كيف أسقط المصريون مخطط الأخونة وحققوا العودة الآمنة للمؤسسات؟
السبت، 17 يونيو 2023 06:42 م
يد الفساد الإخوانية حاولت التغلغل داخل مفاصل الدولة للسيطرة وتنفيذ مخططات التآمر والتقسيم
لأول مرة.. القيادة المصرية تربط الأمن القومى بالتنمية وتطلق أكبر معركة تطهير وتعمير وتوفر "حياة كريمة" لكل المواطنين
الرئيس السيسى نقل مصر من مرحلة تثبيت أركان الدولة إلى بناء الدولة الحديثة والمشروعات القومية العملاقة
قبل ثورة 30 يونيو 2013 كانت مؤسسات مصر مختطفة بالمعنى الحرفي، الذي شعر معه المصريون بأنه ليس هناك مؤسسة إلا وتغلغت فيها الأخونة، ونخرت في مفاصلها أذرع مكتب الإرشاد.
القضاء، الإعلام، النقابات، الوزارات، الهيئات العامة، وحتى المجالس المحلية.. لم يعد بها مكان خالٍ من الإخوان أو محسوبين عليهم وموالين لهم، يد الفساد والإهمال طالت كل شيء، التناحر والمشادات والتخوين صارت شعارا فوق مؤسسات الدولة، بسبب ممارسات جماعة الإخوان.
هانت الهوية المصرية على الجماعة كما هان كل شيء وطني أو له علاقة بمؤسسات الدولة، الشعب أدرك أن الحل الوحيد لاستعادة مؤسسات الدولة الوطنية هو الخلاص من جذور جماعة الإخوان ومحركي القصر الرئاسي بأوامر من مكتب الإرشاد.
أحد المشاهد التاريخية في 30 يونيو، وثقه موظف في فيديو بأحد المكاتب التابعة للسجل المدني في منطقة العجوزة، عندما كان ينتظر ترقيته منذ 15 عاما خدمة في المؤسسة الحكومية، وهو أحق بها (قانونيا والتزاما)، وتفاجأ الجميع أن درجة الترقية أعطيت لأحدهم المنسوب للجماعة والمتحدث باسمها في المؤسسة، لمجرد أنه تابع للجماعة دون مؤهلات وضربًا بالقانون عرض الحائط. وحتى الشكاوى التي قدمها الموظف المهضوم حقه وكل محاولات الوصول إلى حقه باءت بالفشل. وبينما أدرك أنه لا خلاص من ظلم وفساد الإخوان إلا بطرد الجذور التي جاءت بقرار نهب ترقيته ومكانه الأحق به.
ذلك المشهد العبقري بامتياز ينسحب على كل مؤسسة من مؤسسات الدولة الوطنية. إخواني ليس له الحق ولا مؤهل غير أنه يرتدي عباءة الإخوان يأتوا به لكي يكون ذراعهم ويبدأ في جلب منسوبي الجماعة واحدا تلو الآخر، حتى إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة بالكامل.
لذلك 30 يونيو لم تكن مجرد ثورة على ظلم وفساد أكثر من أنها شكلت علامة فارقة فى تاريخ مؤسسات الدولة الوطنية، ورسخت الأمن والاستقرار والحياة الكريمة للمواطن. ملحمة وطنية كاملة الأركان شهدت انتفاضة الشعب ضد مخططات التآمر والتقسيم وأخونة مؤسسات الدولة.
مشهد الحشود في كل ربوع مصر في 30 يونيو أبلغ وصف له، ما قاله أحد الكتاب البريطانيين: «وكأن بيوت المصريين تغلي غضبا من الإخوان. لو أن الجماعة نفسها خططت لكرهها من الشعب ما كانت خرجت النتيجة هكذا. إنه طوفان غضب شعب نزل ليسترد وطنه».
وكأن مدوني التاريخ اتفقوا على كتابة وصف واحد في باب ثورة 30 يونيو، وهو «لولاها لانتهت المنطقة العربية بالكامل، وواحدة من أعظم الثورات وأنقذت أُمة من التخلف والتطرف والإرهاب. وشكلت حائط صد فى مواجهة الإرهاب والحفاظ على هوية الدولة واستعادت مصر فيها نفسها ممن خطفوها وحاولوا طمس هويتها.
تحل ذكرى ثورة 30 يونيو لتؤكد الرسالة الأهم دائما بأن مصر انتقلت من مرحلة تثبيت أركان الدولة، واستعادة مؤسساتها الوطنية المخطوفة، إلى مرحلة تعزيز تماسك مؤسساتها، إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة والمشروعات القومية العملاقة، الأمر الذى كان يمثل الهدف الأساسي للرئيس السيسي في العمل على الحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها ومؤسساتها المختلفة بمقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
كانت ثورة 30 يونيو بمثابة العودة إلى طريق النور بعد ظلام سيطر على مؤسسات الدولة الوطنية، بدأت مصر في طريقها للعودة إلى وضعها الطبيعى بعد محاولات اختطافها وإفقادها هويتها، لتخلد ثورة 30 يونيو الدور الوطنى للجيش بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، والشرطة المصرية التى حمت ثورة الشعب، كما أنها حمت البلاد من مخططات ومؤامرات كانت تُحاك للدولة المصرية من قبَل الجماعة الإرهابية.
حتى إنه وبعد قيام الثورة لم تجد جماعات الإرهاب آلية للمضي قدماً فى تنفيذ مخططات من يدعمها إلا بث الفوضى واستهداف رجال الجيش والشرطة والمدنيين ودور العبادة، لذا أولى الرئيس السيسى أهمية خاصة لهذا الملف، وإلى جانب العمليات العسكرية المشتركة بين القوات المسلحة والشرطة، شدد على أهمية رفع الوعى وتجديد الخطاب الدينى، بل حمل على عاتقه أيضاً أن تقود مصر حرباً دولية على الإرهاب على كل الأصعدة.
وتمكنت الدولة المصرية من العمل فى خط متوازن فى كافة الملفات بجانب الملف الأمنى، فكان الاهتمام بملف العدالة الاجتماعية وكان تطوير العشوائيات وتوفير حياة كريمة لسكان تلك المناطق أولى الخطوات، كما أولت القيادة السياسية أهمية كبرى لتطوير شبكة الطرق المتهالكة التى كانت تقف حائط صد ضد كل مساعى التنمية والتطوير، وغيرها من المشروعات فى الإسكان الاجتماعي والكهرباء والمياه التي تلبي احتياجات كافة مناحي الحياة.
بعد ثورة 30 يونيو استطاع الشعب من خلال الالتفاف حول القيادة السياسية عبور هذه الأزمة، والوصول بمصر إلى بر الأمان، ونجحت الثورة فى استعادة الدولة ومؤسساتها من أيدى المختطفين، وإنقاذ مؤسسات الدولة، وتحقيق العديد من المكتسبات، وعودة هيبتها مرة أخرى.
بالطبع هناك عدد كبير من مكتسبات ثورة 30 يونيو، ولكن يظل أهمها أنها أعادت الوطن إلى مواطنيه، وأعادت مؤسسات الدولة الوطنية، وأكدت حق المصريين فى الحياة. من الواضح أمام العالم مؤسسات الدولة الوطنية تصاعدت خطواتها بعد ثورة 30 يونية في جميع الملفات، سواء في ملف الصحة والتعليم والنقل والمواصلات، وصولا إلى ما حققته الثورة للمرأة من العديد من المكتسبات.
رسم طريق الجمهورية الجديدة بعد ثورة 30 يونيو خطوات استباقية لمؤسسات مصر الوطنية، وأكثرها تأكيدا ما حدث من تطوير في المؤسسة التعليمية، إضافة إلى التطورات الملحوظة في مؤسسات الصحة، التى تشهد لها التصدي لأزمة كورونا التي أنهكت وأغلقت مؤسسات عالمية كبرى انهارت.
رسخت ثورة 30 يونيو مفهوم الدولة الوطنية أمام مؤامرات تقسيم وسرقة مصر، وكانت ملهمة لتجارب الدول العربية من بعدها، حيث بدأت الدول التي تعاني فوضى الإسلام السياسي فصلا جديدا للحرب على الإرهاب وإفشال المخططات الهادفة لنشر الفوضى وهدم الدول من خلال استلهام تجربة بناء الدولة المصرية.
مسار دولة 30 يونيو حرم الجماعات الإرهابية من المخزون البشري الذي يسيطر على مؤسسات الدولة الوطنية، وخاصة في مرحلة بناء ما بعد الثورة، وساعد ذلك في بناء وإعادة الثقة في مفهوم الدولة الوطنية، واستطاع الجيش المصرى ومن خلفه كل فئات المجتمع إعادة السيطرة على مؤسسات الدولة المختطفة والقضاء على مشروع جماعة الإخوان وأوهامها والتي كانت تنظر للوطن باعتباره حفنة تراب.
أعادت ثورة ٣٠ يونيو الأمل للشعوب العربية بأنها تستطيع إفشال مخططات الشرق الأوسط الجديد وإن خرائط تقسيم المنطقة لن ترى النور بعد أن قدمت مصر وجيشها نموذجا فى استعادة الهوية التى توهمت الجماعة الارهابية أنها خطفتها، وبعد نجاح الثورة في طرد الجماعة الأم لكل الجماعات والتنظيمات الارهابية تأكد للشعب أنه يستطيع تحقيق الأمل بطرد هؤلاء الارهابيين وتأسيس الدولة الوطنية.
الموجة الثورية فى 30 يونيو انطلقت لمواجهة مشروع الإسلام السياسى القائم على تجزئة الدول وسرقة مؤسساتها الوطنية، وتفتيتها لصالح أجندات خارجية كان يسعى أصحابها لتوظيف الجماعات الدينية المتطرفة لتنفيذها بحكم تجذر تلك الجماعات فى المجتمعات العربية، ومع حالة الانفتاح العشوائى التى أعقبت ثورة 25 يناير كانت الفرصة ممتازة بالنسبة لأصحاب تلك المؤامرات، ومن ثم فتح الأبواب أمام جماعة الإخوان الإرهابية أن تصل لهدفها المنشود بالوصول للسلطة.
كل التطورات التى أعقبت ما يعرف بالربيع العربى أثبتت أن المستهدف هو الدولة الوطنية فى المقام الأول، لذا فقد كان من الطبيعى أن تندلع ثورة 30 يونيو ضد التطرف الإخواني ومشروعه القائم على مبدأ انتفاء الدولة الوطنية الأمر الذى تكمن خطورته فى ابتلاع الدول المصرية لدول أخرى تسيطر على التنظيم.
يقول عمرو فاروق الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي إن التاريخ المعاصر لن ينسى ما فعلته ثورة 30 يونيو 2013، من إجهاض سيطرة جماعة «الإخوان» على مفاصل الدولة، وإسقاط مشروع «التمكين»، وتغيير بوصلة المشهد السياسي في مصر والمنطقة العربية تغييرًا كاملا، وإعادة كتابة التاريخ كتابةً مغايرة لما كان مرسومًا ومحددًا له وفقًا لمشاريع وأطماع استعمارية، لافتاً إلى أن النتيجة الأولى والأهم لثورة 30 يونيو2013، وقوفها حائط صد أمام المد الإخواني، ومساعي مكتب الإرشاد في الهيمنة المطلقة على مقاليد السلطة، وتحقيق مشروع دولة الخلافة المزعومة، وصولاً الى «أستاذية العالم» التي تضمنتها أدبياتهم الفكرية والسياسية منذ أربعينات القرن الماضي.
وتابع أن جماعة الإخوان وحلفاؤها وضعت من مكوّنات الإسلام الحركي، في مقدمة أولوياتهم تدمير مفاهيم الدولة الوطنية القومية، وتعبئة الشارع بمصطلحات الأممية الراديكالية الأصولية، التي تسقط في مضامينها فكرة الولاء للوطن وللأرض في مقابل الإيمان بالانسيابية الحدودية والفكرية بين الدول، تمهيدًا للمظلة الدينية الموحدة، لكنها لم تتوقع انهيار مخططها في ظل انتفاض المصريين، وإطاحة رجال التنظيم من الحكم.
وأعادت ثورة 30 يونيو، الشارع المصري إلى حضن الدولة الوطنية وقواسم القومية العربية، كما أيقظت مفاهيم الإسلام الوسطي المعتدل، في ظل نشر منهجية فكرية قائمة على الإقصاء والتكفير والعنف والقتل تحت لافتة تطبيق الشريعة.
وأكد فاروق أنه في ظل ثورة 30 يونيو، سقط النقاب عن الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان أمام الرأي العام المحلي والعربي، بعد ادعائها الكاذب ممارسة العمل السياسي والاجتماعي السلمي، في ظل انتهاجها العنف المسلح، وتشكيل لجان نوعية تستهدف المدنيين ورجال المؤسسات العسكرية والأمنية، تحت مظلة تأصيلات شرعية واهية، صيغت وفقًا لما يتماشى مع أدبياتها الفكرية الاقصائية التي آمنت بها منذ نشأتها على يد حسن البنا، مرورًا بمنظّرها التكفيري سيد قطب، وتماساً مع أطروحات أبو الأعلى المودودي، موضحاً أن جماعة الإخوان أدركت أن الصخرة الصلبة التي تقف أمام مشروعها في الهيمنة يتوقف على قدرتها في استمالة المؤسسات العسكرية والأمنية وإخضاعها، أو تفكيكها واستبدال كيانات تحمي مكتسبات الجماعة السياسية والدينية بها، فانطلقت نحو مخططها، لكنها فشلت في تحقيق مآربها في تغيير السياسات الحاكمة لتلك المؤسسات، وعقيدتها الراسخة في الحفاظ على أمن الوطن وسلامته ومقدراته مهما كلفها ذلك، ففككت الثورة مباشرةً الإمبراطورية الاقتصادية للإخوان، وجففت منابع التمويل الخارجي والداخلي، وأنهت ما يُعرف بـ»التوظيف السياسي» للجماعة، ووضعها ضمن قواعد المعادلة السياسية للدولة المصرية في الحكم منذ سبعينات القرن الماضي.
وأشار إلى أن ثورة 30 يونيو مهدت الطريق أمام مؤسسات الدولة لبسط الأمن على الأوضاع الداخلية، وتثبيت أركان الدولة المصرية في غضون سنوات، وفرض سياستها على المشهد الدولي، ووضع نفسها في معادلة السياسة العالمية، وأوقفت المشاريع التخريبية التي استهدفت جبهتها الداخلية، وأخذت على عاتقها بناء «الجمهورية الجديدة»، وتطوير توجهاتها على المسارات السياسية والاقتصادية والصحية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والفكرية.
وأخيرا، أنهت ثورة المصريين الحلم التاريخي للجماعات الأصولية بتمصير «الحالة الجهادية»، وتحويل القاهرة مرتكزا للتنظيمات المتطرفة المنشطرة، التي يُكفر ويُقاتل بعضها بعضًا تحت شعار احتكار الإيمان والشريعة، وصناعة بؤر جغرافية مسلحة، تعمل على تمزيق الدولة المصرية وإضعافها داخليًا وخارجيًا من خلال إشعال وتيرة الحروب الأهلية، بما يتيح تغيير هويتها الثقافية ونسيجها الاجتماعي، واستبدال عاداتها وتقاليدها وتدمير تاريخها وحضارتها، لمصلحة دول معادية.