القصة الكاملة لتصميم "قارب العبور" فى بانوراما أكتوبر.. التشكيلى طارق الكومى: استعنا بملابس الحرب وأدواتها للتوثيق.. نحتنا الجنود بملامح تشبه محمود يس وأحمد زكى.. وأتمنى وضع أعمال عن الحرب بميادين المحافظات

الخميس، 28 سبتمبر 2023 10:00 م
القصة الكاملة لتصميم "قارب العبور" فى بانوراما أكتوبر.. التشكيلى طارق الكومى: استعنا بملابس الحرب وأدواتها للتوثيق.. نحتنا الجنود بملامح تشبه محمود يس وأحمد زكى.. وأتمنى وضع أعمال عن الحرب بميادين المحافظات

«حرب أكتوبر-1973» ذكرى انتصار غال على مصر، ومهما مرت السنون ستظل فخرا للمصريين جيلا بعد جيل، وتخليدا لذكرى النصر، أعدت الدولة سابقا مشروعا يوثق ما حدث فى الحرب بالصور والصوت، من خلال إقامة متحف بانوراما حرب أكتوبر بمدينة نصر، ففى المتحف عدد من الأعمال النحتية واللوحات التى تصور الحرب، إضافة إلى بانوراما ترصد أبرز المشاهد الحربية، ومن هنا حاولنا التواصل مع أحد الفنانين الذين شاركوا فى هذا العمل الوطنى وجاء أبرزهم الفنان التشكيلى طارق الكومى.

 
فى قاعة البانوراما ترى منحوتات الجنود المصريين وكأنها من دم ولحم وفى يدهم الأسلحة يصوبونها على صدور العدو وكأنك تسمع جملة «الله أكبر »، وترى المعتدين وهم مختبئين وعيونهم كلها رعب وعدد كبير منهم ملقى على الأرض فاقد النطق والحركة.
 
ويتردد صوت داخلى يقول لك «لقد فعلها المصريون»، ثم تلقى نظرة أكثر بعدا لترى بعض المنازل يتصاعد منها لهيب الحرائق والأدخنة، وترى فى أرض المعركة المدافع والدبابات المصرية وتنظر إلى الأعلى لترى الطائرات الحربية، وتشاهد أيضا بسالة الجنود وهم يعبرون خط بارليف، ويترسخ فى ذهنك وقت خروجك من القاعة صورة «العلم المصرى» مرفوعا من أعلى قمة فى الحرب، فيتشبع لديك إحساس النصر العظيم الذى تحقق بأياد مصرية خالصة.
 
فكل جزء من تصوير الحرب يحتاج قصة للحديث عنه، ونتحدث اليوم عن كيفية صناعة هذا العمل المذهل وعن صانعيه لنكرمهم على مجهوداتهم فى توثيق واحدة من أهم إنجازات الدولة المصرية التى لا تقدر بثمن.
 
وفى هذا الحوار كشف الفنان طارق الكومى كواليس عمله فى متحف بانوراما 6 أكتوبر لكى تظهر بهذا المظهر اللائق محليا وعالميا..
 
deena-romia-(50)

من هم الفنانون المصريون الذين شاركوا فى البانوراما؟ 
 
كان لى شرف المشاركة فى الأعمال الفنية بمتحف بانوراما 6 أكتوبر، وكان معى مجموعة من أساتذتى فى ذلك الوقت وهم عبدالهادى الوشاحى وأحمد نبيل وعبدالمنعم محمد وصالح رضا وصبحى جرجس، هؤلاء قدموا أجزاء كبيرة من البانوراما بالتعاون والشراكة مع الفنانين الكوريين الذين تم استدعاؤهم من قبل الرئيس الراحل حسنى مبارك عندما كان فى زيارة إلى كوريا وشاهد بانوراما كورية تجسد بطولات الحروب الكورية، فمن هنا أعجب بالفكرة ورغب فى تقديم بانوراما لحرب 6 أكتوبر.
 
وكان يوسف صبرى أبوطالب وزيرا الدفاع يزورنا بشكل دائم لمتابعة أداء الفنانين ومواعيد الانتهاء من العمل حتى يتم افتتاح البانوراما والاحتفاء بنصر أكتوبر. ما العمل الذى قدمته فى البانوراما؟ شاركت مع مجموعة من الفنانين فى صنع «قارب العبور»، ووقت انتهاء الكوريين من تنفيذه وجد يوسف صبرى أبوطالب أن الكوريين لم يتمكنوا من تقديم شكل الجندى المصرى كما ينبغى، لا من حيث البنية التحتية ولا الملامح ولا الإحساس، فدون قصد قدموا صورا تشبههم وذلك لأن الصورة البصرية لديهم العينان الصغيرتان والأجساد الضئيلة.
 
فتم الاتصال وقتها بالدكتور أحمد نوار لكونه رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية فى ذلك الوقت، وقال له وزير الدفاع إنه يريد فنانين مصريين يقومون بتنفيذ قارب العبور فى أسرع وقت، وبالفعل قام مكتب الدكتور أحمد نوار بالاتصال بى ومعى الأستاذ الفنان محمد جلال والذى قام بالاتصال بمجموعة من الفنانين الشباب وقتها عادل شعبان ومحمد مصطفى. 

قارب العبور مرتبط فى ذاكرة المصريين بالنصر.. فكيف تم تجسيده؟ تم تجسيد القارب ومعه مجاديف ليحمل القارب 9 جنود، 4 جهة اليمين، و4 جهة اليسار يحملون جميعا بنادق، وفى المنتصف واحد يحمل رشاشا، وقمت بتنفيذ ثلاثة من الجنود المصريين، واستعنت بالذاكرة البصرية لتجسيد ملامح الجنود المصريين وهى نفس ملامح المواطن المصرى الفلاح والعامل مع لمسة لتجسيد الأوضاع القتالية، وراعيت أن تكون الملامح قريبة من شكل أحمد زكى ومحمود ياسين وفاروق الفيشاوى وصلاح السعدنى. 

ما الأدوات التى تم الاستعانة بها لإخراج قارب العبور بصورته الحقيقية؟
 
تمت الاستعانة بالملابس وجميع الأدوات التى استخدمها الجندى المصرى لحظة العبور، والتى تضم «السترة والجاكيت الذى يوجد فيه الذخيرة والمؤن وغيرها»، فكان الجندى يحمل أكثر من 25 كيلو من أدواته، وبالطبع هذه الأشياء ساعدتنا على أن نعمل توثيقا بدقة للجندى، إضافة إلى أننا أحضرنا القارب الحقيقى والمجاديف والبنادق لمعاينتها وتقديمها بنفس الصورة.

نظرا إلى ضيق الوقت.. أين تم تنفيذ قارب العبور؟  حتى يخرج القارب فى الميعاد المحدد له، تم بناء هنجر كبير للفنانين المصريين الذين تم تكليفهم لتقديم هذا العمل والانتهاء منه فى أسرع وقت، وذلك داخل البانوراما بمدينة نصر، وبالفعل عسكرنا فى المكان ليلا ونهارا لمدة شهر. 

حدثنا عن شعورك وقت عملية التنفيذ وإخراج العمل؟«كأنى كنت بحارب معاهم»، ولا يزال لدى إحساس بالفخر والاعتزاز بنصر 6 أكتوبر، خاصة أن وقت النكسة 67 كان عمرى 6 سنوات وشعرت بأهلى وقتها ورأيت فى عيونهم لحظات الانكسار والضعف، ومررت أيضا بحرب الاستنزاف، وهذا نمى بداخلى روح الوطنية والشحن المعنوى لاسترداد أرضنا وكان الشعار الذى يقال حينها «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، ونحن بالفعل دولة قوية وجيشها قوى لا يستطيع أحد هزيمتنا، لذلك وقت تكليفنا بهذا العمل لم يعتذر أحد مطلقا، وشعرنا جميعا أن هذا واجب وطنى وعلينا كلنا إخراجه فى أحسن صورة.
 
 
deena-romia-(42)


وعلى المستوى التقنى.. كيف كانت التجربة مع الفنانين الكوريين؟

 كانت التجربة مع الكوريين جيدة لدرجة كبيرة، كان عددهم يزيد على 50 فنانا مشاركا، إضافة إلى وجود فنانين مصريين بجانبهم وذلك لأن الكوريين استعانوا بالمصريين لتوفير بعض الخامات الفنية التى كانوا يحتاجونها، فالشغل الخاص بمسرح البانوراما مسؤول عنه الكوريون، كما أنهم استعانوا بالأرشيف التابع للشؤون المعنوية، ونحن رأينا أنهم أحضروا صورا كثيرة للحرب وعلقوها على أحد الحوائط لتوثيق ما دار بالحرب بشكل دقيق، فالرسم لم يكن من الخيال، كما أنهم قاموا بعمل دراسات وأبحاث قبل البدء فى الرسم استغرقت شهرا أو أكثر، والتنفيذ ما بين 6 أشهر إلى سنة.


لو التفتنا إلى الأعمال الفنية الأخرى الموجودة فى البانوراما.. ما أبرز الأعمال المعروضة؟ 

كانت المفاجأة أننا كنا أصغر الفنانين المشاركين فى البانوراما، وكانت أعمارنا فى الثلاثينات بخلاف الوشاحى وأحمد نبيل، وكانت لغة التعاون موجودة بيننا بشكل كبير، حيث إننا لم نكتف بالمهام المطلوبة مننا فقط بل قمنا أيضا بمساعدة الفنانين الكبار، ومن بين الأعمال الفنية البارزة فى البانوراما جاءت لعبدالهادى الوشاحى جدارية نحت بارزة ضخمة، موجودة خارج مسرح البانوراما للجنود المصريين والرايات، وعمله مستوحى من تصميمات الفن المصرى القديم، كما قدم كل من زكريا الزين وأحمد نبيل وممدوح عمار أساتذة كلية الفنون الجميلة لوحة الموزاييك الضخمة، التى تصور الرئيس الراحل محمد أنور السادات داخل غرفة العمليات ومع كل القادة فى الطيران والدفاع والحربية، والشىء اللافت للنظر أن هذا العمل فى غاية الروعة لدقة استخدام الفسيفساء وكأنك تشاهد لوحة طبيعية. 
إذا تحدثنا عن كواليس العمل فى البانوراما.. فما أبرز اللحظات الطريفة التى مرت بها؟ 

 بالطبع واجهنا مواقف طريفة، على سبيل المثال الوشاحى كان دائما يحب العمل دون أن يراه أحد، فكان ينصب خيمة طويلة بطول الجدارية يعمل من داخلها، ففى إحدى المرات قام أحد الفنانين بالتلصص عليه فشعر بذلك وقال بصوت عال «اقفل الخيمة يا ولد»، وأرعب الفنان دون أن يشعر وهو لا يعرف من قام بذلك. 

واللحظات الطريفة أيضا إحضار الفنان عادل شعبان لـ«كاسيت» يسمع فيه الأغانى الشعبية لعدوية وماهر العطار وغيرهما، وفى ذلك الوقت ظهر مطرب جديد وكان الفنان حسن الأسمر وأحضرت شريطا له وبدلت الأغانى بأغنية «كتاب حياتى يا عين». 
new


 فى كل مشروع يوجد العديد من التحديات.. ما أكبر التحديات التى واجهتك؟

 كان لدى حماس كبير فى المشاركة بالبانوراما، لأنى اعتبرتها واجبا وطنيا، وكنت موجودا هناك طوال الوقت، وكان معى بعض الحرفيين الذين علمتهم «الصب» ليقوموا بعمل القوالب النحتية، وفى آخر أيام عمل بالبانوراما شعر فريق العمل ببعض الإجهاد، وكان متبقيا لنا يوم فقط على الافتتاح ولم ننحت بعد علم مصر، وبالعزم والإصرار فكرت فى عمل العلم ، ولكن ليس بالطريقة التقليدية لأن هذه الطريقة تستغرق فترة أطول وأنا لم يكن لدى غير يوم فقط لإخراج العمل، ففكرت خارج الصندوق وأحضرت قماش البوليستر ومادة التصلب وأسلاكا ونسرا، بحيث إن العلم يأخذ حركة «الرفرفة» فى الهواء، والأمر استغرق ربع ساعة حتى يجف تماما، وفوجئ بقية فريق العمل من سرعة عمل العلم وكان فى أعينهم علامات الاندهاش وهذه التقنية استحدثت وقت العمل فى البانوراما.


بعد هذا المجهود الضخم.. كيف تم تكريمكم؟
 
 تم تكريمنا من قبل قطاع الفنون التشكيلية وتم منحنا شهادات تكريم لمشاركتنا فى البانوراما، لأن قارب العبور هو الأساس فى مدخل متحف البانوراما، وبدونه لا يكتمل شكل البانوراما الذى يصف حرب أكتوبر، وتكريمنا أيضا جاء بسبب سرعتنا فى الانتهاء من قارب العبور فى وقت قياسى مدته شهر مع أنه يستغرق العمل فيه سنة كاملة، وفى الافتتاح الرسمى للبانوراما تمت دعوة الوشاحى نيابة عن الفنانين المصريين المشاركين.

 وبعد هذه السنين.. متى آخر مرة قمت بزيارة البانوراما؟
 
  قمت بزيارتها منذ 3 سنوات مع أولادى، ولم يحدث أى تغير لأن هناك متخصصين يقومون بعمل صيانات دورية بشكل منتظم، لأن البانوراما من ممتلكات الدولة، كما أنى أقوم بتوجيه أبنائى لزيارة متحف الفن الحديث ومكتبة الإسكندرية والبانوراما وغيرها من الأماكن التاريخية والأثرية والفنية. 

 وبمناسبة مرور 50 عاما على حرب أكتوبر.. هل ترى أنه يمكننا تقديم أعمال فنية أخرى عن الانتصار؟
 
طبعا المفروض فى كل المحافظات أن يجتمع عدد من اللجان والمستشارين مع المحافظين ويتفقون على وضع عمل ميدانى بكل محافظة بمناسبة اليوبيل الذهبى لحرب أكتوبر، وبالتعاون مع نقابة التشكيليين وقطاع الفنون التشكيلية، وهذا يضمن أن نقدم عملا فنيا جيدا يلقى مردودا إيجابيا واسعا، كما من المهم توجيه طلاب الفنون الجميلة بأن يكون مشروع تخرجهم عن نصر أكتوبر.
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق