القاهرة في ثوبها الجديد.. عاصمة شاهدة على التاريخ

السبت، 26 أغسطس 2023 08:00 م
القاهرة في ثوبها الجديد.. عاصمة شاهدة على التاريخ
محمد فزاع

- المشروع القومي لتطوير القاهرة التاريخية يمتد ل32 كيلومترًا مربعًا على الضفة الشرقية لنهر النيل وهدفه تحويل المنطقة إلى «متحف مفتوح»

- إخلاء المدينة من الوزارات والمباني ونقلها إلى العاصمة الإدارية الجديدة.. وإطلاق أكبر حملة تطوير تعيد للقاهرة مكانتها المفقودة

- الخطة تضم 537 مبنى أثريًا وإنشاءات فندقية عالمية.. توجيهات رئاسية بربط قطاعات المنطقة بشبكة من المسارات السياحية المتنوعة ومحاور الحركة

- توقعات بوصول عدد السائحين في القاهرة الكبرى 8.85 ملايين سائح 2030

عانت القاهرة التاريخية لسنوات من الإهمال وعدم المتابعة الدقيقة كانتشار الأسواق العشوائية، وتضرر المباني والمقابر بشدة من المياه الجوفية، والتكدس المروري، وكانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لها خلال السنوات الأخيرة بمثابة بداية الخطوة لإعادة الوجه الحضاري لها لتكون بمثابة منطقة جذب سياحي وثقافي وترفيهي.

كانت المنطقة تمثل تهديداً جسيماً لجزء حيوي من تاريخ مصر وتراثها العريق، وباتت تستلزم رؤية متكاملة للتطوير الشامل، على نحو يُنهي المشكلات التي تعوق حياة المواطنين، ويصون القيمة التاريخية المتفردة للمنطقة.

وجاءت خطة القيادة السياسية والحكومة في إخلاء القاهرة من الوزارات والمباني ونقلها إلى العاصمة الإدارية كي تصبح القاهرة تاريخية مميزة بآثارها الإسلامية، تتوافق طبيعتها مع المزاج العام للمصريين كونهم بطبيعتهم يميلون للترات القديم وعبق التاريخ.

الإرادة السياسية الواضحة لتطوير واجهة مصر الحضارية، جاءت لتشكل طفرة غير مسبوقة تجلب نوعا جديدا من السياحة، كانت تفتقده الدولة المصرية في العقود الماضية، في قلب القاهرة التاريخية التي تعود لما يقرب من 1500 سنة.

بخطوات جدية نفذ المشروع القومي لتطوير القاهرة التاريخية بنحو 32 كيلومترًا مربعًا على الضفة الشرقية لنهر النيل، لتحول المنطقة إلى "متحف مفتوح" للمصريين والعالم أجمع، كون القاهرة التاريخية مسجلة بقائمة مواقع التراث العالمي باليونيسكو 1979م، وتضم 537 مبنى أثريًا مسجلًا في التراث العالمي.

وما يؤكد جدية القيادة السياسية بتحويل المنطقة بالكامل، يتابع الرئيس السيسى دائما أعمال التطوير، ومؤخرا عقد اجتماعا اطلع على الموقف التنفيذي لتطوير المنطقة، ومنها ربط قطاعات المنطقة بشبكة من المسارات السياحية المتنوعة ومحاور الحركة، وتكوين شبكة مساحات خضراء، تعمل على إحياء المناطق التراثية وربط المزارات الأثرية والسياحية والمقابر التاريخية، بهدف الحفاظ على التراث بالمنطقة وتعزيزها سياحياً.

كما اطلع الرئيس السيسى على العقبات التي تعترض خطط التنفيذ، ووجه بالحرص على تناغم السياسات وإجراءات التنفيذ، لتشكيل منظومة متكاملة تهدف إلى تطوير النطاق العمراني والتاريخي للمنطقة، والارتقاء العمراني بالمناطق السكنية المحيطة، مشدداً على ضرورة المحافظة على الطابع المميز لتراث هذه المنطقة، والقيمة الأثرية والمعمارية بها، بما يتكامل مع الجهود التنموية في جميع أنحاء الدولة المصرية، لتحقيق تطلعات المصريين نحو بناء دولة قوية ومتقدمة، توفر جودة حياة مرتفعة لجميع المواطنين.

خطوات جادة

بشكل فعلي بدأ العمل في المشروع أواخر 2020، بالتنسيق بين صندوق مصر السيادي، ووزارة الإسكان، لتطوير منظومة الفراغات العامة، والمناطق المفتوحة، وإتاحة مناطق حضارية تتيح لهم التنزه وممارسة الأنشطة المختلفة.

وجاءت خطة تطوير القاهرة التاريخية لتحدث تكاملا متناغما، وبحسب بيانات صندوق التنمية الحضرية، شمل مناطق التطوير "الدرب الأحمر والجمالية والحسين ومناطق بحي الخليفة"، والتي تضم عددا كبيرا من الآثار الإسلامية والمباني التراثية، وذلك ضمن خطة إعادة الرونق الحضاري للعاصمة وتعظيم الاستفادة من هذه المناطق.

وتعرضت المنطقة لحالة من التدهور والإهمال، خاصة في أعقاب ثورة يناير 2011؛ بهُدم العديد من المباني الأثرية واستبدال أبنية حديثة وأبراج سكنية بها، وشهدت المنطقة تفشيًا لعمليات النهب والسرقة، وما بقي من التراث يقبع تحت رحمة التلوث والقمامة التي تنتشر بشوارع المنطقة المزدحمة بالسكان، إلى جانب تسرب مياه الصرف الصحي. 

وأصدرت منظمة اليونسكو تقريرًا 2012، بناء على مسح سريع وأكد وقتها تنفيذ عمليات هدم وإعادة إعمار وإنشاءات على قطع الأراضي الشاغرة من الخارج بمباني ذات حجم غير متسق.

وصفت المعلومات بانها "مقلقة" من قبل موظفي صندوق الآغا خان للثقافة (AKTC) في الدرب الأحمر الذين شهدوا حملة كبيرة في الاستيلاء على الأراضي والبناء غير القانوني، ويقدرون أنه منذ مارس 2011، هناك مئات مواقع البناء قيد الإنشاء في المدينة التاريخية.

وأعربت لجنة التراث العالمي وقتها عن بالغ قلقها إزاء حالة صون الممتلكات، وحثت الدولة على اتخاذ تدابير حماية عاجلة وإنفاذها، ووفقًا لتقرير لجنة التراث العالمي عام 2015، فقد لاحظت بقلق بالغ التدهور السريع الذي لا رجعة فيه للنسيج الحضري للقاهرة التاريخية، الأمر الذي سيجعل من الصعب للغاية على الدولة الطرف الحفاظ على سمات القيمة العالمية الاستثنائية للممتلكات.

وعلى مدى عقود كان الاهتمام بالمنطقة متقطعًا، ويتمثل في ترميم عدد من المباني بشوارع بعينها وتجاهل باقي المناطق خاصة التي تحوي مباني غير مسجلة أو مباني سكنية حتى وإن كانت تحمل طابعًا معماريًا تراثيًا، وهو ما يرجع على الأرجح إلى العبء الاقتصادي لترميم المنطقة بأكملها بعد أحداث يناير.

وواجهت عملية التطوير تحديات أبرزها أن القاهرة التاريخية تعاني من كثافة سكانية عالية جدًا، ما خلق ضغطًا شديدًا بالبنية التحتية للخدمات العامة والمرافق بالمنطقة، بخلاف معاناة المنطقة من تزايد المياه الجوفية والتي أثرت على صحة وجودة الآثار، وارتفاع معدلات التلوث البيئي نتيجة الكثافة السكانية المرتفعة وتداخل الأنشطة الصناعية والخدمية والسكنية بالمنطقة، وكثافة الحركة المرورية بالمنطقة والتي تخلق عوادم سيارات كثيفة تؤثر بالسلب على الهواء النقي الذي يتنفسه السكان ويتسبب في تآكل المباني والمعالم التاريخية وتلويث المياه الجوفية بالمنطقة.

انفلات بعد يناير 2011

ونتيجة الانفلات الأمني بعد أحداث يناير، شهدت القاهرة التاريخية تنمية عشوائية وبناءً غير مرخص، ما شوه المظهر العام للمنطقة، وهدد التراث الثقافي والمعماري، بخلاف اتجاه بعض المواطنين ومالكي بعض البيوت التصرف في تلك البيوت التراثية؛ كبيع المشربيات والزخارف والأبواب العتيقة، أو استغلالها في تحويلها إلى مخازن وأماكن لتربية المواشي، أو هدمها لبناء أبراج شاهقة، مع تغيير المحال للأنشطة التجارية التراثية إلى محال لبيع سلع استهلاكية، ما أدى لتراجع عدد من الأنشطة التراثية.

تسببت المشكلات في ظهور تحديات أكبر بكيفية تحقيق التوازن بين التطور الحضري والسكني الذي تم على مدار السنين والحفاظ على الهوية التاريخية والتراثية للمنطقة، ومحاولة دمج المباني الجديدة مع الهندسة المعمارية التقليدية.

تسبب الإهمال وعشوائية البناء لعقود في فقدان قيمًا تراثية مثل فندق شبرد القديم، ودار الأوبرا، كما التهمت النيران أكثر من 80 محلًا وباكية لإكسسوارات المحمول وأجهزة التصوير بمنطقة العتبة، وتسببت في خسائر تقدر ب150 مليون جنيه.

ومن هنا انطلق مخطط تطوير المنطقة بغرض تحويلها إلى منطقة جذب سياحي، وإبراز هويتها المعمارية، واستعادة مكانتها كموقع للمعيشة والعمل والترفيه لسكانها وللسياح بما يتناسب مع قيمتها التاريخية.

ووفقًا لمشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية 2010، زار القاهرة الكبرى 3.8 ملايين سائح في عام 2010 ومن المستهدف أن يصل عدد السائحين في القاهرة الكبرى 8.85 ملايين سائح عام 2030.

مشروع تطوير

أُطلق مشروع تطوير القاهرة الخديوية في 13 نوفمبر 2014 بمناسبة مرور 150 عامًا عليها؛ لإعادة الوجه الحضاري للعاصمة، وبدأ المشروع بتحويل شارع الألفي وميدان عرابي وشارع الشواربي للمشاة ومعالجة الواجهات وشبكة صرف الأمطار وتوسعة الأرصفة بوسط البلد للاهتمام بالمنشأة، مع إزالة الإعلانات أعلى الواجهات والأسطح.

وفي مارس 2021، أقام رئيس الوزراء حوارًا مجتمعيًا مع سكان المنطقة؛ لمناقشة سبل التطوير، خاصة أن الدولة عازمة على حل كافة التحديات بمنطقة القاهرة التاريخية لتطويرها بما يليق بها.

وجاء مشروع تطوير القاهرة التاريخية هذه المرة لا يستهدف المباني الأثرية فقط، فسبق وطرحت وزارة الآثار 10 مبانٍ أثرية للترميم في إبريل 2018، بتكلفة 21 مليون جنيه، كتمويل ذاتي، مقسمة بواقع 5 مبانٍ بمنطقة السيدة زينب والخليفة، وتتضمن أعمال التطوير، الحفاظ على المباني الأثرية وذات القيمة، وإعطاء الأولوية لترميم المباني التاريخية وإحياء النسيج العمراني التاريخي للمنطقة، وتشجيع استخدام شوارع المنطقة التاريخية كممرات مشاة وإعادة تنظيم حركة المركبات وتوفير مناطق انتظار للسيارات، وإحياء الشخصية الاجتماعية والثقافية والحضارية للمنطقة من خلال تراثها الملموس.

وشمل التطوير الحفاظ على الحرف التراثية التي كانت جزءًا من التميز الشديد الموجود في هذه المنطقة. فباختصار مشروعات تطوير القاهرة يهدف إلى تحويل القاهرة إلى “متحف مفتوح” شاهد على كافة الحقب التاريخية التي مرت بها مصر، للمصريين والعالم أجمع.

حدود القاهرة التاريخية

حدود المنطقة جاءت من الحد الشمالي لتبدأ من ميدان أحمد حلمي شمال محطة سكك حديد مصر متجها غربًا في شارع الجمرك، ثم شارع شرطة الأزبكية، ثم شارع الجلاء حتى ميدان عبد المنعم رياض وصولًا إلى كورنيش النيل.

الحد الغربي يبدأ من تقاطع كورنيش النيل مع ميدان عبد المنعم رياض وصولًا إلى ميدان سيمون بوليفار، ثم لشارع الشيخ ريحان، ثم شارع القصر العيني حتى شارع الدكتور حندوسة، ثم كورنيش النيل مرة أخرى حتى ميدان فم الخليج، والحد الجنوبي ميدان فم الخليج.

أما الحد الشرقي يبدأ من ميدان الخليج في الجنوب، ثم يتجه شمالًا في شارع السد البراني، ثم شارع يوسف السباعي، ثم شارع الناصرية ثم شارع سوق السباعين، ثم شارع جامع عابدين، ثم شارع حسن الأكبر، ثم شارع محمد علي، ثم الحد الشرقي لميدان العتبة، ثم شارع حارة الرويعى، ثم شارع كلوت بك، ثم شارع الخليج الناصري، ثم شارع الوزير شمس الدين، ثم شارع سيف الدين مهران، وصولًا إلى ميدان أحمد حلمي شمالًا.

واعتمدت محاور التطوير لتشمل التأهيل العمراني والمجتمعي والسياحي، وتأهيل المهام التاريخية. وتقوم استراتيجية التطوير على: الحفاظ على المباني الأثرية ذات القيمة، وإعادة تأهيل الأحياء العمرانية ذات القيمة التاريخية، وإحياء النسيج العمراني التاريخي للمنطقة، وحصر الأنشطة غير الملائمة لطبيعة المنطقة التاريخية وتخصيص أماكن بديلة لها أو تشجيعها على تغيير النشاط.

مشروعات طالها التطوير

طال التطوير عدة مشروعات جرى تنفيذها أو تنفذ حاليا منها، مشروع تطوير "ربع المنسترلي" ليعمل كفندق بتمويل من محافظة القاهرة في مقابل اقتسام العائد مع الأوقاف المالكة، و"بيت السحيمي" بتحويله إلى مركز للإبداع الفني تابع لصندوق التنمية الثقافية، وروضة الخليفة "أرض التبة" لتصبح متنزهًا ثقافيًا خدميًا يستفيد منه سكان الحي.

مشروع تطوير درب اللبانة والأزهر والغوري، وتطویر منطقة "الدرب الأحمر" بإعادة تأھیل المنطقة وسكانها وتحديث بنیتھا الأساسية وترميم الآثار، و"سور مجرى العيون" بتنفيذ عمارات على طراز تراثي، بواقع ٧٩ عمارة المشروعات الترفيهية والسياحية.

وجاء جميع الورش والمدابغ إلى المدينة الجديدة للجلود بمنطقة الروبيكي، وتطوير شارع المعز لدين الله الفاطمي بافتتاحه كأكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية، ومشروع إحياء قصر الأمير بشتاك، وترميم مسجد الظاهر بيبرس.

وتطور ميدان التحرير بتوحيد لون المباني المحيطة لتحسين الصورة البصرية بنظام إضاءة للميدان والمنطقة بالكامل عن طريق شركة الصوت والضوء، وتطوير جزء كبير من كورنيش النيل ومشروع ممشى أهل مصر بطول ٢ كم من كوبري ١٥ مايو وكوبري إمبابة.

ومشروع تطوير “قرافة المماليك" ويضم 15 أثرًا تعود إلى العصر المملوكي، وتطوير وتطهير بحيرة عين الصيرة وحديقة مسجد المحمودية بدرب اللبانة، وتطوير جامع عمرو بن العاص.

عوائد اقتصادية

وبتوقع أن تجذب المنطقة ملايين السياح كونها منطقة سياحية مفتوحة للجمهور، مناسبة لإقامة فعاليات كالسينما، والأداء، والشعر، والحكي، والسيرة الهلالية، وصناعات الحرف اليدوية القريبة من التراث الشعبي للمكان كصناعة النحاس والفخار والخيامية.

وعلى سبيل المثال سيجري إقامة فندق سياحي ذي طابع تاريخي بموقع وكالة الشوربجي، يوفر تجرية مميزة للإقامة للراغبين بزيارة هذه المنطقة والتعرف على أسرار حضارتها، ليطل واجهاته على كل من شارع المعز، ودرب المغاربة، وباب الفتوح، ويضم 28 غرفة فندقية، كل غرفة بمساحة 35 م2، و 8 أجنحة فندقية، بمساحة 51 م2 لكل جناح، و جناحين بمساحة كل جناح 81.5 م2.

وفازت شركة هيلتون العالمية بإدارة فندق بمشروع سور مجرى العيون، بعد منافسة قوية مع 4 شركات عالمية على الإدارة ليضم الفندق 1200 غرفة فندقية متميزة، لتساهم السياحة بالإسراع بعجلة الاقتصاد الخدمي، ما يخلق فرص عمل جديدة، ويزيد من الدخل القومي.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة