عادل إمام.. نصف قرن من قوة مصر الناعمة
السبت، 27 مايو 2023 09:00 مأشرف ضمر
تتبدل الشخصيات وتختلف عناوين الأفلام وألوان الأفيشات ويبقى الزعيم صخرة ثابتة راسخا على هرم الفن
أعمال عادل أمام أيقونة عالجت القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية والدينية وأخرجت بساط شهرته لتغطى فضاء العالم العربي
أعمال عادل أمام أيقونة عالجت القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية والدينية وأخرجت بساط شهرته لتغطى فضاء العالم العربي
"كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة".. تلك المقولة التي قالها محمد بن عبدالجبار بن الحسن النِفرى، فى القرن الرابع الهجرى، تنطبق تمام الانطباق على الزعيم عادل إمام، الذي لم يعد مجرد "ممثل مصري كوميدي"، كما تكتفي محركات البحث بتقديمه لقليلين على الكوكب لا يعرفون من هو الزعيم.
نعم، هنا تضيق العبارة، تهرب الكلمات وتضيع اللغة حين تتناول سيرة هذا العبقري الذي لا يُقارَن بأحد، ذلك الأسطورة الإنسانية والقيمة الكبيرة والفنان الملهم الذي لا يقف على قمة الفن وحسب، بل إنه هو القمة نفسها، هو من صنعها، وهو من استمر عليها سنوات من المثابرة وتغيير الصورة النمطية عنه لدي المخرجين، مكافحا بفنه الحقيقي وشخصيته القوية حصره في أدوار بعينها، أيا كان مربع الحصر هذا مغريا وبراقا، فستجده في شخصية رومانسية حالمة كما في الإنسان يعيش مرة واحدة، وستراه شخصية ضائعة لها الكثير من الأبعاد النفسية في المشبوه، وستشاهده قرويا بسيطا وسهلا، في عنتر شايل سيف ورمضان فوق البركان ورجب فوق صفيح ساخن، وستنبهر بأدائه أيما انبهار في أدواره السياسية المعقدة كطيور الظلام والإرهاب والكباب، ستتألم معه في احنا بتوع الأتوبيس والحريف، وستغني معه في حنفي الأبهة، وستتعاطف معه في حتى لا يطير الدخان والإرهابي والمولد، كلها شخصيات معقدة ومركبة، معها تكثر الأعمال وتتنوع الأدوار، تتبدل الشخصيات وتختلف عناوين الأفلام وألوان الأفيشات، ويبقى الزعيم واحدا راسخا على هرم الفن كصخرة ثابتة، لتتحول أعماله إلى أيقونة مصرية وعربية بل وعالمية أيضا.
وفي قائمة "أفضل 100 فيلم كوميدي بالسينما المصرية"، والتي أعلنتها جمعية "كتاب ونقاد السينما"، على هامش مهرجان الإسكندرية السينمائي 2022، برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة، و"جمعية نقاد السينما المصريين"، بعد استفتاء شارك به 32 ناقدا وصحفيا، في تصويت استمر نحو 120 يوما، تحت إشراف الناقد أحمد شوقي، حاز الفنان عادل إمام النصيب الأكبر من الأفلام المختارة ضمن القائمة، ليكون الأكثر إضحاكا ضمن الممثلين الكوميديين المصريين، ففضلا عن ظهوره في عدد كبير من الأفلام المختارة في أدوار ثانوية، حاز عادل إمام النسبة الكبرى من الأفلام بـ18 عملا، محتلا بها المركز الأول/ قمة الهرم الكوميدي، يليه الفنان فؤاد المهندس في المركز الثاني بـ11 فيلما، ثم في المركز الثالث جاء الفنان سمير غانم بـ9 أفلام، وجاء إسماعيل ياسين في المركز الرابع بـ7 أفلام.
وقبل أن يكون سفير مفوضية الأمم المتحدة للنوايا الحسنة عام 2000، كان سفيرا مصريا فوق العادة في الوطن العربي كله من المحيط للخليج، بفنه وكاريزمته الطاغية.
عادل محمد إمام محمد بخاريني، الذى يُعرف باسمه الفني عادل إمام، وُلِد لأسرة فقيرة في 17 مايو 1940 في حي السيدة عائشة بالقاهرة، لعائلة تعود أصولها إلى قرية شها مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، بدأ مشواره الحافل في مسرحية أنا وهو وهي (1963)، بطولة فؤاد المهندس وشويكار، كان حينها عادل إمام طالباً في الجامعة، طلب فؤاد المهندس وجهاً جديداً لشخصية السكرتير دسوقي أفندي، ومن بين 90 متقدما للاختبار أمام المهندس، وقع اختيار الأخير على عادل إمام، الذي تألق في الشخصية جدا وأضاف إليها بروحه المرحة ونظراته الساخرة وطريقة كلامه وإيماءاته الكوميدية، كان يبدع في أول أدواره لا مجرد يحفظ الورق ويقول ما يمليه عليه ملقن عجوز مختبئ في مقدمة خشبة المسرح، بصوت يحاول إيصاله للممثلين مع إخفائه عن الجمهور الجالس خلفه في الصالة يضحك من قلبه.
وبالفعل حققت المسرحية نجاحاً مذهلا، وكان الإقبال الجماهيري عليها هائلاً، ما جعل كل أنظار المنتجين تتجه لهذا الاكتشاف الكوميدي الرهيب، ليطلبه صناع السينما ويرشحه المخرجون لأدوار في أفلام مثل مراتي مدير عام (1966) وكرامة زوجتي (1967) وعفريت مراتي (1968). كما ظهر في الأفلام الكوميدية المدموجة بعنصر من الإثارة مثل لصوص لكن ظرفاء (1968) بمشاركة أحمد مظهر وماري منيب، وفيلم برج العذراء (1970) بطولة صلاح ذو الفقار وناهد شريف.
كان قد ظهر عادل إمام في خمسة أفلام في عام 1970، وهي: رضا بوند والمراية وبحبك يا حلوة وحب المراهقات وبرج العذراء، وسبعة أفلام عام 1971؛ ما يدل على ممثل صاعد غزير الإنتاج.
ليأتي عام 1973، لتتفجر تلك الموهبة الكوميدية العظيمة بشكل صارخ، في شخصية الزعيم بهجت الأباصيري، بمسرحية مدرسة المشاغبين، تلك المسرحية الخالدة التي ساهمت بقوة في صنع أسطورة عادل إمام، بعد عشر سنوات من وقوفه أمام العملاق العظيم والأستاذ الكبير فؤاد المهندس، بملابس دسوقي أفندي المضحكة وطربوشه الهزلي في مسرحية أنا وهو وهي.
ليلعب بعدها أدوار البطولة المطلقة في السبعينيات، في أفلام حققت له شهرة عالية في ذلك الوقت مثل: شيء من الحب، شياطين إلى الأبد، أربعة وعشرين ساعة حب، الزواج السعيد، المهم الحب، الكل عاوز يحب، البحث عن المتاعب، البحث عن فضيحة، ممنوع في ليلة الدخلة، الأزواج الشياطين، عيب يا لولو يا لولو عيب، البعض يذهب للمأذون مرتين، قاتل ما قتلش حد، خلي بالك من جيرانك.
علاوة على دوره في فيلم إحنا بتوع الأتوبيس مع رائد الكوميديا وأستاذها عبدالمنعم مدبولي، ذلك الفيلم الصادم الذي يعد واحدا من أهم أفلام السينما المصرية، حيث تطرق لأمور ذات طابع سياسي حاد، متناولا فترة ما قبل النكسة وأسبابها وتداعياتها، وهو ما كان جديدا على عادل إمام، وأثبت فيه نفسه بشكل فاق تصور المخرجين أنفسهم.
لتأتي حقبة أفلام المقاولات في الثمانينيات، بعد الانفتاح الاقتصادي في زمن ما بعد الحرب، ليتفوق الزعيم على كل أبناء جيله، وتصبح أفلامه الأعلى أرباحاً في تاريخ السينما، كالمشبوه، والمتسول، والهلفوت، ورمضان فوق البركان، ورجل فقد عقله، وشعبان تحت الصفر، والإنسان يعيش مرة واحدة، وعلى باب الوزير، وحب في الزنزانة، والغول والأفوكاتو، وعصابة حمادة وتوتو، والحريف، وولا من شاف ولا من دري، وعنتر شايل سيفه، وخمسة باب، وحتى لا يطير لدخان، وواحدة بواحدة، ومين فين الحرامي، وزوج تحت الطلب، ورمضان فوق البركان، وخلي باك من عقلك، الإنس والجن، وكراكون في الشارع، وأنا اللي قتلت الحنش، والنمر والأنثى، والمولد.
عالجت أعمال عادل إمام القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية والدينية في الوطن العربي، ما أخرج بساط شهرته من حدود مصر، ليصل ويغطي فضاء العالم العربي كله، ويجعله واحداً من أكثر الشخصيات العامة العربية تأثيرا.
في التسعينيات، كانت تجربة عادل إمام قد اكتسبت الكثير من النضج والخبرات المتراكمة، فتميزت أعماله بالجرأة واثارت ضجة وجدلاً لنقاشه لقضايا اجتماعية وسياسية ودينية مهمة، بدأت افلام ذلك العقد، بجزيرة الشيطان، ثم حنفي الابهة، وشمس الزناتي، واللعب مع الكبار، ومسجل خطر، والإرهاب والكباب، والمنسي، والإرهابي، بخيت وعديلة 1، وطيور الظلام، والنوم في العسل، وبخيت وعديلة 2، والواد محروس بتاع الوزير.
ثم يبدأ القرن الواحد والعشرون بأفلام: هاللو أمريكا، وأمير الظلام، والتجربة الدنماركية، وعريس من جهة أمنية، والسفارة في العمارة، وعمارة يعقوبيان، ومرجان أحمد مرجان، وحسن ومرقص، وبوبوس، وأخيرا زيهايمر.
في كل تلك الأفلام، كان عادل إمام مهموما هما إنسانيا في المقام الأول، بل قبل فنيا حتى، حريصا على أن يعكس اهتمامات رجل الشارع العادي في المجتمع المصري والعربي بشكل كوميدي، وشَكَّل فريق عمل ناجحا جدًا مع السيناريست وحيد حامد والمخرج شريف عرفة.
الغريب أن الزعيم طالته سهام الحقد وكان كثيرًا ما يتعرض للانتقادات بل والقضايا أيضا، حيث زعم تيار الاسلام السياسي في مصر أن عادل إمام يزدري الإسلام، كما في مسرحية الواد سيد الشغال، وفيلم الإرهابي، خاصة بعد نجاح فيلمه البارز طيور الظلام الذي فضح به ألاعيب ذلك التيار البرجماتي المتاجر بالدين، وأيضا انتقده هذا التيار محاولا تشويه صورته لدى الوعي الشعبي الإسلامي في مصر، محاولين زرع فتنة بين عنصري الأمة المصرية مسلمين ومسيحيين، وهاجمه الإسلاميون حين استشار البابا شنودة رئيس الكنيسة الأرثوذكسية القبطية المصرية، لكي يقوم بدور قسيس في فيلم حسن ومرقص، وكان سبب الانتقاد أن عادل إمام لم يستشر شيخ الأزهر حين تناول شخصيات من رجال الدين الإسلامي.
هذا الهجوم هو ما دفع محاميا اسمه عسران منصور، لرفع دعوى إلى محكمة جنح الإسكندرية، ضد عادل إمام، يتهمه بازدراء الأديان السماوية والسخرية من المقدسات ورجال الدين في أعماله الفنية، مثل أفلام حسن ومرقص ومرجان أحمد مرجان، والإرهابي، والإرهاب والكباب، وعمارة يعقوبيان، وبالفعل أحالت محكمة جنح الإسكندرية الدعوى إلى محكمة جنح الهرم في القاهرة ومحكمة جنح العجوزة في محافظة الجيزة لأن مواقع إنتاج الأعمال المدعى عليها وعرضها تقع في دائرتيها.
في 2 فبراير 2012، حُكم على عادل إمام غيابيا بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة الإساءة للإسلام، لكن الزعيم استأنف الحكم، وفي 12 سبتمبر 2012، كسب عادل إمام القضية عندما برأته محكمة جنح الهرم في القاهرة من التشهير بالإسلام في أفلامه.
في 2 فبراير 2012 قضت محكمة جنح الهرم في القاهرة بالحبس ثلاثة أشهر ودفع غرامة قدرها 1000 جنية، بتهمة ازدراء الدين الإسلامي من خلال أعماله الفنية السينمائية، وصدر الحكم برئاسة المستشار «محمد عبد العاطي»، واستند المحامي «عسران منصور» في القضية التي رفعها عليه بعام 2011 على أدواره في العديد من الأفلام مثل مرجان أحمد مرجان وحسن ومرقص والإرهابي ولكنه أكد أنه لم يكن لديه علم بهذه الدعوى التي صدر فيها حكم غيابي بحبسه وتغريمه ولم يصله استدعاء إلى المحكمة، ولم يذهب محامي للدفاع عنه في التهمة المشار إليها، مطالبًا في الوقت نفسه بضرورة احترام حرية الإبداع والتعبير الفني، وتم تأييد الحكم في 24 أبريل 2012، وفي 26 أبريل قررت «محكمة جنح العجوزة» عدم قبول الدعوى المقدمة ضده مع الكاتب وحيد حامد والمخرج شريف عرفة والمخرج نادر جلال ولينين الرملي بشقيها المدني والجزائي لأن الدعوى أقيمت «بغير ذي صفة»، وعدم وجود الجريمة فيها وتغريم رافعيها 50 جنيهاً.
وفي 12 سبتمبر 2012 قضت محكمة الاستئناف ببراءة عادل إمام من تهمة ازدراء الأديان مصرحة أنها لم تجد في أعماله إساءة إلى الإسلام أو الديانات السماوية الأخرى، فألغت الحكم بالسجن وحكمت على المدعي بتعويض المصاريف.
وختاما، من كل قلوبنا ندعو للزعيم بدوام الصحة وطول العمر، ليعيش ويمتعنا ويزيد من وعينا ويمثلنا، بعدما صار جزءا من قوة مصر الناعمة على مدار نصف قرن مضى.