نجوم في القلوب عالقة: الفراعنة يبكون «الجنرال»

السبت، 02 سبتمبر 2023 08:00 م
نجوم في القلوب عالقة: الفراعنة يبكون «الجنرال»
محمد الشرقاوى

- محمود الجوهرى.. الكرة المصرية لا تنسى العراب ومدير مدرسة الاحتراف ومكتشف النجوم 

- ودعته مصر والأردن يوم وفاته 3 سبتمبر 2012 بجنازتين عسكريتين فى وداع يليق بجنرال الكرة 
 
 
لم يعلم الفتى المفطوم على «كرة شراب» - صنعها له خاله - أن أول رهان له بفوز منتخب بلاده ببطولة سيتحقق، فالخال لا يمل من الحديث عن «الجنرال» وخططه أمامه.
 
6 سنوات كانت كفيلة لزرع حب كرة القدم بداخلى، فخالى - شبيه شطة - كان كفيلا بفرق بأكملها، يحسم المباريات، ويتراقص باللاعبين، ولا يتقبل الخسارة، فينقض على من هم أقوى منه بنية فى الجسد، فيمسح بهم «أرض الملعب».
 
فى نفس الفترة العمرية، كان المصريون جميعا يتطلعون للقب القارة السمراء، لكن مدرب منتخبهم خرج بتصريح قبل بطولة الأمم المتحدة 1998 يقول: «سنتوجه إلى بوركينا فاسو للحصول على المركز الـ13 بالبطولة وليس التتويج بها».
 
لم يتقبل الخال مثل هذه التصريحات، واعتبرها مخادعة، فالجوهرى كان بمثابة أمل لأجيال عشقت الساحرة المستديرة، فمحمود الجوهرى اجتمع مع اللاعبين فى الغرف المغلقة، وأكد لهم أن المشاركة من أجل التتويج بكأس الأمم، وهو ما أكده اللاعب السابق طارق مصطفى، نجم الفراعنة فى 1998.

الجوهرى لاعبا
 
الجنرال المولود فى القاهرة، 20 فبراير عام 1938، أتقن خطط الخداع الاستراتيجى، بفعل عقيدته العسكرية، فهو ضابط الجيش الحاصل على بكالوريوس العلوم العسكرية 1957، الذى شارك فى حرب أكتوبر عام 1973، برتبة مقدم، وخرج من الخدمة برتبة عميد فى سلاح الإشارة 1977.
 
صحيح أن العقيدة العسكرية كفيلة بتكوين شخصية انضباطية فى المقام الأول، ولكن لمنظومة الأهلى جزء أيضا، فلاعب الفريق الأول وهو بسن صغيرة لم تتجاوز الـ17 من عمره، حقق 6 بطولات للدورى العام، و3 بطولات لكأس مصر وبطولة واحدة فى دورى القاهرة، وبطولة كأس الجمهورية العربية المتحدة، فى الفترة بين 1955 - 1964.
 
مهاراته داخل المستطيل لم يستحوذ عليها الأهلى وحده، فالجوهرى لاعب المنتخب الوطنى الفائز بكأس أمم إفريقيا 1959، حفر اسمه فى تاريخ الفراعنة بلقب هداف البطولة، ولعب نحو 25 مباراة دولية قبل أن تصيبه لعنة «الرباط الصليبى» وتجبره على الاعتزال مبكرا. فى عام 1956 لعب الجنرال ضمن صفوف المنتخب العسكرى أمام الاتحاد السوفيتى، وانتهت بالتعادل بهدف لكل فريق، بفرمان من الكابتن حسين مدكور.

أفضل مدرب عرفه المصريون
 
فى عام 1990 كان المصريون على موعد مع التاريخ، حين صعدوا للمرة الثانية فى تاريخهم لكأس العالم، ولم يكن ذلك سيتم إلا بخطط بطل أكتوبر المنضبطة، وارتجت شوارع القاهرة بالهتاف الأشهر «جوهرى - جوهرى».
 
البداية الحقيقة للتدريب كانت برفقة الفريق الأول للنادى الأهلى، وحقق معه الفوز ببطولة أفريقيا للأندية أبطال الدورى عام 1982 لأول مرة فى تاريخ النادى، ثم التتويج بلقب كأس مصر عامى 1983 و1984، وغاب عنه لقب بطل الدورى، وهو نفس اللقب الذى غاب عنه مع الزمالك أيضا.
 
وبشخصية محارب أحبط التمرد داخل صفوف الأهلِ، وفاز بمجموعة من الناشئين على كبار الزمالك فى دور الثمانية من كأس مصر عام 1984 بعد حادثة التمرد الشهيرة فى النادى الأهلى، فظهرت أسماء مثل: بدر رجب، ضياء السيد، طارق خليل.
فى عام 1993 تولى الجنرال القيادة الفنية للزمالك، ونجح فى الفوز معه بثالث بطولاته الأفريقية «الأندية الأبطال»، كما حقق السوبر الأفريقى فى يناير 1994 على حساب الأهلى بهدف أيمن منصور الشهير بجوهانسبرج، وكان تصريحه الأشهر، الذى يعيش عليه مشجعو الزمالك لليوم: «أعطوا الزمالك العدالة الكروية واتركوا البقية يتنافسون على بقية المراكز»، ومنح أبناء القلعة البيضاء فى موسم 1993/1994 دماء جديدة تدفقت فى عروق القلعة البيضاء لتقودها لاحقا إلى نجاحات كبرى، مثل محمد صبرى، مدحت عبدالهادى، معتمد جمال، أسامة نبيه.
 
ومع الفراعنة كانت مرحلة أكثر توهجا فوصل بالمنتخب الوطنى إلى كأس العالم عام 1990 لثانى مرة فى تاريخه، والفوز بلقب كأس العرب فى 1992، ولقب كأس الأمم الأفريقية عام 1998، والتى أقيمت فى بوركينا فاسو.
 
وللأندية العربية نصيب من الجوهرى، فحصد عدة بطولات مع عدد من أندية الخليج، منها الهلال السعودى واتحاد جدة، والشارقة والوحدة الإماراتيان، وقاد منتخب عمان فى كأس الخليج عام 1996. ثم مرحلة جديدة بدأت فى 2002 حين تولى تدريب المنتخب الأردنى والإشراف الفنى على الكرة الأردنية، وقاد «النشامى» للوصول إلى نهائيات كأس الأمم الآسيوية 2004 فى الصين لأول مرة فى تاريخ الكرة الأردنية، وصعد بهم إلى دور الأربعة، كما حصل معه على المركز الثالث فى البطولة العربية للمرة الأولى فى تاريخ الأردن، والحصول على وصيف كأس غرب آسيا.

أبوالمحترفين المصريين
 
فتح معشوق الجماهير، عين المصريين على الاحتراف، حتى عدّه البعض «مؤسسة مدرسة الاحتراف»،  وهى رحلة بدأها مع لاعبيه، باكتشافهم أو إعادة اكتشافهم، فكان يكفيك كلاعب أن تقول إنك ضمن مدرسة «الأستاذ».
 
رحلة التدريب التى بدأها مبكرا كانت كفيلة بأن يواكب أجيالا عدة من اللاعبين، فاكتشف بعضهم فى سن صغيرة، وقَوَّم أداءهم، فالتوأم الأشهر فى الكرة المصرية «حسام» و«إبراهيم»، اختارت عين الجوهرى الأول منهما وصعده إلى الفريق الأول بالنادى الأهلى، وهو ابن 18 عاما، على أمل أن يعيد الكرّة، وينجح فيما فشل الجنرال فى تحقيقه، حتى دفعهما إلى رحلة الاحتراف، وأعاد حسام إلى المجد فى 98، وكان رهانه الرابح فحصد به اللقب، وحصد حسام «الهداف» مع لاعب جنوب أفريقيا «مكارثى» برصيد 7 أهداف.
 
كذلك أحمد حسام «ميدو» ضمه الجوهرى فى سن الـ18 إلى صفوف الفراعنة، استقدمه من جنت البلجيكى، وكانت أولى مبارياته أمام الإمارات وديا وأحرز فيها هدفا، ثم كان هدفه الأشهر برأسه فى مرمى السنغال فى تصفيات كأس العالم 2002، ثم أتت أهدافه فى باقى التصفيات، ونهائيات كأس الأمم 2002 بمالى أيضا، لينطلق بعدها نحو أياكس الهولندى ثم رحلة احترافه الطويلة.
أحمد حسن «الصقر» الكابتن الأشهر فى تاريخ الكرة المصرية، قدمه الجوهرى للمصريين فى عام 1997، واعتمد عليه بشكل رئيسى فى بطولة كأس الأمم الأفريقية 1998، التى حقق فيها أول ألقابه كلاعب فى سن الـ ٢2، ولم يكن الثعلب الصغير حازم إمام عن ذلك ببعيد.
 
الجوهرى اكتشف «حازم» فى عمر 18 أيضا - يبدو هذا الرقم تميمة حظ الجنرال - عندما تولى تدريب الزمالك عام 1993، فصعدّه إلى الفريق الأول، وتوهج معه فى تصفيات ونهائيات كأس الأمم الأفريقية 1998، وانطلق بعدها للاحتراف الأوروبى بعدها فى إيطاليا وهولندا، كذلك عبدالستار صبرى الذى أجبر الكرة نفسها على احترامه، فهو صاحب الموهبة الفذة الذى قاد فريق المقاولون العرب إلى الفوز بكأس مصر وكأس الكئوس الأفريقية، وقبلها الميدالية الذهبية مع المنتخب فى دورة الألعاب الأفريقية.
ومع الجوهرى بزغ نجم صبرى فى سن الـ23، إذ كان أحد نجوم المنتخب المصرى فى بوركينا فاسو 1998، بالإضافة إلى توهجه مع الجوهرى فى كل فتراته التدريبية مع المنتخب المصرى.
 
وهذا هانى رمزى أيضا، كلفه الجوهرى بقيادة خط دفاع الفراعنة فى نهايات عام 1988 فى مباراة ودية أمام الكويت، ثم فى لقاء ليبيريا عام 1989 فى تصفيات كأس العالم، ونهايات المونديال 1990 فى عمر 19 عاما، لتبدأ بعدها رحلة الصعود نحو الملاعب الأوروبية.
 
وهى الرحلة التى لازمها أحمد الكاس، نجم الأوليمبى، عول عليه الجنرال منذ أولى مبارياته كمدرب للمنتخب عام 1988، وظل مرتبطا به طوال التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، وتم اختياره لتمثيل مصر فى إيطاليا 1990، وشارك معه فى تحقيق كأس العرب بسوريا 1992، وأحرز هدفا فى مباراة النهائى أمام السعودية.

رحلة لا تنسى
 
الشاب بلغ من عمره الآن أكثر من 30 ربيعا، وما زال يتذكر تشكيلة الجوهرى التى لا تنسى، حتى بعد مرور 11 عاما على وفاة جنرال الكرة المصرية، بعد وعكة صحية يوم 30 أغسطس 2012، تسببت فى جلطة دماغية أدت إلى نزيف حاد بالمخ، وأعلنت وفاته يوم 3 سبتمبر 2012 عن عمر يناهز 74 عاما.
 
ومن أجل وداع يليق، أطلقت العسكرية الأردنية طلقات فى جنازة عسكرية شارك فيها الأمير على بن الحسين، بعدها نقل إلى القاهرة فى طائرة عسكرية، قبل الوداع الأخير من المصريين له فى جنازة عسكرية مهيبة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق