أهلا «عُمان».. السلطان هيثم يدشن شراكة استراتيجية جديدة بين القاهرة ومسقط
السبت، 27 مايو 2023 08:00 ممحمود علي
التوافق على ترجيح الخيار السلمي والسياسي في تسوية النزاعات الأقليمية.. وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون الاقتصادى
يومان قضاهم السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عمان، بالقاهرة، في زيارة هي الأولى له لمصر، حملت معها الكثير من التفاصيل التي سيكون لها مردود كبير على العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى ملفات إقليمية تطلع القاهرة ومسقط بدور فاعل بها.
الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى كان في استقبال سلطان عمان، أشاد بالعلاقات الودية التاريخية التي تربط الدولتين، والتي تشكلت عبر عقود ممتدة من التضامن والتكاتف والوقوف صفاً واحداً ضد الأزمات والتحديات، مع تأكيد حرص مصر على الارتقاء بتلك العلاقات المتميزة بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين والأمة العربية بأسرها.
وفى نفس الاتجاه سار السلطان هيثم بن طارق الذى أشاد أيضاً بتميز العلاقات المصرية العمانية، وأواصر المودة والأخوة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين عبر التاريخ، مؤكداً حرص السلطنة على تعزيز أطر التعاون القائمة بين البلدين وفتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي بينهما في كافة المجالات خلال الفترة المقبلة، وذلك للبناء على النتائج الإيجابية التي تحققت في هذا الصدد خلال زيارة الرئيس السيسى إلى مسقط في يونيو 2022، فضلاً عن مواصلة التشاور والتنسيق بين الجانبين حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصةً في ضوء ما تمثله مصر من عمق استراتيجي وثقافي للأمة العربية، وعنصراً أساسياً في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
وخلال تواجده بالقاهرة، توجه السلطان هيثم بن طارق إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تفقد مسجد مصر الذي يعد احد أكبر المساجد في العالم، بسعة 107 آلاف مصلي، كما تفقد مدينة الفنون والثقافة، وهي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، واستمع إلى شرح مفصل حول دار الأوبرا، وهي الأكبر أيضا في الشرق الأوسط، حيث تستوعب نحو 2200 مقعد للجمهور، كما تضم مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة مجموعة متكاملة من المسارح وقاعات العرض المتنوعة والأوركسترا الموسيقية والمكتبات والمتاحف، مثل متحف العاصمة ومتحف الفن.
مصر وعمان تنسيق مهم ودور كبير في حل قضايا المنطقة
ودفعت الزيارات المتبادلة بين البلدين، العلاقات إلى مزيد من التعاون مكتسبه الكثير من الأبعاد المهمة والمحورية على الصعيد الثنائي، وما تمر به المنطقة العربية والعالم من أحداث وتطورات تتطلب تنسيقاً بين قيادتي البلدين، بعد مناقشتها بكل وضوح وشفافية لتجاوز الأزمات والتحديات، بالإضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وتلعب مصر وعمان دوراً مهماً في حل أزمات المنطقة، من خلال ترجيح الخيار السلمي والسياسي في تسوية النزاعات، وتتفقان على ضرورة تكثيف الجهود لتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين، وتوحيد الصف العربي.
ففي الأزمة السورية، اتبعت مصر وعمان سياسة عدم دعم أي طرف من أطراف الصراع، والحفاظ على بقايا مؤسسات الدولة السورية، والدعوة إلى حل سياسي يضمن مشاركة كل الأطياف، كما لعبت الدولتين دور مهم في تهدئة الملف اليمني، بفضل علاقاتهما الوثيقة مع كل الأطراف.
وفي الملف الليبي، تتطابق رؤى مصر وعمان على دعم جهود التسوية السلمية، والحفاظ على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول صراحة إن الدولتين تشاركان رؤية مشتركة تجاه قضايا المنطقة، وتسعيان إلى تحقيق المصالح العليا للشعوب العربية، وتحظيان باحترام وثقة من قبل مختلف الدول.
التعاون الاقتصادي يتجه إلى الشراكة الاستراتيجية
وهناك تطور كبير في التعاون الاقتصادي بين الدولتين خلال الفترة الماضية، وهو ما دفع الرئيس السيسي وسلطان عمان إلى التعبير عن الارتياح للزيادة المستمرة في معدلات النمو التجاري، مع تأكيد مواصلة تعزيز الجهود الجارية في هذا الشأن بين الجهات المعنية في الدولتين، كما تباحث الجانبان بخصوص سبل تبادل الخبرات والتجارب في تحقيق التطوير المؤسسي وتحديث الأجهزة الإدارية بالدولتين وآليات عملها على نحو يتسم بالحوكمة والرقمنة.
وشهدت زيارة السلطان هيثم بن طارق الحالية إلى مصر، توقيع عدد من الاتفاقيات في مجال التعاون الاقتصادي، حيث وقعت مصر والسلطنة، اتفاقية بشأن إزالة الازدواج الضريبي بالنسبة للضرائب على الدخل، ومنع التهرب من الضرائب وتجنبها، كما وقع الجانبان على هامش انعقاد منتدى الأعمال المصري العماني، مذكرة تفاهم بشأن التعاون في المجالات المتعلقة بالسياسات والتطورات المالية.
وأكد رئيس جهاز الاستثمار العماني عبد السلام بن محمد المرشدي أن الجهاز يعزز من خلال شراكاته الاستراتيجية مساعي حكومة سلطنة عمان وجهودها الرامية إلى توثيق علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة خاصة مصر بما يحقق المصلحة لجميع الأطراف، مشيراً إلى نقل التقنيات الحديثة إلى داخل القطاعات المحلية في السلطنة، موضحاً أن الجهاز يدير استثماراته التي تتوزع على أكثر من 40 دولة حول العالم من بينها مصر عبر محفظتين هما محفظة التنمية الوطنية ومحفظة الأجيال، لافتا إلى أن لدى الجهاز استثمارات مع القطاع الخاص المصري، معربًا عن أمله في أن تعزز زيارة السلطان هيثم بن طارق لمصر الاستثمارات المشتركة بين البلدين؛ بما يحقق المصلحة للجميع.
وتقول لغة الأرقام إن التبادل التجاري بين البلدين، سجل ارتفاعا كبيراً خلال السنة الماضية، حيث بلغ 1.023 مليار دولار أمريكي في عام 2022، مقارنة بـ 651 مليون دولار عام 2021 بزيادة مقدارها 66 %، وبلغت الاستثمارات المصرية في السلطنة 860 مليون دولار مستثمرة في 142 مشروعا عاما في مجالات السياحة والاستثمار والبنية التحتية.
وتحدث كثيراً وزير التجارة والصناعة المهندس أحمد سمير حول مدى ترابط التعاون الاقتصادي مع عمان في الفترة الأخيرة، مؤكداً أن مصر وسلطنة عمان تعملان سويا للارتقاء بالعلاقات الأخوية الممتدة لعقود طويلة في كل المجالات، لاسيما التجارية والاستثمارية، لافتا إلى أن مصر ترتبط مع سلطنة عمان بعلاقات تاريخية واستراتيجية وتعد هذه العلاقات نموذجا يحتذى به للعلاقات بين الأشقاء.
وأضاف سمير أن العلاقات الاقتصادية المصرية - العُمانية، علاقات وثيقة واستراتيجية، تقوم على تعزيز التعاون التجاري والصناعي والاستثماري المشترك بين البلدين، وتستهدف تعزيز معدلات النمو الاقتصادي لمصر وعمان،ـ منوهاً بأن الجانبين المصري والعُماني يقومان حاليا بجهود حثيثة ومستمرة لتقوية العلاقات الاقتصادية والاستثمارية؛ بما يخدم المصالح المشتركة ورفع حجم التبادل التجاري بينهما من خلال دور الغرف التجارية ومجلس رجال الأعمال العماني المصري لاستشراف فرص التعاون المُتاحة في المجالات التي يتمتع بها البلدان بميزة نسبية كالسياحة والإنشاءات والتعدين وغيرها من القطاعات الواعدة.
وأضاف" نهدف إلى الارتقاء بالتجارة البينية والاستثمارات من خلال تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين؛ بما يرتقي بالعلاقات الاقتصادية التي تنعكس على خدمة شعبي البلدين"، موضحاً أن الهدف توسيع مشاركة القطاع الخاص والاستفادة من حوافز الاستثمار منها الرخصة الذهبية وتيسير الحصول على الأراضي لإقامة المشروعات وجذب الاستثمار العماني عبر الاستثمار في منطقة قناة السويس ومشروعات الطاقة النظيفة، مشيرا إلى أن مصر تعد نقطة انطلاق للنفاذ إلى الأسواق الإفريقية، وهذه ميزة سيستفيد منها المستثمر العماني.
إشادة عمانية كبيرة بنجاح الاقتصاد المصري
وخلال زيارة السلطان العماني إلى القاهرة، تعددت الإشادات العمانية بما أنجزه الاقتصاد المصري من تطور وتحسن على المستوى الدولي، حيث أكد سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية العُماني أمام منتدى الأعمال المصري العُماني اعتزاز سلطنة عُمان بما وصلت إليه مصر من تقدم وازدهار في شتى القطاعات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن مصر تبوأت اليوم مكانة مرموقة بين أهم اقتصادات الوطن العربي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقال وزير المالية العُماني إن البنك الدولي رفع توقعاته بنمو الاقتصاد المصري بنسبة تجاوزت 4%، وهي ماضية نحو تحقيق رؤيتها ببناء اقتصاد تنافسي ومتنوع، مضيفًا أن الطموح المصري يتواءم مع الطموح العُماني الذي تجسده رغبة سلطنة عُمان نحو تحقيق الرفاهية والرخاء والازدهار، حيث قامت حكومة سلطنة عُمان بفضل توجيهات السلطان هيثم بن طارق بإجراء العديد من الإجراءات لتسهيل ممارسة الأعمال في سلطنة عُمان وتحسين بيئة الأعمال.
وأوضح أن الشراكة المصرية العُمانية يمكن أن تُؤسس على قواعد أكبر من العمل المتكامل بين البلدين، ليس على المستوى السياسي والتاريخي والثقافي فحسب، بل على مستوى الانفتاح الاقتصادي، والتبادل التجاري، والتعاون الاستثماري، مؤكداً أن هناك رغبة جادة في بناء شراكة متينة في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التي تهم البلدين الشقيقين، والسعي الواضح نحو تعزيز جهود الاستثمار والتبادل التجاري بما يعكس الميزة النسبية والميزة التنافسية بينهما تحقيقا للتكامل الاقتصادي المنشود بينهما.