تحرك خارجى نشط ودور أقليمي بارز..
القاهرة أدارت ملفاتها الخارجية بحنكة واتزان والحفاظ على المؤسسات الوطنية وأطفاء نيران الأزمات المشتعلة
السبت، 15 يوليو 2023 07:00 ممحمود علي
10 سنوات مضت على ثورة 30 يونيو، حملت في طياتها الكثير من الإنجازات التي شهدتها الدبلوماسية المصرية، فعلى صعيد الاهتمام بأحوال المواطن في الخارج كان هناك نجاحاً باهراً، يضاف إلى ذلك التحركات النشطة والدور الإقليمي البارز الذي تميزت به القاهرة على مدار هذا العقد لحل أزمات المنطقة وخاصة دول الجوار.
ولم يغفل على أحد نجاح القاهرة في تثبيت أقدامها على الصعيد الدولي، من عودة لدور محوري كان غائباً خلال عام من حكم الإخوان، متحركة في كافة الاتجاهات من أجل منطقة أكثر هدوءاً واستقرارا تدفع مصر إلى التقدم والتنمية ولا يعوقها محيطها من السعي نحو الجمهورية الجديدة، مبتعدة بخطوات كثيرة عن شبح السقوط في الفوضى.
القضايا الدولية والعربية التي اهتمت بها مصر خلال العشر سنوات الماضية عمر الثورة التي أزاحت حكم جماعة الإخوان كانت كثيرة، ويمكن القول إن بعضها معقد ويحتاج تكثيف الجهود من أجل حله، فحدود مصر بعد ثورة يونيو كانت ملتهبة ومشتعلة أكثر من أي وقت مضى، ليبيا يحكمها الميليشيات والصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أشده، قطاع غزة مفخخ وقريب من الانفجار في أي وقت، والوضع في السودان غير مطمئن بالمرة، كل ذلك بخلاف ما شهده الإقليم من صراعات مسلحة بعضها ضد الإرهاب وأخرى بدت وكأنها حرب أهلية، في سوريا واليمن والعراق وتونس كانت الأمور ليست على ما يرام.
لكن قدرة الدبلوماسية المصرية وتعاملها مع كل هذه القضايا بحنكة واتزان وعدم إنجرار نحو التدخل المباشر دفاعا على مبادئها في الحفاظ على الدول الوطنية وسيادتها، أثبتت حجم الخبرة التي لديها في التعامل بدبلوماسية مع كل قضية على حدة، فبخلاف نشر الوعي لدى المجتمع المصري ومعرفته بخطورة المرحلة في معركة "الفهم"، تحركت القاهرة على كل المحاور من أجل إفشال كافة المخططات الساعية إلى تحويل المناطق الحدودية إلى نقطة تمركز للإرهابيين، جاء ذلك بالتوازي مع التحرك خارجياً لمنع تدفق الجماعات المسلحة والإرهابية إلى ساحات القتال بالمنطقة العربية، سواء كان الأمر في سوريا وليبيا والعراق واليمن.
الحفاظ على تماسك الدولة داخلياً ساعد مصر خارجياً بكل قوة في استعادة دورها المحوري، لتصبح ثورة المصريين في يونيو هي نقطة البداية لإسقاط مشاريع الفوضى والإرهاب في الوطن العربي بأكمله.
وتعددت النجاحات المصرية على الصعيد الدولي، فمصر كان لها دوراً محورياً و كبيراً في تهدئة أزمة ليبيا، كما يقول أهلها "لولا خط مصر الأحمر" لكانت ليبيا في طيات الظلام، فضلا عن ذلك استضافت القاهرة الكثير من اللقاءات والمباحثات التي مهدت لإجراء حوار جاد وشفاف بين مجلسي النواب والدولة الليبيين لوضع حد للأزمة المستمرة منذ عقد من الزمان، وهو ما دفع رئيسا المجلسين عقيلة صالح وخالد المشري إلى تكرار زياراتهما واجتماعاتهما في مصر، ويقبلان وبرعايتها للتوصل إلى حلول توافقية لدفع الانتخابات الليبية إلى الأمام وتنظيمها على أقصى تقدير العام الجاري، وهو ما أشار له في أكثر من مناسبة مبعوثين الأمم المتحدة للدعم في ليبيا المتواليين على شغل هذا المنصب وأخرهم الحالي عبد الله باتيلي.
وترى القاهرة أن الانتخابات في ليبيا هي الحل الأمثل لإعادة السيادة لهذه الدولة الحدودية، لذا تعمل بكل جهد لإنجاح هذا الاستحقاق، من خلال دعم كل الأجهزة الشرعية والتشريعية للتوافق على قاعدة دستورية تكون المخرج الرئيسي للأزمة في الوقت الراهن.
وتتبنى الدولة المصرية رؤية ثابتة داخل ليبيا تتمثل في التصدي لكل مخططات الدخول في دوامة الفوضى وعدم الحل، والبدء في إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد والالتزام بخارطة الطريق، وهو ما جعل مصر تستضيف أكبر عدد من الاجتماعات الليبية تحت رعاية أممية لسرعة إجراء الاستحقاق الانتخابي.
وفي فلسطين كعادة القاهرة كانت في الموعد خلال العشر سنوات الماضية، في حين لم يكن قطاع غزة بعيدا عن أولوية القاهرة حفاظاً على هدوء الوضع في منطقة كثيرة الاضطرابات، وفي كل مرة زاد فيه صوت الرصاص داخل قطاع غزة، تسارعت مصر لاحتواء الموقف، كما أنها فتحت باباً للتنمية، وإعادة الإعمار، وإزالة الركام داخله.
خلال السنوات الماضية، تحركات مصر ورئيسها السيسي تركزت أيضا تجاه تحريك مسار السلام في فلسطين، والتصدي لكل المخططات الساعية لعرقلة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، ساعية القاهرة بكل جهد للحفاظ على استمرار الهدوء على الساحة الفلسطينية، والتدخل عند الضرورة، لتفويت الفرصة على كل الساعيين لإشعال الوضع على حدود مصر.
والقضية الفلسطينية هي القضية المركزية على المستوى الإقليمي لمصر، ومهما كانت التحديات التي تواجهها وانشغال المجتمع الدولي عنها؛ إلا أنها ستظل ذات أولوية كبيرة من جانب القاهرة ومن المهم وضعها دائماً على الأجندة الدولية والعربية.
وطرقت مصر كل الأبواب من أجل عودة الروح لقطاع غزة خلال السنوات القليلة الماضية، وتجلى ذلك في التنفيذ السريع لكل المشاريع المصرية التي تبناها الرئيس السيسي داخل القطاع، حيث بدأت الآليات والمعدات المصرية منذ العام الماضي ، في تأسيس وإنشاء قواعد مدينة دار مصر 3 السكنية في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وذلك تحت إشراف كامل من قبل اللجنة المصرية لإعمار غزة.
وانتقلت مصر من مرحلة المساهمة والتأسيس لمشاريع البناء وإعادة الإعمار في قطاع غزة، إلى مرحلة الضغط على المجتمع الدولي من أجل المشاركة والمساهمة في وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة.
وتتحرك القاهرة وفق معطياتها الساعية إلى شرح ما يدور في قطاع غزة من مشاكل وأزمات، توثر بشكل جدي في الحياة المعيشية للمواطن الفلسطيني، الأمر الذي أدى في أكثر من مرة بانفجار القطاع، لذلك فإن تحركاتها تقوم على توضيح الرؤية للمجتمع الدولي لتقديم المساعدة للقطاع، وهو ما حدث في وقت سابق بعقد اللجنة المصرية لإعادة إعمار غزة ورشة عمل دولية حول إعمار القطاع، وذلك بمشاركة وفود أوروبية رسمية تمثل عددًا من دول الاتحاد الأوروبي.
وفي سياق متصل، بذلت مصر في الملف السوري أقصى ما في وسعها من أجل عودة سوريا إلى الحضن العربي، في إطار جهودها الكبيرة الساعية إلى تماسك الكيان العربي وصونه وحمايته، تماشياً مع تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي التي أكد فيها أن "مصر ستبقى على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب في سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة".
وساهمت مصر بتحركاتها الهادئة في سوريا أن تقطع أواصر الإرهاب، لتجفيف منابعه من الخارج، حيث ساعدت التحركات المصرية الهادفة بالأساس إلى الحفاظ على "الدول الوطنية" إلى حرمان جماعات الإرهاب في سوريا وليبيا واليمن من التعاون فيما بينها، وذلك بضرب خطوط اتصالها من المنبع عن طريق الأجهزة المعنية.
وكانت لدى مصر الكثير من العمليات الناجحة التي قبضت من خلالها على قادة تلك الجماعات وبعض أفرادها ومموليها السريين، مما حرمها من تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تقسيم المنطقة، بالإضافة إلى ذلك كانت الدولة ملهمة في نشر الوعي لدى المجتمع بخطورة تلك الجماعات، خاصة وأن مثل هذه الكيانات تستغل الحماسة الشبابية المغيبة في جذب أكبر عدد من المخزون البشري لاستخدامهم في عملياتهم.
السودان نحو الاستقرار بأياد مصرية
السودان منذ اليوم الأول لثورة 30 يونيو، وتشهد تقلبات عديدة، من حرب مستمرة لا تهدأ بين الجيش السوداني والحركات المسلحة في دارفور، مروراً بما شهدته من ثورة على نظام البشير وإسقاطه، حتى وصل الأمر إلى المعارك الضارية التي تشهدها الآن الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الأمر الذي جعل الملف السوداني الأكثر تعقيداً من بين القضايا الإقليمية التي تشهدها المنطقة العربية، وتركزت التحركات المصرية الساعية إلى عودة السودان لخط الاستقرار، على تعدد اللقاءات والاتصالات التي أجراها وتلقاها الرئيس السيسي مع زعماء وقادة دول العالم ملقياً الضوء بشكل مفصل على ما تشهده السودان من اقتتال داخلي يتوجب بشكل سريع التصدي له من خلال التنسيق الدولي الواسع لحث جميع الأطراف على عدم التصعيد والعودة إلى طاولة الحوار.
ومنذ اليوم الأول لبدء الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والتي لا زالت مستمرة منذ أسابيع ؛ وتتوالى نداءات القاهرة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار حفاظاً على دماء أبناء الشعب السوداني، من خلال بدء حوار جاد يستهدف حل الخلافات القائمة، وهي دعوات جميعها جائزة التنفيذ فعلياً على أرض الواقع، وتعد في الحسبان وجهات النظر المختلفة لجميع الأطراف المعنية، والحقيقة هنا أن الطرح المصري لم يأت من فراغ ولا هو موجه لصالح أحد الأطراف ضد الأخر، بل مرتكز على منطلقات عدة أهمها خبرة الدبلوماسية المصرية المكتسبة على مر تاريخها وبالأخص في السنوات الماضية على القدرة في حل الصراعات المعقدة وترتيب البيوت العربية من الداخل، دون النظر لأي مصالح آنية.
ومن هذا المنطلق كان النشاط المصري متركز على ضرورة توعية كل المحيطين بالأزمة السودانية بخطورة الوضع ومدى تعقيده وتداعياته على الخرطوم وأمنه واستقراره وتأثيره على الأمن الإقليمي والدولي، وهذا ما تشير له بشكل واضح طبيعة الاتصالات التي أجراها وتلقاها الجانب المصري منذ بدء الأزمة.