الشيخ شعيشع الثاني عشر
الأحد، 13 أغسطس 2023 10:00 ص
في رواية "ابنة الحظ" للكاتبة التشيلية الكبيرة، إيزابيل الليندي، تظهر شخصية تاو تشين، تاو صيني يعمل في مطبخ سفينة، ولكنه موهوب في مجالات عديدة غير الطبخ، فهو صاحب تجربة في الطب الصيني، وهو غير الطب التقليدي الذي نعرفه، ثم هو جذاب ويستطيع تقديم الحماية لمن يطلبها لوجه الحب وبدون أي مقابل، عندما يقع تاو تشين في حب ليزا بطلة الرواية يصارحها بأن اسمه الحقيقي هو الثالث عشر!
يشرح لها حقيقة هذه التسمية الرقمية العجيبة فيقول: إن والديه قد ولد لهما قبل مجيئه اثنا عشر ولدًا، وقد تعبا من كثرة الأسماء فاختار له اسمًا ما هو إلا تسجيل واقعي لرقم وجوده في الحياة!
بالجملة لم يكن تاو مرحبًا به في الحياة، ولكنه عندما أخذ فرصته أثبت جدارة فائقة واستحقاقًا كاملًا غير منقوص.
شيء من تلك الرواية الساحرة التي تدور بين الصين وتشيلي وأمريكا سيحدث في مصرنا.
في 12 أغسطس من العام 1922، وفي مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ، ولد فضيلة الشيخ الأستاذ أبو العينين شعيشع.
ونحن نحتفل بذكرى مرور 102 عام على مولد فضيلة الشيخ نتذكر البدايات التي لم تكن تشير إلى النهايات.
يكتب الدكتور راغب السرجاني نقلًا عن الشيخ قوله: " كانت ولادتي غير مرغوب فيها لأنني كنت الابن رقم12 ووالدتي كانت تفعل المستحيل للتخلص مني ولكني تشبثت بها حتى وضعتني.. وذلك لحكمة يعلمها الله حيث كنت فيما بعد مسئولاً وسبباً في إطعام كل هذه الأفواه في ذلك الحين".
سبحان الله، كأنه تاو الصيني، ولكي تكتمل الدائرة، فقد التحق الطفل أبو العينين بالكتاب ليحفظ القرآن الكريم، ثم سرعان ما توفي والده، وعن تلك الحادثة يقول الأستاذ أبو طالب محمود في كتابه "القرآن بصوت مصر": إن وفاة والده كانت سببًا في اختلاف طريقة تلاوته للقرآن الكريم، ففي التاسعة من عمره توفى والده، "فانكسر قلبه وخشع صوته، وكان لذلك أعظم الأثر في بث الوتر الحزين الذي يبين في قراءته وهو ما جعل المهتمين لاحقًا يلقبونه بملك الصبا، نسبة إلى مقام الصبا الحزين وهو من مقامات النغم".
أتم أبو العينين حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو دون العاشرة فألحقته أمّه بالمدرسة الابتدائية؛ لكي يواصل تعليمه حتى يصبح ضابطًا، وفق رغبة الأب الذي كان يحلم بأن يصبح ابنه من الضباط ، في المدرسة الابتدائية تفجرت مواهب أبو العينين في تلاوة القرآن ، ولأن الله إذا أراد شيئًا يسر سبله فقد تلقفه ناظر المدرسة وشمله برعايته، وعن تلك المرحلة المبكرة في رحلة الشيخ أبو العينين يقول فضيلة مفتى الديار المصرية السابق الشيخ علي جمعة لبرنامج "مصر دولة التلاوة": ناظر المدرسة كان اسمه منير جرجس ولما كانت ضيوف بتيجي المدرسة كان بيخلي أبو العينين يقرأ القرآن، فتعجبوا من صوته وقالوا عنه "فلتة"، ولا يمكن تركه، لازم كلنا نتلم ونروح لوالدته ونقولها الطفل ده لازم يتعلم المقامات ده ثروة".
في مرحلة المراهقة أصبح أبو العينين القارئ المعتمد لمحافظة كفر الشيخ وليس لمدينة بيلا فحسب.
عن مرحلة المراهقة يقول الشيخ: "في عام 1936 ذهبت إلى المنصورة، وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها في حياتي؛ فقد وجدت أكثر من 4 آلاف نفس في مكان الاحتفال فقلت: معقول أقرأ أمام هذا الجمع! كان سني وقتها 14سنة وخفت وزاد من هيبتي للموقف أنني رأيت التلاميذ في مثل سني يتغامزون لأنني في نظرهم ما زلت طفلاً، وقرأت الافتتاح والختام وفوجئت بعد الختام بالطلبة يلتفون حولي، يحملونني على الأعناق يقدمون لي عبارات الثناء؛ فلم أستطع السيطرة على دموعي".
وفي سن السابعة عشرة التحق بالإذاعة المصرية فقد دخلها شيخًا معتمدًا في العام 1939، وفي تلك الفترة كان نجم القراء المتربع على عرش التلاوة هو فضيلة الشيخ محمد رفعت، وكان أبو العينين متأثرًا به وبطريقته في التلاوة، ومن الواضح أنه كان يجيد تقليده لأن الإذاعة استعانت به في تلاوة الأجزاء التالفة من تسجيلات الشيخ رفعت.
برحيل الشيخ رفعت أصبح أبو العينين هو نجم التلاوة اللامع فكأن أول قارئ مصري يقرأ بالمسجد الأقصى، وزار سوريا والعراق وغيرهما من ديار العروبة والإسلام، وحصل على وسام الرافدين من العراق، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الاستحقاق من سوريا وفلسطين، وأوسمة من تركيا والصومال وباكستان والإمارات وبعض الدول الإسلامية".
في سنوات السبعينيات سعى الشيخ لإنشاء نقابة القراء مع كبار القراء وقتئذ مثل الشيخ محمود على البنا والشيخ عبد الباسط عبد الصمد وانتخب نقيباً لها سنة 1988م خلفاً للشيخ عبد الباسط.
وظل الشيخ قارئًا بمسجد السيدة زينب حتى فترة التسعينات، ثم مع تقدمه في السن اعتزل التلاوة حتى جاءه اليقين راضيًا مرضيًا في 23 يونيو من العام 2011، رحمه الله.