الحالة السودانية والدولة الوطنية

السبت، 24 يونيو 2023 05:42 م
الحالة السودانية والدولة الوطنية
يوسف أيوب

 الغطاء السياسى لتنامي الحركات المسلحة سمح بالازدواجية العسكرية وتغييب لدور الجيش الوطني بداية الانهيار 
 
 الأسبوع الماضى، كان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار ضيفاً على مصر، وتحدث في أكثر من مناسبة، أحاديث غاية في الأهمية، وأهميتها تكمن في المعلومات التي قالها الرجل، الذى يعد الثانى في التركيبة السياسية والقيادية بالسودان، وأيضاً في تقيمه للوضع الداخلى بالسودان، التي دخلت الشهر الثالث من مواجهات عسكرية بين الجيش السودانى، وميليشيا الدعم السريع، التي تريد اختطاف السودان، وأخضاعها بالقوة.
 
من ضمن ما قاله الرجل، إن السودانيين يرحبون بأي دور لمصر في حل الأزمة ومشاركتها في أي مبادرة لإنهاء تلك الأزمة، مؤكدا أن القاهرة قادرة على التأثير والتعاطي بإيجابية مع القضية السودانية لأن الأوضاع في السودان لها تأثير مباشر على مصر باعتبارها إحدى دول الجوار، مشيراً إل نقطة مهمة، وهى السودانيين الذين تستضيفهم مصر، حيث قال إن هناك ما يقرب من 5 ملايين سوداني في مصر، فضلاً عن قضية العالقين السودانيين على الحدود المصرية، لافتا إلى وجود نحو ربع مليون عالق من السودانيين على الحدود، حيث تم الاتفاق على تسهيل إجراءات دخولهم، موجهاً في الوقت نفسه الشكر  إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكل الجهات المعنية في مصر بالعمل على تسهيل هذه الإجراءات.
 
وفى وصفه للوضع في بلاده حالياً، قال مالك عقار، إن السودان تأثر تأثيرا كبيرا من الحرب، وهي أكبر صدمة تلقاها الشعب السوداني، وقال نصاً: "أحسب أن هذه الصدمة تعيد الشعب السوداني وتعيدنا كلنا إلى منصة التأسيس بحيث نعمل على تحقيق الاستقرار الدائم"، مؤكداً في الوقت نفسه أن مآلات وتأثيرات الحرب في بلاده مازالت تؤثر على دول الجوار والإقليم والعالم بدرجات متفاوتة، ولا يوجد تغيير.
 
وأكد عقار، أن مصر ستساهم في حل هذه المشكلة بقدر التأثير الذي يقع عليها، مشددًا على ان مصر أكثر الدول تأثيرا. وضمن ما استوقفنى في كل ما قاله عقار، ذلك الذى جاء على لسانه في حواره مع قناة «القاهرة الإخبارية»، حينما تحدث عن تقديره للنجاح الذي حققته الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال في الدمج مع القوات المسلحة السودانية، وقوله إن «منطوق اتفاق جوبا 2020 يشدد على أن يكون للسودان جيش واحد يراعي التعددية السودانية ويحافظ على أمن السودان ويحافظ على الدستور، وهناك فترة معينة لدمج كل الحركات المسلحة في الجيش السودانية، والحركة الشعبية عملت وفقا للجداول المنصوص عليها في الاتفاق»، مؤكداً في الوقت نفسه أن وجود أكثر من جيش في أي دولة يجعلها «حُبلى بعدم الاستقرار»، وبالتالي، فإن كل الحركات المسلحة التي لها جيوش يجب أن تعي الدرس وتدمج قواتها في القوات المسلحة السودانية.
 
هذه خبرة رجل عاش سنوات طويلة في معركة مع الحكومة المركزية والجيش الوطنى، وانتهى إلى قناعة، تحولت لديه بمرور الوقت والأيام إلى عقيدة وهى أن أي دولة لا يجب أن يكون لها سوى جيش واحد، وأن السلاح لابد ان يكون فقط في يد الدولة ومؤسساتها الوطنية، لإن ما يحدث اليوم في السودان الشقيق، نتاج تراكمات قديمة، لم يتم علاجها بالشكل المطلوب والعاجل، فالسلاح أصبح منتشراً، كما أن القوى السياسية السودانية رأت تأمين وضعية نفسها، قبل أن تؤمن وضعية الدولة الوطنية نفسها، لذلك لم ترفض انتشار السلاح ولا الحركات المسلحة، بل عمدت في فترات متباينة على دعم الميليشيات المسلحة، وهو ما أحدث الحالة التي تعيشها السودان اليوم، فقوات الدعم السريع، وصلت إلى قناعة أنها أقوى من الدولة والجيش الوطنى، وهذه القناعة تولدت لدى قياداتها لأسباب متعددة، أهمها الدعم السياسى من جانب قوى كانت تريد مشاكسة الجيش الوطنى، فأرتمت في أحضان "الدعم السريع".
 
الامر الأخر المهم في أحاديث "مالك عقار"، هي رؤيتهم للحل، فأكد أن مجلس السيادة السوداني يرحب بالأطراف كلها، وليس ضد أحد، ولكن يتفحص ويحقق من كل هذه المبادرات، لكنه شدد على أهمية أن تحترم على هذه المبادرات وتحقق سيادة الدولة السودانية وتحترم مؤسساتها ورغبات ومشاغل الشعب السوداني وتفصل في هذه الحرب بحيث لا نعيد الوضع السابق الذي أنتج هذه الحرب ونصل لوضع جديد لبناء الدولة السودانية، مشيراً إلى أن الأسباب التي أدت إلى هذه الاشتباكات بين الدعم السريع والجيش السوداني كثيرة ومتشعبة، وهناك قضيتان عطلا الطريق في السودان، الأولى هي تكوين القوات الصديقة، والثانية هي التحول الديمقراطي.
 
وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، أن كل السودانيين باختلاف أيدولوجياتهم يرفضون الحرب، لأنه ليس في الحرب ما هو جميل، لكن كل ما في الحرب قبيح.
 
وهنا يجب أن نعود إلى الرؤية المصرية للحل والتعامل مع الأزمة السودانية، والتي سبق وأعلنها الرئيس السيسى منذ اللحظة الأولى، وجرى التأكيد عليها خلال لقاءه "عقار" الأسبوع الماضى، وقوامها أن مصر كانت، وستظل دائماً، سنداً وعوناً للسودان الشقيق، خاصةً خلال الظروف الدقيقة التي يمر بها، أخذاً في الاعتبار الروابط التاريخية بين الشعبين والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع البلدين الشقيقين، مشددا على أن وقف الاقتتال وإطلاق النار بشكل دائم وشامل، وبدء عملية الحوار السلمي بما يفضي إلى تحقيق إرادة الشعب السوداني في الأمن والاستقرار والتنمية، هي الأولويات التي ينبغي تكثيف الجهود من أجل تنفيذها، كما أكد الرئيس السيسي قيام مصر ببذل أقصى الجهد لتحقيق التهدئة وحقن الدماء ودفع مسار الحل السلمي، ودعم مصر الكامل للسودان وتماسك دولته، ووحدة وسلامة أراضيه.
 
ما قاله مالك عقار في القاهرة، يمكن وضعه في خانة التحليل الواقعى للحالة السودانية، التي تستند لوقائع مهمة، يجب أن تكون في أذهاننا جميعاً، ونحن ننظر لما يحدث لدى الاشقاء، فالبداية كانت بسكوت القوى السياسية عن انتشار السلاح، وتغييب الجيش الوطنى، فنتج عن ذلك حالة من الازدواجية الشديدة فى المعادلة الأمنية العسكرية، أحدثت الوضع الحالي، وهنا مكمن الخطورة، فأى تنازل من جانب أبناء الدولة عن مبدأ الجيش الوطنى والدولة الوطنية بمؤسساتها، هو بداية الطريق لانهيار أي دولة وتفتيتها.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة