نجوم في القلوب عالقة.. 20 عاما على وفاة أشهر أم في السينما المصرية
السبت، 19 أغسطس 2023 08:00 ممحمد الشرقاوي
- ماما أمينة رزق كرهت الحب لكوارثه.. وابتعدت عن الرجال متعففة عن الزواج
- اعتبرت يوسف رائد من رواد الفن في مصر وأستاذ محنك.. ورحلتها الفنية تخطت حاجز الـ 280 عملاً
- اعتبرت يوسف رائد من رواد الفن في مصر وأستاذ محنك.. ورحلتها الفنية تخطت حاجز الـ 280 عملاً
"عينك بتقول.. قلبك منقول.. ما نقول للناس على اللي بيجرى، وإحنا بنقرا في كتاب الأيام".. يتكأ "يوسف" على مسند يكمل قصيدته، ويأخذ رأي "رضا" فيها، قائلاً: "حلوة حكاية كتاب الأيام دي يا رضا.."، ليكمل :"عينك بتقول قلبك مهموم".
بضعة كلمات كانت تمهيد بسيط لطغيان درامي، بطلته "الحاجة فاطمة النبوية"، وبصوت من الأسى والقلب المهموم الذي تحدث عنه "يوسف"، قالت: "هحط إيدي على المصحف وأحلف يمين الله"، ليقاطعها "أبو الفتوح": "ابقي صومي 3 أيام يا حاجة"، فتكمل هي: "ولا صوم الدهر كله ينفع يا أبو الفتوح".
لم تكن تلك نهاية المسيرة، فالمرأة الصامتة في فيلم (سعاد الغجرية) عام 1928، بدأ طغيانها مبكراً، ضاربة عرض الحائط بـ "هالة الفن" لكونها "كذبة"، فصدق قلبها فعلها حتى في كل شيء، درجة أنها "عرت " زملائها.
بدأت "الراهبة" مدفوعة بمشهد حكاه الكاتب الصحفي مصطفى أمين، عن رجل غليظ القلب، لا يفارق الكرباج يده، وله طفلة كانت تخشاه بقدر ما تحبه، وما أن تحينت الفرصة وخرجت للسينما، وما أن عادت، انضوت تحت السرير، ليتأكد من هذا الموطأ - في طنطا- تعلقها بالفن.
"حتى ربنا عاوز ترشيه يا أبو الفتوح" (الطوفان – 1985).. كانت أمينة رزق تدرك أن الأمور المتروكة للسماء محلولة، وهي التي قالت لمفيد فوزي في أحد برامجه: "سايبة حياتي كلها للأقدار".
فجعل منها القدر "الأم" الأشهر في السينما المصرية، وهي التي لم تنجب في حياتها ولدًا، متعففة عن الزواج، وبررت ذلك بقولها: "يا ما اتزفيت وياما لبست طرح وياما اتطلقت.. بس في الحياة العادية نفدت بجلدي منكم صنف الرجال".
الرحلة تبدأ الآن
في عام 1924 قدمت أمينة إلى القاهرة، بصحبة عمتها "أمينة محمد" والتي كانت تعمل بالتمثيل أيضًا، لتلتحق بفرقة رمسيس، وتبدأ مشوارها بالفيلم الصامت (سعاد الغجرية) عام 1928، كإرهاصات نبوغ، تأكدت من خلال أعمالها مع يوسف بك وهبي، كأحد أفضل الثنائيات في السينما المصرية.. وأحبته أيضًا – في نظر الصحفيين – ورفضت هي الاعتراف بذلك.
وفى 1925 أسند لها يوسف وهبي أول دور رئيسي هو (ليلى) في مسرحية (الذبائح) وفى عام 1930 أسند لها أدوار البطولة بالتبادل مع الفنانة فردوس حسن. وبعد خروج فردوس حسن من الفرقة في الثلاثينيات أصبحت أمينة رزق بطلة الفرقة بلا منازع، وظهرت أمام يوسف وهبي في العديد من المسرحيات منها: (أولاد الفقراء، بنات اليوم، وعطيل، ورجل الساعة، والدنيا مسرح كبير) وغيرها.
وفي مايو 1944 بعد أن حل يوسف وهبي فرقة رمسيس انضمت إلى الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، وفى 1958 التحقت بالمسرح القومي مع سائر أفراد فرقة رمسيس، وأمضت أكثر من ربع قرن كواحدة من أبرز بطلاته.
في فيلم (أولاد الذوات – 1932) أدت أمينة دور البطولة، وهو أول فيلم مصري ناطق وقد أخرجه محمد كريم أحد رواد السينما المصرية، وهو نفس الوقت الذي كانت فيه بنت رزق بطلة فرقة يوسف وهبي، الذي اقتنع بموهبتها، ودأبها أثناء التصوير أو البروفات في حالة العروض المسرحية.
وباستثناء يوسف شاهين وتوفيق صالح عملت الفنانة أمينة رزق مع كل مخرجي السينما المصرية تقريبا، الذين رأوا فيها وجه مصري بسيط وحنان جارف يظهر في ملامحها مع تعبيرات مليئة بمشاعر الأمومة مع مسحة من الحزن.
ماما أمينة لا تحب الرجال.. إلا قليل
ولدت "الأم" في الخامس عشر من إبريل 1910، بداخلها عطاء وكبير، توزع مع الزمن بين السينما والمسرح والتليفزيون والمسلسلات الإذاعية، ولم يكن للرجال فيه نصيب، فلم تتزوج، ولم تشعر بالندم، فصنف الرجال في نظرها "مؤذي".
واشتركت في كل الأعمال السينمائية التي أخرجها يوسف وهبي، وكانت في نفس الوقت الممثلة الأولى في فرقته المسرحية، ظن البعض – وإن بعض الظن حب- أنها على علاقة عاطفية معه، وهو ما نفته الفنانة القديرة بشدة، مؤكدة أن علاقتها بالفنان الكبير يوسف وهبي مجرد علاقة عمل بل أنها تعتبره رائد من رواد الفن في مصر وأستاذ محنك.
من بين الأفلام المهمة التي خطّت تاريخ أمينة رزق، أفلام: (بداية ونهاية، ودعاء الكروان، وأرض الأحلام، وقنديل أم هاشم، والمجرم، والتلميذة وبائعة الخبز). لعبت في أغلب أدوارها دور الأم حتى أن هناك أجيال حصرتها في ذلك فقط والتراجيديا، لكنها فنانة من طراز فريد، أضحكت الجمهور حتى أبكته في مسرحية كوميدية: "إنها حقًا عائلة محترمة" بطولة فؤاد المهندس وشويكار وسناء يونس.
أطلق عليها "ماما أمينة"، وهو اللقب الذي أطلقه عليها زملاءها، رغم عدم زواجها، ولم تعرف طعم الأمومة الحقيقية، فقد كانت تحظى باحترام العاملين الذين رأوا فيها مثالا للاحتواء والانضباط والتفاني.
وفى أحد أعداد مجلة الكواكب الصادرة عام 1953 تحدثت أمينة رزق عن مشوارها الفني وسبب عدم زواجها وكانت وقتها لازالت في سن الشباب قائلة: "كنت أرى في كل مأساة أجسدها أو أقرأها أن الرجل كان سببا فيها بعدما يسلط على المرأة مغناطيس الحب، لذلك كرهت الحب بسبب الكوارث التي يسببها ولذلك أطلقوا على لقب عدوة الرجال"، مؤكدة أنها تحترم الرجال ولكنها لن تتزوج وستتفرغ للفن.
وفى عدد آخر من أعداد مجلة الكواكب كتبت أمينة رزق مقالا بعنوان رجال في حياتي، وذكرت أنها عرفت الحب لأول مرة وهى في سن الرابعة عشر في مستهل حياتها الفنية، ووقتها أحبت شابًا قويًا لم يلتفت هو لحبها، ولم تجرؤ على مصارحته، حتى سقطت من الصدمة وأغمى عليها بعد خبر خطبته – قيل إنه يوسف وهبي.
وفي مقالها تحدثت عن الفنان مختار عثمان، وكان أحد زملائها فى فرقة رمسيس، كان يبدى اهتماما واضحا بها وصرح لها بحبه ورغبته في الزواج منها لكنها لم تبادله حبا بحب، كذلك قاسم وجدى مدير مسرح رمسيس كان يغار عليها، حتى أنه منع فناني الفرقة من الاقتراب من حجرتها أو التحدث معها في غير شئون التمثيل، وعندما عرفت والدتها بذلك قررت أن تحضر معها المسرح يوميا لتمنع قاسم وجدى نفسه من الاقتراب منها.
كاسرة القلوب كادت أن تتسبب في أزمة دبلوماسية بعد أن أرسل شخص عربي ذو منصب مرموق يطلب يدها فصرخت في وجه رسوله، وهو ما أغضبه وكاد أن يتسبب في أزمة كبيرة لولا تدخل بعض الوسطاء الذين شرحوا له موقفها من الزواج.
يحكي كتاب "في بيوت الحبايب"، للكاتبة الصحفية زينب عبداللاه، عن موقف لخطيب السيدة أمينة، تقول زينب – بحسب ما نشرته على صفحة تحمل عنوان كتابها: "الفنانة الكبيرة أمينة رزق وهبت حياتها للفن وبسببه عزفت عن الزواج، لكن في شبابها تقدم عدة شباب، اشترط أغلبهم ترك الفن والتفرغ للحياة الزوجية ولأجل ذلك كانت ترفض".
واستطردت: "لحد ما اتقدم لها عريس غنى من عائلة كبيرة ومكنش عنده مانع إنها تشتغل بالفن بعد الزواج، وفعلاً وافقت الست أمينة عليه واتخطبوا، وفى حوار نادر تحدثت الفنانة الكبيرة عن عدد من التجارب العاطفية ومشاريع الزواج التي لم تكتمل ومنها تجربة خطوبتها للشاب الغنى الذي وافقت عليه لما تأكدت أنه لن يحرمها من الفن".
وتابعت: "في أحد الأيام حضر خطيب الست أمينة لمشاهدة مسرحية من مسرحياتها، وكان في أحد مشاهد مفروض أن يغازلها البطل، وأن ترد عليه بمنتهى الرومانسية، وتقول له: "يا حبيبي انت بتحبني بالشكل ده".
وأردفت زينب: "مثلت أمينة وزميلها المشهد، وإذا بها أثناء تمثيل دورها تسمع صوت خطيبها في الصالة يصرخ قائلاً: "كدة كدة، هو انت يا هانم فاكراني هقبل الكلام الفاضي ده، لا مش ممكن، الجوازة دي مش لازم تتم وكل واحد فينا يروح لحاله"، وانتفض العريس وخرج من المسرح بمنتهى العصبية وهو يسب الفن والفنانين، وسط ضحكات الجمهور وذهول خطيبته، ودهشة الممثلين، وبعدها عاشت أمينة رزق للفن بدون زواج).
التاريخ لا ينسى
تحتفظ ذاكرة السينما المصرية بتاريخ السيدة أمينة، فالجميع لا ينسى دورها في فيلم (بداية ونهاية) للكاتب العالمي نجيب محفوظ، والذي أخرجه الفنان صلاح أبو سيف عام 1960، والذي لعبت فيه دور أم مصرية فقيرة يموت زوجها فتحاول تربية أولادها الأربعة من بعده وسط أجواء من الفقر المدقع.
وكان آخر ما قدمته على خشبة المسرح مسرحية توفيق الحكيم (يا طالع الشجرة) إلى جانب الفنان أحمد فؤاد سليم، وتم تعينها عضوا بمجلس الشورى المصري في مايو 1991، كما حصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
توفيت ماما أمينة في 24 أغسطس 2003، إثر إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية وذلك بعد صراع استمر شهرين مع المرض، بعد رحلة تعدت أعمالها الـ 280 عمل فني، حيث لها حوالي 130 فيلم خلال 7 عقود أولها فيلم سعاد الغجرية عام 1928 وآخرها الكلام في الممنوع عام 2000، ولها ما يقارب 120 عمل تلفزيوني آخرها أدهم وزينات وثلاث بنات، وعدة أعمال مسرحية.