نجوم في القلوب عالقة..
عاطف سالم.. صانع «الجواهر الخالدة» وأستاذ الواقعية في السينما المصرية
السبت، 22 يوليو 2023 09:00 ممحمد الشرقاوي
- رحلته الإخراجية قدمت للتاريخ السينمائي 75 فيلما روائيا طويلاً.. و«جعلوني مجرما» ساهم في تغيير قانون الإجراءات الجنائية
معضلة أن تجمع "نجمين" في عمل فني واحد، والأكثر أن تُخرِج بهما عملًا للتاريخ، تجدل المشاهد، وتنسج المشاعر، وتجعل عماد حمدي بكبريائه "أبا" ومن تحية كاريوكا بدلالها أما "كل همها تجوز بناتها".
الأمر ليس صعبًا في قاموس "الأستاذ"، فهو مؤسس مدرستي "التلقائية" و"الواقعية" في السينما المصرية، ونسجها في قوله: "كل ما الممثل يكون تلقائي ومتحسيش إنه بيمثل ده قمة النجاح".
جعل من سعد عبدالوهاب معلماً للحب في "علموني الحب"، ولمعّ العندليب عبدالحليم في "يوم من عمري"، وأثقل فاتن حمامة وعمر الشريف ورشدي أباظة في "صراع في النيل"، ولم يكن أحمد زكي في معزل عنه.
كانت مجازفة من وجه نظر البعض أن يختار المخرج القدير عاطف سالم، الفنان الراحل عماد حمدي في دور "حسين مرزوق" في فيلم "أم العروسة"، فشخصية عماد الحبيب لا تصلح أن تكون أباً.
الأمر بسيط.. ففي أحد اللقاءات التلفزيونية -أذاعته قناة ماسبيرو زمان- كشف سالم، المولود في 23 يوليو 1921 بالسودان -حين كانت خاضعة للسيادة المصرية من أبوين مصريين- السر، بقوله: "أم العروسة ده بعد ما كان عماد حمدي الحبّيب، فجأة يطلع أب لـ7 عيال كانت مغامرة، لكن لإيمانه بيا وافق وكانت فتحة خير عليه".
تابع: "أنا كنت شايفة للدور ده ميه في الميه محدش ينفع مع تحية كاريوكا غيره هي عصبية وهو عصبي، ووجهة نظري فيه دي خبرة بقي، أنا بحس، مدام تحية أنا بعتبرها تلقائية والسينما كل ما الممثل يكون تلقائي ومتحسيش إنه بيمثل ده قمة النجاح، وعماد حمدي تركيبة معاها".
بدأ صاحب نادي المائة – أخرج أكثر من 100 فيلمًا وساعد في إخراج نحو 34 فيلماً- حياته الفنية ممثلًا، فشارك في "ماجدة"، لتنجرف قدمه بعد ذلك نحو الإخراج.
عام 1953 قدم صاحب "النمر الأسود"، أولى تجاربه الإخراجية للسينما في فيلم "الحرمان"، مبدعاً في إظهار تركيبة نفسية اجتماعية، طغت على أغلب أعماله، لتبدأ رحلة أكثر من 75 فيلما روائيا طويلاً مختلفا بين الغنائي والرومانسي والبوليسي. والكلاسيكي، منها زمان يا حب، يوم من عمري، ومضى قطار العمر، الملكة وأنا، سنة أولى حب، سيقان في الوحل، شاطئ الأسرار، علموني الحب، العش الهادئ، حافية على جسر الذهب، ضاع العمر يا ولدى، قاهر الظلام، صراع في النيل، موعد مع المجهول، المماليك، معجزة السماء، خان الخليلي، البؤساء، ونسيت أنى امرأة، النمر والأنثى، وكان آخر أفلامه "فارس ظهر الخيل" مع منى زكى عام 2001.
في "جعلوني مجرماً" جعل سالم من فريد شوقي "أيقونة" غيرت القانون الجنائي، فبعد عرضه في 1954 صدر قانون الإعفاء من السبقة الأولى في الصحيفة الجنائية حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة. ناهيك عن دعم للثورة والنضال في "جنود المظلات ، العودة للقاهرة ، العيد الثاني عشر للثورة".
لم تكن عين الراحل في 30 يوليو 2002، وحدها تخرج وتبدع، بل سخر باقي جوارحه، فأبدع في كتابة السيناريو والحوار، في: "امرأة حائرة، والحفيد، والسيرك، "ومضى قطار العمر"، و"هكذا الأيام"، و"جعلوني مجرما"، و"فجر"، و"الحرمان"، و"معبد الحب". وأنتج أيضاً 3 تجارب منها "يا ناس يا هوو" و"صوت من الماضي".
حرم حب «بلبلة»
رغم زواجه من الفنانة نبيلة عبيد، إلا أنه حرم حبها – من وجهة نظره- ففارق السن كان كبيرًا درجة أنه كانت هناك فجوات أشبه بالسنين الضوئية.
تزوج الحاصل على جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 1999، من الفنانة نبيلة عبيد، بفارق سن نحو 40 عامًا.
تحكي "نبيلة" في لقاء لها ببرنامج "نجمة العرب"، كان سالم أول أزواجي، وكنت آنذاك طالبة بالصف الأول الثانوي حين التقيت به بجوار المدرسة وقتها أخبرته أني أعشق التمثيل.
الفتاة التي أحبت مشاهدة الأفلام منذ الصغر في سينما شبرا "بالاس" القريبة من منزلها يوم الجمعة من كل أسبوع، كان لها تطلعات تلقفها "عاطف سالم"، وقدمها في فيلم "مافيش تفاهم" والذي أدت فيه دورها ككومبارس صامِت.
وتابعت نبيلة عبيد: "وبالفعل اختبرني عاطف سالم في دور صغير حتى أسافر خارج مصر، وعند عودته وجدني قد وقعت على عقد لـ 3 أفلام وقتها طلب مني الزواج، فوافقت رغم فارق السن بيننا"؛ كي تحقق أحلامها.
الزواج لم يستمر بدأ في عام 1963 وانتهى في 1967.. تضيف "نجمة مصر الأولى": "جاءني عقد لفيلمين أحدهما فيلم رابعة العدوية الأمر الذي لم يكن مرحب به من قبل عاطف".
رأت نبيلة أن تذكير عاطف بفارق السن الكبير قد يكون دافعاً للموافقة، وأن الآثار السلبية ستظهر أكثر كلما تقدم بهما العمر، تضيف: "كنت أرغب من ذلك ان أحثه علي الموفقة بعدما يشعر بمدى التضحية التي ضحيت بها بعد زواجي منه، مضيفة فما كان من عاطف إلا أن رماني بكوب ماء في وجهي، ولولا عناية الله لحدث ما لا يحمد عقباه.. وبعد هذا الموقف أخذني لبيت أسرتي وأحضر عقد الزواج واتجهنا إلى المأذون وتم الطلاق". وكانت المكافأة أن تحصل نبيلة على أول بطولة مطلقة في فيلم "رابعة العدوية" للمخرج نيازي مصطفى.
تقول روايات إن عاطف سالم اكتشف الفنانة نبيلة عبيد وتزوجها وقدمها في فيلم "المماليك" مع الفنان عمر الشريف وقدمها في عدة أفلام ثم وقعت الخلافات بسبب رغبته أن تتفرغ للبيت والإنجاب فرفضت نبيلة وتم الطلاق، وأخرج لها بعد الطلاق فيلم "توت توت".
وفاء عبدالسلام رحال
في حياة عاطف سالم كان لبطلة "النمر الأسود" دوراً لم تكشف تفاصيله، فالاسم الحقيقي لها "وفاء عبد السلام رحال"، إلا أن عاطف سالم منحها اسمه، وهو ما قالته الفنانة السورية فأنها فوجئت أن المخرج عاطف سالم غير الاسم ووجدته على الأفيش الخاص بالفيلم "وفاء سالم" ليظل هو لقبلها الفني الملازم لها طوال حياتها.
أسند إليها المخرج عاطف سالم دور في فيلم النمر الأسود وجسدت دور الفتاة الألمانية أمام أحمد زكي، وقالت وفاء سالم في تصريحات لها إن هذا الدور بمثابة دخولها التاريخ بسبب الوقوف أمام العملاق أحمد زكي وبالفعل ظل هذا الدور هو الأبرز في مسيرتها الفنية وتم وضعه ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
الدبلوماسي حبيب الجزارين
في حياة عاطف سالم مواقف كوميدية ومؤثرة، منها ما حدث أثناء تصوير فيلم "فجر" من بطولة ماجدة وجمال فارس، حكاها بنفسه في مجلة "الكواكب"، 1953 ويقول: "أنا حريص في أفلامي على أن أخرج إلي الطبيعة لأصور مشاهد يشعر المتفرج أنها طبيعية في كل شيء ولا أتقيد بالبلاتوه إلا للضرورة القصوى التي يمليها خيال واضع القصة والسيناريو، ولذلك المشاهد المستعصية التي صادفتني كثيرة.
ويكمل: "كنت أخرج أخر لقطة في فيلم "فجر" وكان الفيلم مليئا بالمتاعب وحمدت الله في ذلك اليوم أن الفيلم انتهى واتجهت إلى محطة الجيزة في الفجر ووجدت زملائي من الفنيين وأبطال الفيلم وكنا قد حصلنا على تصريح من مصلحة السكة الحديد بالتصوير في قطار الفجر وهو أنسب القطارات بالنسبة لنا لأن ركابه يكونون في العادة نائمون والمحطة خالية إلا من عدد قليل من الركاب وتشاء الصدفة أن يتأخر القطار عن موعده قليلا وكنا قد أجرينا بروفة للمشهد وهو بين ماجدة وحبيبها جمال فارس الذي تودعه بقبلة حارة".
ويقول "انتظرنا القطار ولكن عند طلوع الصباح بدأ أهل الجيزة يعرفون أننا نصور في المحطة وتجمع حولنا الأطفال والرجال من أولاد البلد ورأيت مجموعة من المعلمين الجزارين يقفون وهم يتأملون ماجدة وجمال فارس وجاء القطار وصعد جمال فارس واقتربت ماجدة من النافذة لتقبله، وهنا سمعت أحد الجزارين يقول "إيه ده يا جدع انت وهو - ويقصدني أنا وجمال فارس- احنا مش واقفين ولا إيه".
ويضيف "ذهبت إليه لأفهمه أن المسألة تمثيل في تمثيل ولكنه قال: "مفيش حاجة اسمها تمثيل انتوا قصدكوا إيه يعني" والتف حوله زملائه وقد استلوا السكاكين وتحفزوا للانقضاض علينا، واستعملت "الدبلوماسية" لأقنع "المعلم" بأننا غلطنا ولن نعود هنا مرة أخرى وكانت الكاميرا قد سجلت المشهد كاملاً وعدنا ونحن نتصبب عرقاً والعمال يغنون: "سالمة يا سلامة روحنا وجينا بالسلامة".