الأوضاع المشتعلة في السودان وقطاع غزة، ودفع ملفات هادئة نسبياً مثل ليبيا واليمن إلى التمهيد للحوار وتثبيت وقف إطلاق النار لعودة الاستقرار الكلي لهما، فضلا عن ما تقدمه في الملف السوري والمساهمة بالتنسيق مع الدول العربية في دفعها إلى الخط الآمن، فكلها ملفات نجحت فيها القاهرة حتى الساعات الأخيرة، في لعب دور محوري لإنقاذ المنطقة من ويلات السقوط في مزيد من الفوضى؛ من خلال بذل كل ما في وسعها من جهود لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والهدف الأسمى لها "إطفاء الحرائق" التي قد تكون مشتعلة بإياد خارجية.
وعلى رغم من مواجهة مصر الكثير من التحديات جراء ما شهدته الدولة من أحداث أعقبت ما عرف بثورات الربيع، التي اجتاحت الدول العربية في عام 2011، إلا أن مصر ومؤسساتها بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت قادرة بعد ثورة 30 يونيو 2013، على وضع حد للمطامع الخارجية، فبخلاف الإطاحة بجماعة الإخوان من المشهد ومكافحة أذرعها في الكثير من الدول المحيطة، اتخذت الدولة الكثير من السياسات التي أدت إلى إفشال المشروع المتطرف بصفة عامة في المنطقة بأكملها وذلك بالتعاون مع الدول العربية الصديقة.
تحركت مصر أيضاً لتعزيز تعاونها مع الكثير من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، فضلا عن توطيد علاقتها مع روسيا والصين والهند من جانب آخر، الأمر الذي دفع إلى تعزيز ثقلها على المستوى الدولي، ولنا في إعلان منظمة بريكس في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي انضمام مصر لعضويتها، ومشاركة مصر في قمة العشرين بدعوة هندية الكثير من الدلالات التي تؤكد نجاح السياسة الخارجية تحت قيادة الرئيس السيسي، بالدفاع عن مبادئها في التنوع بعلاقاتها مع الخارج، ما جعلها حاضرة في جميع المحافل والقمم الدولية اقتصادية كانت أو سياسية، واستطاعت من خلال دورها القيادي في الكثير من الملفات أن تحظى باحترام دولي واسع.
وأثبتت تلك التحركات المصرية المهمة على الصعيد الدولي، قدرتها على مواجهة الأزمات والتحديات من خلال سياسات متوازنة على المستويين الداخلي والخارجي، دفعتها لاستعادة دورها الإقليمي ومكانتها بشكل ملحوظ وسط منطقة تشهد فوضى كبيرة، مستطيعة تُحقيق المعادلة بنجاحها في تحقيق التوازن الإقليمي والدولي، ومواجهة تحديات الداخل والبدء في آلية جديدة وواضحة لإعادة توازنها وعلاقتها بالعالم الخارجي.
وكانت رؤية الرئيس السيسي الخاصة بالملف الخارجي، كشفها منذ توليه المسؤولية، مؤكدا على أهمية ملف السياسة الخارجية لمصر باعتباره يمثل ظهير قوي لعودة الدولة لدورها الإقليمي، حيث كانت للإدارة المصرية تحركات نشطة وذلك من خلال الاهتمام الكبير بالبعد العربي والإفريقي في المقام الأول ومن ثم البعد الدولي، مولية كل تركيزها على صياغة العلاقات المصرية على أساس متوازن مع جميع دول العالم.
وحدد الرئيس السيسي الكثير من أوليات سياساته الخارجية بالتأكيد على أن الدولة لديها الكثير من المقومات التي بموجبها يجب أن تكون أكثر انفتاحا على علاقاتها الدولية، وبدأت سياسة مصر الخارجية في الاتضاح أكثر بتبنيها التعاون مع الدول الصديقة وفتح مجال لتعزيز العلاقات مع الأخرى بناء على تحقيق مصالح الشعب المصري، لتحصل بعدها على عضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي لعامي 2016 – 2017، ويتم اختيارها لتكون رئيسة للاتحاد الإفريقي في عام 2019، إلى جانب مشاركتها الفاعلة والفعالة في عمليات حفظ السلام الأمن والسلم الدوليين وتحقيق استقرار شعوب العالم.
وفيما يخص القضايا الإقليمية كانت لمصر رؤية ثاقبة أعادت للمنطقة العربية توازنها بعد أعوام من الانحراف، وأثبتت أن الدولة المصرية تتعافى بنجاحها في عدد من الملفات الدولية، وكان من أبرزها ملف مكافحة الإرهاب وقضايا المناخ وحقوق الإنسان وملف أزمة اللاجئين والحد من انتشار السلاح النووي، حيث كانت لها الكثير من المداخلات إذا كان في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو مجلس التعاون الإسلامي التي كشفت عن رؤيتها في هذه الملفات.
القضية الفلسطينية أمن قومي مصري
القضية الفلسطينية بالنسبة للقاهرة تعد الأكثر مركزية من بين قضايا الشرق الأوسط، لما لها من ارتباط دائم وثابت تحدده اعتبارات الأمن القومي المصري، حيث تأتي علي رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية في وقتنا الراهن، وهو ما ظهر بوضوح منذ وصول الرئيس السيسي للحكم؛ مؤسساً خطوات مرسومة واستراتيجية ثابتة، يدعم من خلالها أبناء الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة لقيام دولة فلسطينية معترف بها من الأمم المتحدة والدول الأعضاء، ساعيا في كل خطواته إلى تحقيق سلام عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، انطلاقاً من دور مصر التاريخي والمحوري على المستوى الدولي والإقليمي.
وهنا لابد أن نستدعي تصريحات الرئيس السيسي خلال مؤتمر دعم القدس بالجامعة العربية قبل عدة أشهر، الذي وجه خلاله رسائل دعم عديدة للقضية الفلسطينية موجهاً حديثه للشعب الشقيق :"أقول للشعب الفلسطيني في كافة بقاع الأرض.. نعم لقد طالت معاناتكم وتأخرت حقوقكم، وزادت أزمات المنطقة، إلا أن قضيتكم لازالت أولوية لدى مصر والعرب، وتظل مكوناً رئيسياً لعملنا المشترك، وجزءً لا يتجزأ في وجدان الشخصية العربية، وإلى أن يتحقق طموحكم المشروع في إقامة دولتكم بعاصمتها القدس الشرقية، فإننا نظل داعمين لصمودكم بالقدس وبجميع أركان فلسطين".
هذا الحديث يؤكد أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية على المستوى الإقليمي لمصر، ومهما كانت التحديات التي تواجهها وانشغال المجتمع الدولي عنها؛ إلا أنها ستظل ذات أولوية كبيرة من جانب القاهرة ومن المهم وضعها دائماً على الأجندة الدولية والعربية.
وطرقت مصر كل الأبواب من أجل عودة الروح لقطاع غزة خلال السنوات القليلة الماضية، وتجلى ذلك في التنفيذ السريع لكل المشاريع المصرية التي تبناها الرئيس السيسي داخل القطاع، حيث بدأت الآليات والمعدات المصرية منذ عامين في تأسيس وإنشاء قواعد مدينة دار مصر 3 السكنية في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وذلك تحت إشراف كامل من قبل اللجنة المصرية لإعمار غزة.
وانتقلت مصر من مرحلة المساهمة والتأسيس لمشاريع البناء وإعادة الإعمار في قطاع غزة، إلى مرحلة الضغط على المجتمع الدولي من أجل المشاركة والمساهمة في وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة.
وتتحرك القاهرة وفق معطياتها الساعية إلى شرح ما يدور في قطاع غزة من مشاكل وأزمات، توثر بشكل جدي في الحياة المعيشية للمواطن الفلسطيني، الأمر الذي أدى في أكثر من مرة إلى انفجار القطاع، لذلك فإن تحركاتها تقوم على توضيح الرؤية للمجتمع الدولي لتقديم المساعدة للقطاع، وهو ما حدث في وقت سابق بعقد اللجنة المصرية لإعادة إعمار غزة ورشة عمل دولية حول إعمار القطاع، وذلك بمشاركة وفود أوروبية رسمية تمثل عددًا من دول الاتحاد الأوروبي.
الثوابت المصرية تحفظ استقرار وسيادة السودان
منذ اندلاع الاشتباكات العسكرية في السودان الشقيق، أعلنت مصر على لسان الرئيس السيسي، سعيها للحفاظ على أمن واستقرار السودان، والعمل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وعودة كل الأطراف إل طاولة المفاوضات، مع التمسك باعتبار ما يحدث في السودان شأن سوداني داخلي. وأكدت القاهرة وقوفها جنباً إلى جنب الشعب السوداني ومؤسساته الرسمية، لتفويت الفرصة على كل الطامعين والطامحين في تحويل هذا البلد الحدودي الشقيق إلى بؤرة صراع تنطلق من خلاله قوى التطرف والإرهاب لتكون شوكة في ظهر المنطقة العربية.
ومنذ اليوم الأول لبدء الاشتباكات المسلحة في السودان، والتي تهدأ بين الحين والآخر، وتتوالى نداءات القاهرة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار حفاظاً على دماء أبناء الشعب السوداني، من خلال بدء حوار جاد يستهدف حل الخلافات القائمة. وكثفت مصر من جهودها لحث المجتمع الدولي على دفع سبل وآليات تهدئة الأوضاع في السودان من أجل التوصل إلى وقف التصعيد والعودة إلى الحوار واستعادة المسار السياسي، وهي دعوات جميعها واقعية، وجائزة التنفيذ وتعد في الحسبان وجهات النظر المختلفة لجميع الأطراف المعنية، حيث يرتكز الطرح المصري على منطلقات عدة أهمها خبرة الدبلوماسية المصرية المكتسبة على مر تاريخها وبالأخص في السنوات الماضية على القدرة في حل الصراعات المعقدة وترتيب البيوت العربية من الداخل، دون النظر لأي مصالح آنية.
تمهيد طريق الانتخابات أمام الليبيين
كان لمصر الدور الأكبر في تهدئة الوضع الليبي خلال السنوات الماضية، مستضيفة الكثير من اللقاءات والمباحثات التي مهدت لإجراء حوار جاد وشفاف بين مجلسي النواب والدولة داخل ليبيا لوضع حد للأزمة والتوصل إلى حلول توافقية لدفع الانتخابات الليبية إلى الأمام وإلى تنظيمها خلال أشهر، وهو ما أشار له في أكثر من مناسبة مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي.
وترى القاهرة أن الانتخابات في ليبيا هي الحل الأمثل لإعادة السيادة لهذه الدولة الحدودية، لذا تعمل بكل جهد لإنجاح هذا الاستحقاق، من خلال دعم كل الأجهزة الشرعية والتشريعية للتوافق على قاعدة دستورية تكون المخرج الرئيسي للأزمة في الوقت الراهن.
وتتبنى الدولة المصرية رؤية ثابتة داخل ليبيا تتمثل في التصدي لكل مخططات الدخول في دوامة الفوضى وعدم الحل، والبدء في إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد والالتزام بخارطة الطريق، وهو ما جعل مصر تستضيف اجتماعات المسار الدستوري الليبي تحت رعاية أممية لسرعة إجراء الاستحقاق الانتخابي.
استقرار اليمن دائماً على طاولة مصر ورئيسها
وفي ملف اليمن، عقدت القاهرة على مدار الشهور الماضية، لقاءات عديدة من أجل دفع مسار الحوار السياسي في هذا البلد قدما إلى الأمام، وفي أواخر أبريل استقبل الرئيس السيسي الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي بالجمهورية اليمنية، الذى أكد تقدير بلاده الموقف المصري الثابت الداعم للشعب اليمنى، والمساند لجهود التوصل لتسوية سياسية تعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد، وتخفف من حدة الأزمات الإنسانية التي تشهدها اليمن.
سوريا تعود إلى الحضن العربي من البوابة المصرية
في الملف السوري بذلت مصر أقصى ما في وسعها من أجل عودة سوريا إلى الحضن العربي، في إطار جهودها الكبيرة الساعية إلى تماسك الكيان العربي وصونه وحمايته، تماشياً مع تصريحات الرئيس السيسي في القمة العربية الأخيرة التي أكد فيها أن "مصر ستبقى على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب في سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة".
فبعد أكثر من 12 عاما من الغياب إثر حالة الفوضى التي اندلعت في العقد الماضي، قرر مجلس الجامعة العربية مشاركة الدولة السورية في اجتماعات القمة العربية التي انعقدت في جدة بالمملكة العربية السعودية، وهو ما مثل خطوة مهمة نحو استعادة أحد أهم الأعضاء المؤسسين لـ"بيت العرب" في الأربعينات من القرن الماضي.
وجاء ذلك بعد تحركات مصرية عديدة، وزيارات متبادلة بين وزيري خارجية مصر وسوريا إلى القاهرة ودمشق، ساهمت في دفع الحراك الإقليمي الساعي إلى تعزيز العلاقات العربية مع سوريا وعودتها إلى الحضن العربي.