هشام السروجي يكتب: سباق دولي لكسب ود القارة الإفريقية

السبت، 05 أغسطس 2023 08:00 م
هشام السروجي يكتب: سباق دولي لكسب ود القارة الإفريقية

- القمة الروسية الأفريقية جاءت بعد 8 أشهر من استضافة واشنطن لقمة أمريكية أفريقية يعيد إلى الأذهان «الحرب الباردة»

- الدول الأفريقية غنية بثروات كبيرة وتتمتع بموقع جيوستراتيجي فريد بين قارات العالم حظيت بمقتضاه على أهمية حيوية 
 
 
سباق محموم وصراع سيطرة علني بين الكتلة الغربية متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من جهة، وبين الكتلة الشرقية متمثلة في الدب الروسي والتنين الصيني، تجاه القارة الأفريقية، في وقت تشتعل فيه صراع القوى في المنطقة والشرق الأوسط على تعاظم النفوس وتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية.
 
الصورة الحالية تعيد إلى الأذهان فترة الحرب الباردة، حينما انقسم العالم إلى معسكرين غربي وشرقي، يتصارعا فيما بينهم على قيادة العالم، وفرض نفوذهما على أكبر مساحة جغرافية ممكنه، فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن هذه المرة نمط الصراع كان يختلف بحكم الفترة الزمنية وأدوات السيطرة وتغيرات الخريطة الجيوسياسية، حيث أن الكتلة الغربية تصارع من أجل النجاة بالحفاظ على نفوذها الذي يتقلص في المنطقة، لكن الكتلة الشرقية تصارع من أجل استغلال خفوت السيطرة الغربية وطرح نفسها بديلا قادرا على خلق عالم متعدد الأقطاب، في علاقة يسودها المصلحة المشتركة تقوم على احترام الأخر دون التدخل في الشئون الداخلية للدول المتحالفة.

لماذا إفريقيا؟
 
توجه الدول الكبرى تجاه أفريقيا يعود إلى الموقع الجيوستراتيجي الفريد الذي تتمتع به القارة الأفريقية بين قارات العالم المختلفة، والذي صارت بمقتضاه القارة تحظى بأهمية حيوية بالغة لكونها تشرف على طرق التجارة الدولية سواء المارة في البحر الحمر وعبر قناة السويس مرورا بالبحر المتوسط، أو عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
 
كما توجد في أفريقيا العديد من الثروات الطبيعية التي تحظى باهتمام العديد من الأطراف الدولية، من هذه الثروات ما هو مكتشف ويتم استخراجه ومنها ما لم يكتشف حتى الآن، ومن بين هذه الثروات الطبيعية الهائلة، مثل البترول (النفط والغاز)، حيث تعتبر القارة الأفريقية إحدى مناطق إنتاج وتصدير النفط والغاز، وتساهم بنسبة معقولة ومتزايدة فى الإنتاج العالمى للنفط تصل إلى 12.6%، كما تساهم بحوالى 7% من الإنتاج العالمى للغاز الطبيعى، ويوجد لدى القارة فائض للتصدير من النفط الخام لا يقل عن 350.5 مليون طن سنويا، وبها احتياطى يصل إلى 127.7 مليار برميل، أى ما يعادل 9.6% من الاحتياطى العالمى للنفط.
وتتمتع القارة الإفريقية بثروة هائلة من المواد الخام والثروات المعدنية، حيث تساهم بنحو 78% من الإنتاج العالمى للألماس وبها حوالى 88% من الاحتياطى العالمى المؤكد منه، وتساهم القارة بنحو 54% من الإنتاج العالمى للبلاتنيوم وبها 60% من الاحتياطى العالمى، ونحو 20% من الإنتاج العالمى للذهب وبها 42% من الاحتياطى العالمى، و18% من الإنتاج العالمى للكوبالت وبها 55% من الاحتياطى العالمى، كما تساهم 28% من الإنتاج العالمى للمنجنيز وبها 82% من الاحتياطى العالمى.
 
القارة تنتج أيضا نحو 51% من الإنتاج العالمى للفاديم وبها 95% من الاحتياطى العالمى و 40% من الإنتاج العالمى للكروم وبها 44% من الاحتياطى العالمى ،وما يتراوح بين 20- 25% من الإنتاج العالمى لليورانيوم، و 25% من الإنتاج العالمى للتنتالوم Tantalum ، ويوجد بها حوالى 85% من احتياطى صخور  الفوسفات.
 
بالتالي نتحدث عن قارة قادرة على أن تكون كرة أرضية قائمة بذاتها، وتقود اقتصاد العالم، كما تستطيع أن تكون توفير الغذاء ل8 مليار إنسان على كوكب الأرض، وبالتالي يكون الصراع إليها له مئات الأسباب المنطقية التي تجعلها مطمع التعاون المشترك معها.

القمة الإفريقية الأمريكية 
 
في ديسمبر المنقضي استضافت العاصمة الأمريكية، واشنطن، قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022، وبمشاركة الرئيس جو بايدن وما يقرب من 50 من القادة الأفارقة. وتعد القمة الأفريقية - الأمريكية هي الثانية من نوعها بعد القمة الأولى التي عُقدت في عام 2014، بضيافة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما.
 
ورصدت دراسة هامة لمركز المستقبل للدراسات المتقدمة أن الدوافع الأمريكية لاستضافة القمة الأفريقية الثانية، وبعد انقطاع لمدة ثمانية أعوام، تبدو متعددة ومتباينة، منها سعي واشنطن إلى استعادة دورها القيادي العالمي، حيث رغب بايدن في أن يبدو مختلفاً عن سلفه دونالد ترامب فيما يتعلق بالدور القيادي الأمريكي في العالم، بالإضافة إلى استعداد بايدن للانتخابات الرئاسية المقبلة، وما يرتبط به من مخاطبة كتل انتخابية متعددة، كما وجه بايدن رسالة إلى الكتلة الانتخابية المهتمة بقضايا البيئة من خلال مشاركته في قمة المناخ الأخيرة "كوب 27" التي عُقدت بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر الماضي، فإن استضافته للقمة الأمريكية - الأفريقية استهدفت أيضاً توجيه رسالة إلى الكتلة الانتخابية من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، الذين يشكلون جزءاً أساسياً من القاعدة الانتخابية لمرشحي الحزب الديمقراطي، وساهموا بشكل كبير في وصوله البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية السابقة.
 
ومن الواضح أن هناك مراجعات في الرؤية الأمريكية للقارة الأفريقية، فبعد سنوات من النظر إلى أفريقيا على أنها تفتقد الأهمية الاستراتيجية وتمثل مجموعة من المشاكل تعد عبئاً على أي ارتباط أمريكي بهذه القارة، نجد أن الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن بدأت تنظر إلى أفريقيا على أنها تمثل "فرصة وليس مشكلة". وبدأ الحديث عن الإمكانيات الاقتصادية الضخمة للقارة السمراء.

القمة الإفريقية الروسية 
 
ثم جاءت بعد 8 أشهر القمة الإفريقية الروسية التي اختتمت الأسبوع الماضى وسط تعهدات بتعزيز الشراكة بين الجانبين في مجالات التجارة والأمن والغذاء والتكنولوجيا في بيان ختامي للقمة لتبديد القلق إزاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة، بالإضافة لتعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإرسال الغذاء والسلاح لأفريقيا وتعزيز التعاون مع أجهزتها الاستخباراتية.
كان تحدث بوتين إن بلاده وأفريقيا "تؤيدان إنشاء عالم متعدد عادل مبني على احترام الشرعية الدولية". وأضاف أن موسكو تعارض فرض بعض الدول منظومة قائمة على القواعد التي تلائمها وليس على القانون الدولي، وتعهد بوتين بأن تكون هناك آلية عمل وتنسيق بين روسيا وأفريقيا في المرحلة المقبلة. وقال "سنقدم مساعدة للدول الأفريقية لمحاربة الأوبئة، وقد وصلت المبالغ المخصصة إلى 1.5 مليار روبل".
 
وأضاف بايدن أن الشركات الأفريقية منفتحة على تمكين الشركاء الأفارقة من التكنولوجيا وزيادة التعاون الثقافي والرياضي، وأن لدى موسكو خطة عمل مع أفريقيا حتى عام 2026 تهدف لزيادة التبادل التجاري وبنيته التحتية والتعامل بالعملات المحلية، وقال الرئيس الروسي "اتخذنا موقفا موحدا بالقمة الأفريقية الروسية على تحدي النظام الاستعماري ومحاولات القضاء على القيم"، مؤكداً أن روسيا مستعدة لتزويد أفريقيا ببعض الأسلحة مجانا لتعزيز الأمن في القارة والعمل بشكل أوثق مع أجهزة إنفاذ القانون والمخابرات الأفريقية.
 
وأضاف أن بلاده ستزيد الصادرات الزراعية وستظل موردا للغذاء يمكن الاعتماد عليه. وذكر أن موسكو ألغت ديونا على أفريقيا بقيمة 23 مليار دولار، من دون أن يوضح الفترة الزمنية أو يحدد الدول المعنية، مشيراً إلى أن أفريقيا تتحول إلى مركز قوة جديد وينبغي للجميع أخذ ذلك في الحسبان، وقال "لنأخذ على سبيل المثال مبادرة عدد من الدول الأفريقية بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية، هي مشكلة حادة ونحن لا نتغاضى عن النظر فيها. هذه الخطوة تدل على الكثير، إذ إن كافة عمليات الوساطة في السابق كانت حصرية على الدول التي يّقال إنها ديمقراطيات نامية، أما الآن فلا".
 
وأضاف "اليوم أفريقيا مستعدة للمساعدة في معالجة مشاكل تقع خارج نطاق مصالحها الأساسية. بكل احترام نتعامل مع مبادرتكم، وسندرسها بكل اهتمام".
 
أما رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، فشدد على أن الاتحاد يولي أهمية كبيرة لسلامة الدول وسيادتها والتسوية السلمية للأزمات عبر المفاوضات، وقال إن روسيا أول دولة قدمت الدعم لأفريقيا في مواجهة الاستعمار والعبودية، ونوه بالتزام روسيا بالمساعدة والتدريب وتعزيز قدرات الكادر البشري في القارة.
 
الدب الروسي يسعى من خلال هذا الاستقطاب، لإعادة صياغة طبيعة العلاقات الروسية الأفريقية، لتعزيز وجودها الاقتصادي والسياسي في القارة الأفريقية. بالمقابل، تسعى الدول الأفريقية إلى استكشاف فرص التعاون مع روسيا في مجالات مختلفة والحصول على الدعم الروسي في التنمية والبنية التحتية والقضايا الأمنية.

الصراع الاستخباري في أفريقيا 
 
العالم على صفيح مشتعل ولا يدري أحد على أين يتجه، خاصة وأن النشاطات الاستخباراتية في القارة السمراء على أشدها حيث كشف موقع بوليتيكو الأمريكي إن إدارة بايدن بدأت تنتهج استراتيجية جديدة في قارة افريقيا، هدفها مواجهة اتساع رقعة نفوذ مجموعة "فاجنر" الروسية في القارة، وتركز الاستراتيجية على مشاركة المعلومات الاستخباراتية الحساسة مع الحلفاء في عدد من الدول الافريقية، سعيا لإثناء تلك الدول عن عقد شراكات مع المجموعة الروسية.
 
وأشارت تقارير غربية إلى أن واشنطن تكثف انشطتها الاستخباراتية في قارة افريقيا، ردا على الانقلابات التي شهدتها دول في الصحراء والساحل الافريقي، والتي كانت تعد ضمن مناطق النفوذ الفرنسي، مثل بوركينا فاسو وافريقيا الوسطى ومالي ومؤخراً النيجر، والتي وصلت فيها انظمة معادية لباريس واقرب لموسكو، ومؤخرا كثفت واشنطن انشطتها في القارة السمراء على خلفية النزاع المسلح الذي تشهده السودان منذ منتصف أبريل 2023 بين الجيش النظامي وميليشيا الدعم السريع.
 
وتعمل الآلة الإعلامية الأمريكية على ترسيخ فكرة أن فاجنر الروسية بتوسيع نشاطها في عدد من دول افريقيا، بينها السودان، وهو ما تنفيه المجموعة الروسية المرتبطة بالكرملين، وتتهم تقارير غربية "فاجنر" بالتورط في النزاع السوداني لصالح أحد الأطراف، عبر قواعد لها في دولة ليبيا المجاورة، والتي تشهد حالة من عدم الاستقرار.
 
ومؤخراً اطلق البيت الأبيض ما سماها باستراتيجية "بايدن الثمينة" التي تعد مؤشر على أن مجموعة فاجنر باتت تشكل صداع للإدارة الامريكية في القارة السمراء، فالمجموعة تمارس انشطة في دول أفريقية تتمثل في عمليات التدريب للجيوش والتأهيل لقوى الأمن لمواجهة أنشطة الجماعات المتطرفة، وتوفير بعض الدعم اللوجستي للحكومات. ومع استمرار توسع نفوذ فاجنر في إفريقيا، وجد البيت الابيض نفسه مرغما لمواجهة هذا النشاط الذي يتوسع يوما عن آخر على حساب النفوذ الغربي، والفرنسي على وجه التحديد، لذلك أطلقت إدارة بايدن استراتيجيتها لمكافحة نشاط فاجنر، وصممت استراتيجيتها لكسب حلفاء عن طريق مشاركة معلومات استخباراتية مهمة معهم، وتركز الاستراتيجية على تشارك التقارير الاستخباراتية مع الاجهزة الاستخباراتية والأمنية ورؤساء الدول، بحسب ما افاد به تقرير موقع بوليتيكو.
 
وتفيد تقارير صحفية ان استراتيجية بايدن الثمينة في افريقيا تتطابق مع الاستراتيجية التي تعمل بها واشنطن في اوكرانيا، والتي دشنت بالإعلان عن وجود حشود عسكرية روسية على الحدود الاوكرانية قبيل إطلاق موسكو عمليتها العسكرية في 24 فبراير 2022، حيث يرى موقع بوليتيكو ان التكتيك الأمريكي الاستخباراتي في أفريقيا يخدم وظيفة مزدوجة لواشنطن، يتمثل شقها الأول في تنبيه الحلفاء إلى التهديدات التي تلوح في الأفق، وشقها الثاني هدفه إظهار واشنطن بأنها متمسكة بحلفائها، ولديها معرفة كاملة بتحركات خصومها في دول القارة السمراء.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة