«حرب أكتوبر-1973» ذكرى انتصار غال على مصر، ومهما مرت السنون ستظل فخرا للمصريين جيلا بعد جيل، وتخليدا لذكرى النصر، أعدت الدولة سابقا مشروعا يوثق ما حدث فى الحرب بالصور والصوت، من خلال إقامة متحف بانوراما حرب أكتوبر بمدينة نصر، ففى المتحف عدد من الأعمال النحتية واللوحات التى تصور الحرب، إضافة إلى بانوراما ترصد أبرز المشاهد الحربية، ومن هنا حاولنا التواصل مع أحد الفنانين الذين شاركوا فى هذا العمل الوطنى وجاء أبرزهم الفنان التشكيلى طارق الكومى.
من هم الفنانون المصريون الذين شاركوا فى البانوراما؟
قارب العبور مرتبط فى ذاكرة المصريين بالنصر.. فكيف تم تجسيده؟ تم تجسيد القارب ومعه مجاديف ليحمل القارب 9 جنود، 4 جهة اليمين، و4 جهة اليسار يحملون جميعا بنادق، وفى المنتصف واحد يحمل رشاشا، وقمت بتنفيذ ثلاثة من الجنود المصريين، واستعنت بالذاكرة البصرية لتجسيد ملامح الجنود المصريين وهى نفس ملامح المواطن المصرى الفلاح والعامل مع لمسة لتجسيد الأوضاع القتالية، وراعيت أن تكون الملامح قريبة من شكل أحمد زكى ومحمود ياسين وفاروق الفيشاوى وصلاح السعدنى.
ما الأدوات التى تم الاستعانة بها لإخراج قارب العبور بصورته الحقيقية؟
نظرا إلى ضيق الوقت.. أين تم تنفيذ قارب العبور؟ حتى يخرج القارب فى الميعاد المحدد له، تم بناء هنجر كبير للفنانين المصريين الذين تم تكليفهم لتقديم هذا العمل والانتهاء منه فى أسرع وقت، وذلك داخل البانوراما بمدينة نصر، وبالفعل عسكرنا فى المكان ليلا ونهارا لمدة شهر.
حدثنا عن شعورك وقت عملية التنفيذ وإخراج العمل؟«كأنى كنت بحارب معاهم»، ولا يزال لدى إحساس بالفخر والاعتزاز بنصر 6 أكتوبر، خاصة أن وقت النكسة 67 كان عمرى 6 سنوات وشعرت بأهلى وقتها ورأيت فى عيونهم لحظات الانكسار والضعف، ومررت أيضا بحرب الاستنزاف، وهذا نمى بداخلى روح الوطنية والشحن المعنوى لاسترداد أرضنا وكان الشعار الذى يقال حينها «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، ونحن بالفعل دولة قوية وجيشها قوى لا يستطيع أحد هزيمتنا، لذلك وقت تكليفنا بهذا العمل لم يعتذر أحد مطلقا، وشعرنا جميعا أن هذا واجب وطنى وعلينا كلنا إخراجه فى أحسن صورة.
وعلى المستوى التقنى.. كيف كانت التجربة مع الفنانين الكوريين؟
كانت التجربة مع الكوريين جيدة لدرجة كبيرة، كان عددهم يزيد على 50 فنانا مشاركا، إضافة إلى وجود فنانين مصريين بجانبهم وذلك لأن الكوريين استعانوا بالمصريين لتوفير بعض الخامات الفنية التى كانوا يحتاجونها، فالشغل الخاص بمسرح البانوراما مسؤول عنه الكوريون، كما أنهم استعانوا بالأرشيف التابع للشؤون المعنوية، ونحن رأينا أنهم أحضروا صورا كثيرة للحرب وعلقوها على أحد الحوائط لتوثيق ما دار بالحرب بشكل دقيق، فالرسم لم يكن من الخيال، كما أنهم قاموا بعمل دراسات وأبحاث قبل البدء فى الرسم استغرقت شهرا أو أكثر، والتنفيذ ما بين 6 أشهر إلى سنة.
لو التفتنا إلى الأعمال الفنية الأخرى الموجودة فى البانوراما.. ما أبرز الأعمال المعروضة؟
كانت المفاجأة أننا كنا أصغر الفنانين المشاركين فى البانوراما، وكانت أعمارنا فى الثلاثينات بخلاف الوشاحى وأحمد نبيل، وكانت لغة التعاون موجودة بيننا بشكل كبير، حيث إننا لم نكتف بالمهام المطلوبة مننا فقط بل قمنا أيضا بمساعدة الفنانين الكبار، ومن بين الأعمال الفنية البارزة فى البانوراما جاءت لعبدالهادى الوشاحى جدارية نحت بارزة ضخمة، موجودة خارج مسرح البانوراما للجنود المصريين والرايات، وعمله مستوحى من تصميمات الفن المصرى القديم، كما قدم كل من زكريا الزين وأحمد نبيل وممدوح عمار أساتذة كلية الفنون الجميلة لوحة الموزاييك الضخمة، التى تصور الرئيس الراحل محمد أنور السادات داخل غرفة العمليات ومع كل القادة فى الطيران والدفاع والحربية، والشىء اللافت للنظر أن هذا العمل فى غاية الروعة لدقة استخدام الفسيفساء وكأنك تشاهد لوحة طبيعية.
إذا تحدثنا عن كواليس العمل فى البانوراما.. فما أبرز اللحظات الطريفة التى مرت بها؟
بالطبع واجهنا مواقف طريفة، على سبيل المثال الوشاحى كان دائما يحب العمل دون أن يراه أحد، فكان ينصب خيمة طويلة بطول الجدارية يعمل من داخلها، ففى إحدى المرات قام أحد الفنانين بالتلصص عليه فشعر بذلك وقال بصوت عال «اقفل الخيمة يا ولد»، وأرعب الفنان دون أن يشعر وهو لا يعرف من قام بذلك.
فى كل مشروع يوجد العديد من التحديات.. ما أكبر التحديات التى واجهتك؟
كان لدى حماس كبير فى المشاركة بالبانوراما، لأنى اعتبرتها واجبا وطنيا، وكنت موجودا هناك طوال الوقت، وكان معى بعض الحرفيين الذين علمتهم «الصب» ليقوموا بعمل القوالب النحتية، وفى آخر أيام عمل بالبانوراما شعر فريق العمل ببعض الإجهاد، وكان متبقيا لنا يوم فقط على الافتتاح ولم ننحت بعد علم مصر، وبالعزم والإصرار فكرت فى عمل العلم ، ولكن ليس بالطريقة التقليدية لأن هذه الطريقة تستغرق فترة أطول وأنا لم يكن لدى غير يوم فقط لإخراج العمل، ففكرت خارج الصندوق وأحضرت قماش البوليستر ومادة التصلب وأسلاكا ونسرا، بحيث إن العلم يأخذ حركة «الرفرفة» فى الهواء، والأمر استغرق ربع ساعة حتى يجف تماما، وفوجئ بقية فريق العمل من سرعة عمل العلم وكان فى أعينهم علامات الاندهاش وهذه التقنية استحدثت وقت العمل فى البانوراما.
بعد هذا المجهود الضخم.. كيف تم تكريمكم؟
وبعد هذه السنين.. متى آخر مرة قمت بزيارة البانوراما؟
وبمناسبة مرور 50 عاما على حرب أكتوبر.. هل ترى أنه يمكننا تقديم أعمال فنية أخرى عن الانتصار؟