ضيوف وليسوا لاجئين
مصر الملاذ الآمن للأشقاء العرب والأفارقة الفارين من الحروب وعدم الاستقرار
السبت، 03 يونيو 2023 09:00 م
9 ملايين مهاجر من مختلف الجنسيات يعاملون كـ«مصريين».. والمفوضية السامية تشيد بالكرم المصرى
منظمة الهجرة: القاهرة تستقبل مواطنى 133 دولة.. ومصر سخية فى إدراج المهاجرين واللاجئين فى النظم الوطنية للتعليم والصحة
منظمة الهجرة: القاهرة تستقبل مواطنى 133 دولة.. ومصر سخية فى إدراج المهاجرين واللاجئين فى النظم الوطنية للتعليم والصحة
تقدم مصر نموذجا يحتذى به فى احتواء الأشقاء العرب والأفارقة المهاجرين من بلادهم هربا من الحروب الأهلية والتوترات الاقتصادية بحثا عن الاستقرار، حيث فتحت القاهرة أبوابها على مر السنوات الماضية لتكون الملاذ الآمن لمواطنى أكثر من 60 دولة فى العالم، فى وقت بات السؤال المطروح والذى يتردد فى الأوساط العالمية والاجتماعات الدولية، لماذا لا توجد مراكز إيواء تحت مسمى «مخيمات اللاجئين» فى مصر؟ لماذا لم تضع القاهرة هؤلاء فى معسكرات أو مراكز تجميع وعزلهم عن المجتمع كما تفعل بعض الدول بل أغلبها؟
الإجابة ببساطة أن الدولة المصرية تتعامل مع قضية اللاجئين من منظور إنسانى، الهدف الأسمى لها دفع هؤلاء للانخراط فى المجتمع المصرى بشكل سلس ودون تعقيدات، وخير مثال على ذلك؛ الحفاوة المصرية فى استقبال الأشقاء السودانيين الفارين من القتال الدائر فى العاصمة الخرطوم ومحيطها بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، فمنذ اليوم الأول للأزمة فى السودان وتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى مستمرة لجميع أجهزة الدولة المعنية، بتوفير أكبر قدر من الرعاية وحسن الضيافة للأشقاء السودانيين، وفق ما أكده وزير الخارجية سامح شكرى فى أول مايو الماضى.
وفتحت مصر أبوابها لجميع النازحين حول العالم، واستقبلت مواطنين من إريتريا وإثيوبيا والعراق والصومال وجنوب السودان والسودان وسوريا واليمن وليبيا خلال أزماتهم ومشاكلهم الأمنية التى تعرضوا لها، وكانت أحياء القاهرة وعدد من محافظات الجمهورية شاهدة على الاستقبال الآمن لكل هؤلاء، وهو أمر لم يستطع العالم إنكاره.
لم يقف الأمر هنا، بل سعت مصر عبر الأجهزة المعنية وبتوجيه من الرئيس السيسى لتذليل أى عوائق تواجه النازحين إلى مصر، عبر تيسير كل السبل أمامهم للحياة على أرضها سواسية مع المصريين، تمتد إليهم جميع الخدمات، من التعليم إلى الصحة، وتعاملهم كضيوف كرام، رغم ما يترتب على ذلك من أعباء اقتصادية، وهو ما يحتاج لدعم الدولة المصرية فى جهودها لتوفير الخدمات الأساسية للاجئين وطالبى اللجوء.
والإثنين الماضى، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، «فيليبو جراندي» المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وخلال اللقاء أكد الرئيس أهمية التعامل مع ظاهرة تدفقات اللاجئين وكل أشكال النزوح من خلال مقاربة شاملة تستهدف جذور الأزمات المتعلقة بتحديات تسوية النزاعات، وتحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى، والتنمية المستدامة الشاملة، مثمنا فى هذا الاتجاه علاقة التعاون الممتدة منذ عقود بين مصر ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين، والجهود التى تبذلها المفوضية على الصعيد الدولى فى ظل تصاعد الأزمة العالمية للاجئين.
وتتلقى مصر إشادات دولية واسعة بسبب تعاملها الإنسانى فى ملف استضافة النازحين والفارين من كل الدول العالم، لا سيما أنها الدولة الوحيدة حول العالم التى لم تقم ببناء مخيمات للاجئين مثلما فعلت دول أوروبية طالما تاجرت بملف حقوق الإنسان، وهذا ما أشار له المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين خلال زيارته إلى القاهرة، معربا عن تقدير المفوضية للجهود التى تقوم بها مصر لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات مختلفة، مشددا على محورية الدور المصرى على المستويين الإقليمى والدولى فى هذا الإطار، لافتا إلى الزيارة التى قام بها للمعابر على الحدود المصرية السودانية، والتى لمس خلالها الجهد الهائل الذى تقوم به الجهات المصرية المعنية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والهلال الأحمر المصرى لمساعدة الوافدين، سواء من السودانيين أو الجنسيات المختلفة.
لم تقف الإشادات عند هذا الحد، حيث أعربت الدكتورة حنان حمدان ممثلة المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين لدى مصر والجامعة العربية، عن تقديرها لاستقبال مصر أكثر من 160 ألف وافد من السودان، مؤكدة أن الدعم الدولى مصر أصبح أكثر إلحاحا لاستيعاب الأعداد المتزايدة ودعمهم موجهة الشكر للحكومة المصرية قائلة: «ممتنون لاستقبال محافظ أسوان ومسئولى معبر قسطل للمفوض السامى لمقابلة النازحين القسريين من السودان وتعضيد التعاون مع الحكومة المصرية».
وتطرق اللقاء بين الرئيس السيسى والمفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، إلى بحث سبل تعزيز التعاون بين مصر والمفوضية، فى ضوء الأعباء الكبيرة التى تتحملها مصر، كمقصد للاجئين من العديد من الدول الشقيقة، الذين يعيشون جنبا إلى جنب مع الشعب المصرى كأشقاء وضيوف.
ودعا المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين فيليبو جراندى خلال زيارته الرسمية إلى مصر، الحكومة إلى مواصلة «كرمها التقليدى» ومواصلة فتح أبوابها أمام اللاجئين من السودان، مؤكدا ضرورة تقديم الدعم الدولى لمصر لمساندتها فى استضافة هؤلاء اللاجئين، مشددا على ضرورة تقديم المجتمع الدولى والجهات المانحة يد العون للدول المستضيفة للاجئين والمتأثرة بحالات النزوح البشرى.
9 ملايين لاجئ
ووفق تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين فى مصر، فإن مصر تستضيف أكثر من 288 ألف شخص من طالبى اللجوء المسجلين واللاجئين من 60 دولة مختلفة، غالبيتهم من سوريا، يليها السودان، ثم جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال، ووصل عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية إلى 146 ألف لاجئا من سوريا، و58 ألفا من السودان و24 ألفا من جنوب السودان و22 ألفا من إريتريا و15 ألفا من إثيوبيا و7 آلاف من اليمن 6 آلاف من الصومال و5 آلاف من العراق وأكثر من 50 جنسية أخرى.
هذه التقديرات الرسمية لا تمثل سوى 5% من الأرقام الحقيقية والمنطقية، التى تستقبلها مصر، فالعام الماضى، أفاد تقرير لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بأن العدد الحالى للمهاجرين الدوليين الذين يعيشون فى مصر يقدر بـ 9،012،582 مهاجر من 133 دولة، وهو ما يعادل 8.7٪ من السكان المصريين، مشيرا إلى أن من بين 133 دولة، يأتى السودانيون «4 ملايين» والسوريون «1.5 مليون» واليمنيون «مليون» والليبيون «مليون». تشكل هذه الجنسيات الأربع 80٪ من المهاجرين الدوليين المقيمين حاليا فى البلاد.
ولفت التقرير، إلى أن هناك زيادة ملحوظة فى عدد المهاجرين منذ عام 2019، بسبب عدم الاستقرار الذى طال أمده فى البلدان المجاورة لمصر، ما دفع الآلاف إلى البحث عن فرصه فى مصر كملاذ آمن.
وأكدت منظمة الهجرة الدولية فى تقريرها أن مصر كانت سخية فى إدراج المهاجرين واللاجئين وطالبى اللجوء فى النظم الوطنية للتعليم والصحة، على قدم المساواة مع المصريين فى كثير من الحالات وكذلك إدراج السكان المهاجرين فى خطة التطعيم الوطنية ضد «كوفيد -19» مثالا حديثا واضحا على نهج الحكومة المصرية فى معاملة المهاجرين، على قدم المساواة مع المواطنين المصريين.
وخلال زيارته إلى مصر، تفقد المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين «فيليبو غراندى» معبر قسطل البرى، للاطمئنان على الخدمات المقدمة للنازحين السودانيين، حيث اطلع على الخدمات اللوجستية التى تقدمها الدولة للقادمين من السودان فى إطار حرص الدولة المصرية على توفير كل ما فى وسعها لتسهيل الوضع للفارين من القتال الدائر بالسودان، ومنها العيادات المتنقلة وسيارات الإسعاف للاطمئنان على جميع الوافدين من خلال توقيع الكشف الظاهرى فى عيادات الحجر الصحى، والكشف عن أى أمراض معدية، مع زيادة عدد العيادات المتنقلة فى منافذ الوصول، وزيادة أعداد الفرق الطبية فى التخصصات المختلفة، ومضاعفة أعداد فرق الطب الوقائى بأسوان والمناطق الحدودية، واتخاذ إجراءات مشددة فى مواجهة القوارض ونواقل الأمراض.
محافظ أسوان أشرف عطية، قدم شرحا وافيا لكل جهود الدولة فى معبر قسطل البرى من أجل تسهيل مرور الأشقاء السودانيين، مؤكدا أن معبر قسطل البرى يستقبل يوميا حوالى ٣ آلاف نازح يوميا من السودان بإجمالى 95 ألف نازح حتى اليوم، بالإضافة إلى ما تم استقبالهم من معبر أرقين البرى، مشيرا إلى الخدمات التى يتم تقديمها بالمعابر الثلاثة فى أرقين وقسطل والموقف البرى الدولى بكركر، ومنها الخدمات الصحية حيث شهد الموقف الدولى بكركر بمدينة أسوان توفير سيارتىّ إسعاف للطوارئ و5 عيادات متنقلة للفحص الطبى، وكذا الدفع بكميات من أدوية الطوارئ والمستلزمات الطبية من خلال تجهيز صيدلية ثابتة، مع فتح 2 عيادة ثابتة للحجر الصحى لإجراء الكشف الطبى على العابرين، بالإضافة إلى فريق من الجامبيا بكل منفذ لرش وتطهير الأتوبيسات القادمة، وأيضا وجود فريق من المتوطنة، وهم مقيمون بصفة دائمة لرش المنافذ لمواجهة القوارض والزواحف، فيما جار تجهيز عيادة أمراض غير سارية، وكذلك تجهيز عيادة المشورة للحوامل والأمهات بكركر ومحطة القطار.
وأكد محافظ أسوان إلى أنه توازى مع ذلك تقديم تدخلات جراحية وعلاجية من خلال صرف علاج لـ1050 حالة أمراض مزمنة، و157 حالة بالعناية المركزة، و120 حالة تم إجراء عملية جراحية لهم ما بين كبيرة ومتوسطة، و100 حالة غسيل كلوى، فضلا عن تقديم الدعم النفسى من خلال مؤسسة إنقاذ الطفولة، واليونيسيف بالتعاون مع مديرية الصحة، علاوة على توفير 50 كونتر للقمامة سعة 120 لترا، وتمت زيادة عمال النظافة بعدد 30 عاملا.
وتتطلب أزمة اللاجئين تنسيقا دوليا واسعا لحلها، وقال المفوض الأممى فى هذا الإطار «إن الدعوة الأولية التى أطلقها سكرتير عام الأمم المتحدة كخطة إقليمية لحشد تمويل قدره 470 مليون دولار لدعم السودان ودول الجوار بشكل عاجل، كان منها 114 مليون دولار تخصص لمصر لدعم الاستجابة خلال الستة أشهر المقبلة»، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية أبلغت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بضرورة الأخذ فى الاعتبار أهمية توفير دعم لمواجهة تدفق نحو 350 ألف شخص إلى مصر، مشددا على أن المجتمع الدولى لا يجب أن يترك مصر وحدها فى مواجهة تدفق اللاجئين من الجنوب، فضلا عن ضرورة دعمها سواء فيما يتعلق بالبنية التحتية أو الخدمات من تعليم وصحة وحماية وخلافه.
وأكد تفهمه لما أعرب عنه الرئيس السيسى من قلق الجانب المصرى إزاء الأعباء الاقتصادية والضغط على الخدمات والإجراءات الأمنية اللازمة لمواجهة تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة على جنوب مصر، داعيا الحكومة المصرية إلى الأخذ فى الحسبان الاعتبارات الإنسانية.
ونوه المفوض الأممى بأن الرئيس السيسى أكد له التزام مصر بتقديم الدعم للاجئين بأقصى قدر ممكن، لافتا إلى أن أعدادا من السكان المصريين جنوب البلاد يستضيفون أيضا لاجئين سودانيين بصورة شخصية، لافتا إلى ضرورة مساعدة النازحين الداخليين فى السودان، فضلا عن أهمية تواجد مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين على الجانب السودانى من المعابر مع مصر لتقديم الدعم العاجل للنازحين العالقين على الجهة الأخرى من المعبر.
على المستوى العربى، تنسق مصر مع الدول الإقلمية، وجامعة الدول العربية لحل أزمة اللاجئين من المنبع مع معرفة الأسباب الحقيقية التى تؤدى إلى ارتفاع معدل تدفق المهاجرين وصعوبة السيطرة على الأمر، وهو ما تنظر إليه الدول الإقليمية بالكثير من التقدير والاحترام، خاصة أن مصر تتعامل مع ملايين «اللاجئين» بصفتهم ضيوفا، يتمتعون بالخدمات كالمواطنين المصريين دون تمييز أو تفرقة، الأمر الذى دفع الجامعة العربية إلى الإشادة بالدور المصرى فى هذا الملف فى أكثر من مناسبة.
من جانبه، استقبل الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، الاثنين الماضى، فيليبو جراندى، المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، حيث تناول اللقاء آخر المُستجدات الخاصة بقضايا اللاجئين فى الدول العربية، مستمعا باهتمام لعرض قدمه المفوض العام لأوضاع اللاجئين فى المنطقة العربية وبشكل خاصة من السودانيين الذين هجروا السودان عقب اندلاع المواجهات المسلحة.
وتطرق اللقاء إلى زيارة المفوض العام للحدود المصرية السودانية ومعبر قسطل الذى يُمثل البوابة الرئيسية لعبور اللاجئين السودانيين إلى مصر، وما شهده من تعاون من السلطات المصرية فى التعامل مع تدفقات اللاجئين السودانيين الذين تجاوز عددهم 160 ألفا منذ اندلاع النزاع المُسلح فى السودان فى منتصف شهر أبريل الماضى، مشددا الأمين العام لجامعة الدول العربية على أهمية دعم المفوضية للدول التى تقوم باستقبال اللاجئين، لا سيما مع عدم وضوح الموقف فى السودان، مؤكدا أن وقف إطلاق نار مُستدام يُمثل الخطوة الأولى الضرورية لوقف معاناة المدنيين، وتمكين المنظمات الإغاثية من التعامل على نحو أكثر نجاعة مع أوضاع اللاجئين.