صندوق الدنيا
الخميس، 07 سبتمبر 2023 04:24 م
قديما كانوا يطلقون على جهاز التلفاز مصطلح "صندوق الدنيا " باعتباره الناقل الوحيد لما يحدث في الدنيا، ومع التقدم العلمي الهائل ووجود شبكة الانترنت أصبحت الدنيا كلها بين أيادي الجميع في هواتفهم المحمولة، أينما ذهبوا ووقتما أرادوا يستطيعون الحصول والوصول إلى أي معلومة أو أي شيء على وجه الأرض، والذكي الفطِن هو من يستفيد من هذه النعمة بالشكل الذي يحقق له المكاسب كما استفاد غيره ، وألا يحولها لنقمة مدمرة لحياته ومستقبله .
وعلى سبيل المثال قرأت اليوم في صفحة خاصة بإحدى محافظات الصعيد منشورا بعنوان "رسالة أم" تشارك فيه ولية أمر تجربتها مع ابنها الطالب في المرحلة الابتدائية سأنقله لكم كما هو بمفرداته العامية ..
" كاسمعوني كويس أنا فكرت ف حاجة ونفذتها
ابني ف رابعة ابتدائي بديلو دروس بحوالي ٨٠٠ جنيه وأكيد كلنا عارفين الظروف والحالة اللي وصلنا ليها، أنا منزلة المنشور ده لكل أم مش قادرة تدي لأولادها دروس خصوصية
فكرت في فكرة ونفذتها مع ابني والحمد لله طلعت تحفة وابني بسم الله ماشاء الله استوعب، قولت بدل ما أدفع ٨٠٠ أدفع احسن ١٥٠ ف الشهر لكل المواد قولولي ازاي؟
دخلت ع اليوتيوب واخترت لكل ماده مستر أو مس بشرح مبسط وابني يفهم بسرعة وبشغل لابني الدرس ع اللاب توب أو التليفزيون المتوصل بالنت وبقي بياخد دروسه بالطريقة دي واللي مش فاهمه يعيده ولقيت مع المدرسين دول منزلين لينكات للواجب بالحل بتاعه لكل درس ، بقيت بدفع تمن النت بس ووفرت باقي الفلوس وف نفس الوقت لقيت ابني بيقولي يا ماما أنا بفهم كده أحسن بكتير من المدرسين الدروس الخصوصية ، وابني ماشاء الله مستواه اتحسن الحمد لله
أنا قولت أنقل تجربتي لكل أم مش قادرة على تمن الدروس الخصوصية .. جربي وصدقيني مش هتندمي وعن تجربة" .
إلى هنا انتهى المنشور الذي أمتعني وسر خاطري بشدة، فبعد قراءتي لتلك النصيحة الهامة المجربة التي قدمتها أم واعية من صعيد مصر لأولياء الأمور شعرت بأن هناك أمل بأن هناك من قرر أن يتغير وأن يواكب التطور ويخرج من الصندوق الضيق إلى براح الكون ليستفيد مما أتاحته له التكنولوجيا الحديثة من معلومات وخبرات وفرص لتوفير الوقت والجهد والمال .
منذ فترة وأنا أنادي الجميع بأن يستغلوا تلك الفرصة والنعمة، للتكنولوجيا وجهان وجه سلبي ووجه قمة في الإيجابية، لذا أستعجب عندما أجد شاب محدود العلم والإمكانيات التي تسهل له الحصول على وظيفة أو حتى تساعده في تحقيق حلم الهجرة التي تتطلب منه لغة وتميز في أي مجال، لا يحاول الاستفادة مما منحه له العلم من اختراعات تسهل له تطوير نفسه والارتقاء بذاته، ولم يأخذ من التقدم التوكنولوجي سوى الضرر والمفسدة بإهدار وقته وعمره في مشاهدة مواقع ذات محتويات فارغة لن تضيف له، بل على العكس في الكثير من الأحيان تسحب من طاقته الإيجابية، وتدعوه للكسل وللبحث عن الطرق السهلة وحتى المحرمة لكسب المال، وتملأه نفسه بالأحقاد والاحتقان، ومع الأسف نجد أن العديد من الشباب يهدرون طاقاتهم على الصفحات والمواقع في الندب والنحيب ولعن الظروف دون محاولة لتغيير الذات وبذل الجهد لتحقيق الأهداف، وآخرين تمتلأ هواتهم بتطبيقات الألعاب الإلكترونية التي يقضون الساعات والساعات عليها، وآخرين يتجهون للمكسب السهل والسريع عن طريق كشف ستر بيوتهم وعوراتهم وأسرارهم الخاصة، وغيرها من كوارث تملأ الفضاء الإلكتروني .
في المقابل نجد أن هناك من قرر مجابهة الظروف والبدأ في السعي وتحديد الأهداف ووضع الخطط التي تمكنه للاستفادة من التكنولوجيا الحديثه في تحقيق أحلامه، وتنمية قدراته وتطوير شخصيته، وبدلا من أن يهدر وقته في اللاشيء ومتابعة خزعبلات وتفاهات التيك توك وغيره من التطبيقات، أو الدخول في صراعات مع مشجعي الأندية المنافسة والتراشق بالألفاظ البذيئة والدخول الجدالات العقيمة، قرر الاستفادة مما تقدمه له التكنولوجيا من فوائد على طبق من فضة، فبعد أن كان تعلُم لغة جديدة يتطلب منه الاشتراك في أحد الدورات التعليمية بمصروفات كبيرة، ويحتاج لاقتطاع أوقات محددة من يومه للالتزام بحضور الدورات في مواعيدها، أصبح من السهل تعلمها عن طريق الإنترنت في الأوقات التي تناسبه، وفي أي مكان سواء كان في المنزل او المواصلات أو حتى أثناء انتظاره لدوره في أحد المصالح الحكومية مثلا، هناك من قرر حفظ عدد من الكلمات يوميا في لغة لا يتقنها مع متابعة مقدمي المحتويات الخاصة بتعليم تلك اللغة نطقا وكتابة ، فهذه الشبكة العنكبوتية تحتوي على العديد من المقاطع الخاصة بتعليم اللغات المختلفة والتي تقدم المعلومة بشكل سهل وسريع ومحدد .
كما أن الكثير من الأهالي الراغبين في مستقبل أفضل لأبناءهم اتجهوا لتشجيع أطفالهم على الحصول على دورات في البرمجة واللغات المختلفة، وحفظ القرآن، وتعلم مهارات جديدة وقراءة الكتب والتعرف على العالم الخارجي لتوسيع مدارك الأبناء واكتشاف الاهتمامات حتى يمكن تنميتها فيما بعد.
وهناك العديد من أصحاب الهوايات الذين يتملكهم شغف تعلُم حرفة جديدة أو فن من الفنون استطاعوا الاستفادة من تعلمها بسهولة ويُسر عن طريق شبكة الإنترنت، وبرع الكثير منهم فيما تعلموه وبدأوا مشروعاتهم الخاصة التي غيرت حياته للأفضل.
ومن هذا المنطلق أتمنى أن يستفيد الجميع وخاصة الأهالي وأولياء أمور الأجيال الجديدة من الأطفال والشباب من الوجه الإيجابي للعملة، فالتكنولوجيا الحديثة تعتبر سلاح ذو حدين أحدهما قاتل ومدمر والآخر فيه إكسير الحياة ولكم الاختيار.