حمدي عبد الرحيم يكتب: مثلث الخراب.. والعالم الصامت
السبت، 15 يوليو 2023 06:00 م
الدول الغنية التي بنت تقدمها على مكاسبها في فترات احتلالها للدول الفقيرة لا تقدم سوى معسول الكلام والأرقام المفزعة
عندما كانت وسائل الإعلام في طفولتها، نطقت قائلة: "إن العالم قد أصبح قرية صغيرة" تلقفنا نحن تلك المقولة بالقبول والتصديق، فأصبحت في حكم المعروف من الحياة بالضرورة وأصبحت من الأركان الراسخة التي لا يناقش أحد حقيقتها.
فهل حقًا وصدقًا، أصبح العالم قرية صغيرة؟
الذي ينظر حوله بهدوء متوخيًا الإنصاف سيكتشف بدون جهد يذكر أن العالم كان قرية صغيرة في بدء أمره، ثم تحولت القرية وتبدلت فأصبحت غابة متوحشة يحكمها ويتحكم في مقاليدها القوي الذي لا يرقب في أحد إِلًّا وَلَا ذِمَّةً.
يومًا بعد يوم وحادثة بعد أخرى، تتكشف حقيقة المقولة التي ما هي إلا كلمة أريد بها إظهار سطوة وسائل الإعلام القادرة على نقل الأحداث فور وقوعها.
فهل حقًا تنقل وسائل الإعلام الأحداث فور وقوعها؟
الأمر هو أمر مصالح لا أكثر ولا أقل، الحادثة الفلانية سيفيد ذكرها البلد الفلاني، إذًا يتم التعامل معها بل مع تفاصيلها بكل قوة، أما الحادثة الفلانية فلا تمثل لدى القوة العظمي شيئًا يذكر، فعلى ذلك يتم تجاهلها كأنها لم تقع.
أقول هذا وعيناي على تقرير المخدرات العالمي لعامنا هذا 2023، التقرير مفزع ويشير إلى كوارث لا كارثة واحدة، وتلك الكوارث ستقع لا محالة ولا يمنع وقوعها إلا اللطف الإلهي.
بداية رحم الله الشعبي الذي قال: "تعايش الناس زمانًا بالدين والتقوى، ثم رُفِعَ ذلك فتعايشوا بالحياء والتذمم، ثم رفع ذلك فما يتعايش الناس اليوم إلا بالرغبة والرهبة. وأظنه سيأتي ما هو أشد من هذا".
وقد جاء ما هو أشد، التقرير تحدث عن وجود مثلث رعب في مناطق الحدود التي تلتقي فيها، البرازيل وكولومبيا وبيرو، تلك المنطقة التي لا يتحدث عنها أحد ولا يهتم بها أحد، تشهد تناميًا مرعبًا في زراعة المخدرات، إضافة إلى التوسع في عمليات التعدين غير القانونية للذهب.
زراعة المخدرات والتعدين غير القانوني يأتي على حساب تدمير غابات الأمازون، تلك الغابات التي توصف عادة بأنها رئة العالم.
يقول التقرير بأوضح لفظ: "إن زراعة المخدرات تؤدى الى قطع الأشجار والتعدين والاتجار غير المشروعين بالأحياء البرية، ولكن أيضًا الجرائم البشرية ضد السكان الأصليين، من جرائم القتل والعنف الجنسي واستغلال العمالة والتهجير القسري والتسمم بالزئبق، وهو الذي ينتج من التعدين غير القانوني للذهب".
التقرير الأممي غير المنحاز كان يجب أن يقابل بانتباه عالمي ينقذ البشرية وليس دول مثلث العرب فقط من كارثة ستدمر ما بقي من رئة العالم، ولكن من الواضح الجلي أن الذين يستطعمون ماديًا وعلميًا التدخل، مشغلون بأنفسهم فقط، وساعون نحو مجدهم هم فقط ولا ينظرون لأبعد من أنوفهم.
إن الصامتين عن التقرير والمتقاعسين عن تقديم دعم سخي ومساعدة حقيقة لدول المثلث، لا يضربون المثل في الأنانية فحسب، بل يضربون المثل في الغفلة، لأنهم يظنون بل يؤمنون بأن النار بعيدة عن ديارهم.
المخدرات وباء متى انتشر هاجم الجميع ولا يستطيع أحد بمفرده التصدي له، ثم هناك التغيرات المناخية التي تضرب بقسوة كل دول العالم ولا يستطيع أحد بمفرده الإفلات منها.
لقد قالوا إن العالم قرية صغيرة وصدقناهم، فأين هي مساعدتهم لقرية توشك على الغرق في فوضى أزمات لا قبل لأهل القرية بالتصدي لها بمفردهم؟
الدول الغنية التي بنت تقدمها على مكاسبها في فترات احتلالها للدول الفقيرة، لا تقدم سوى معسول الكلام، ولا تقدم إلا الأرقام المفزعة وتحليل الكوارث، وهي ترى نفسها في بروج محصنة ولن يطالها من الخراب شيء، وهذه غفلة سيدفع العالم كله ثمنها، فإن كنتم تؤمن حقًا بأن العالم قرية صغيرة فهبوا لمساعدة القرية، وإن كنتم تؤمنون بأن الشر لن ينال من أولادكم ولا من حضارتكم فغدًا ستندمون ولكن لن ندمكم لن ينقذكم.