قمة "جوار السودان" ورؤية "مصر السيسي"
الخميس، 13 يوليو 2023 03:24 م
وضع الرئيس عبدالفتاح السيسي، في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لقمة دول جوار السودان، التى تستضيفها القاهرة، تصور مصر لحل الأزمة السودانية، انطلاقًا من 4 مرتكزات، من شأنها العبور ببلد الجوار الجنوبي الأول من مأزقه، الذي ينذر بكارثة للإقليم حال استمراره.
بداية يرتكز التصور المصري، على: مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء، في مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فورى ومستدام، لإطلاق النار، بالإضافة إلى مطالبة كافة الأطراف السودانية، بتسهيل كافة المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات، للمناطق الأكثر احتياجاً داخل السودان ووضع آليات، تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية، ولموظفي الإغاثة الدولية لتمكينهم من أداء عملهم.
كذلك إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وممثلي المرأة والشباب يهدف لبدء عملية سياسية شاملة، تلبى طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية، وتشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر، لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية على أن تضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة.
تكشف عناصر الرؤية المصرية عن محددات ثابتة للتعامل المصري مع الأزمات الإقليمية خاصة تلك التي تهدد أمنها القومي، وأزمات القارة الأفريقية ككل، في إطار دورها الريادي، الذي عكفت على استعادته من الأيام الأول لتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في 8 يونيو 2014، بخطط ثابتة واضحة.
وقبل الدخول في التعامل المصري مع الوضع في السودان، يجب فهم محددات الرؤية المصرية وماهيتها نحو حل الصراعات وتفكيك بؤر العنف.
تتحرك "مصر السيسي" انطلاقاً من استراتيجية شاملة تقضي بحل النزاعات المسلحة بكافة مراحله، بداية من وقفه وعلاج مسبباته وصولاً إلى مراحل إعادة الإعمار والتنمية، بما يضمن العبور الآمن بالمراحل الانتقالية في مناطق الصراعات، والحفاظ على مؤسسات الدول والنسيج المجتمعي ووأد العنف، بما يضمن استقرار دول الجوار الإقليمي خاصة في أفريقيا، في ظل تشابك الأسباب والأطراف، وتنافس دولي مترسخ بالأساس في القارة السمراء، من شأنه إطالة أمد الأزمات.
ويدلل على ذلك، ما قاله الرئيس السيسي بتاريخ 12 يناير 2022، في كلمة له بجلسة "المسئولية الدولية في إعادة إعمار مناطق ما بعد الصراعات" ضمن فعاليات منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ: "علشان نقدر نتحرك والدنيا كلها تتحرك، لا بد من توقف هذه النزاعات، ولا بد من توقف الاقتتال في البداية".
الرئيس السيسي يرى أن إعادة الإعمار في الدول التي تشهد صراعات لن تتم بالشكل المرجو، دون توقف النزاعات بداخلها، واليوم قال في كلمته بالجلسة الافتتاحية لدول "جوار السودان": "عندما لا يكون هناك فرصة لتوقف النزاعات، لن يكون هناك فرصة لإعادة الإعمار، أو تواجد التمويل والمشاركة بشكل أو بآخر فيه، كما أن هناك فرق بين تخفيف آثار الأزمة سواء بتوفير الطعام أو المأوى أو الملبس أو حتى العلاج، وفرق بأنك تجري إعادة إعمار لدولة تعرضت لحرب، وإعادة الإعمار لن تتكلف أموال فقط ولكن هناك بعد إنساني ونفسي واجتماعي ترتب على هذه الأزمة، وأول خطوة مهمة من خلال المؤتمر نوجه نداء للدول التى فيها نزاعات ونقول لها، باسم المؤتمر وباسم شباب المؤتمر الذي يحلم بالأمن والأمان والتنمية وعلى القادة المسئولين، ينظروا بمنظور آخر لوقف النزاعات والصراعات حتى نخفف أو نقلل من حجم الآثار".
ولكي تحقق مصر رؤيتها في حل وإدارة الصراعات، تتحرك من خلال مجموعة من الأطر، على رأسها "الإطار التفاوضي"، والذي تعطيه أولوية قصوى لتحقيق رؤيتها، حيث تتعامل مع سياقات متزامنة، بالدخول في مفاوضات مباشرة مع كافة الأطراف المعنية بالأزمة، مع الأطراف الرئيسية، والأطراف الإقليمية، والداعمين لكلا الطرفين.
التحركات المصرية في تعاملاتها مع الصراعات، تنطلق من محدد "سياسة الصالح" وليس "سياسة المصالح" التي تتعارض مع النهج المصري، ودورها الريادي في القارة الأفريقية والشرق الأوسط.
ويهدف النهج المصري في إدارة الصراعات، لتحقيق الهدف الأسمى "السلم والأمن"، والذي جاء على رأس أولوياتها خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي في 2019، كونه مؤثر ممتد الصلة بكافة الملفات، وبالتالي فإن تحقيقه من شأنه علاج مسببات الأزمات وتحقيق الاستقرار.
وتركز مصر منذ 2014، على تعزيز الآليات الأفريقية لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، والتعاون لتجفيف منابع الإرهاب، ومنع المنازعات، والوساطة، ناهيك عن تبنيها إجراءت فعلية على رأسها المساهمة في الجهود القارية المعنية بمكافحة الإرهاب العابر للحدود، وتفعيل مبادرة (إسكات البنادق في أفريقيا)، وإدارة الصراع في ليبيا والسودان، وتحقيق التفاهم المشترك في نزاعات شرق أفريقيا.
إن مصر تدرك جيداً أن حل وإدارة الأزمات لن يكون جهدًا منفردًا، بل تشاركيًا كي تضمن استدامة للحل، بما يحد من التداعيات السلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وعلى دول جوار السودان بشكل خاص، باعتبارها الأشد تأثرًا بالأزمة.