اقتصاد ضد الكسر.. الدولة أسست اقتصادا قويا يتمتع بالمرونة والتنوع.. ويستند على برنامج إصلاح ساهم في تعزيز قدرته على امتصاص الصدمات
السبت، 26 أغسطس 2023 09:00 م
محمود علي
- صندق النقد الدولي يتوقع تراجع التضخم الأساسي إلى 7% بحلول السنة المالية 2024/ 2025 وأن تسجل موازنة الدولة فائضا بنسبة 2.1%
ظروف اقتصادية استثنائية يمر بها العالم خلال السنوات الماضية، متأثراً بالحرب الروسية الأوكرانية، وتبعات انتشار فيروس كورونا ما أدى إلى انهيار الكثير من الاقتصاديات الكبرى، لكن في ظل كل هذه التداعيات الكارثية التي طالت أيضاً الاقتصاد المصري؛ تمكنت الدولة المصرية خلال العقد الماضي، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من تأسيس اقتصاد قوي يتمتع بالمرونة والتنوع، مستنداً إلى برنامج إصلاح شامل ساهم في تعزيز قدرته على امتصاص الصدمات وتجاوز الأزمات.
ولم يكن الحديث عن تأسيس مصر اقتصاد قادر على الوقوف على أرض صلبة لمواجهة أي أزمات محيطة به في الفترة المقبلة، مجرد أحاديث خالية من الأدلة والبراهين ولكنها تستند إلى الكثير من الشهادات الدولية التي تتوقع ارتفاع معدلات النمو بشكل مبشر جداً، وذلك بناء على قوة دفع متولدة من الثقة الدولية، وزيادة الاستثمارات الأجنبية وانتعاش السياحة، وخفض البطالة، وانخفاض معدلات الزيادة السكانية في إطار جهود الدولة ودورها في توعية المواطن بخطورة النمو البشري غير المخطط على مستقبل الحياة المعيشية في مصر.
وأكد صندوق النقد الدولي، في بداية العام الحالي أن البرنامج الإصلاحي الذي تواصل العمل عليه مصر، يهدف إلى تعزيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص وخلق فرص عمل، لافتا الى أن البرنامج الذي يمتد لمدة 46 شهراً يسهم في تعزيز استقرار سوق الصرف والحفاظ على استقرار الأسعار من أجل امتصاص الصدمات الخارجية، بما في ذلك التداعيات المستمرة للأزمة الروسية- الأوكرانية.
ووفق صندق النقد الدولي، فمن المتوقع أن يتراجع التضخم الأساسي إلى 7% بحلول السنة المالية 2024/ 2025، وأن تسجل موازنة الدولة فائضا بنسبة 2.1% من إجمالي الناتج المحلي ، مشيراً أن مصر أظهرت مرونة في مواجهة الصدمة التي أصابت العالم جراء وباء "كوفيد -19"، نظراً للتحويلات القوية من الخارج، وانتعاش السياحة، بالإضافة إلي خطط الحكومة للحماية الاجتماعية والأمن الغذائي من بينها برنامج التحويل النقدي.
وأوضح صندوق النقد الدولي أن مرونة مصر التي أظهرتها في مواجهة جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أخرت تأثيرات الجهود المبذولة والإصلاحات الهيكلية، دفعت مصر إلى اتخاذ إجراءات جريئة منها التحول إلى سعر الصرف المرن وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجياً، متوقعاً أن تساهم مرونة سعر الصرف في امتصاص الصدمات الخارجية بما في ذلك التداعيات المستمرة للحرب، وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية.
وكانت وكالة رويترز الأمريكية، كشفت خلال استطلاع لها يضم 18 خبيراً اقتصادياً نشرته يناير الماضي مؤشرات التفاؤل بشأن خطة الاقتصاد المصري على الرغم من الأزمات والتحديات التي يعيشها العالم وتزايدت حدتها خلال الثلاث سنوات الماضية بعد تفشى وباء كورونا وتوقف الإنتاج واتخاذ إجراءات استثنائية، وأكد الاستطلاع أن الاقتصاد المصري سينمو بنسبة 4.8% في السنة المالية الحالية، أسرع مما توقعته الحكومة، لافته إلى أن الجنيه المصري، الذي يواجه صعوبات مقابل الدولار سيتحسن وضعه.
من جانبها قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إن نسب الاحتياطي الإلزامي للبنوك المصرية يمكن أن تصمد أمام المزيد من انخفاض قيمة الجنيه، لأنها مدعومة بتدفقات داخلية سليمة لرأس مال، مشيرة إلى أن احتياطي البنوك الإلزامي قادر على الصمود لأنه مدعوم بتدفقات رأسمال داخلية سليمة.
ولا زالت الكثير من الدول في أوروبا والشرق الأوسط، تعاني من تداعيات وأثار فيروس كورونا، كما جاءت حرب روسيا وأوكرانيا لتكون لها تداعيات اقتصادية مدمرة تسببت في ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الطاقة والغذاء وتسجيل معدلات تضخم تاريخية، لكن في ظل هذه الأزمات المتتالية والظروف الاستثنائية التي يمر بها الاقتصاد العالمي، استمرت النظرة الإيجابية من جانب المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري من حيث التصنيف الائتماني والتوقعات المستقبلية المبشرة لمؤشراته، للتأكيد على قدرات الاقتصاد المصري في التعامل مع الأزمات واحتوائها بشكل مرن.
وفي هذا الصدد توقعت وكالة ستاندرد آند بورز تعافياً كبيراً لقطاع السياحة المصري خلال 2023 مع زيادة عوائد السياحة، خاصةً بعد استضافة مصر مؤتمر COP27، إلى جانب المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه خلال العام الجاري، مشيرة إلى أن قطاعا الطاقة والبناء سيكونا محركين رئيسيين للنمو إلى جانب قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتجارة الجملة والتجزئة والزراعة والصحة، كما سيسهم برنامج حياة كريمة الذي يهدف إلى تحسين مستويات المعيشة في المجتمعات الريفية في تطوير جودة البنية التحتية.
ومع كل هذه الإشادات الدولية التي تتوقع أن تتخطى فيه مصر كل الصعاب الاقتصادية، وتحقق نجاحات كبيرة وإنجازات واسعة من حيث جذب الاستثمار وارتفاع إيرادات السياحة والنقد الأجنبي، إلا أن هناك إشادة تمثل لمصر أهمية كبيرة، وتعكس مدى الثقة الدولية في الدولة المصرية ومؤسساتها وقيادتها بأنها قادرة على مزيد من النجاحات في الملف الاقتصادي، وهى إشادة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أمام اجتماع منتدى الأعمال المصري– الياباني في مارس الماضي، والذي أشاد خلاله بقدرات ومعدلات النمو وبيئة الاستثمارات في مصر.
كما هناك شهادة دولية أخرى، تعكس الثقة في مستقبل الاقتصاد المصري، ففي يوليو الماضي توقع بنك الاستثمار الأمريكي "جولدمان ساكس"تغيرا كبيرا في أكبر الاقتصادات العالمية، والتي سيعاد ترتيبها من جديد، مشيرا إلى صعود الاقتصاد المصري إلى المرتبة السابعة عالمياً، متقدماً على كل اقتصادات أوروبا مع ناتج محلي إجمالي يتجاوز 10 تريليونات دولار.
ووفق ما أكده الموقع الأمريكي ستصبح الصين أكبر اقتصاد عالمي قبل حلول عام 2075، حيث قدّر الناتج المحلي الإجمالي لها بـ 57 تريليون دولار، فيما ستتفوق الهند على الولايات المتحدة لتصبح القطب الثاني في الاقتصاد العالمي مع ناتج محلي إجمالي 52.5 تريليون دولار متجاوزة الولايات المتحدة والذي ستأتي في المرتبة الثالثة بناتج إجمالي 51.5 تريليون دولار.
كما كشف التقرير عن طفرات كبيرة في النمو، إذ توقع أن يصبح الاقتصاد المصري في المرتبة الـ 12 عالمياً بحلول عام 2050 مع ناتج محلي إجمالي بالقرب من 3.5 تريليون دولار، فيما سيعادل ثلث حجم اقتصاد منطقة اليورو (30.3 تريليون دولار) بحلول عام 2075.
لم تقف الإشادات والتوقعات المستقبلية المحفزة للاقتصاد المصري هنا، حيث توقعت مؤسسة اكسفورد الاقتصادية أن مصر وغانا وكينيا والمغرب وتنزانيا ستشهد أقوى نمو في نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي بين عامي 2020 و 2030، وجاء التقرير وسط توقعات البنك الدولي أن يتصدر الاقتصاد المصري نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط بنمو 4% خلال السنة المالية الحالية، ليستمر تقدمها على دول المنطقة إلى عام 2025.
ويقول جى إيه فان دير ليندى كبير الاقتصاديين في مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" مصر تفتخر بأحد أكبر الأسواق الاستهلاكية في القارة، ومن المرجح أن تظل مصر وجهة استهلاكية بارزة، وأنه من المتوقع أيضًا أن تتحسن مستويات نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي على المدى المتوسط، وأن شمال وشرق أفريقيا من بين المناطق التي يتوقع أن تشهد نموًا قويًا في نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى الحقيقي.
في سياق متصل، قال كايلى دايفس المحلل المالي بالمؤسسة أنه عندما تفشى وباء كورونا عام 2020،كان المراقبون المحليون والمستثمرون الدوليون قلقين من أنه سيكشف نقاط الضعف فى مصر وسط اختفاء قطاع السياحة فعليًا، وركود النشاط التجاري، ولكن تمكنت البلاد من التغلب على تأثير الوباء وتدفق المستثمرون الأجانب الذين اجتذبهم العوائد المرتفعة إلى أذون الخزانة المصرية، وذلك بالنظر إلى ارتفاع تحويلات المصريين في الخارج، ومساعدة التدفقات على تمويل القاهرة مؤقتًا لحساباتها الجارية وعجز الميزانية، ودعم الدخل المحلين.
اقتصاد مصر أخضر 100% عام 2023
من جانبها قالت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة إن مصر قامت بالعديد من الجهود لدمج معايير الاستدامة البيئية في كافة قطاعات الدولة، وهو ما حقق نقلة نوعية في التعامل مع قضايا البيئة، ما يسهم في الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، ويحقق التنمية المستدامة، موضحة خلال مشاركتها، الخميس الماضي، في الدورة 19 للمؤتمر الوزاري الإفريقي المعني بالبيئة، المنعقدة في أديس أبابا، أن مصر تسعى إلى تخضير الموازنة العامة للدولة، بهدف الانتقال للاقتصاد الأخضر، والوصول إلى أن تكون 100% من مشروعات الدولة خضراء في عام 2030.
وأكدت أهمية تسريع الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا وتنمية القدرات في إفريقيا، من خلال عرض تجربة مصر في تخضير مشروعات الموازنة العامة للدولة، ووضع أول معايير لدمج البعد البيئي في الخطط والمشروعات الوطنية، مشيرة أن أن مصر تبنت نهجاً قائماً على مبادئ التنمية المستدامة، ونظم الاقتصاد الأخضر والدوار، لدعم ملف الاستثمار البيئي والمناخي، الذي يعد قاطرة واعدة للتنمية.
وقالت إن التقارير الدولية، أظهرت أن فرص الاستثمارات للقطاع الخاص في مجال تغير المناخ تبلغ 28 مليار دولار حتى عام 2030، مؤكدة أن الحكومة المصرية تعمل على تشجيع الاستثمار البيئي والمناخي، حيث تم إنشاء وحدة الاستثمار البيئي والمناخي بوزارة البيئة، لفتح أسواق الاستثمار الأخضر، في المجالات البيئية والمناخية، وتحقيق نمو اقتصادي منخفض الكربون. ودعت د.باسمين فؤاد، إلى تشجيع القطاع الخاص، ورواد الأعمال، والشركات الناشئة على الدخول في مجال الاستثمار البيئي والمناخي، والتشبيك مع القطاع البنكي، والمؤسسات المانحة والتمويلية، لخلق فرص حقيقية لتنفيذ مشروعات خضراء، والبحث عن الفرص الاستثمارية في المجالات الواعدة، وتسليط الضوء عليها والترويج لها، إلى جانب مواجهة الصعوبات والتحديات وتحويلها إلى فرص للإنسان لتحقيق التنمية المستدامة.
وأشارت إلى أهمية النهوض بالسياحة البيئية، من خلال تطوير حماية الطبيعة، والتوسع في السياحة البيئية، كنوع مهم وجديد للسياحة يعمل على خلق علاقة منفعة تبادلية، وهو ما تم من خلال إطلاق أول حملة وطنية للترويج للمحميات الطبيعية والسياحة البيئية في مصر تحت اسم «ايكو ايجيبت»، والتي تشمل الترويج لنحو 13 منطقة محمية طبيعية، في إطار الاستمتاع بالبيئة، وصون الموارد الطبيعي.
أكدت الوزيرة، أن اهتمام الحكومة المصرية، بإيجاد الفرص الواعدة للاستثمار في تدوير المخلفات الزراعية، كان مدخلاً للسيطرة على «السحابة السوداء»، بإتاحة الفرصة للمزارعين للاستثمار في «تدوير قش الأرز».