فوضى الإعلانات.. من «جلب الحبيب» إلى «الشفاء دون طبيب»!
السبت، 17 يونيو 2023 04:25 م
وكأن مصر كلها أصبحت تشكو من العجز الجنسي والأمراض المتعلقة بالجهاز التناسلي، أو أن المجتمع بأكمله يعاني من السحر وخرافات جلب الحبيب والشفاء دون طبيب ورد المطلقة.. الخ؛ بات عدد كبير من القنوات الفضائية- التي لا يعلم أحد حقيقة حصولها على تصاريح من عدمه- تعرض محتوى إعلاني يمثل خطرا حقيقيا على المجتمع بأكمله، ويصدر صورة سلبية عن المجتمع المصري أمام المشاهدين العرب، الذين يتابعون هذه القنوات لمشاهدة تراث السينما المصرية والمسلسلات الخالدة في الذاكرة، وبالتالي أصبح جميع العرب يشاهدون هذا المحتوى الإعلاني المسيء في الفواصل الإعلانية، التي تتجاوز مدتها نصف الساعة في الفاصل الواحد.
للوهلة الأولى تخيلت أحد أبنائي الصغار وقد عبث بالريموت كنترول حتى أوقعه الحظ في مشاهدة إعلان من هذه الإعلانات، فماذا سيفهم منها؟ وماذا لو طلب مني شرحا بسيطا لمفردات تتعلق بالجنس أو السحر أو الخرافات؟ فكيف يمكنني أن أرد عليه؟ ولنتخيل الأمر أكثر مع طفل لا يوجد له ناصح أو معلم سواء لغياب الأب والأم في عملهما أو انشغالهما بمتاعب الحياة؟ فكيف تُبنى ثقافة الأطفال والمراهقين مع هذا العبث الحاصل؟
في البداية كنت أظن هذه الإعلانات مجرد حالات فردية، لكن فوجئت أنها تنمو كل يوم وتشتد وطأتها، وتتكرر على أكثر من عشرين قناة من قنوات "بير السلم"، وتتجه أكثر للعبارات المباشرة بدلا من التورية، ثم بدأت تتنوع وتقوم بلعب دور الطبيب، فهذا "الكريم" يعالج آلام الظهر، وذاك "البرشام" يعالج أمراض البروستاتا، وآخر يقضي على التسرب الوريدي، وحتى أمراض القلب لم تسلم من خداع هذه الإعلانات مع عرض أنواع عديدة من الأدوية، التي يزعمون أنها حاصلة على تصاريح من الصحة، وحتى لو صدق هذا فإنها ستكون مجرد مسكنات أو مقويات لا تغني أبدا عن الذهاب للطبيب المختص ليشخص الحالة جيدا قبل منح الدواء المناسب؟
الأمر يحتاج وقفة لمنع هذه الإعلانات التي تستغل جهل البعض في النصب عليه، لدرجة أن هذه الإعلانات تعرض أرقام هواتف للاتصال بالدجالين وكأن لهم الشرعية التامة في التواجد في المجتمع المصري؟ وأين دور وزارة الأوقاف في التحذير من خطر هؤلاء وكشف ألاعيبهم وبيان حقيقة مزاعم وجود الجن بهذه الطريقة التي يزعمون من خلالها أن كل شيء في المجتمع هو نتاج الجن والسحر؟ وبالتبعية أين دور وزارة الصحة في التصدي للعلاجات الوهمية التي يزعمون أنها تعالج جميع الأمراض؟
أتخيل أن هذه القنوات تعمل بمبدأ "بير السلم" لأن عند مراقبتها لوقت طويل اكتشفت أنها تختفي فجأة وينقطع بثها، ثم لا تلبث أن تعود في ثوب جديد، لكنها تعرض نفس المحتوى الإعلاني المضلل لتظل تمارس النصب علانية على المواطنين الذين أصبحوا ضحايا لها.
نحن لدينا بالفعل العديد من القنوات صاحبة المضمون الأخلاقي والرسالة الإعلامية الهادفة والمتنوعة، مثل قنوات "ماسبيرو" التي تربينا عليها، وقنوات "المتحدة"، صاحبة الرسالة وذات المحتوى الجيد الذي يناسب جميع أفراد الأسرة، فما الحاجة لهذه القنوات المتطفلة على المشاهد المصري؟
الأمر جد خطير ويحتاج وقفة حاسمة من السادة المسؤولين لمنع ظهور هذه القنوات، والتحقق من مصادر دخلها وطبيعة تراخيصها، حتى لا تتحول إلى معول هدم في جمهوريتنا الجديدة.