وداعا بيرلسكونى .. الأغنياء يجمعون الأموال حتى الوفاة.. يتركون عالمنا فى جنازات فخمة ونعوش مطلية بالذهب
الإثنين، 12 يونيو 2023 11:30 م
مثلما هناك اختلافات فى ثقافات العالم وحضاراتها وتاريخها، فهناك اختلاف كبير بين مستوياتها الاقتصادية والتى تقتصر أحيانا على مجموعة من الأغنياء الذين يتنافسون فى ما بينهم بما لديهم من مليارات على عرش أغنى الأغنياء فى العالم، لاسيما وان أكثرهم بدأ حياته من الصفر، ولذا فهم يبحثون دائما عن استثمارات جديدة تدر عليهم بالأموال الطائل التى تزيد من الميزانية التى لديهم، وتظل تلتصق بهم مقولة: إن "الأغنياء ليست لديهم حدود لكسب الأموال ولا يتوقفون عن جمعها عند عمر محدد، بل إن بعضهم يتصورون أن الأموال لها تأثير بعد مماتهم كما هى فى حياتهم... فيتركون عالمنا فى جنازات فخمة، ونعوش مطلية بالذهب، ويذهبون إلى مدافن من الرخام قد يصل سعرها إلى مليون دولار، وذلك بأفضل ما يستطيع المال شراءه.
ويأتى رئيس الوزراء الإيطالى الأسبق، سيلفيو برلسكونى، الذى وافته المنية اليوم، على رأس قائمة الأثرياء الذين يذهبون إلى العالم الأخر، بترتيبات خاصة جدا.
لقد شهدت حياة سيلفيو برلسكونى، تحولا مثيرا من بائع للمكانس الكهربائية، مرورًا بمغنٍ فى الملاهى الليلية، إلى أشهر سياسى فى تاريخ إيطاليا، حتى أنتهى به المطاف إلى أكبر جامع للأموال والحسناوات.
وحسب تسلسل تاريخ حياته، فقد ولد برلسكونى فى مدينة ميلانو، فى 29 سبتمبر عام 1936، وتخرج فى كلية الحقوق عام 1961، إلا أنه بدأ حياته المهنية ببيع المكانس الكهربائية، واشتهر فيما بعد بالغناء فى الملاهى الليلية وعلى متن السفن السياحية.
وأسس برلسكونى شركة أديلنورد للإنشاءات، واشتهر كمتعهد لبناء المساكن فى مسقط رأسه بمدينة ميلانو، ليؤسس بعدها شركة محلية لتجهيزات القنوات التلفزيونية، تحولت فيما بعد إلى أكبر إمبراطورية إعلامية فى إيطاليا، عرفت باسم "ميدياست".
وأسس برلسكونى شركة قابضة خاصة به، وضع تحت مظلتها "ميدياست"، وأكبر دار نشر فى إيطاليا، بالإضافة إلى جريدة يومية ونادى ميلانو، وعشرات الشركات الأخرى.
ليس هذا فحسب، بل أن تلك الشركة، باتت تسيطر على أكبر ثلاث محطات تلفزيونية خاصة فى إيطاليا، فيما استفاد من منصبه كرئيس للوزراء فى تعيين مدراء القنوات العامة الثلاث فى البلاد.
ومن عالم الأموال والإعلام إلى السياسة، أسس برلسكونى حزبا سياسيا فى عام 1993يحمل اسم "فورزا إيطاليا"، وبعدها بعام، تولى منصب رئيس الوزراء وشكل ائتلافا مع حزبى التحالف الوطنى ورابطة الشمال اليمينيين.
إلا أن الحكومة انهارت بعد سبعة أشهر، على وطأة التنافس بين الأحزاب الثلاثة، بالإضافة إلى اتهام برلسكونى بالتهرب الضريبى أمام محكمة فى ميلانو.
وفى عام 1996، خسر برلسكونى الانتخابات أمام منافسه اليسارى رومانو برودى، إلا أنه تمكن من العودة إلى السلطة عام 2001 فى ائتلاف مع حلفائه السابقين.
ورغم أنه تولى الحكومة طيلة عشر سنوات تلت العام 2001، فى فترة كانت الأطول التى يتولى فيها شخص رئاسة الحكومة فى البلد الأوروبى، منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أنه خسر السباق إلى منصب رئيس الحكومة، أمام برودى، فى تكرار لسيناريو 1996.
وهى خسارة لم تجعله ييأس، بل إنه شحذ هممه، وعاد إلى السلطة مجددا عام 2008، فمررت حكومته تعديلات قانونية تضيق نطاق الاحتيال، إلا أن المحكمة الدستورية ألغت فى عام 2010 بعض بنود قانون يمنح حصانة مؤقتة لبرلسكونى ووزراء آخرين.
وقبل الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية، كان برلسكونى خرج فى تصريح صحفى، أكد فيه، أنه على مدار 20 عاما مثل أمام القضاء 2500 مرة فى 106 قضية.
إلا أن السياسى المحنك الذى رحل اليوم، نجا خلال تاريخ عمله السياسى، من أكثر من 50 اقتراعا أعدت لسحب الثقة منه فى البرلمان.
واتهم القضاء الإيطالى، برلسكونى فى العام 2012 بدفع قرابة 10 ملايين يورو على هيئة نقود وسيارات وهدايا ونفقات إقامة لضيوف أقاموا فى مسكنه، للشهادة فى صفوفه، فى القضية المعروفة باسم قضية "روبي".
تلك القضية التى أدين فيها برلسكونى وحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمتى استغلال السلطة وإغواء القاصرات، إثر ثبوت عليه دفع المال مقابل ممارسة علاقة غير مشروعة، مع فتيات كانت أشهرهن راقصة تدعى "روبى سارقة القلوب" لم تتجاوز الـ18 عامًا.
إلا أن قرارًا صدر بالإفراج عنه عام 2015 بعد استئنافه الحكم، فيما قالت النيابة الإيطالية -آنذاك- أن برلسكونى قد اشترى صمت الشهود.
وفى العام 2017، نظر القضاء الإيطالى تهمتى رشوة وتلاعب فى القضية المتعلقة بحفلات "البونجا بونجا" التى كان يقيمها رئيس الوزراء الإيطالى الأسبق.
وهذه الشخصية الاستثنائية هو أب لخمسة أطفال من زواجين، وجد برلسكنى صديقة جديدة فى 2020 هى مارتا فاسينا عارضة الأزياء السابقة التى تصغره بـ53 عاما والنائبة عن حزبه "فورتسا إيطاليا".
ويُعد برلوسكونى من أشهر رؤساء أندية كرة القدم الإيطالية على مرّ التاريخ، بعد أن قاد فريق ميلان إلى المجد المحلى والقارى فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.
وأجرى صفقات لا تنسى فى الفريق الأحمر والأسود، خصوصا الثلاثى الهولندى ماركو فان باستن، رود خوليت وفرانك ريكارد. وتعاقد مع المدرب أريغو ساكى الذى صنع ثورة فنية فى تكتيك كرة القدم، بالإضافة إلى المدرب الفذ فابيو كابيلو.
ولعب دورا كبيرا فى إنقاذ ميلان من الإفلاس عام 1986 عندما أصبح مالكاً للنادى حتى 2007. خلال 31 سنة فى ملكية النادى، ب حصد برلسكونى 29 لقبا بينها خمسة فى دورى أبطال أوروبا و8 فى الدورى الإيطالى.
وأُدخل برلسكونى إلى المستشفى عدّة مرّات فى السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد إصابته بكوفيد-19 فى العام 2020. ورغم إعادة انتخابه فى مجلس الشيوخ العام الماضى، كانت إطلالاته العلنية نادرة.
وأعلن الناطق باسمه وفاته الاثنين لوكالة فرانس برس، وهرع أبناؤه إلى المستشفى لتوديعه.
وقد بنى ضريحا رخاميا مستوحى من الفراعنة فى منزله فى أركورى قرب ميلانو ليدفن فيه أفراد عائلته وأصدقائه عند وفاتهم. غير أن تفاصيل دفنه لا تزال غير واضحة.
ويعد برلسكونى نموذجا لقصص موت الاثرياء حيث ينتقل عدد متزايد منهم إلى الحياة الأخرى عن طريق نعوش مطلية بالذهب قيمة الواحد منها 100 ألف دولار إلى مواقع دفن يصل سعرها إلى مليون دولار، وذلك بأفضل ما يستطيع المال شراءه.
وقال او كوك هوى المسؤول فى شركة (ان.في) مالتى كوربوريشن بيرهاد وهى الشركة الوحيدة المسجلة فى البورصة فى جنوب شرق اسيا لخدمات نقل الموتى "زبائننا يقولون لنا أن أحبابهم يستحقون الأفضل فى حياتهم وموتهم."
وتوفر الشركة مجموعة من خدمات الجنازات وتدير مقابر فى ست دول هى ماليزيا وسنغافورة واندونيسيا وفيتنام وكمبوديا وتايوان.
وأغلب عملائها البالغ عددهم 100 الف من أصول صينية وهم اكثر من 40 مليون من سكان جنوب شرق اسيا. ويمثل المسلمون أغلبية السكان فى المنطقة لكن دينهم يرفض الجنازات الباذخة.
وقال مسؤولون بالشركة أن الطلب على الجنازات الفخمة بين من ينحدرون من أصول صينية يتزايد خاصة فى اندونيسيا التى توجد بها جالية صينية صغيرة لكنها ثرية وفى سنغافورة حيث تدير الشـركة مخـزنا لرمـاد الجثـث التى يتـم إحـراقها قيمته 22 مليون دولار. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.
ومن بين المنتجات الأكثر شعبية جرة لحفظ رماد الموتى مصنوعة من الجاد الكندى وهو حجر كريم ويبلغ سعرها (60780 دولارا) وتوجد مواقع الدفن الأعلى تكلفة التى توفرها الشركة على قمم التلال. وسعر الواحدة 1.6 مليون ويشترى الزبائن الأثرياء عادة عدة مواقع متجاورة لأفراد أسرهم.
ولكن فى زمن بعيد مضى فتّش ابن نوح عن الحل، فاختار جبلاً فوق الأرض وما أغناه شيئاً.. الآن هؤلاء وجدوا الحلّ فى جحور فاخرة فى بطن الأرض، ولن تغنيَهم شيئاً أيضاً.