رسالة أفريقية لروسيا وأوكرانيا: أوقفوا البنادق
السبت، 10 يونيو 2023 11:00 م
القارة السمراء تنتفض لوقف نزيف أسوأ صراع منذ الحرب العالمية الثانية بأطلاق مبادرة سلام يحملها 6 قادة أفارقة
القاهرة تستند إلى موقفها المتوازن وتطالب بتغليب لغة الحوار والحشد للتوصل إلى حل يراعى شواغل الجميع
تبنت مصر موقفا واضحا متوازنا من اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية منذ بدايتها، وأكد الأمر القيادة السياسية في جميع المحافل الدولية، وأعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي، في اجتماع الأخير "الاثنين الماضى" مع عدد من الرؤساء الأفارقة، للتباحث حول المبادرة الأفريقية للوساطة في الأزمة، عن تطلع مصر لأن تسهم المبادرة الأفريقية في تسوية النزاع الروسي الأوكراني، في ضوء ما يربط دول القارة الأفريقية من علاقات ممتدة مع الدولتين، فضلاً عن الأبعاد المتعددة لتلك الأزمة، التي تجاوزت حدودها الجغرافية لتشمل مناطق مختلفة من العالم، لاسيما في أفريقيا والشرق الأوسط وعلى صعيد الدول النامية، التي تعد الأكثر تضرراً من تداعيات الأزمة.
وشارك الرئيس السيسي الأثينن، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، في اجتماع مع عدد من الرؤساء الأفارقة، للتباحث حول المبادرة الأفريقية للوساطة في الأزمة الروسية الأوكرانية، بمشاركة "عثمان غزالي" رئيس جزر القُمُر الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، والرئيس الجنوب أفريقي "سيريل رامافوزا"، والرئيس السنغالي "ماكي سال"، والرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني"، والرئيس الزامبي "هاكايندي هيتشيليما".
وأوضح الرئيس السيسى أن مصر تبنت موقفاً متوازناً منذ اندلاع الأزمة، يستند إلى ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، وتغليب لغة الحوار، وحشد الجهود الدولية للتوصل لحل يراعى شواغل جميع الأطراف، ضماناً لتحقيق الاستقرار والأمن الدوليين، موضحاً أن مصر لن تدخر جهداً من أجل المساهمة في احتواء تلك الأزمة والتغلب على تداعياتها السياسية والإنسانية والاقتصادية، ومعرباً عن التطلع إلى مساهمة المبادرة الأفريقية كخطوة على طريق تحقيق التسوية السياسية المنشودة بين طرفي النزاع.
وأكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المستشار أحمد فهمي، أن القادة الأفارقة تباحثوا تفاصيل المبادرة الأفريقية للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، مؤكدين أن لأفريقيا مصلحة أكيدة في العمل على إنهاء هذا النزاع بالنظر لآثاره السلبية الهائلة على الدول الإفريقية وسائر دول العالم فى عدد من القطاعات الحيوية، مثل أمن الغذاء والطاقة والتمويل الدولي، فضلاً عن أهمية ذلك فى دعم الاستقرار والسلم الدولى، لافتاً إلى أن الاجتماع شهد التوافق على استمرار العمل المكثف على دفع المبادرة الأفريقية من خلال بلورة الآليات اللازمة لتشجيع الجانبين الروسي والأوكراني على الانخراط فيها بشكل إيجابي خلال الفترة المقبلة.
وفي منتصف مايو أعلن قادة 5 دول أفريقية بجانب مصر مبادرة سلام، واعتزامهم السفر إلى روسيا وأوكرانيا بهدف إيجاد حل للنزاع بين البلدين، في مسعى جديد لوقف نزيف أسوأ صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتنعكس تداعياته على العالم وخاصة إفريقيا، وقال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، إن الرئيسين الروسى والأوكراني وافقا على استقبال البعثة وقادة الدول الأفريقية فى موسكو وكييف، ويبدو أن المبادرة كانت المحفز لأوكرانيا كي توجه بوصلتها نحو القارة السمراء، مؤكداً أنه أجرى اتصالات منفصلة مع كل من بوتين وزيلينسكي نهاية الأسبوع الماضي، قدم خلالها مبادرة صاغتها مصر وزامبيا والسنغال وجمهورية الكونغو وأوغندا، إلى جانب جنوب إفريقيا، وقال: "اتفقت مع الرئيسين بوتين وزيلينسكي على بدء الاستعدادات للتعامل مع رؤساء الدول الإفريقية"، كما تم إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة وبريطانيا بالمبادرة ورحبوا بها.
تأتي الجولة قبيل أسابيع قليلة من القمة الروسية الأفريقية الثانية والتي من المقرر أن تعقد في الفترة الممتدة من 26 إلى 29 يوليو المقبل، فى سان بطرسبورج، وتعد الثانية من نوعها، لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع جميع الدول الأفريقية.
وأعلن وزير خارجية أوكرانيا زيادة عدة بلدان في القارة السمراء، استبقها بكلمة وجهها خصيص للدول الأفريقية بمناسبة الذكرى الــ60 لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية «الاتحاد الأفريقي» فى 25 مايو، أعلن خلالها ببدء عهد جديد في العلاقات الأوكرانية الأفريقية، داعيا البلدان الأفريقية للانضمام لصيغة السلام التى اقترحها الرئيس زيلينسكى العام الماضي.
ومن جانب آخر يجري نظيره الروسى جولة إفريقية، يستهلها من العاصمة الكينية نيروبى يلتقى خلالها مع قيادة البلاد، في رابع زيارة يقوم بها للقارة الأفريقية خلال عام.
لماذا إفريقيا؟
تعد المبادرة الأولى التي تخرج من إفريقيا، فيما يؤكد مراقبون أن أي مساع من أي القارة ستكون مقبولة، لأن الصراع عالمي ومؤثر على الجميع، وكون إفريقيا كتلة مؤثرة، وقد تساهم بإنهاء الصراع.
ويمثل قبول روسيا وأوكرانيا للمبادرة الإفريقية رغبة في الجانبين لكسب ود الساحة الإفريقية، خاصة أن هذه القارة تمثل مؤخرا ساحة للاستقطاب الدولي، بجانب علاقاتها المتوازنة وبينها مصر، مع الجانبين، ما يمكنها من لعب دور مهم في إطار محاولات حل الأزمة.
سبق المبادرة الإفريقية، محاولات أخرى منها صينية، ولكنها لم تحقق اختراقا مع تشكيك الغرب في مواقف بكين، وقبلها اقترح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، تشكيل مجموعة اتصال من دول غير ضالعة بالحرب ولم تستمر، وبعدها خرجت وساطة سعودية إماراتية وتمكنت من الإفراج عن تبادل محتجزين وسجناء.
وعرض الفاتيكان المساعدة بوساطة، ولم يستطع التوصل لوقف إطلاق النار، وبعدها محاولة تركية باستضافة وفدين روسي وأوكراني في إسطنبول، ولم تسفر عن تقدم بمحاولات للحل.
16 شهرا تقريبا منذ اندلعت طبول الحرب، وسط هجمات متبادلة من روسيا وأكرانيا لم تتوقف في موجة البرد أو بفصل الصيف، ويأمل العالم، وخاصة إفريقيا الأكثر تأثرا بتداعيات الحرب اقتصاديا، في استجابة أطراف الأزمة لمحاولات الحل، واللجوء لطاولة المفاوضات.
مرت إفريقيا بأوجاع ثقيلة في الأشهر الماضية، نتيجة صعوبات استيراد الحبوب من موسكو وكييف، إضافة لموجات التغير المناخي التي هددت الأمن الغذائي بشدة، وتعد القارة السمراء أكثر القارات تضررا جراء الحرب؛ نظرا لأن روسيا وأوكرانيا أكثر الدول تصديرا للحبوب إلى إفريقيا.
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية كانت ضخمة وتمثلت في توقف كل من الصادرات الروسية بفعل الحصار الغربي، والصادرات الأوكرانية بفعل الحصار الروسي، وعدم قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب من موانئها، وتكمن المشكلة ببساطة في تزود أوكرانيا وروسيا لقارة إفريقيا بأكثر من 40% من احتياجاتها من القمح، وتسبب الصراع في نقص بواقع 30 مليون طن من الغذاء في إفريقيا، ولم يتوقف الأمر بل زادت الأسعار بنسبة 40% بالنسبة للغذاء بالقارة.
هذا النقص الشديد في إمدادات الغذاء إلى دول القارة، إلى جانب انخفاض المساحة المحصولية بنسبة 25%، وانخفاض حجم الإنتاج بنسبة 37% فاقم أزمة الغذاء في عدة دول، ووضع بعضها على حافة المجاعة.
وتسبب النزاع في نقص القدرة التصديرية عن العام السابق على الحرب، وارتفعت تكاليف سداد قيمة المواد الغذائية نتيجة لارتفاع أسعار الحبوب والأرز والقمح.
وفي خصم الأزمة اتفق الجانبان روسيا وأوكرانيا على السماح للسفن المحملة بالحبوب من الانطلاق للدول التي في حاجة إلى الحبوب الغذائية.
وانطلق من الموانئ بالفعل حوالي 80 مليون طن من الحبوب، ولكن هذه الانفراجة لم تسفر عن تحقيق أمن غدائي لإفريقيا، إذ حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" من أن القارة قد تواجه خطر المجاعة بسبب الاعتماد الرئيسي على الحبوب الروسية والأوكرانية.
ونبهت قادة الدول لضرورة البحث عن مصادر بديلة للحبوب، وتطبيق مجموعة واسعة من الإجراءات لمواجهة تحديات الأمن الغذائي وزيادة قدرتها على الصمود في مواجهة الصدمات العالمية.
وذكر بيان مشترك صادر عن 11 منظمة إغاثة دولية، أن هناك نحو 27 مليون شخص يعانون الجوع في منطقة غرب إفريقيا، وقد يرتفع إلى 38 مليون نسمة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية بزيادة تصل إلى 40%.
وتعد النسبة ارتفاعا غير مسبوق في عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص المواد الغذائية داخل القارة رغم كل أزماتها، وما زاد من تفاقم الأزمة تغير المناخ؛ حيث شهدت المنطقة موجان من الفيضانات والشديدة؛ ما جعل الزراعة أكثر صعوبة، فضلًا عن الصراعات المسلّحة وهجمات الإرهاب في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد ونيجيريا.
وبعد انطلاق الحرب بدأ القادة في إفريقيا الوصول إلى أسواق بديلة لاستيراد القمح والحبوب، مثل فرنسا والولايات المتحدة والهند وباكستان ورومانيا وألمانيا وكزاخستان وأستراليا.
ومع ذلك، عانت الدول المستوردة نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار القمح؛ حيث وصل سعر القمح في السوق العالمي مع بدء الأزمة حوالي 550 دولارا للطن، ثم أدى اتفاق تمرير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا والإفراج عن السفن في الموانئ بعد أشهر من الحرب لتراوح سعر الطن من 280 إلى 320 دولار.