أمل محمد أمين تكتب:
من يدفع ثمن السيجارة؟
السبت، 22 يوليو 2023 02:20 م
لم استطع تحريك عيني عن يده وهو يشعل السيجارة السادسة خلال ساعة ودار في خلدي عدة أفكار.. لماذا يشرب الانسان ست أو عشر سجائر متتالية على هذا النحو؟!، وما مقدار الدخان الذي دخل رئة المحيطين بالرجل خلال فترة جلوسه في الحافلة؟ ومن يدفع ثمن تلك السيجارة؟.
من المعروف أن الجسم يعتاد على النيكوتين الموجود في السيجارة وكلما دخن الإنسان كلما احتاج إلى كميات أكبر ليشعر الجسد بالراحة، ومع الوقت يربط العقل بين الشعور بالسعادة والهدوء مع إشعال السيجارة، ويتحول التدخين إلى نمط يتبعه المدخن كلما انتابه القلق والتوتر، وتستغرق تدخين السيجارة الواحدة ثمان دقائق وقد تزيد في حال إذا كان المكان الذي يعمل به المدخن أو يعيش به يمنع التدخين، فيضطر للبحث عن مكان بعيد لحرق سيجارته. وتبلغ تكلفة علبة السيجارة ما بين دولار و 6.65 دولارًا، وهذا يعني أن الشخص الذي يدخن علبة في اليوم، يُنفِقُ أكثر من 2,400 دولار سنويًا على السجائر وحدها. وهذا لا يشمل الولاعات ومعطرات الجو وغيرها من المنتجات أو الأشياء الإضافيَّة المرتبطة بالتدخين.
وتُعد التكاليف الطبية والوقت الضائع من العمل تكاليف رئيسية إضافية على المدى الطويل.
ومن أكثر الدراسات الصادمة التي تناولت التدخين دراسة أعدتها "منظمة الصحة العالمية" و"المعهد الوطني الأمريكي" نبهت فيها من التكلفة العالية للتدخين حيث يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنوياً، وما يثير الخوف أن الدراسة تضع احتمالية لزيادة ضحايا التدخين بمقدار الثلث بحلول عام 2030، أي من المتوقع أن ترتفع عدد الوفيات الناتجة عن التدخين من نحو ستة ملايين حالة وفاة سنوياً إلى نحو ثمانيةملايين حالة بحلول عام 2030، وسيكون أكثر من 80 بالمئة من هذه الوفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وتوضح الدراسة التي راجعها أكثر من 70 خبير "أن التدخين مسؤول على الأرجح عما يزيد على تريليون دولار من تكاليف الرعاية الصحية والإنتاجيةالمهدرة سنويا".
ويقول خبراء الصحة إن التدخين هو أكبر سبب للوفاة يمكن الوقاية منه على مستوى العالم كما قال التقرير الذي جاء في 688 صفحة، إن من المتوقع أن تستمر التكاليف الاقتصادية في الزيادة، وأنه على الرغم من امتلاك الحكومات لأدوات تقليص استخدام التبغ والوفيات المرتبطة به، فإن معظمها تقاعس إلى حد بعيد عن استخدام تلك الأدوات بكفاءة..وهناك مخاوف للحكومات من أن يكون للرقابة على صناعة التبغ تأثير معاكس على الاقتصاد لا تبرره الأدلة؛ الأمر واضح "حان وقت التحرك" !
فلماذا تتقاعس بعض الحكومات عن منع التدخين في بشكل كامل؟
وهل أرباح الحكومات من تجارة التبغ تفوق حجم الخسائر؟ الإجابة "لا" لأن تكلفة الأثار السلبية للتدخين تفوق بكثير الإيرادات العالمية للضرائب على التبغ والتي قدرتها منظمة الصحة العالمية بنحو 269 مليار دولار في عامي 2013 و2014، وتبلغ حجم أرباح تجارة التبغ 800 مليار دولار حيث يوجد ما لا يقل عن مليار مدخن على مستوى العالم، ينفقون هذا المبلغ سنويا على شراء منتجات التبغ، وكثير من دول العالم تعتمد ميزانيتها السنوية على عوائد الضرائب المستقطعة من صناعة التبغ.. طبعا الأرقام مرعبة للغاية والمؤسف أن 30% من هؤلاء الضحايا هم مدخنين سلبيون لا يدخنون السجائر مباشرة بل يعيشون بالقرب من مدخنين وتزيد احتمالية إصابتهم بسرطان الرئة عن أي شخص طبيعي. وفي مصر يقدس المصريون السيجارة ويدخن المصريين 83 مليار سيجارة، تقدر تكلفتها بـ 73مليار جنيه، في حين وصل استهلاك "تبغ المعسل" إلى 50 ألف طن سنويا بقيمة 3 مليارات جنيه، وتشكل الضرائب على السجائر والدخان حوالى 8 في المئة من إجمالي الإيرادات الضريبية، وقدرت في الأرباح من ضريبوة التبغ في موازنة عام 2020–2021 بـ965 مليار جنيه حوالي 60 مليار دولار وهي حصيلة كبيرة لخزينة الدولة لكن لا يمكن مقارنتها بالخسائر التي تذهب في توفير الرعاية الصحية على المدخنين.
هل يمكن تخيل مدى تأثير توفير هذه الأموال الطائلة على ميزانية الأسرة المصرية وكم الأشياء والسلع التي يمكن شرائها بكل هذه الأموال، والمثير للحزن هو القصص المؤلمة التي نسمعها من أقرباء ضحايا التدخين وهم يسردون كيف مات قريب لهم مبكرا بالسرطان او نتيجة ذبحة قلبية من كثرة التدخين الذي يكون مصاحب في بعض الأحيان لشرب الشاي أو القهوة، لتزيد نسبة احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكر مع زيادة الأعباء على القلب والمخ وباقي أعضاء الجسم ويؤدي في النهاية إلى الوفاة.
ولا سبيل إلى تقليل التدخين إلا بوضع عقوبات وغرامات رادعة للمدخنين في وسائل المواصلات العامة ومنع التدخين في أماكن العمل، كل هذا سيساهم في مساعدة المدمن على السجائر في تقليل هذه العادة، وللأسف أصبح المجتمع ينظر إلى المدخن بنظرة عادية واحيانا تروج المسلسلات والأفلام للمدخن وترسم صورة إيجابية لبطل العمل الفني وهو يدخن ويبدو كأن السيجارة جزء من اكتمال قوته وأنه ذهب لتدخين سيجارة مع باقي أصدقائه أي أن هذا جزء لا يتجزأ من التفاعل الاجتماعي والانخراط مع الآخرين. ولهذا تحولت نظرة المجتمع إلى المدخن على أنه رجل مكتمل الفتوة والرجولة، وبعض الدراما روجت للمراة المدخنة على أنها الأكثر أنوثة وهي مفاهيم لا بد من استبدالها على المدى الطويل.
ختاما إن التخلص من عادة التدخين تبدأ من ازدراء المجتمع لهذه العادة ورفض فكرة التدخين كما هي الحال مع تعاطي المخدرات وشرب الخمور، وبالتأكيد يحتاج التوقف عن التدخين إلى نفس طويل وقوة عزيمة لاستبدال السيجارة بعلكة او لصقة طبية مع التدريب وممارسة الرياضة وقناعة من المدخن أن كل سيجارة يشربها تقربه من القبر ويدفع كلفتها عائلته ومحبيه.